آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 35527 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 24382 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 30749 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 32217 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 65615 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 59825 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 51692 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 34111 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 34347 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 40264 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-14-2012, 01:25 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


التوحيد دعوة الرسل

التوحيد دعوة الرسل

نبذة مختصرة: شريط التوحيد دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام يتضمن هذا الإصدار عدة محاور وهي:منزلة التوحيد من الدين، حقيقة التوحيد، فضائل التوحيد، حقيقة الشرك وخطره، بعض نواقض التوحيد
الإصدار لنخبة من العلماء وهم
الشيخ عبد الله بن حميد، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين والشيخ صالح اللحيدان، والشيخ صالح الفوزان، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ صالح آل الشيخ



روائع تلاوات الحرمين 1426 هجري

من بيت الله الحرام ومن صلاة التراويح والقيام , ننقل لكم هذه الروائع لأئمّة الحرمين ومؤذني المسجد الحرام بمكة المكرّمة , في رمضان عام 1426هـ (مجموعة تلاوات مختارة ) إنتاج شبكة النوادر ،،، هنـــــــا



لا تنسونا من دعاءكم


Cant See Links


رد مع اقتباس
قديم 07-14-2012, 01:31 AM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: التوحيد دعوة الرسل

دعوة الرسل واحدة
كان النداء الأول لكل رسول: {يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ}. ؛ فبهذا دعا قومه نوح ، وهود ، وصالح ، وإبراهيم ، ولوط ، وشعيب وكل رسول بعث إلى قوم مكذبين قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}.وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}.وقال تعالى بعد أن ذكر قصص طائفة كبيرة من الأنبياء: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}.وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ {51} وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ {52}.

وقد أمر الله نبيه محمداً  بذلك فقال: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ {99} أي الموت. كما قال تعالى على لسان قوم: {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ {46} حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ {47}}‏ وهو الموت ؛ فالتكليف بالعبادة لازم له حتى يلقى ربه.ولم تسقط عنه بسمو الروح ، ولا بالاتصال القوي بالله كما يدعي غلاة الصوفية [مثل محمود محمد طه المقتول على الزندقة].
وقال تعالى في شأن عيسى بن مريم الذي رفعه قومه إلى مرتبة الألوهية: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا{172} }؛ فالأديان كلها دعوة إلى عبادة الله وحده. والأنبياء جميعاً أول العابدين لله. فعبادة الله وحده هي مهمة الإنسان الأولى في الوجود كما بينت ذلك كل الرسالات ، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيه} فقد دلت الآية الكريمة وما في معناها على وحدة الهدف والعقيدة التي هي محور دعوة جميع الرسل من لدن نوح عليه الصلاة والسلام إلى خاتمهم وأفضلهم نبينا محمد ، الذي بعثه الله رحمة للعالمين ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، ولينقذهم من أوحال الشرك ، وأدران الوثنية .
أبو الخطاب الحربيابي السلفي


رد مع اقتباس
قديم 07-14-2012, 01:38 AM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: التوحيد دعوة الرسل

محور دعوة الرسل والمزاحمات المعاصرة - رؤية تأصيلية
سلطان العميري
10شوال1431هـ

من أظهر الأمور الدينية: أن المهمة الأولى لدعوة الرسل والهدف المركزي فيها هو تعبيد الناس لله تعالى، وغرس التعلق به في كل حياتهم، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ }[النحل:36].
فمقصد بعثة الرسل وأساس دعوتهم ومنتهى أعمالهم وغاية جهادهم وقطب الرحى في حياتهم والفكرة التي حولها يدندنون، ومنها يقصدون وإليها يرجعون، وفيها يبذلون هي: عبادة الله وحده، وغرس فكرة العبودية في عقول الناس وقلوبهم، وإنكار عبادة كل ما سواه من الأوثان وغيرها.
والذي يحاول أن يدقق النظر قليلا في طريقة القرآن في شرحه لمهمة الرسل يجد أنه اختار لفظ " العبادة " ومفهوم " العبودية " ليجعله مرتكز دعوة الرسل ؛ وسبب ذلك: هو أن هذا اللفظ وذلك المفهوم يتضمن معاني لا يتضمنها غيره من المفاهيم، وله وظيفة لا يؤديها مفهوم آخر كما يؤديها هو، فمفهوم العبودية يتضمن معنى الحب والخوف والرجاء والإجلال والذل، فأصل معنى العبادة يرجع إلى الذل والخضوع، وهي عبارة عما يجمع غاية الحب مع غاية الخضوع للمعبود، يقول ابن تيمية: (العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب فهي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له)(10/153)، ويقول منبهاً على العلاقة بين الحب والذل في مفهوم العبادة: (من خضع لإنسان مع بغضه له لا يكون عابدا له، ولو أحب شيئا ولم يخضع له لم يكن عابدا له، كما قد يحب ولده وصديقه، ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء، بل لا يستحق المحبة والذل التام إلا الله) (10/153).
ولأجل هذا أكثر القرآن في بيان دعوة الرسل من ذكر اسم الله واسم الإله ؛ لأن هذا الاسم يؤدي إلى نفس المضمون التي تتضمنه العبودية (فالإله هو الذي تألهه القلوب عبادة واستعانة ومحبة وتعظيما وخوفا ورجاء وإجلالا وإكراما).
وهذا يؤكد على أن المعْلَم الذي أبرزه القرآن ليكون أساس دعوة الرسل ومحور رسالتهم هو مفهوم العبودية، الذي يتضمن معنى الحب والرجاء والخوف لله تعالى، وهذا يجعل العلاقة بين الله وبين خلقه قائمة على معاني روحية متدفقة، تنبع من داخل الأعماق وتفيض على جميع جوانب الحياة، فهي علاقة أعمق وأدق من كل المعاني الأخرى التي تزاحمها، ولهذا لهج القرآن بذكر أوصاف الله تعالى وأسمائه، التي تقتضي تعلق قلوب العباد به سبحانه بالحب والرجاء والخوف والإجلال والتعظيم، فهذه المعاني الروحية الجملية هي التي جعلها القرآن محور دعوة الرسل، وهي التي سعى القرآن إلى تجذيرها في عقول الناس، وبذل كل السبل في ذلك.

فلم يراع القرآن حين أراد أن يبين مهمة الرسل في تعليق القلوب بالله تعالى معنى الهروب من استبداد الخلق للخلق كأساس، ولم يجعل مهمة الرسل المركزية بيان منزلة الحرية أو بيان حاكمية الله تعالى على الخلق، فالعباد لا يتعلقون بالله لأنه حاكم عليهم فقط، ولا يتعلقون به لأنهم أحرار ليسوا عبيدا لأحد فقط، وإنما يتعلقون به سبحانه لأنه هو الذي يستحق الحب والإجلال والذل له والخوف والرجاء منه، يتعلقون به لأنه خالقهم ورازقهم ومحسن إليهم ورحيم بهم فهو أهلٌ لأن يتعلق به، يتعلقون به لأنه متصف بالكمال من كل وجه، فهذه هي المعاني التي كانت محور دعوة الرسل وأساس منطلقهم في الرسالة، فالمنطلق الأصلي في تعلق الناس بربهم هو أنهم أدركوا كماله واستحقاقه للعبودية لا أنهم تحصلوا على الحرية وانتصروا على الاستبداد.
ونحن إذا رجعنا إلى القرآن والسنة نجد أن الشريعة أكثرت من تفعيل مبدأ العبودية في بيان العلاقة بين الله وخلقه، وكانت تستعمل الألفاظ وتبرز المعاني التي تتضمن العلاقة الروحية الرفيعة بين الله وبين خلقه، وتشيع بين المسلمين الألفاظ التي تغرس محبة الله ومخافته ومراقبته وتعظيمه، ولم تستعمل الألفاظ الأخرى التي لا تؤدي إلى تلك المعاني الشريفة كلفظ الحاكمية مثلاً.
والذي يرجع إلى نصوص الشريعة ويقرأها قراءة تأمل وتدبر، ويحاول أن يستخلص الأهداف الأصلية لدعوة الرسل سيخلص بسهولة إلى أن المرتكز الصلب في دعوتهم هو الحب الإلهي والرضا الرباني، وسيجد أن حجر الزاوية في الإسلام هو التعلق بالله تعالى والارتباط به بمفهوم العبادة دون غيره من المفاهيم.
وسيدرك أن هذا المعنى هو الغاية من الرسالات وهو المقدم على كل غاية، وسيكتشف أنه الهدف الذي ينبغي أن يكون بارزا ظاهرا للعيان، ولا يجوز لأي غرض آخر أن يزاحمه في المحورية والمركزية، وفي بيان اهتمام القرآن بمفهوم العبودية يقول ابن القيم: (غالب سور القرآن، بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد –توحيد الخبر وتوحيد الإرادة- بل نقول قولاً كلياً: إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه، فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع كل ما يعبد من دونه فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره، فهي حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب، فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد، فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم)(المدارج 3/449)، فالقرآن كله مشتغل بالله تعالى، حتى يتعلق الناس به وينصرفوا عن كل ما سواه.
فالقرآن لما أراد أن يبين الغاية من خلق الناس أبرز مفهوم العبودية للعيان، فقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون}[الذاريات:56].
ولما ذكر القرآن مناظرات الرسل لأقوامهم بين أن كل رسول يبدأ أول ما يبدأ في دعوته لقومه بالدعوة إلى العبودية لله، فقال عن نوح: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم}[الأعراف:59]، وقال عن هود: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُون}[الأعراف:65]، وقال عن صالح:{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }[الأعراف:73]، وقال عن شعيب: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين}[الأعراف:85], وواضح من طريقة شعيب في دعوته أنه جعل الدعوة إلى العبودية محوراً أساسياً ثم بعد ذلك بين لوازم هذه العبودية.

ولما أراد القرآن أن يبرز صفات المؤمنين أظهر الصفات المتعلقة بمفهوم العبودية المتضمنة للحب والخوف والرجاء، فقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون **الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون **أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم}[الأنفال:2-4]، ونبه على أن هذه هي أوصاف المؤمنين سواء كانوا في حالة الاستضعاف أو في حالة القوة، كما قال سبحانه: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُور}[الحج:41]، والمراد بالمعروف هنا: هو كل ما هو عبادة لله تعالى، والمراد بالمنكر: كل ما هو معصية له سبحانه، وقد كرر القرآن كثيرا الصفات التي يتحلى بها المؤمنون، فذكر قيام الليل والجهاد في سيبل الله والخوف من القيام بين يديه.
بل إن الوصف الذي اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم لنفسه هو وصف العبودية، كما قال: ((أفلا أكون عبدا شكورا)) وقال: ((ولكن قولوا: عبد الله ورسوله)) ولم يكن يصف نفسه بالحرية ولا الثورة على استبداد الكفار، وما أكثره وأغلظه في زمنه!
وحين ذكر القرآن نعيم المؤمنين في الجنة كان يعلقهم بالله تعالى مباشرة، فغاية نعيم أهل الجنة هو النظر إلى وجهه الكريم، ولما ذكر أصول الأعمال التي تؤدي إلى دخول الجنة كانت كلها راجعة إلى العبودية لله تعالى، ولم يذكر منها الحصول على الحرية أو الثورة على الاستبداد.
وكذلك لما ذكر تعذيب الكفار، وأصول الأعمال الموجبة لدخول النار لم يجعل المناط المؤثر فيها إلا فقدان معنى العبودية لله تعالى وترك أفعال الطاعة كما قال سبحانه: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَر **قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين** وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِين **وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِين **وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّين **حَتَّى أَتَانَا الْيَقِين}[المدَّثر:41-47]، ولم يجعل من أصول ما يوجب دخول النار الخضوع للاستبداد ولا ترك الحرية، ولا فقدان الحاكمية، نعم نبه القرآن على أن بعض – لا كل – من بقي على الكفر ولم يدخل في الإسلام حتى دخل النار كان نتيجة تقليده لرؤساء قومه، ولكن الشريعة لم تجعل المناط المؤثر إلا ترك العبودية لا غيره.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحث أصحابه على الأعمال الصالحة وعلى المزيد من العبودية لله تعالى يعلقهم بربهم وبالمعاني القلبية المتدفقة، فكان يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليفعل كذا وكذا، ولم يقل يوما ما: من كان حرا أبيا فليفعل كذا، أو من كان متحرراً من استبداد البشر فليقل كذا، مما يدل على أن الهدف المركزي الذي يسعى إلى غرسه في قلوب الصحابة هو العبودية لله، والتعلق به بالحب والخوف والرجاء.
وحين بين النبي صلى الله عليه وسلم أمر الدين، وبين مبانيه الكبرى ولخص أصوله لما سأله جبريل عن الإسلام والإيمان والإحسان، لم يذكر إلا ما يدل على أن الغرض الأصلي للدين هو العبودية لله تعالى ومراقبته في السر والعلن، فهذا هو المعنى الذي تتمحور عليه كل الرسالات، وهو ما وصى الله به كل الرسل، كما قال سبحانه: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيب}[الشورى:13].
ومن لطيف استعمالات الشريعة أنها لما أرادت التنفير من التعلقات الأخرى المزاحمة للتعلق بالله تعالى استعلمت لفظ (العبودية) كما قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين}[يس:60], وكما قال سبحانه: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون}[يونس:18], وكما قال سبحانه: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً}[الفرقان:43]، وكما قال صلى الله عليه وسلم: ((تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار....))، كل هذا حتى يتشرب الناس مفهوم العبودية المتضمن للحب والخوف والرجاء لله تعالى، وينفرون من تعليق هذه المعاني بغيره سبحانه.
ومن لطيف طريقة القرآن في بناء العبودية لله تعالى أنها لم تجعل الأصل في منطلق الدعوة إلى عبودية الله تعالى إلا بيان الكمالات التي اتصف بها الله تعالى والتي توجب تعلق القلوب به، ثم كملت ذلك ببيان الخلل في التعلقات الأخرى.
فهذه الاستعمالات وغيرها كثير في القرآن والسنة كلها تصب في معنى واحد، وهو أن المرتكز الذي تقوم عليه دعوة الرسل هو تعليق الناس بالله بمفهوم العبودية، وأن كل الأغراض الأخرى التي جاءت الشريعة لتحقيقها إنما هي تابعة لهذا الغرض الأصلي، فالهدف الذي يتربع على رأس الهرم في دعوة الرسل هو مفهوم العبادة.
وليس المراد من الكلام السابق اختزال دعوة الرسل في الدعوة إلى العبودية فقط، ولا اختزال مفهوم العبودية في العبادات المحضة، فلا شك أن الشريعة جاءت بالدعوة إلى أغراض أخرى تتعلق بحياة الناس وأحوالهم، فمن أغراض الشريعة ترتيب دنيا الناس، وإزالة الظلم عن المظلومين، والدعوة إلى العدل، وتقنين معاش البشر، ولكن كل تلك الأغراض متأخرة عن غرض العبودية ومنخفضة عنه في المرتبة ولا يصح أن تزاحمه أو تساويه، فلفظ العبادة يتضمن معاني ويستلزم أخرى، ومن ضروريات التأصيل الشرعي أن نفرق بين المعاني المتضمنة فنجعلها الأساس وبين المعاني المتضمنة ونجعلها التابع.
*** *** ***
ومع وضوح هذا الأمر وتجليه في الظهور إلا أنه لم يسلم من المضايقات، فقد غدونا نسمع من هنا وهناك دعوات تزاحم مفهوم العبودية ومرتكز لدعوة الرسل، وقد توالت أصوات عديدة في السعي إلى ذلك، ومن تلك المزاحمات:
الأولى: مزاحمة مفهوم العبادة بالدعوة إلى فكرة الحاكمية، فقد ظهرت في أوائل عصرنا الحديث دعوة تقصد إلى إرجاع مفهوم العبودية إلى معنى السلطة والحاكمية، وتجعل جوهر دعوة الرسل يعود إلى تكريس فكرة الحاكمية، ويعد أبو الأعلى المودودي هو أول من أظهر هذه الفكرة وسعى إلى بنائها، وفي هذا المعنى يقول: (خلاصة القول: أن أصل الألوهية وجوهرها هو السلطة، سواء أكان يعتقدها الناس من حيث حكمها على هذا العالم حكم معينين على قوانين الطبيعة، ومن حيث أن الإنسان في حياته الدنيا مطيع لأمرها وتابع لإرشادها، وأن أمرها في حد ذاته واجب الطاعة والإذعان، وهذا هو تصور السلطة الذي يجعله القرآن الكريم أساسا لما يأتي به من البراهين والحجج على إنكار ألوهية غير الله، وإثبات الألوهية لله تعالى) (المصطلحات الأربعة 23).
وجعل ألوهية الله تعالى كلها ترجع إلى مفهوم الحاكمية على الخلق، وبالتالي فمفهوم العبودية يرجع إلى الحاكمية، وجعل العبادات إنما شرعت لتكون طريقا لتحقيق الحاكمية.
وقد تبنى سيد قطب هذه الفكرة أيضا، وفي هذا يقول: (الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض، وعلى أخص خصائص الألوهية... وهي الحاكمية... إنها تسند الحاكمية إلى البشر، فتجعل بعضهم لبعض أربابا) (معالم في الطريق9)، ويقول عن الذين خاطبهم القرآن: (كانوا يعرفون أن توحيد الألوهية وإفراد الله بها معناه: نزع السلطان الذي يزاوله الكهان ومشيخة القبائل والأمراء والحكام، ورده كله إلى الله) (معالم في الطريق9).
بل إنه يقول: (لا إله إلا الله – كما يدركها العربي العارف بمدلول لغته – لا حاكمية إلا لله، ولا شريعة إلا من الله، ولا سلطان لأحد على أحد لأن السلطان كله لله) (معالم في الطريق31)، وقد أطال سيد جدا في إرجاع مفهوم العبودية ومعنى لا إله إلا الله إلى الحاكمية.
ونحن إذا رجعنا إلى لغة العرب نجد أن الأمر مختلف تماما عما ذكروه، فالمعنى الذي يتضمنه مفهوم العبودية يرجع إلى الذل والتعظيم والحب، ولفظ الإله في اللغة يعني: من تألهه القلوب وتحبه وتعظمه، فكل تلك المعاني معاني زائدة على فكرة الحاكمية، بل إنه لا يتضمنها.
وكذلك إذا رجعنا إلى الدلالات السابقة التي استعملتها الشريعة في بيان دعوة الرسل نجد أنها أبرزت معاني التأله والحب والخوف والرجاء والتعظيم والإجلال في العلاقة بين الله وبين خلقه، فهي معاني إيجابية تنطلق إلى تعليق القلوب بالله تعالى أولا وقبل كل شيء، فكيف يصح مع هذا أن تقتصر العلاقة على الحاكمية فقط، فالحاكمية هي أحد المعاني التي تدخل في العبودية ولكن ليست أساسها، وقد اجتهد عدد من المفكرين المعاصرين في بيان الخلل المنهجي الذي وقع فيه أبو الأعلى المودودي وسيد قطب في تفسير مفهوم العبودية، وفي شرحهم لمحور دعوة الرسل، ومن أقوى من بين ذلك الخلل: أبو الحسن الندوي في كتابه (التفسير السياسي للإسلام)، ووحيد الدين خان في كتابه (خطأ في التفسير).
الثانية: مزاحمة مفهوم العبودية بالدعوة إلى الحرية والثورة على الاستبداد ، فقد غدونا نسمع في المجالس ونقرأ في المنتديات أن الرسل إنما جاءت لتحرر الإنسان من الاستبداد، ونقرأ أن مفهوم التوحيد والعبادة يرجع إلى مفهوم الحرية، أو أن مفهوم الحرية معنى أصلي في التوحيد، ونسمع أن الإنسان لا يكون كامل التوحيد حتى يتخلص من كل أنواع الاستبداد، ونقرأ أن جوهر جهاد الأنبياء يرجع إلى الانقلاب على الظلمة، بل سمعنا من يقول إن عبودية الاستبداد تفوق عبودية الوثن، ووجدنا من يقول إن الفكرة المحورية في الأديان هي الانتصار للمستضعفين.
ولما اطلع بعض الباحثين على هذه العبارات وغيرها أخذ يقول إن أصحابها يقصدون اختزال دعوة الرسل في الدعوة إلى الحرية، وأنهم يقللون من أهمية الشرك بالله في العبادة، وأنهم يؤخرون منزلته عن الحرية.
وإذا اعتبرنا أحوال كثير من عقلاء المشتغلين بالدعوة إلى الحرية والمختصين في شأن الإنكار على الاستبداد لا نرى ذلك الوصف منطبقا عليهم، بل هو توصيف مخالف للحقيقة، فهم لم يقصدوا إلى اختزال مفهوم التوحيد في الحرية ولم يقصدوا إلى التقليل من خطورة الشرك في العبادة.
ومكمن الخطأ في نظري راجع إلى معنى آخر، وهو أن تلك العبارات يدل ظاهرها على مزاحمة مفهوم العبادة بمفهوم الحرية، ويدل على مساواة لوازم العبودية لله تعالى بالمعاني المتضمنة فيها، ونحن إذا توجهنا بالتحليل إلى تلك الأفكار، وحاكمناها إلى نصوص الشريعة، فإنا نقف في النصوص على أن المحور الأساسي الذي سعى الإسلام لغرسه في قلوب الناس هو مفهوم العبودية، ولم يركز على مفهوم الاستبداد أو الحرية كمحور ومرتكز لدعوة الرسل، نعم هناك إشارات إلى هذا المفهوم، ولكنها لا تعدوا أن تكون مجرد إشارات لا تنقله وتؤهله لأن يكون مزاحما لمفهوم العبودية، أو يكون عنصرا أساسيا فيها بحيث إذا انخرم يقع الخلل في مفهوم العبادة !، وإنما هو مثله مثل أي طاعة أخرى.
فمما لا شك فيه أن كل الطاعات تدخل في مفهوم العبودية، وكل المعاصي تدخل في مفهوم الشرك من جهة أنها نتيجة الخضوع للهوى والنفس والشيطان، ففعل الزنى – مثلا - يمكن أن نجعله من الشرك، وأنه نتيجة الخضوع لاستبداد الهوى, ولكن هذا لا يبرر لنا أن نجعل الدعوة إلى ترك الزنى محورا أساسيا في دعوة الرسل، وإنما هو تابع للمحور.
ثم إنا لو عقدنا مقارنة بين لفظ (العبادة) ومفهوم (العبودية) وبين لفظ (الحرية) ومفهوم (تحرير الإنسان من الاستبداد) لوجدنا أن مفهوم العبودية يتضمن معاني لا توجد في مفهوم الحرية، فهو يحمل معنى الحب والذل والخوف والرجاء والإجلال، وهذه المعاني لا يتضمنها لفظ الحرية، وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا يصح شرعا ولا عقلا ولا ذوقا أن نزاحم به لفظ العبادة الذي يتضمن معاني روحية عميقة بلفظ آخر مادي جاف، ولا أن نرفعه لنساويه به، وإنما يجب علينا أن نجعل مرتكز دعوة الرسل قائم على مفهوم العبودية لله، ونجعل المعاني الأخرى اللازمة له والناتجة عنه ومنها الحرية تابعة له لا مزاحمة ولا مساوية.
وهذا لا يعني أنا نمنع من استعمال لفظ الحرية في التعبير عن المعاني الشرعية بإطلاق، ولكن غاية ما يعني أنه لا يصح أن نجعله مساويا للفظ الشرعي في المعنى ولا في الدلالة المتضمنة.
ثم إنا لو طالعنا النصوص الشرعية لوجدناها تدل على أنه لا علاقة بين العبودية كمالا ونقصا وبين الحرية كمالا ونقصا، فقد يكون الإنسان كامل الدين مع أنه ناقص الحرية، فقد كان عدد من الصحابة من الرقيق والعبيد، ولا يصح أن نصفهم بنقص الدين لأنهم عبيد، فقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم بالجنة وهو حي يعيش على الأرض، بل إن الشريعة أقرت نظام الرق والعبودية، وهو من أسوأ ما يضاد الحرية، ومع هذا لم تعد الشريعة هذا النظام مناقضا لأصل مفهوم العبودية لله تعالى ولا لكماله، ولو كان كذلك لسعت إلى محاربته كما سعت إلى محاربة عبادة الأوثان، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه الرقيق ليسلم بين يديه لم يكن يقول له إنك عبد مسلوب الحرية أو ناقصها، فلا تقبل منك عبودية الله أو لا يمكن أن تكون كامل العبودية، ولم يكن يحرضه على الثورة على سيده، بل كان يقبل منه إعلانه لتوحيده.
وهذه الدلالة من أظهر الدلالات وأقواها على أن الحرية لا يجوز لها أن تزاحم العبودية، وإنما هي متأخرة عنها بمراحل كبيرة، وكذلك يدل على أن الحرية ليست معنى أساسيا في التوحيد والعبادة ؛ إذ لو كانت كذلك لما رضي النبي صلى الله عليه وسلم بوجود نظام يكرسها، ولابد لنا أن نؤكد على أن الدلالة في هذا الدليل راجعة إلى إقرار الشريعة لنظام الرق لا في إلزام السيد بالعدل مع عبده، فإن المطالبة بالعدل معه وبترك ظلمه لا يرفع عنه كونه مسلوب الحرية التي تميز بها العبد الذي ليس برقيق.
ودلت النصوص الشرعية على أنه إذا تعارض حفظ الدين مع ما ينقص حرية الناس ويوقع عليه الاستبداد، دلت على أنه يجب تقديم ما يحفظ الدين للناس، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((خيار أئمتكم من تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون، عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك، قال: لا ما أقاموا لكم الصلاة)) (مسلم 1855).
وهذا المعنى – وهو أن مفهوم الحرية والثورة على الاستبداد لا يصح أن يزاحم مفهوم العبودية وأنه ليس معنى أساسيا في نفيها– هو ما فهمه العلماء والفقهاء والمحدثون الذين ثاروا على الاستبداد وعلى الظلم والبغي وأكل أموال الناس بغير حق، فإنهم لما ثاروا على دولة بني أمية لأجل ما حصل منهم من استبداد، لم يقل أحد منهم الحرية أو الثورة على الاستبداد هو أساس دعوة الرسل ولم يجعل أحد منهم الدعوة إلى الحرية هو جوهر التوحيد، ولم يقل أحد منهم إن الحرية من أصول المعاني العبادية، أو أن من لم يثر على الاستبداد توحيده ناقض وعبوديته مخرومة، كل ذلك لم يحصل منهم، وإنما قدروا الانحراف قدره وأنزلوه منزلته.
ونحن هنا لا نريد أن نقلل من أهمية الدعوة إلى محاربة الاستبداد ولا إلى إزالة الشرعية عن مشروع المطالبة بحقوق الأمة المسلوبة، فالدعوة إلى ذلك عمل شرعي واجب على عموم الأمة.
بل إن محاربة الاستبداد والمطالبة بحقوق الأمة يكون في كثير من الأحوال أولى وأوجب شرعا من الدعوة إلى محاربة بعض البدع التي لا تقدح في أصل الدين.
وإن الإنسان الحريص على الاكتمال في مشروع الإسلام الكبير يسعد حين يرى من يقوم بهذا الواجب الكفائي، تأصيلا وبيانا وتطبيقا، فلا يشك عاقل فضلا عن عارف بنصوص الشريعة أن هذا عمل جليل فاضل، ولا يشك عارف بالواقع في أن ما سلب من حقوق الأمة شيء كبير جدا، يوجب علينا مساندة من تكلف بالعمل فيه ومعاونته، ولكن هذا كله لا يبرر لنا أن نرفع من قدر الثورة على الاستبداد حتى نجعلها مزاحمة لمقصود العبودية لله تعالى، ولا يبرر لنا أن نجعل المعنى الأبرز في دعوة الرسل هو الثورة على الاستبداد، ولا يبرر لنا أن نجعل جوهر العبادة راجع إلى الحرية، ولا يبرر لنا أن نجعل كمال الدين مرتبط بكمال الحرية.
فمهما كان الخطأ الذي يتضمنه الاستبداد ومهما كانت الجريمة التي يتضمنها السطو على حقوق الناس، فهذا لا يبرر لنا أن نرفعها فوق القدر الذي تستحقه في الشريعة ، أفرأيتم لو أن مجتمعا ما شاعت فيه فاحشة الزنى شيوعا كبيرا، فهل هذا الشيوع يبرر لمن أدرك خطورة هذه الفاحشة وأراد إصلاح ذلك الفساد أن يجعل محاربة الزنى محورا أساسيا في دعوة الرسل؟! ويصور للناس أن الرسل إنما جاءت حتى تمنع الزنى؟! ويستدل على ذلك بقصة لوط عليه السلام، أو أن مجتمعا شاع فيه الربا، فهل يحق لمن أراد أن يصلح هذا الخلل أن يجعل محاربة الربا محورا أساسيا في دعوة الرسل؟! ويصور للناس أن الرسل إنما جاءت حتى تمنع الربا؟!! ويستدل على ذلك بقصة شعيب عليه السلام.
وحين نقدم هذه الرؤية النقدية لا نريد أن ننكر على المختصين في مجال الحرية كثرة ذكرهم للظلم والاستبداد، ولا كثرة إلحاحهم على بيان خطورة السطو على حقوق الأمة، ولا نريد أن نلزمهم بالدعوة إلى التوحيد والعبادة أو بكثرة ذكره كما يفعلون مع الحرية، فإنا لو ألزمناهم بذلك لوجب علينا إلزام المشتغلين بالنحو والمشتغلين بالبلاغة والمشتغلين بأصول الفقه؛ أن يكثروا من الدعوة إلى التوحيد وبيان معانيه كما يكثر النحاة من ذكر الاسم والفعل والحرف، وكما يكثر البلاغيون من ذكر الاستعارة والتشبيه، وكما يكثر الأصوليون من الواجب والمندوب والقياس والنسخ، وهذا ما لم يقل به أحد.
فليس محل النقد إذن اللهج بمبدأ الحرية ولا كثرة الاشتغال به ولا التخصص فيه، وإنما ينحصر محل النقد في استعمال العبارات التي تجعل الدعوة إلى الحرية والثورة على الاستبداد محورا أساسيا في دعوة الرسل، ويدخل في النقد استعمال العبارات التي توحي باختزال مهمة الرسل في الدعوة إلى الحرية حتى قال بعض الكتاب: (إن عبودية الاستبداد تفوق عبودية الوثن).
فهي دعوة إلى التوازن في الطرح وتقدير كل شيء قدره بميزان الشرع.


رد مع اقتباس
قديم 07-14-2012, 01:50 AM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: التوحيد دعوة الرسل


دعوة الرسل

موقع القرضاوي


القرآن يحثُّ دائمًا على الاعتبار بالتاريخ، تاريخ الماضين، هو مدرسةٌ نتعلَّم منها، ونستفيد منها الدروس دائمًا، ولذلك يقول الله سبحانه: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}...
البتراء في الأردن
د. يوسف القرضاوي

{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ *قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ * وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ * مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ}

الالتفات من أسلوب القرآن البلاغي:

هل هذه الآيات تكملة وتتمَّة لخطاب موسى لقومه، أم هي بيانٌ استئنافي، أو ما يُسمِّيه علماء البلاغة: التفاتًا لموضوع جديد؟!

بعض المُفِّسرين مالوا إلى أنه من تتمَّة كلام موسى. والبعض قال: لا، هو كلام جديد.

وأنا مع هذا القول الثاني؛ فقد انتهى كلام موسى، وبدأ القرآنُ في خطاب جديد للمشركين، بدليل أنَّ الخطاب لقوم يكفرون بالله، ويكفرون بالرسل. وقومُ موسى ما كفروا بالله ولا برسولهم، هم يقولون: {إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} مما يدلُّ على أنهم كَفَرة ومُكذِّبون.

حثُّ القرآن على الاعتبار بالتاريخ والسَّيْر في الأرض:

فهو ابتداء كلام من جديد، يوظَّف فيه التاريخ لخدمة الرسالة، والتاريخ مَخْزِنُ العبر، وذاكرة الأمم. والقرآن يحثُّ دائمًا على الاعتبار بالتاريخ، تاريخ الماضين، هو مدرسةٌ نتعلَّم منها، ونستفيد منها الدروس دائمًا، ولذلك يقول الله سبحانه: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [النمل:69].

{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [آل عمران:137].

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46].

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [غافر:82].

فهو يطلبُ منا أن نسيرَ في الأرض، نرحل مُشَرِّقين ومُغَرِّبين، وننظر في آثار الأمم ونستفيد منها.

مصيرُ الأمم المُكذِّبة:

الأمم التي كذَّبت رُسُل الله، وعَصَتْ رُسُلَ الله، واتَّبعت ما كان عليه الآباء، ورفضت التوحيد. ماذا كان مصيرها؟

التاريخ يُحدِّثنا أنَّ مصيرها كان هو الهلاك. فهو هنا يقول: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ } النبأ هو: الخبر ذو الشأن. وهذه أخبار لها شأن، لأنها تتعلَّق بأُمم صَدُّوا عن رُسل الله، ووقفوا ضدَّ الرسالة.

الله سبحانه وتعالى من لطفه وفَضْله ورحمته وحكمته لم يَدع الناس هَمَلاً، ولم يتركهم سُدىً، بل أرسل إليهم رُسُلاً مُبشِّرين ومُنْذرين، ومُنبِّهين ومُعلِّمين: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165].

حاجة العقل البشري إلى هداية الوحي:

كان الناس في حاجة إلى مَنْ يأخذ بأيديهم ليعرِّفَهم ما يُحبُّ الله وما يكرهه، وما يرضاهُ وما يَسخْطه، لم يكتفِ بالعقل وحده، لأنَّ العقل وحده قد يضل الطريق، قد لا يهتدي إلى سواء السبيل. رأينا كبار الفلاسفة يقعون في أخطاء كبيرة، حتى لا يعرفون حقَّ الله عزَّ وجل ومقام الله جلَّ جلاله. أكبر فلاسفة اليونان (أرِسْطوطاليس) يقول: (إنَّ الله لا يعلم في الكون شيئًا، ولا يَحُلُّ فيه، ولا يعْقد، ولا يُدَبِّر فيه أمرًا، الله لا يعلم إلا ذاتَهُ، إنما هذا اسمه عالم الكون، والفساد لا يعلم فيه شيئًا).

حتى إنَّ مؤرخ الفلسفة – مؤرِّخ أمريكاني مشهور- أرَّخ للتاريخ في كتاب شهير اسمه: (قصة الحضارة) (1)، وله كتاب آخر اسمه: (مباهج الفلسفة).

يقول في (مباهج الفلسفة): (يا لإله أرِسْطو من إلهٍ مسكين، إنه لا يعمل في الكون شيئًا، ولا يُدبِّر فيه أمرًا، إنه مثل ملك الإنجليز يملك ولا يحكُم). فهذا إله أرِسْطو لا يعرف شيئًا في هذا الكون إطلاقًا. وهناك فيلسوف ثاني اسمه (أفلاطون) - إذا كان إله أرسطو لا يعرف إلا نفسه، فإله أفلاطون لا يعرف نفسه.

هؤلاء فلاسفة كبار، ولكنهم انحدروا إلى هذا المستوى من الفهم لمقام الله عزَّ وجل!!

ومن هؤلاء الفلاسفة مَنْ يقول بفلسفة اللذَّة، ومَنْ يقول بفلسفة المنفعة، ومَنْ يقول بفلسفة القوة، ومَنْ يقول: إنَّ الإله مات والإنسان عليه أن يفعل ما يشاء – (نيتشة) وغيره من الفلاسفة – واختلفَ بعضهم مع بعض وناقض بعضهم بعضًا، هذا يُثبت، وهذا ينفي، وهذا يُحق وهذا يُبطل، حتى قال أحد أساتذة الفلاسفة: (إنَّ الفلسفة لا رأي لها؛ لأنها تعطي الشيء ونقيضَه) هذا يقول شيئًا، والثاني يقول بخلافه تمامًا.

ولذلك كان الناس في حاجة إلى شيء يعين العقل، لأنَّ العقل وحده لا يستطيع أن يهدي الإنسان سواء السبيل.

رأينا العرب في جاهليتهم هداهم العقل إلى أن يئدوا البنات:{وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } [التكوير:8، 9]. قتلوا الأولاد من إملاق، أو خشيةَ إملاق -بنين وبنات– إما من فقر واقع، أو خوف فقر متوقَّع!

رأيناهم يفعلون هذا، ورأينا الأمم تفعل أشياء غريبة جدًّا، لهذا كان الناس في حاجة إلى رسالة، إلى وحيٍ من الله عزَّ وجل. الوحيُ هذا يُرشد العقل إذا انحرف، ويهديه إذا ضل، ويُصوِّبه إذا أخطأ.

خطأ الحواسّ وتصحيح العقل لها:

هناك هدايات عدَّة: هداية الحواس – ربنا أعطانا الحواس الخمس: البصر، والسمع، والشمّ، واللمس، والذوق. هذه الحواسّ الخمس قد تُخطأ، ما الذي يُصَحِّح خطأها؟ العقل.. يعني أنت قد تنظر إلى النَّجم في السماء فيتهيَّأ لك أنه كالكرة الصغيرة.

والنَّجْمُ تستصغرُ الأبصارُ رؤيتَهُ والذَّنْبُ للطَّرف لا للنَّجْم في الصِّغرِ (2)

فهذه النجمة التي في عينيك صغيرة، هي أكبر من الأرض بملايين المرات... عشرات الملايين... مئات الملايين... علم الفلك والرياضيات وحساب الرياضيات أوصلهم إلى هذا.

يمكن أن ينظر أحدنا إلى الظل فيراه ساكنًا - حسب البصر- الظل ساكن، بعد دقائق الظل تحرَّك، إذن لم يكن ساكنًا، هو يتحرَّك ببطء، ولكن البصر لا يراه.

يمكن للبصر أن يرى في الصحراء السَّراب يحسبه ماءً، حتى إذا أتيت الموضع الذي رأيت فيه ماء لم تجد عنده ماء ولا شيئًا، فهذا البصر هو أقوى الحواس يمكن أن يخدعك، ما الذي يُصحِّح خطأ الحواس؟ العقل..

فإذا أخطأ العقل ما الذي يصحِّحه؟ الوحي.. فالوحُي كان نورًا على نور، زيادة على نور الفطرة، ونور العقل كان نور الله.

عجائب الطاقة الإنسانيَّة:

وليس بعجيبٍ أن يُوحيَ الله إلى البشر، ما العجيب في هذا؟! {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ } [يونس:2]. ما العَجَب في هذا؟!

العَجَب أن يكون الإنسان عنده قدرة على أن يَتلقَّى وحيَ الله! الإنسان أعطاه الله طاقات عجيبة، بعض الناس عنده طاقة جسميَّة يحمل مائتين وستين كيلوجرام، ناس عندهم قدرة، كالذي يجرُّ سيارة بأسنانه، طاقات عجيبة في الإنسان، ولعلكم رأيتم بعض هذه الأعاجيب.

الأستاذ أحمد حسين ألف كتابًا سمَّاه: (الطاقة الإنسانية) (3)، وذكر من عجائب الطاقة الإنسانيَّة الشيءَ الكثير الكثير.. فما الذي يُدهش الإنسان أن تكون عنده طاقة روحية، يستطيع أن يتلَّقى بها كلامَ الله ووحيَ الله عزَّ وجل، أو من ناحية الربوبية ما الذي يُعجز الله أن يخاطب الإنسان بكلام يُسمعه إيَّاه؟ ليس هذا بعجيب.


نعمة إرسال الرسل وموقف أقوامهم منهم:

فإرسال الرسل نعمةٌ من الله عزَّ وجل ورحمة منه، وهي تدلُّ على تمام حكمة الحكيم، الذي يُريد أن يوصلَ الهداية الكاملة إلى الناس، فلم يكتف بعقولهم وحدها ولا بضمائرهم وحدها، ولكنْ أرسل لهم - مع هذا العقل العام بمثابة العقل البشري – الوحي، النبوة، الرسالة.

هؤلاء الرسل جاءوا إلى أقوامهم، ولكن للأسف نرى كثيرًا من الأقوام كذبوا الرسل، ومن هنا كان هذا الخطاب: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ} أمَا جاءكم أخبار هؤلاء الأقوام؟ وكيف وقفوا ضدَّ الرسل الذين أرسلهم الله لهم، وكذَّبوهم:{وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا}[نوح:21]، {وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}[هود:59].قوم نوح: {اتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا}[نوح:21]. وعاد قوم هود:{اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } [هود:59].

وقوم فرعون: {اتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ }[هود:97].

كَذَّب هؤلاء الرسل، ألم يأتكم نبؤهم؟ نبؤهم فاضَت به الأخبار، وعرفه القاصي والداني، خصوصًا هؤلاء الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه.

الاستفادة من تاريخ الرسل وأممهم:

قومُ نوح هم الذين أغرقهم الطُّوفان، وقصةُ الطوفان معروفة عند البشر جميعًا، ولذلك يعدُّ سيدنا نوح أبا البشرية الثاني، لأن آدم يعدُّ أبا البشرية الأول، ونوحًا أبو البشرية الثاني: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ }[الصافات:77].
فقوم نوح جاء الطُّوفان فأغرقهم، وكذلك عاد وثمود، وقصَّتهم على وجه الخصوص معروفة عند العرب؛ لأنَّ كُلاً من عاد وثمود هم قوم من العرب، يسمّون العرب البائدة الذين بادوا، ودَرَستْ آثارهم، ولذلك يقول الله تعالى: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ } [العنكبوت:38 ]. تمرُّون على مساكنهم.

عاد كانوا في الأحقاف: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ} [الأحقاف:21].

في جنوب الجزيرة هناك إقليم اسمه إقليم الأحقاف – حتى الآن – وثمود: مدائن صالح. مَنْ يذهب إلى تبوك يمرُّ بمدائن صالح.

والنبيُّ - عليه الصلاة والسلام – هو والصحابة لمَّا ذهبوا في غزوة تبوك مرُّوا بحِجْر ثمود، وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تدخلوا على هؤلاء المُعذَّبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم ما أصابهم" (4) .

{وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} [العنكبوت:38]، ولذلك قال الله تعالى في أواخر هذه السورة:{وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ }[إبراهيم:45] فهو يُذكِّرهم بهذا التاريخ، لا بد أن يستفيدوا من تاريخ الأمم وتاريخ الرسل.

{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ} (5)

القوم المُهْلَكون:

قوم نوح أهلكهم الطُّوفان، وثمود – قوم صالح- أهلكوا بالصَّيْحة، وعاد – قوم هود – أهلكتهم الريح: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ*وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ*سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 5-7].
والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله:


هناك قوم إبراهيم، وهناك قوم لوط – المُؤْتفكات أو المُؤْتفكة – الذين جَعَلَ الله قريتهم عاليَها سافلَها، وأمطر عليهم حجارةً من سجيل منضود.

وهناك قومُ مَدْيَن، وهناك قومُ فرعون، كلُّ هؤلاء جاءوا من بعد عاد وثمود:{لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ}، كناية عن أقوام كثيرين، وليس من شأن القرآن أن يُعنى بتفصيل هؤلاء، لأنَّ المهم هو العبرة.

فالذين كذَّبوا رُسلَهم وعَصَوْا ربَّهم ماذا كان مصيرهم؟ كان مصيرهم العذاب والهلاك، هَلَكوا لم تُغْن عنهم حُصونُهم من الله شيئًا، لم تُغْن عنهم قصورهم، لم تُغْن عنهم قوتَّهم: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت:15].
{جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}

الرسل سفراء عن الله عزوجل:

الرسلُ جاءتهم بالبيِّنات، وهي الآيات البيِّنات التي تدلُّ على صدقهم، وصحَّة نبَّوتهم، وأنهم لا يُمثِّلون أنفسَهم، وإنما يُمثِّلون الإرادة الإلهيَّة.

الرسولُ هذا بمثابة سفير يُمثِّل السماء في الأرض، كما نرى في عصرنا، السُّفراء يمثِّلون دولَهم، وأي سفير يأتي إلى دولة لكي تعرف الدولة أنَّ هذا جاء من البلد الفلاني ومن الدولة الفلانية، لا بدَّ أن يقدِّم أوراق اعتماده التي تدلُّ على أنه يُمثِّل هذه الدولة، والرسلُ حينما يأتون يقولون: نحن جئنا من قِبَلِ الله سبحانه، رسل مبعوثون من عند الله. نقول: ما الدليل على هذا؟{فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء:154]. فلا بدَّ أن يأتي بالآيات البيِّنات التي تدلُّ على أنه مبعوث العناية الإلهيَّة، وأنه لا يتكلَّم من عند نفسه، وإنما يتكلَّم بوحيٍ من ربه.

مجيء الرسل بالآيات الواضحات:

فكلُّ رسول معه من الآيات البيِّنات ما يدلُّ على صدقه، وهي قد تكون معجزة – آية خارقة– يُحيي الموتى، يبرأُ الأكمه والأبرص، أو العَصَا تنقلب حية...إلخ.

وقد تكون شيئًا آخر، سيرته نفسها تدلُّ على صدقه، القرآن لم يقل: أرسلنا رسلنا بالمعجزات، ولكن قال: بالبيِّنات أو بالآيات،{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا}[هود: 96].

الآية والبيِّنة: العلامة الدالَّة على صدق الرسول، قد تكون آيةً حسيَّة كونيَّة خارقة، وقد تكون آيةً أخلاقية (6). قد تكون دلالة من الدلالات التي تدلُّ على أنَّ هذا الرجل صادق وليس كاذبًا، ليس مُزيَّفًا في دعواه.

وقد تكون-البينات-: العقائد والمناهج والأحكام، جاءوا بأحكام بيِّنة، كما قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ } [التوبة:33]. هذه من البيِّنات، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [الحديد:25] فالبيِّنات إما الآيات الدالة على الصدق أو المناهج الإلهية التي تهدي البشر إلى التي هي أقوم.

--------------------------------

(1) هو كتاب موسوعيّ تاريخي، من تأليف الفيلسوف والمؤرِّخ الأمريكي (ويل ديورانت)، ويتكوّن من أحد عشر جزءًا، يتحدث فيه عن قصة جميع الحضارات البشرية، منذ بدايتها وحتى القرن التاسع عشر، وقد ترجم الكتاب إلى العربية وأصدرته المنظمة العربية للعلوم.

(2) من شعر: المعري.

(3) كتاب يبحث في إثبات الوجود الغيبي وما وراء المادة، ويعيب على الماديين غرورهم، ويضرب الأمثلة للهفوات والأخطاء التي وقع فيها علماء المادة. وقد قدّم الكتاب الأستاذ أحمد حسين، وعدّه كتاب الموسم. وقد طبع في القاهرة سنة 1962، ويقع في 512 صفحة. وللأستاذ أحمد حسين عدد من المؤلفات الأخرى، منها: تفسير فاتحة الكتاب، وجزء عم، ومطالعات في المكتبة الإسلامية، وتاريخ الإنسانية.

(4) متفق عليه: رواه البخاري في الصلاة (433)، ومسلم في الزهد والرقائق (2980)، كما وأحمد (4561)، والنسائي فى الكبرى كتاب التفسير(11274)، عن ابن عمر.

(5) (ألم يأتكم): استفهام تقريري، أي: قد بلغكم ذلك حقًا. وفي الاستفهام تعجُّب وتوبيخ للمخاطبين على عصيانهم وتجاهلهم لما يعلمون من انتقام الله. (نبؤ الذين من قبلكم) أي: نبأ إهلاك الكافرين الذين من قبلكم، وهو خبر عظيم ظاهر. ففي الآية إيجاز بالحدف.

(6) وقد تكون آية بيانية كلامية.
Cant See Links


رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:28 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir