آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 19566 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 13833 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 19942 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 21394 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 55499 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 50673 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 42579 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 24985 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 25347 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 31235 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-31-2012, 11:24 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


محاضرة في أصول الإيمان

محاضرة في أصول الإيمان


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد:

أيها الأخوة الكرام: حديثي معكم في هذه الكلمة فيما يتعلق بأصول الإيمان، وهذا موضوع اختارته الجامعة ووافقت عليه، لأنه موضوع مهم جداً؛ لأن مدار ديننا على هذه الأصول؛ لأنه سر نجاح الأمة، وسر سعادتها، وسر أمنها، وسر تقدمها، وسر سيادتها على الأمم إذا حققته في أقوالها وأعمالها وسيرتها وجهادها وأخذها وعطائها وغير ذلك.

وقد أوضح القرآن هذه الأصول في آيات كثيرة كما أوضحها نبينا عليه الصلاة والسلام في أحاديث صحيحة، وهي أصول ستة، هي أصول الإيمان، وهي أصول الدين. فإن الإيمان هو الدين كله وهو الإسلام وهو الهدى وهو البر والتقوى وهو ما بعث الله به الرسول عليه الصلاة والسلام من العلم النافع والعمل الصالح، كله يسمى إيماناً، هذه أصول ديننا الستة أوضحها الكتاب العزيز في مواضع، وأوضحها رسول الله الأمين في الأحاديث، فمما ورد في كتاب الله عز وجل قوله سبحانه: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ[1]الآية. فبين سبحانه وتعالى هنا خمسة من أصول الإيمان، وهي: الإيمان بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين. هذه خمسة أصول عليها مدار الدين ظاهرة وباطنه، وقال جل وعلا: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ[2]الآية.

فبين سبحانه وتعالى هنا أربعة أصول في قوله: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ[3]، ولم يذكر اليوم الآخر، ولكنه ذكره في الآية السابقة وفي آيات أخرى، وهذه سنة الله في كتابه ينوع سبحانه الأخبار عنه عز وجل وعن أسمائه وصفاته، وعن أصول هذا الدين، وعن شئون يوم القيامة والجنة والنار، وعن الرسل وأممهم حتى يجد القارئ في كل موضعٍ من كتاب الله ما يزداد به إيمانه وعلمه، وحتى يطلب المزيد من العلم في كل موضع من كتاب الله وفي كل حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أشار الله عز وجل إلى اليوم الآخر في آخر الآية بقوله: غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ[4].

وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا[5]، فقد أوضح سبحانه في هذه الآية أن الكفر بهذه الأصول ضلال بعيد عن الهدى. والآيات في هذا المعنى كثيرة، وفي مواضع يذكر سبحانه الإيمان بالله وحده؛ لأن جميع ما ذكر في الآيات الأخرى داخل في ضمن الإيمان بالله، وفي بعضها الإيمان بالله ورسوله، وفي بعضها الإيمان بالله واليوم الآخر فقط، وما ذاك إلا لأن البقية داخلة في ذلك، فإذا ذكر الإيمان بالله دخل فيه بقية الأشياء التي ذكرها في الآيات الأخرى كالإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، فمن هذا قول الله جل وعلا: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ[6]، فاقتصر على الإيمان بالله ورسوله والكتاب المنزل على محمد عليه الصلاة والسلام والكتاب المنزل من قبل ولم يذكر الأصول الأخرى؛ لأنها داخلة في الإيمان بالله، وهكذا قوله جل وعلا: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا[7]، ذكر الإيمان بالله ورسوله والنور الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو الكتاب والسنة؛ لأن البقية داخلة في ذلك، فالكتاب والسنة داخلان في النور، وهكذا كل ما أخبر الله به ورسوله مما كان وما يكون كله داخل في النور، وهكذا قوله جل وعلا: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ[8]، فذكر الإيمان بالله ورسوله فقط وما ذاك إلا لأن البقية داخلة في الإيمان بالله ورسوله.

ومما جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث جبريل المشهور لما سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام والإيمان والإحسان، فذكر الإسلام أولاً، وفي لفظ بدأ بالإيمان ثم ذكر الإسلام ثم الإحسان، فالمقصود أنه ذكر الإيمان بما يصلح الباطن، لأن الباطن هو الأساس، والظاهر تبع للباطن فسمى الأعمال الظاهرة إسلاماً لأنها انقياد وخضوع له سبحانه، والإسلام هو: الاستسلام لله والانقياد لأمره، فسمى الله سبحانه وتعالى الأمور الظاهرة إسلاماً لما فيها من الانقياد لله والذل له والطاعة لأمره والوقوف عند حدوده عز وجل، يقال: أسلم فلان لفلان، أي ذل له وانقاد، ومعنى أسلمت لله، أي ذللت له وانقدت لأمره خاضعاً له سبحانه وتعالى.

فالإسلام: هو الاستسلام لله بالأعمال الظاهرة، والإيمان: هو التصديق بالأمور الباطنة، والظاهرة مما جاء في الشرع المطهر، وهذا كله عند الاقتران، ولهذا لما قرن بينهما في هذا الحديث الصحيح فسر رسول الله عليه الصلاة والسلام الإسلام بالأمور الظاهرة وهي: الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج، والإيمان بالأمور الباطنة وهي: الإيمان بالله وملائكته … الخ.

ومن هذا الباب ما جاء في الحديث الصحيح قيل: ((يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف))، وفي حديث آخر أي الإسلام أفضل؟ قال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده)).

فالإسلام أخص بالأعمال الظاهرة التي يظهر بها الانقياد لأمر الله والطاعة له والانقياد لشريعته وتحكيمها في كل شيء، والإيمان أخص بالأمور الباطنة المتعلقة بالقلب من التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ولهذا لما سئل صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره)).

ففسر الإيمان بهذه الأمور الستة التي هي أصول الإيمان وهي في نفسها أصول الدين كله؛ لأنه لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له، فالإيمان بهذه الأصول لا بد منه لصحة الإسلام لكن قد يكون كاملاً وقد يكون ناقصاً، ولهذا قال الله عز وجل في حق الأعراب: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا[9].

فلما كان إيمانهم ليس بكامل، بل إيمان ناقص، لم يستكمل واجبات الإيمان نفى عنهم الإيمان يعني به الكامل لأنه ينفى عمن ترك بعض الواجبات كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا إيمان لمن لا صبر له))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره)). إلى غير ذلك، والمقصود أن الإيمان يقتضي العمل الظاهر، كما أن الإسلام بدون إيمان من عمل المنافقين، فالإيمان الكامل الواجب يقتضي فعل ما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهى عنه الله ورسوله، فإذا قصر في ذلك جاز أن ينفى عنه ذلك الإيمان بتقصيره؛ كما نفي عن الأعراب بقوله تعالى: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا[10]، وكما نفي عمن ذكر في الأحاديث السابقة.

والخلاصة: أن الله سبحانه ورسوله نفيا الإيمان عن بعض من ترك بعض واجبات الإيمان وأثبتا له الإسلام، فهذه الأصول الستة هي أصول الدين كله، فمن أتى بها مع الأعمال الظاهرة صار مسلماً مؤمناً، ومن لم يأت بها فلا إسلام له ولا إيمان كالمنافقين؛ فإنهم لما أظهروا الإسلام وادعوا الإيمان وصلوا مع الناس وحجوا مع الناس وجاهدوا مع الناس إلى غير ذلك ولكنهم في الباطن ليسوا مع المسلمين بل هم في جانب والمسلمون في جانب؛ لأنهم مكذبون لله ورسوله، منكرون لما جاءت به الرسل في الباطن، متظاهرون بالإسلام لحظوظهم العاجلة ولمقاصد معروفة، أكذبهم الله في ذلك، وصاروا كفاراً ضلالاً، بل صاروا أكفر وأشر ممن أعلن كفره، ولهذا صاروا في الدرك الأسفل من النار، وما ذاك إلا لأن خطرهم أعظم؛ لأن المسلم يظن أنهم إخوته وأنهم على دينه وربما أفشى إليهم بعض الأسرار، فضروا المسلمين وخانوهم، فصار كفرهم أشد وضررهم أعظم، وهكذا من ادعى الإيمان بهذه الأصول ثم لم يؤد شرائع الإسلام الظاهرة، فلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أو لم يصل، أو لم يصم أو لم يزك، أو لم يحج أو ترك غير ذلك من شعائر الإسلام الظاهرة التي أوجبها الله عليه، فإن ذلك دليل على عدم إيمانه أو على ضعف إيمانه، فقد ينتفي الإيمان بالكلية كما ينتفي بترك الشهادتين إجماعاً، وقد لا ينتفي أصله ولكن ينتفي تمامه وكماله لعدم أدائه ذلك الواجب المعين؛ كالصوم والحج مع الاستطاعة والزكاة ونحو ذلك من الأمور عند جمهور أهل العلم، فإن تركها فسق وضلال ولكن ليس ردةً عن الإسلام عند أكثرهم إذا لم يجحد وجوبها، أما الصلاة فذهب قوم إلى أن تركها ردة ولو مع الإيمان بوجوبها وهو أصح قولي العلماء؛ لأدلةٍ كثيرةٍ منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وقال آخرون: (بل تركها كفر دون كفر إذا لم يجحد وجوبها)، ولهذا المقام بحث خاص وعناية خاصة من أهل العلم، ولكن المقصود الإشارة إلى أنه لا إسلام لمن لا إيمان له، ولا إيمان لمن لا إسلام له، فهذا يدل على هذا، وهذا يدل على هذا، وسبق أن الإسلام سمي إسلاماً لأنه يدل على الانقياد والذل لله عز وجل والخضوع لعظمته سبحانه وتعالى؛ ولأنه يتعلق بالأمور الظاهرة.

وسمي الإيمان إيماناً؛ لأنه يتعلق بالباطن والله يعلمه جل وعلا، فسمي إيماناً لأنه يتعلق بالقلب المصدق، وهذا القلب المصدق للدلالة على تصديقه وصحة إيمانه أمور ظاهرة، إذا أظهرها المسلم المصدق واستقام عليها وأدى حقها دل ذلك على صحة إيمانه، ومن لم يستقم دل ذلك على عدم إيمانه أو على ضعف إيمانه، والإيمان عند الإطلاق يدخل فيه الإسلام، والعكس كذلك عند أهل السنة والجماعة، كما قال الله عز وجل: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ[11]، فيدخل فيه الإيمان عند أهل السنة والجماعة فإنه لا إسلام إلا بإيمان. فالدين عند الله هو الإسلام وهو الإيمان وهو الهدى وهو التقوى وهو البر، فهذه الأسماء وإن اختلفت ألفاظها، فإنها ترجع إلى معنى واحد وهو الإيمان بالله ورسله والاهتداء بهدي الله والاستقامة على دين الله، فكلها تسمى براً وتسمى إيماناً، وتسمى إسلاماً، وتسمى تقوى، وتسمى هدى. وكذلك إذا أطلق الإحسان دخل فيه الأمران: الإسلام والإيمان؛ لأنه يخص الكمّل من عباد الله، فبإطلاقه يدخل فيه الأمران الأولان: الإسلام والإيمان، وعند إطلاق أحد الثلاثة إذا أطلق فإنه يدخل فيه الآخران، فإذا قيل: المحسنون هم أخص عباد الله، فلا إحسان إلا بإسلام وإيمان قال تعالى: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[12]، وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[13]، فالمحسن إنما يكون محسناً بإسلامه وإيمانه وتقواه لله وقيامه بأمر الله فبهذا سمي محسناً، ولا يتصور أن يكون محسناً بدون إسلام وإيمان.

وهكذا يا أخي لفظ المؤمنين يدخل فيه المسلمون؛ لأنهم - أعني المؤمنين - أخص من لفظ المسلمين، قال الله تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ[14]، وقال عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ[15] الآية. فالمؤمن سمي مؤمناً لتصديقه بقلبه وإسلامه بجوارحه لله وحده، فالمؤمنون مؤمنون بتصديقهم وبإسلامهم وقيامهم بأمر الله ووقوفهم عند حدوده سبحانه وتعالى، ومما يدل على هذا المعنى حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم قوماً وترك قوماً، قال سعد: ((يا رسول الله أعطيت فلاناً وفلاناً وتركت فلاناً وإني لأراه مؤمناً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أو مسلماً، فعاد سعد إلى مقالته والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: " أو مسلماً)) والمقصود: أن الإسلام والإيمان عند الاقتران لهما معنيان، معنى أخص، ومعنى أعم، فالمسلم أعم من المؤمن، والمؤمن أخص من المسلم، فكل مؤمن مسلم ولا عكس، ولكن عند الإطلاق يدخل أحدهما في الآخر كما سبق بيان ذلك.

ومما يدل على ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة - وفي لفظ - بضع وستون شعبة فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)) متفق عليه. فهذا الحديث يدل على أن مطلق الإيمان يدخل فيه الإسلام، والهدى والإحسان، والتقوى والبر، فالإيمان الذي أعلاه كلمة لا إله إلا الله وأدناه إماطة الأذى عن الطريق هو ديننا كله، وهو الإسلام، وهو الإيمان، ولذا قال: ((فأفضلها قول لا إله إلا الله))، ومعلوم أن لا إله إلا الله هي الركن الأول من أركان الإسلام مع الشهادة بأن محمداً رسول الله، فجعلها هاهنا أعلى خصال الإيمان.

فعلم بذلك أن الإيمان عند الإطلاق يدخل فيه الإسلام وأركانه وأعماله، وهكذا عند إطلاق الإيمان بالله فقط أو الإيمان بالله ورسوله يدخل فيه كل ما شرع الله ورسوله؛ من الصلاة والزكاة والصيام والحج والإيمان بالملائكة والكتاب والنبيين واليوم الآخر والقدر خيره وشره، لأن هذا كله داخل في مسمى الإيمان بالله، فإن الإيمان بالله يتضمن الإيمان بأسمائه وصفاته ووجوده وأنه رب العالمين، وأنه يستحق العبادة، كما يتضمن أيضاً الإيمان بجميع ما أخبر به سبحانه وتعالى وشرعه لعباده، ويتضمن أيضاً الإيمان بجميع الرسل والملائكة والكتب والأنبياء، وبكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وهكذا ما جاء في السنة في هذا الباب مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((قل آمنت بالله ثم استقم))، يدخل فيه كل ما أخبر به الله ورسوله، كل ما شرعه لعباده، ومن هذا الباب قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا[16] أي قالوا: إلهنا وخالقنا ورازقنا هو الله، وآمنوا به إيماناً يتضمن الاستقامة على ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فالقرآن الكريم من سنة الله فيه سبحانه وتعالى أنه يبسط الأخبار والقصص في مواضع ويختصرها في مواضع أخرى، ليعلم المؤمن وطالب العلم هذه المعاني من كتاب الله سبحانه مجملة ومفصلة، فلا يشكل عليه بعد ذلك مقام الاختصار مع مقام البسط والإيضاح، فهذا له معنى وهذا له معنى.

وهكذا الإيمان يطلق في بعض المواضع، وفي بعض يعطف عليه أشياء من أجزائه وشعبه تنبيهاً على أن هذه الشعبة من أهم الخصال وأعظمها، كما قال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ[17] الآية، فقوله وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ من جملة الإيمان والعمل الصالح؛ لكن ذكرهما هنا تنبيهاً على عظم شأنهما، وهكذا قوله عز وجل: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا[18] الآية. فالنور المنزل هو من جملة الإيمان بالله ورسوله وهو داخل فيه عند الإطلاق؛ ولكن نبه عليه لعظم شأنه، وهكذا قوله عز وجل: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[19]، فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر هما من جملة الأعمال الصالحات، والعمل الصالح من جملة الإيمان، فعطف العمل على الإيمان من عطف الخاص على العام، وهكذا عطف التواصي بالحق والتواصي بالصبر على ما قبله هو من عطف الخاص على العام، فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر من جملة الأعمال الصالحات، ولهذا لم يذكرا في آيات أخرى، قال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ[20]، ولم يذكر التواصي بالحق والتواصي بالصبر لأنهما داخلان في العمل في قوله: وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كما أنهما داخلان في الإيمان عند الإطلاق؛ لأنه يدخل فيه عند الإطلاق كل ما أخبر الله به ورسوله عما كان وما سيكون في آخر الزمان وفي يوم القيامة وفي الجنة والنار، كما يدخل فيه كل ما أمر الله به ورسوله، ويدخل فيه أيضاً ترك ما نهى الله عنه ورسوله وكل ذلك داخل في الإيمان عند الإطلاق، وإنما يذكر سبحانه بعض الأعمال بالعطف عليه، وترك بعض السيئات بالعطف عليه من باب عطف الخاص على العام، فهكذا ما يتعلق بأصول الإيمان تارة تذكر هذه الأصول الستة جميعاً كما في الآية الكريمة: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ[21] الآية، فإنه ذكر فيها خمسة، وذكر القدر في آيات أخرى كما في قوله عز وجل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ[22]، وفي قوله سبحانه وتعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ[23] الآية، إلى غير ذلك من الآيات، وذكر بعضها في آيات أخرى ولم يذكرها كلها.

وهكذا في الحديث ذكر بعض هذه الأصول وذكر الستة في حديث جبريل، وفي بعض الأحاديث ذكر الإيمان بالله فقط كحديث: ((قل آمنت بالله ثم استقم)). وفي بعضها الإيمان بالله واليوم الآخر، وما ذاك إلا لأن الإيمان بالله واليوم الأخر يدخل فيه كل ما أمر الله به ورسوله، فإن المؤمن بالله واليوم الآخر يحمله إيمانه بذلك على فعل كل ما أمر الله به ورسوله، كما يحمله أيضاً على ترك ما نهى الله عنه ورسوله، ولهذا اقتصر على الإيمان بالله واليوم الآخر في بعض النصوص؛ لأن من آمن بالله إيماناً صحيحاً وباليوم الآخر حمله ذلك على أداء ما أوجبه الله عليه، وعلى ترك ما حرمه الله عليه، وعلى الوقوف عند حدود الله سبحانه وتعالى، ومن هذا قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ[24], فالإيمان بما ذكر أمر لا بد منه ومن لم يؤمن بذلك فإنه كافر بالله عز وجل وإن أظهر إسلاماً وإيماناً، ولكنه بكفره بواحد من الأصول الستة أو كفره بشيء آخر مما علم من الدين بالضرورة أنه من دين الله بالأدلة المعروفة فإنه يكون كافراً بالله ولا ينفعه بعد ذلك ما أقر به. فإن هذا الدين لا بد أن يقبل كله، ولا بد أن يحصل به الإيمان كله، فإذا آمن بالبعض وكفر بالبعض فهو كافر حقاً، كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا[25]، وبهذا يعلم المؤمن عظم شأن هذه الأصول وأنها أصول عظيمة لا بد منها، فيدخل في الإيمان بالله الإيمان بما أخبر الله به عن نفسه من أسمائه وصفاته، أو أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام من أسماء الله وصفاته كله داخل في الإيمان بالله، فيدخل في ذلك الإيمان بأنه رب العالمين، وأنه الخلاق الرزاق وأنه كامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، ويدخل فيه أنه سبحانه وتعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب وقدر الأشياء وعلم بها قبل وجودها سبحانه وتعالى وأنه على كل شيء قدير وبكل شيء عليم، ومن أجمع ما ورد في ذلك من الكتاب العزيز قوله سبحانه: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[26]، وقوله سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[27]، وقوله عز وجل: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[28]، وقوله عز وجل: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا[29]، إلى أشباه هذه الآيات الدالة على كماله سبحانه وأنه جل وعلا موصوف بصفات الكمال، منزه عن صفات النقص والعيب، فهو كما أخبر عن نفسه وكما أخبر عنه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام له الأسماء الحسنى وله الصفات العلى.


فواجب على المؤمن أن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله من أسماء الله وصفاته ويمرها كما جاءت لا يغير ولا يبدل ولا يزيد ولا ينقص، بل يمرها كما جاءت من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، بل يثبتها كما أثبتها السلف الصالح، فمن ذلك الاستواء، والنزول، والوجه، واليد، والرحمة، والعلم، والغضب، والإرادة، وغير ذلك كلها صفات لله عز وجل تثبت له سبحانه كما جاءت في الكتاب العزيز، وكما جاءت في السنة الصحيحة، نثبتها له كما أثبتها السلف الصالح من أهل السنة والجماعة، وكما أثبتها الرسل عليهم الصلاة والسلام، فنقول استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، ليس كما تقول الجهمية استولى، فإنه ليس في موقف المغالب جل وعلا فلا أحد يغالبه فهو مستولٍ على كل شيء جل وعلا وقاهر له، ولكن الاستواء صفة خاصة بالعرش معناه العلو والارتفاع، فهو عالٍ فوق خلقه، مرتفع فوق عرشه، استواء يليق به سبحانه، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته جل وعلا، فاستواؤه أمر معروف كما قال مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)، وكما قال ربيعة شيخ الإمام مالك رحمهما الله، وكما قالته أم سلمة رضي الله عنها، وكما قاله أهل السنة والجماعة، فالصفات معلومة وكيفها مجهول والإيمان بها واجب، هذا طريق الصفات كلها، العلم، والرحمة، والغضب، والوجه، واليد، والقدم، والأصابع وغير ذلك مما جاءت به الآيات، والسنة الصحيحة طريقها واحد، وهكذا حديث النزول نؤمن به ونثبت معناه لله على الوجه اللائق به، ولا يعلم كيفيته سواه، فنقول ينزل بلا كيف كما يشاء سبحانه وتعالى نزولاً يليق بجلاله وعظمته، لا ينافي علوه وفوقيته سبحانه وتعالى، ولا يشابه نزول المخلوقين.

وهكذا استواؤه على العرش لا ينافي علمه بالأشياء وإحاطته بها وأنه مع عباده ومع أهل طاعته من عباده بعلمه وإطلاعه سبحانه وتعالى؛ كما قال عز وجل: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ[30]، فهذا لا ينافي علوه واستواءه على عرشه، فهو معنا بعلمه واطلاعه، وهو فوق العرش سبحانه وتعالى كما يشاء، وكما أخبر جل وعلا من غير تحريف ولا تكييف، وهو مع أوليائه وأهل طاعته بعلمه وتأييده أيضاً وعنايته بهم وكلاءته لهم ونصره إياهم، فهما معيتان: معية عامة تقتضي العلم والإحاطة ورؤية العباد، وأنه لا تخفى عليه خافية، ومعية خاصة مع أنبيائه وأهل طاعته مثل قوله سبحانه: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[31]، وقوله: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا[32]، ومثل: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[33] إلى أمثالها، وهي معية خاصة تقتضي الحفظ والكلاءة والتأييد والتوفيق مع العلم والإطلاع؛ كما قال عز وجل: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ[34].


وليس كما تقول الجهمية والمعتزلة وأشباههم من حلوله في كل مكان، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً، فالله سبحانه وتعالى فوق خلقه وفوق عرشه كما أخبر، وعلمه في كل مكان، وليس مختلطاً بخلقه سبحانه وتعالى، فأهل السنة والجماعة يدخلون في الإيمان بالله، الإيمان بكل ما أخبر الله به عنه ورسوله، والإيمان بجميع أسمائه وصفاته، كل ذلك عندهم داخل في الإيمان بالله عند الإطلاق فيؤمنون به سبحانه رباً ومعبوداً بالحق، كما يؤمنون بأنه كامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، يخلق ويرزق ويعطي ويمنع ويخفض ويرفع إلى غير ذلك من صفات الكمال، فهو المعبود الحق، وهو الخلاق العليم، وهو الرزاق لعباده، وهو على كل شيء قدير.

وكل هذه الصفات لا تشبه صفات خلقه، بل صفاته تليق به عز وجل، وصفاتنا تليق بنا، وصفاته لها البقاء ولها الدوام ولها الكمال، وصفات العبد لها النقص والاضمحلال، كل هذا داخل في الإيمان بالله عز وجل.

ويدخل في الإيمان بالملائكة: الإيمان المجمل والمفصل.

فالملائكة قسمان: قسم نعلمه؛ لأنهم قد سموا لنا، فنؤمن بهم وبأسمائهم تفصيلاً، كجبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وما أشبه ذلك من الملائكة، والبقية نؤمن بأن لله ملائكة كما أخبر عنهم سبحانه وتعالى؛ كما قال عز وجل: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ[35].

ونؤمن بأنهم أقسام، منهم موكل بنا لحفظ أعمالنا وكتابتها، ومنهم موكل بالسياحة في الأرض يحضرون مجالس الذكر ويستمعون له، ومنهم الذين يتعاقبون فينا ليلاً ونهاراً، ومنهم حملة العرش، ومنهم غير ذلك، وقد جاء في الحديث الصحيح: ((أنه يدخل البيت المعمور الذي في السماء السابعة كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم))، وهذا يدل على كثرتهم وأنهم جنود لا يحصيهم إلا الله عز وجل فنؤمن بهم إجمالاً وتفصيلاً وأنهم عباد مكرمون ليسوا بشراً وليسوا جناً ولكنهم خلق آخر خلقوا من النور، كما في الحديث الصحيح: ((خلقت الملائكة من النور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم)) رواه مسلم في الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي. وهم يتشكلون كما يشاء الله عز وجل، ولهم أعمال، ولهم صفات تليق بهم بعضها علمناه من السنة كمجيء جبريل تارةً في صورة فلان، وتارةً في صورة فلان، وتارةً في صورته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح، وتارةً في صورة إنسان مجهول لا يعرف لما جاء يسأل عن الإسلام والإيمان، إلى غير ذلك. فالمقصود أنهم يتلونون بالألوان التي يريدها الله جل وعلا ويشاءها سبحانه وتعالى، ولهم خلقة يعلمها الله عز وجل، وهم لهم أجنحة كما أخبر الله في كتابه العظيم في سورة فاطر، إلى غير ذلك مما أخبر الله به عز وجل في الكتاب والسنة، فنؤمن بما جاء في الكتاب والسنة تفصيلاً، ونؤمن بهم على سبيل الإطلاق والإجمال فيما لا نعلم من شأنهم وصفاتهم.

وهكذا مسألة الكتب، الباب واحد، يؤمن المؤمن بكتب الله إجمالاً وأن لله كتباً أنزلها على رسله وأنبيائه لا نحصيها نحن، ولكن نؤمن بها إجمالاً، ونؤمن بما فيها إجمالاً، أما تفاصيلها وما فيها فإلى الله سبحانه وتعالى، ومنها ما سمي لنا، كالتوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف موسى وإبراهيم، والكتاب العظيم وهو القرآن الكريم، نؤمن بهذه الكتب التي سميت لنا، وأما ما لم يسم لنا فنؤمن بأن لله كتباً أنزلها على رسله وأنبيائه لا يحصيها إلا الله جل وعلا ولا يعلمها إلا هو، إلا بنص يثبت لنا عن الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان شيء من ذلك.

وهكذا الرسل عليهم الصلاة والسلام فيهم تفصيل وإجمال، فنؤمن بهم إيماناً مجملاً، وأن لله رسلاً أرسلهم إلى الناس، مهمتهم دعوتهم إلى الله كما قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[36]، وقوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ[37]، فلله سبحانه رسل أرسلهم لعباده مبشرين ومنذرين، أما إحصاؤهم وبيان أسمائهم فهذا إليه سبحانه وتعالى، لكن جاء في حديث أبي ذر، وجاءت له شواهد من حديث أبي أمامة وغيره ما يدل على أن الرسل ثلاثمائة وبضعة عشر، لكن أسانيدها لا تخلو من مقال.

أما الأنبياء فقد جاء في إحدى الروايات أنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً كلهم أنبياء وفي رواية مائة وعشرون ألفاً، لكن أسانيدها فيها مقال كما تقدم، والحاصل أن الأنبياء والرسل جم غفير، لكن علم عددهم بالقطع يرجع إلى الله سبحانه وتعالى، وعلينا أن نؤمن إيماناً مجملاً أن لله رسلاً وأنبياءً أرسلوا لبيان الحق وإرشاد الخلق؛ كما قال عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ[38] الآية.

وقال سبحانه وتعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ[39]، وقال عز وجل: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ[40] الآية. فالله له رسل كثيرون وله أنبياء كثيرون لا يحصيهم إلا الله جل وعلا.

إننا نؤمن بذلك إيماناً تفصيلياً وإجمالياً وهم جم غفر ومهمتهم عظيمة وهي الدعوة إلى توحيد الله ونهي الناس عن الشرك بالله وبيان شرائع الله لهم وأمرهم بما أمر الله به ونهيهم عما نهى الله عنه، هذه مهمتهم، ونؤمن تفصيلاً بمن سمي منهم، كنوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وداود، وسليمان، وهود، وصالح، وغيرهم، وآدم من جملتهم، فقد جاء في بعض الروايات من حديث أبي ذر وغيره أنه نبي مكلمٌ معلمٌ، وجاء في بعضها أنه رسول، وهو لا شك أنه يوحى إليه وأنه على شريعة من الله، وإنما الشك هل هو نبي رسول أو نبي فقط، اختلفت الروايات في ذلك.

فالمقصود أن آدم من جملة الأنبياء بلا شك وأنه على شريعة. وحديث جمع الناس ليوم القيامة وتقدم المؤمنين إلى نوح وقولهم له: يا نوح أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، يحتج به على أن نوحاً أول الرسل وأن آدم نبي مكلم فقط، ولو صح أنه رسول فالمعنى أنه رسول إلى ذريته بخلاف نوح فإنه أرسل إلى قومه وهم أهل الأرض ذلك الوقت، أما آدم فإنه أرسل إلى ذريته بشريعة خاصة قبل وقوع الشرك، وأما نوح فقد أرسل إلى قومه وهم ذلك الوقت أهل الأرض جميعاً بعد وقوع الشرك في الأرض، وبذلك لا يبقى تعارض بين كون آدم رسولاً إن صح الحديث وبين كون نوح هو أول رسول أرسل إلى أهل الأرض.

وهكذا القول في الأصل الخامس وهو الإيمان باليوم الآخر نؤمن به إجمالاً وتفصيلاً، فنؤمن بما سمى الله من أمر الآخرة، كالجنة والنار والصراط والميزان وغير ذلك، وما سوى ذلك مما لم يرد في الآيات والأحاديث الصحيحة تفصيله نؤمن به على سبيل الإجمال.

وهكذا القدر، وهو الأصل السادس، نؤمن به كما جاءت به النصوص، والإيمان به يشمل أربعة أشياء عند أهل السنة:

(الأمر الأول) هو العلم بأن الله سبحانه وتعالى قد علم الأشياء كلها وأحصاها، وأنه لا تخفى عليه خافية جل وعلا، فهو سبحانه يعلم كل شيء؛ كما قال عز وجل إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[41]، وبهذا يرد على غلاة القدرية والمعتزلة الذين أنكروا هذا العلم، قال الشافعي - رحمه الله - في حقهم: (ناظروهم بالعلم، فإن أقروا به خصموا وإن جحدوه كفروا)؛ لأن قولنا: إن الله عالم بالأشياء هذا هو القدر؛ لأن الأشياء لا تخفى على الله، فمتى علم الله بالأشياء فمستحيل أن تقع على خلاف علمه؛ لأن وقوعها على خلاف علمه يكون جهلاً.

أما إن جحدوا ذلك، وقالوا: إنه سبحانه لا يعلم الأشياء إلا بعد وجودها فهذا كفر وضلال وتكذيب لله سبحانه وتعالى ووصف له بالجهل، وهذا تنقص عظيم يوجب كفر من قاله.

(الأمر الثاني) الكتابة، وهو أن الله سبحانه قد كتب الأشياء؛ كما قال عز وجل: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ[42]، وقال سبحانه: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ[43]، والمقصود أنه كتب الأشياء كلها جل وعلا كما دلت على ذلك الآيتان السابقتان، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: (إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء) أخرجه مسلم في صحيحه.

فكتابة الأشياء التي أوجدها سبحانه أو سيوجدها أمر معلوم جاءت به النصوص من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فعلينا أن نؤمن بذلك ونعتقد أن الله كتب الأشياء كلها وعلمها وأحصاها، لا تخفى عليه خافية وهو سبحانه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير سبحانه وتعالى؛ كما قال عز وجل: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا[44]

(الأمر الثالث) مشيئته النافذة، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وأنه لا يكون شيء في ملكه دون مشيئته جل وعلا، بل ما شاء الله يكون وإن لم يشأ الناس، وما لم يشأ لم يكن وإن شاء الناس، فلا بد إذا من الإيمان بهذه المشيئة، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، قال عز وجل: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[45]، وقال سبحانه: فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ[46]، فالمقصود أنه سبحانه له المشيئة الكاملة النافذة إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[47] سبحانه وتعالى.

(الأمر الرابع) قدرته على الأشياء وخلقه وإيجاده لها، وأن نؤمن بأنه سبحانه على كل شيء قدير، وأنه الخلاق العليم، وأن جميع الأشياء الموجودة هو الذي خلقها وأوجدها، وهكذا في المستقبل لا أحد يشاركه في ذلك، بل هو الخلاق والرزاق وهو على كل شيء قدير وبكل شيء عليم؛ كما قال سبحانه اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ[48].

فالإيمان بالقدر يشمل هذا كله، ويشمل إيماننا بعلمه بالأشياء وكتابته لها، وإيماننا أيضاً بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وإيماننا أيضاً بأنه الخلاق لكل شيء وأن جميع الأشياء هو خالقها وموجدها سبحانه وتعالى، وفي هذا رد على من قال خلاف ذلك من المعتزلة وغيرهم، فإن من أنكر مشيئة الله وقال: إنه يوجد في ملكه ما لا يريد فهو مكذب لله عز وجل متنقص له سبحانه وتعالى، فلا بد من الإيمان بأنه على كل شيء قدير وأن ما شاءه كان، وما أراده بإرادته الكونية كان، ولكن بعض الناس تخفى عليهم هذه الأشياء التي جاءت بها الرسل، فيجب أن تبين لهم بأدلتها، وأن يوضح لهم الفرق بين الإرادة الكونية التي لا يتخلف مرادها وهي المذكورة في مثل قوله سبحانه: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[49].

وبين الإرادة الشرعية التي قد يتخلف مرادها بالنسبة إلى بعض الناس، وهي المذكورة في قوله سبحانه: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ[50] الآية.

ومعلوم أن بعض الناس مات على جهله، ومات على غير توبة، وقال تعالى يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ[51] الآية، هذه إرادة شرعية؛ لأنه سبحانه قد خفف على قوم ولم يخفف على آخرين، فمعنى ذلك أنه أمر بهذا ورضي به وأحبه، ولكن من الناس من وفق لهذا الشيء ومنهم من لم يوفق له، ومن ذلك ما جاء في الحديث الصحيح: ((أن الله سبحانه يقول يوم القيامة لبعض المشركين: لو كان لك مثل الأرض ذهباً أكنت مفتدياً به، فيقول: نعم، فيقول الله سبحانه له: قد أردت منك ما هو أدنى من ذلك وأنت في صلب أبيك آدم أردت منك أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا الشرك))، يعني أردت منك شرعاً أن لا تشرك بي، وذلك بما جاء على ألسنة الرسل من الأمر بعبادته وحده والنهي عن الإشراك به، لكن أبى أكثر الخلق إلا الشرك بالله عز وجل، ولم يقبلوا الإرادة الشرعية، فمن آمن بهذه الأمور الأربعة، وهي: علم الله سبحانه بجميع الأشياء، وكتابته لها، ومشيئته لما وجد منها، وأنه سبحانه خالق الأشياء وموجدها، فقد آمن بالقدر إيماناً كاملاً، ومن قصر في ذلك فقد قصر في الإيمان بالقدر، ولم يسر على هدى أهل السنة والجماعة في ذلك، ولم يؤمن بالقدر على حقيقته، بل آمن ببعضه وكفر ببعض.

ثم هذا الإيمان بالقدر لا يلزم منه أن يكون العبد مجبوراً لا إرادة له ولا مشيئة وإنما هو كالسعفة تحركها الرياح هكذا وهكذا، وكالريشة في الهواء خلافاً للقدرية المجبرة من الجهمية وغيرهم، بل له اختيار ومشيئة وله إرادة وعقل يميز به، ولكن هذه المشيئة وهذه الإرادة وهذا الاختيار لا يكون به شيء إلا بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى؛ كما قال الله تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[52].

فهو مخير ومسير، مخير من جانب؛ لأن الله أعطاه عقلاً، وأعطاه بصراً، وأعطاه أدلة وأدوات، ومكنه من الإيمان والعمل، فهو قادر وله إرادة وله مشيئة، يقدر أن يتباعد عن المعصية، ويقدر أن يطيع وأن يعصي، ويقدر أن يتصدق، ويقدر أن يمتنع، وهو مسير من جهة أخرى وهي أنه ليس له مشيئة إلا بعد مشيئة الله ولا اختيار إلا بعد اختيار الله ولا يستقل بالأشياء، فله إرادة خاصة ومشيئة خاصة بعد مشيئة الله وإرادته، ولهذا قال عز وجل: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ[53] الآية. فالإنسان سائر ومسير وميسر لما خلق له، هو سائر بما أعطاه الله من العقل والاختيار والمشيئة، ومسير بما سبق في علم الله من القدر السابق، وميسر لما خلق له من خير وشر، فهو لا يمكن أن يخالف ما قدر الله له ولا أن يحيد عنه، وهو مع ذلك ميسر لما خلق له، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له))، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى[54] والآية بعدها، متفق على صحته من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومن هذا يعلم المؤمن الفرق بين عقيدة السلف الصالح وعقيدة المعتزلة والقدرية النفات وعقيدة القدرية المجبرة.

فالقدرية المجبرة غلوا في إثبات القدر حتى قالوا: ليس للعبد إرادة ولا مشيئة، وقد أخطئوا في ذلك وأصابوا في الإيمان بالقدر. أما القدرية النفاة فغلوا في نفي القدر وأفرطوا في ذلك وأخطأوا في هذا غاية الخطأ، ولكنهم أصابوا في إثبات المشيئة والاختيار للعبد، وأخطأوا في جعله مستقلاً بذلك، فإن أهل السنة والجماعة أخذوا ما عند الطائفتين من الحق وتركوا ما عندهما من الباطل. وهكذا يجب على أهل الحق إذا ردوا على أهل الباطل أن يفصلوا وأن ينصفوا، فيقولوا لهم قلتم كذا وقلتم كذا، فنحن معكم في هذا، ولسنا معكم في هذا، نحن معكم في الحق الذي قلتموه كالإيمان بالقدر، ولسنا معكم بأن العبد مجبور بل له اختيار ومشيئة، ويقال للمعتزلة وأشباههم: نحن معكم في أن العبد له مشيئة واختيار، ولكن لسنا معكم في تجهيل الله سبحانه وإنكار علمه ومشيئته. وهكذا يقال للشيعة: نحن معكم في محبة أهل البيت ومحبة علي رضي الله عنه وأرضاه، فإنه ومن سار على نهجه على هدى وأنه من خيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو أفضلهم بعد الصديق وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعا، ولكن لسنا معكم في أنه معصوم، ولسنا معكم في أنه الخليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قبله ثلاثة، ولسنا معكم في أنه يعبد من دون الله ويستغاث به وينذر له ونحو ذلك، لسنا معكم في هذا؛ لأنكم مخطئون في هذا خطأ عظيماً، لكن نحن معكم في محبة أهل البيت الملتزمين بشريعة الله والترضي عنهم والإيمان بأنهم من خيرة عباد الله عملاً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال في حديث زيد بن أرقم المخرج في صحيح مسلم: ((إني تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به))... ثم قال: ((وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي)).

وهكذا بقية الطوائف نأخذ ما معهم من الحق ونقر لهم به، ونرد عليهم باطلهم بالأدلة النقلية والعقلية، وبهذا يتضح أن هذه الأصول الستة هي أصول الدين، وهي الجامعة لكل ما أخبر الله عنه، فمن استقام عليها عقيدة وقولاً وعملاً فقد استكمل الإيمان وسلم من النفاق، لأن هذه الأصول تقتضي من المؤمن بها أداء ما أوجب الله عليه له ولعباده، وتقتضي تصديقه بكل ما أخبر الله به في كتابه، أو أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح من السنة، ومن جحدها أو جحد شيئا منها لم يكن مؤمناً.

والخلاصة أن هذه الأصول أصول عظيمة وقواعد أساسية لهذا الدين العظيم، تجب مراعاتها والاستقامة عليها في جميع الأحوال، والبراءة من كل ما خالفها، ومن أتى بقول أو عمل يوجب كفره فهو دليل على عدم إيمانه بهذه الأصول أو بعضها الإيمان الصحيح، وذلك مثل ترك الصلاة المكتوبة، فإن الذي لا يصلي لا إيمان عنده على الصحيح يحجزه عن ترك الصلاة التي هي عمود الإسلام، ولهذا فإن القول الصواب إنه كافر كفراً أكبر لقوله صلى الله عليه وسلم: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) خرجه مسلم في صحيحه، وقوله: صلى الله عليه وسلم ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))خرجه الإمام أحمد وأهل السنة بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وهكذا من يستهزئ بالله سبحانه أو برسوله صلى الله عليه وسلم أو بالجنة أو النار، أو بالقرآن، وما أشبه ذلك فإنه كافر إجماعاً، لأن هذا الاستهزاء والتنقص دليل على أن دعواه الإيمان باطلة، وأنه ليس عنده إيمان يحجزه عن الاستهزاء بما ذكر.

وهكذا الذي يهين المصحف أو يلطخه بالنجاسة أو يجلس عليه وهو يعلم أنه كتاب الله، فإن هذا دليل على أن هذا الرجل لا إيمان له، وإنما يدعي الإيمان، ولو كان عنده إيمان صحيح لحجزه عن هذا العمل الذي يوجب كفره.
Cant See Links


رد مع اقتباس
قديم 08-31-2012, 11:31 AM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


رد: محاضرة في أصول الإيمان

مختصر في اعتقاد أهل السُنة والجماعة

ح-شوا-1429 10:09 AM

تأليف الشيخ العلاّمة
عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي
– رحمه الله رحمة واسعة –
(1307هـ – 1376هـ)


رسالة تُنشر لأول مرة
اعتـنى بها وشرحها شرحاً موجزاً وأخرجها ووثق نقولها
أ.د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
الأستاذ بجامعة القصيم
ملحوظة هامة: لتحميل الكتاب كاملا وتصفحه بدون اتصال اضغط هنا

الـمقدمــة
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يَدعون من ضل إلى الـهُدَى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن آثارهم على الناس وأقبح آثار الناس عليهم([1]).

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه وحجته على عباده فهو رحمته المهداة إلى العالمين ونعمته التي أتـمها على أتباعه الـمؤمنين، أرسله على حين فترة من الرسل ودروس من الكتب وطموس من السبل ففتح الله به أعيناً عمياً وقلوباً غلفاً فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسُنته إلى يوم الدين. أما بعــــد:

فهذه رسالة مختصرة في أصول اعتقاد أهل السُنة والجماة للعلاّمة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله -، بيَّن فيها بإيجاز وأسلوب سهل واضح عقيدة الفرقة الناجية الـمنصورة، وقد تـميز رحمه الله في رسالته هذه بأسلوبه البديع الذي يصل إلى عقل القاريء بأقصر طريق وهذا لا يستطيعه إلا من وصل إلى رتبة عالية في العلم وقدرة عجيبة على توظيف المعلومات في قالب بياني واضح وقد وفق الشيخ – رحمه الله – كثيراً في سهولة العبارة وإيجازها ووفائها بالمقصود وهذا ما سيلاحظه القاريء في هذه الرسالة الموجزة.

وهذه الرسالة مع قلة حجمها إلا أنها قد حوت مجمل أصول ومعتقد أهل السُنة والجماعة.
ولما كان الشيخ – رحمه الله – يرغب في بسطها وتوضيحها بأدلتها حيث قال في المقدمة:

(إن يسر الله وفسح في الأجل بسطت هذه المطالب ووضحتها بأدلتها) ولكن وافته المنية وحالت بينه وبين مطلوبه جعلنا لذلك شرحاً موجزاً إتماماً للفائدة وتحقيقاً لرغبة الشيخ رحمه الله.

ورغبة أحفاده الذين طلبوا مني ذلك وهم الحريصون على نشر علم والدهم – رحمه الله – وجعل الخير والبركة في ذريته وذرياتهم.

وقد بذلت ما استطعت من تعليقات وحرصت أن تكون من كلام الشيخ نفسه في بعض كتبه ورسائله، ومن ميزات هذه الرسالة أنها بخط الشيخ رحمه الله وتنشر لأول مرة وأنها شاملة لأصول العقائد الإسلامية.


عملي في هذه الرسالة:

أولاً : قمت بوضع كلام الشيخ على هيئة الـمتن.

ثانياً: قمت بشرح الـمتن والتعليق عليه بـما تيسر.

ثالثاً : ما ذكره الشيخ مجملاً ووجدت لـه شيئاً من التفصيل في كتبه ذكرته مع ذكر المرجع المذكور فيه.

رابعاً: إذا وجدت كلاماً لشيخ الإسلام وغيره من أهل العلم مما يعضد كلام الشيخ ويقويه ذكرته وذكرت مرجعه.

خامساً: تدعيم الرسالة بالأدلة من الكتاب والسُـنَّة ما أمكن.

سادساً: هذه الرسالة لم يجعل لها المؤلف رحمه الله اسماً وهذا من عادته رحمه الله في بعض كُتبه فإنه أحياناً لا يُسمي المكتوب فاخترت لها اسماً وسميتها: (مختصر أصول اعتقاد أهل السُنَّة والجماعة).

والله أسأل أن ينفع بها وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم إنه خير مسئول، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالـمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


وكتـب
أبو محمد عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار
ضحوة الاثنين 8/6/1422هـ
الزلفي ص . ب 188




التعريف بـمؤلف الرسالة([2])

اسمه ونسبه:
هو العالِم الجليل والفقيه الأصولي والـمحدِّث والداعية الـمحقّق الـمدقّق عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن أحمد آل سعدي، من نواصر بني تميم من بني عمرو والـمنتمية إلى تـميم.

مولــــده:
وُلد رحمه الله في منطقة عنيزة في الثاني عشر من شهر الـمحرم عام سبعة وثلاثـمائة وألف للهجرة (12/1/1307هـ).


نشأته:
نشأ رحمه الله صالحاً مثاراً للإعجاب وأنظار الناس محافظاً على الصلوات الخمس مع جماعة الـمسلمين حريصاًكل الحرص على طلب العلم فلازم أهل العلم في زمانه ملازمة الظل وأكب على الاغتراف من معين علمهم وفضلهم وأخلاقهم فاجتهد بالنهار وسهر بالليل في تحصيل العلم حتى نال مقصوده رحمه الله رحمة واسعة.


مشايخه:
1- إبراهيم بن حمد بن جاسر.
2- إبراهيم بن صالح بن إبراهيم القحطاني.
3- صالح بن عثمان القاضي.
4- صعب بن عبد الله بن صعب التويجري.
5- محمد الأمين محمود الشنقيطي.
وغير هؤلاء مـمن درس عليهم الشيخ.

تلاميــذه :
1- إبراهيم بن عبد العزيز الغدير.
2- إبراهيم بن محمد العمود.
3- حمد بن إبراهيم عبد الرحمن القاضي.
4- محمد بن صالح العثيمين.
5- عبد العزيز بن محمد السلمان.
6- عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل.
7- عبد الله البسام.

وغيرهم الكثير ممن تتلمذوا على الشيخ رحمه الله.


بعض أعماله التي قام بها :

1- كان الشيخ رحمه الله مرجعاً يرجع إليه الناس في شؤونهم الدينية والدنيوية فقد كان من الناحية الدينية هو كل شيء في عنيزة فقد كان العالم والـمعلم والإمام والخطيب والـمفتي والواعظ والقاضي وصاحب مدرسة دينية وعاقد الأنكحة ومحرر الأوقاف والوصايا وبالجملة فقد كان الشيخ كل شيء وللعلم أن كل هذه الأعمال التي يقوم بها الشيخ يقوم بها حسبة ولا يتقاضى عليها أجراً.
2- قام بتأسيس المكتبة الوطنية بعنيزة وذلك عام 1359هـ أو عام 1360هـ.
3- رُشِّح لقضاء عنيزة عام 1360هـ ولكنه رفض ذلك رفضاً شديداً.
4- عُيِّن إماماً وخطيباً للجامع الكبير بعنيزة عام 1361هـ.
5- قام بالإشراف على الـمعهد العلمي بعنيزة عام 1373هـ.

مرضــه ووفاته :
أصيب الشيخ رحمه الله في آخر حياته بـمرض (ضغط الدم) وهو مرض خطير وعولج منه ثم عاوده مرة أخرى وأثناء إملائه على تلاميذه الدرس المعتاد بعد صلاة العشاء أحس رحمه الله بثقل وضعف حركة وبعدها أغمي عليه حال وصوله إلى بيته ثم استمر به المرض حتى توفاه الله تعالى فجر الخميس الموافق 23/6/1376هـ.
فرحمه الله وأسكنه فسيح جناته.


مؤلفات الشيخ :
للشيخ رحمه الله مؤلفات كثيرة نذكر منها:

1- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
2- القواعد الحسان لتفسير القرآن.
3- المواهب الربانية من الآيات القرآنية.
4- بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار.
5- طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول.
6- القول السديد في مقاصد التوحيد.
7- الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء([3]).




بسم الله الرحمن الرحيم


مقدمة الـمؤلف
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فهذا مختصر جداً في أصول العقائد الدينية والأصول الكبيرة المهمة اقتصرنا فيها على مجرد الإشارة والتنبيه من غير بسط للكلام ولا ذكر أدلتها أقرب ما يكون لها أنها من نوع الفهرست للمسائل لتعرف أصولها ومقامها ومحلها من الدين ثم من لـه رغبة في العلم يطلب بسطها وبراهينها من أماكنها، وإن يسر الله وفسح في الأجل بسطت هذه المطالب ووضحتها بأدلتها.




شرح مقدمة المؤلف

قوله رحمه الله (بسم الله الرحمن الرحيم)
ابتدأ المؤلف رحمه الله رسالته بالبسملة اقتداءً بكتاب الله وعملاً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في مكاتباته ومراسلاته.

قولـه رحمه الله (الحمد لله رب العالمين) قال ابن جرير رحمه الله: الحمد لله ثناء أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال قولوا الحمد لله. وحمده سبحانه يكون بحمده على كماله عز وجل وذلك لأنه كامل الصفات من كل وجه ويكون بحمده على كامل الإنعام والإحسان، (ورب العالمين) الرب هو المالك المتصرف أو السيد وكل هذا صحيح في حق الله تعالى (العالمين) جمع عالم وهو كل موجود سوى الله عز وجل.

وقولـه رحمه الله (وصلى الله على محمد وآله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين).

معنى (صلى الله على محمد) أحسن ما قيل في معنى الصلاة على النبي ما قاله أبو العالية حيث قال: (صلاة الله على رسوله): ثناؤه عليه في الملأ الأعلى وقولـه: (وآله) الآل إذا قرنت بالأتباع صار المراد بها المؤمنين من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وإذا لم يقرن بها الأتباع أو مع الصحب صار معناها أتباعه على دينه منذ بعثته إلى يوم القيامة.

قوله: (وصحبه) أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كل من اجتمع به مؤمناً به ومات على ذلك.

قولـه: (وأتباعه) الـمراد بها هنا أتباعه على دينه إلى يوم القيامة.

قولـه: (إلى يوم الدين) أي يوم الجزاء والحساب.

قولـه: (أما بعد) (أما) نائبة عن اسم الشرط وفعله والتقدير مهما يكن من شيء بعد.

قوله : (فهذا مختصر جداً في أصول العقائد الدينية).

أصول جمع أصل وهو ما ينبى عليه غيره.

والعقائد جمع عقيدة ومعناها في الاصطلاح حكم الذهن الجازم فيقال اعتقدت كذا يعني جزمت به في قلبي وقيدها المؤلف هنا (بالعقائد الدينية) المراد بها حكم الذهن الجازم بإفراد الله بوحدانيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وإفراده بالحكم والتشريع وكذا الإيـمان بملائكته وكتبه ورسله وغيرها من أصول الإيـمان الستة.

وقولـه: (والأصول الكبيرة الـمهمة) أي الأصول التي خالف فيها أهل السُنة والجماعة المنحرفين من الفرق الضالة كمسألة الإيـمان والاستثناء فيه ومعتقد أهل السُنة والجماعة في الصحابة والإمامة وغيرها فكلها أصول مهمة ذكرها المؤلف.

وقولـه رحمه الله (اقتصرنا فيها على مجرد الإشارة والتنبيه من غير بسط للكلام ولا ذكر أدلتها.... إلى آخر كلامه رحمه الله).


بين هنا رحمه الله منهجه في تأليف هذه الرسالة فبين أنها عبارة عن فهرست لهذه الأصول ومن أراد أن يتوسع في شروح هذه الأصول فليراجع بسطها وبراهينها من أمكانها التي شرحت فيها ومن أهم الكتب التي ألفت فيها هذه الأصول مؤلفات شيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله فأفضل من اعتنى بمذهب السلف ووضح عقيدتهم وأصلها وقعدها هما شيخ الإسلام وتلميذه رحمهما الله ومن بعدهم أئمة الدعوة عليهم رحمة الله وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزي به عباده الصالحين.




الأصل الأول : التوحيـــد

الشرح: أصل الشيء أساسه الذي يبنى عليه ولما كان التوحيد أهم المهمات وأوجب الواجبات وعلى أساسه تتوقف صحة الأعمال وقبولها لا سيما إذا كانت مقرونة بالإخلاص ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم جعله الشيخ رحمه الله تعالى الأصل الأول.

حد التوحيد الجامع لأنواعه هو اعتقاد العبد وإيمانه بتفرد الله بصفات الكمال وإفراده بأنواع العبادة.

الشرح: قولـه رحمه الله (حد التوحيد الجامع لأنواعه) أي لأنواعه الثلاثة توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات قال رحمه الله: (حد التوحيد الجامع لكل أنواعه هو علم العبد واعتقاده واعترافه وإيمانه بتفرد الرب بكل صفة كمال وتوحده في ذلك واعتقاد أنه لا شريك لـه ولا مثيل لـه في كماله وأنه ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين ثم إفراده بأنواع العبادة([4]).

فهذا هو التوحيد بمعناه العام أي إفراد الله بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات ثم دخل في تفصيل كل نوع على حدة فقال:

فدخل في هذا توحيد الربوبية الذي هو اعتقاد انفراد الرب سبحانه بالخلق والرزق وأنواع التدبير.

الشرح: قولـه: (فدخل في هذا) أي دخل في حد التوحيد توحيد الربوبية الذي هو (اعتقاد انفراد الرب سبحانه.... إلخ) وقال أيضاً توحيد الربوبية بأن يعتقد العبد أن الله هو الرب المتفرد بالخلق والرزق والتدبير الذي ربى جميع الخلق بالنعم وربى خواص خلقه وهم الأنبياء وأتباعهم بالعقائد الصحيحة والأخلاق الجميلة والعلوم النافعة والأعمال الصالحة، وهذه التربية النافعة للقلوب والأرواح المثمرة لسعادة الدارين([5]) انتهى.

وتوحيد الأسماء والصفات وهو إثبات ما أثبته لنفسه وأثبته لـه رسوله من الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا من غير تشبيه ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل.

الشرح: هذا هو النوع الثاني من أنواع التوحيد وهو توحيد الأسماء والصفات وهو اعتقاد انفراد الرب سبحانه بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة والجلال والجمال التي لا يشاركه فيها مشارك بوجه من الوجوه وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته لـه رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع الأسماء والصفات ومعانيها وأحكامها الواردة في الكتاب والسُنة على الوجه اللائق بعظمته وجلاله، من غير نفي لشيء منها ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل. ونفيُ ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من النقائص والعيوب، وعن كل ما ينافي كماله([6]).


وقال أيضاً في بيان أركان الإيمان بأسماء الله وصفاته هما ثلاثة:

1- إيـمان بالأسماء الحسنى كلها.
2- الإيـمان بـما دلت عليه من الصفات.

الإيـمان بأحكام صفاته ومتعلقاتها. فنؤمن بأنه عليم لـه العلم الكامل المحيط بكل شيء وأنه قدير ذو قدرة عظيمة يقدر بها على كل شيء وهكذا بقية الأسماء الحسنى والصفات ومتعلقاتها([7]).

وقال أيضاً رحمه الله: فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه وقوى يقينه. فينبغي للمؤمن أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الأسماء والصفات وتكون معرفته سالمة من داء التعطيل، ومن داء التمثيل، اللذين ابتلي بها كثير من أهل البدع المخالفة لما جاء به الرسول، بل تكون المعرفة متلقاة من الكتاب والسُنة، وما روى عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فهذه هي المعرفة النافعة التي لا يزال صاحبها في زيادة في إيمانه وقوة يقينه وطمأنينة في أحواله([8]).

وتوحيد الألوهية والعبادة وهو إفراده وحده بأجناس العبادة وأنواعها وإفرادها من غير إشراك به في شيء منها مع اعتقاد كمال ألوهيته.

الشرح: هذا هو النوع الثالث من أنواع التوحيد وهو توحيد الألوهية ومعناه إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة قولاً وعملاً ونفي العبادة عن كل من سوى الله تعالى كائناً من كان([9]).

وقال ابن سعدي رحمه الله في بيان حد توحيد الألوهية قال: (فأما حده وتفسيره وأركانه فهو أن يعلم ويعترف على وجه العلم واليقين أن الله هو المألوه وحده المعبود على الحقيقة وأن صفات الألوهية ومعانيها ليست موجودة بأحد من المخلوقات ولا يستحقها إلا الله فإذا عرف ذلك واعترف به حقاً أفرده بالعبادة كلها الظاهرة والباطنة فيقوم بشرائع الإسلام كالصلاة والزكاة وغيرها إلى أن قال رحمه الله لا يقصد به غرضاً من الأغراض غير رضا ربه وطلب ثوابه متابعاً في ذلك([10]) الرسول صلى الله عليه وسلم.

فدخل في توحيد الربوبية إثبات القضاء والقدر وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه على كل شيء قدير وأنه الغني الحميد وما سواه فقير إليه من كل وجه.

الشرح: قولـه رحمه الله (فدخل في توحيد الربوبية إثبات القضاء والقدر) وجه دخول القضاء والقدر في توحيد الربوبية أنها من أفعاله سبحانه وتوحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله ولذا أدخل الشيخ رحمه الله القضاء والقدر من جملة توحيد الربوبية.

وقولـه: (وأن ما شاء الله كان ... إلخ) هذا هو معنى الإيمان بالقضاء والقدر الذي دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك)([11]).

وقولـه رحمه الله (وأنه الغني وما سواه فقير إليه من كل وجه) لقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) ([12]).

ودخل في توحيد الأسماء والصفات إثبات جميع معاني الأسماء الحسنى لله تعالى الواردة في الكتاب والسُنة والإيمان بها ثلاث درجات إيـمان بالأسماء وإيـمان بالصفات وإيـمان بإحكام صفاته كالعلم بأنه عليم ذو علم ويعلم كل شيء قدير ذو قدرة ويقدر على كل شيء إلى آخر ما له من الأسماء.

الشرح: مر بنا جملة مما ذكره الشيخ في بيان توحيد الأسماء والصفات وكيفية الإيـمان بها.

وقال أيضاً رحمه الله في ذكر أصول الإيـمان الكلية: فعلى كل مؤمن أن يؤمن بالله ويدخل في الإيـمان بالله الإيـمان بكل ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال ونفي أضدادها وأركان ذلك ثلاث:

1- الإيـمان بالأسماء كالعزيز الحكيم العليم الرحيم إلى آخرها.
2- والإيـمان بالصفات: كالإيـمان بكمال عزة الله وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته.
الإيـمان بإحكام الصفات ومتعلقاتها: كالإيـمان أنه يعلم كل شيء ويقدر على كل شيء ورحمته وسعت كل شيء إلى آخرها([13]).

ودخل في ذلك إثبات علوه على خلقه واستوائه على عرشه ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا على الوجه اللائق بجلاله وعظمته.

الشرح: أي ودخل في توحيد الأسماء والصفات هذه الأمور الثلاثة الأول علوه على خلقه الثاني استوائه على عرشه الثالث نزولـه كل ليلة إلى سماء الدنيا على الوجه اللائق بجلاله وعظمته. وقد أفرد الشيخ رحمه الله هذه الثلاث بالذكر لأن أكثر الفرق خالفت أهل السنة في ذلك بما فيهم الأشاعرة.

وقولـه رحمه الله (.... إثبات علوه على خلقه) علو الله تعالى من صفاته الذاتية كما سيوضحه رحمه الله بعد ذلك وعلو الله تعالى ينقسم إلى قسمين.

علو ذات : معناه أنه سبحانه وتعالى بذاته فوق جميع مخلوقاته.
وعلو صفة ومعناه ما من صفة كمال إلا ولله تعالى أعلاها وأكملها.

وقولـه رحمه الله : (... واستوائه على عرشه) استواء الله على عرشه من الصفات الفعلية التي جاءت بها نصوص الكتاب والسنة والاستواء معناه علوه واستقراره على عرشه علواً واستقراراً يليق بعظمته وجلاله سبحانه وتعالى بخلاف ما جاءت به تأويلات أهل البدع من تفسير الاستواء بالاستيلاء تعالى الله عما يقوله الظالمون علواً كبيراً.

وقولـه رحمه الله : (.... ونزولـه كل ليلة إلى سماء الدنيا.. إلخ) نزولـه سبحانه وتعالى من الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئته وحكمته ونزوله سبحانه نزول حقيقي يليق بجلاله وعظمته ولا يصح تحريف معناه إلى غير ذلك من التحريفات الباطلة مثل قولهم معنى النزول نزول أمره أو رحمته أو ملك من ملائكته فهذا من أبطل الباطل.

قال رحمه الله : (نعرف ربنا بأنه عليَّ أعلى بكل معنى واعتبار علو الذات وعلو القدر والصفات وعلو القهر وأنه بائن من خلقه مستو على عرشه كما وصف لنا نفسه بذلك إلى آخر ما قاله([14]) رحمه الله.

ودخل في ذلك إثبات الصفات الذاتية التي لا ينفك عنها كالسمع والبصر والعلم والعلو ونحوها والصفات الفعلية المتعلقة بمشيئته وقدرته كالكلام والخلق والرزق والرحمة والاستواء على العرش والنزول إلى سماء الدنيا كما يشاء وأن جميعها تثبت من من غير تمثيل ولا تعطيل وأنها كلها قائمة بذاته وهو موصوف بها.

الشرح: تنقسم صفات الله تعالى إلى قسمين ذكرهما المؤلف رحمه الله.

الأولى: الصفات الذاتية وفسرها بقوله (التي لا ينفك عنها) أي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها كصفة السمع والبصر والعلم والعلو والقدرة والعزة والحكمة وكذلك صفة الوجه واليدين والعينين.

الثانية: الصفات الفعلية وبينها رحمه الله بقولـه: (المتعلقة بمشيئته وقدرته) أي التي إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كصفة الرحمة والرزق والخلق والاستواء والنزول وغيرها من صفات الأفعال.

أما الكلام فقد أدخله المؤلف بأنه من صفات الأفعال وهذا حق ولكنه أيضاً يعد من صفات الذات فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية لأن الله لم يزل ولا يزال متكلماً، وباعتبار آحاد الكلام فإنه صفة فعلية لأن الكلام يتعلق بمشيئه([15]). ثم ذكر المؤلف المحاذير التي يجب التخلي عنها عند إثبات صفات الباري سبحانه وتعالى (وأن جميعها تثبت من غير تمثيل ولا تعطيل).

وأنه تعالى لم يزل ولا يزال يقول ويفعل وأنه فعال لـما يريد ويتكلم بـما شاء إذا شاء كيف شاء لـم يزل بالكلام موصوفاً وبالرحمة والإحسان معروفاً.

الشرح: قولـه رحمه الله: (وأنه تعالى لم يزل ولا يزال يقول ويفعل وأنه فعال لـما يريد) ذكر هذا الكلام رحمه الله رداً على الجهمية والمنحرفين من أهل الكلام الذين توهموا أن الفعل هو المفعول وأنه إذا كان غيره لزم حلول الحوادث بالله وهذا الوهم باطل وخطأ وضلال واضح فإن الله لم يزل فعالاً لـما يريد ولـم يزل يفعله أي يفعل الأشياء ويحدث الحوادث شيئاً بعد شيء ولا يلزم من هذا حلول الحوادث في ذاته وأن الحوادث منفصلة عنه والفعل الذي هو الوصف قديم النوع ولكنه لا يزال يفعل ما يريد([16]).

وقولـه رحمه الله : (ويتكلم بما شاء إذا شاء كيف شاء لم يزل بالكلام موصوفاً) أي أنه سبحانه لم يزل ولا يزال بصفة الكلام معروفاً وموصوفاً وكلامه سبحانه من صفاته الذاتية الفعلية غير مخلوق كسائر صفات أفعاله.

قال الله تعالى: ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً )([17]) وذكر كلامه في مواضع كثيرة من كتابه([18]).

ودخل في ذلك الإيمان بأن القرآن كلام الله منـزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود وأنه المتكلم به حقاً وأن كلامه لا ينفد ولا يبيد.

الشرح: قولـه رحمه الله (ودخل في ذلك الإيـمان بأن القرآن كلام الله .... إلخ) الضمير في ذلك يعود على توحيد الأسماء والصفات وقد بين الشيخ عقيدة سلف الأمة في القرآن فقال بأنه (كلام الله) منزل غير مخلوق بخلاف كلام المعتزلة والكلابية والأشاعرة والكرامية وغيرهم ممن قالوا بأنه مخلوق أو أنه عبارة عن كلام الله أو حكاية عن كلامه ونحو ذلك من الأقوال الباطلة. فأهل السنة يعتقدون أن القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولاً وأنزل على رسوله وحياً وصدقه على ذلك المؤمنون حقاً وأيقنوا أنه كلام الله بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر وقد ذمه الله تعالى وعابه وأوعده بسقر. وقولـه رحمه الله (منه بدأ) أي ظهر وخرج منه سبحانه أي هو المتكلم به وهو الذي أنزلـه من لدنه (وإليه يعود) أي يرجع بأن يسري به في آخر الزمان ويرفع فلا يبقى في الصدور ولا في المصاحف منه آية.

ودخل في ذلك الإيـمان بأنه قريب مجيب وأنه مع ذلك علي أعلا وأنه لا منافاة بين كمال علوه وكمال قربه لأنه ليس كمثله شيء في جميع نعوته وصفاته.

الشرح: أي ودخل في الإيمان بأسماء الله وصفاته الإيمان بأنه قريب مجيب... إلخ. وحيث إن مسألة علو الله على خلقه حصل فيها اختلاف كثير ومخاصمات بين أهل السنة والجماعة وبين طوائف الجهمية والمعتزلة ومن حذا حذوهم من الأشاعرة وغيرهم بيَّن المؤلف رحمه الله معتقد أهل السنة والجماعة فيها وقد ذكرنا طرفاً مما قاله الشيخ رحمه الله في علو الله على خلقه واستوائه على عرشه ولكن هنا ذكر الشيخ أمراً آخر وهو أنه مع علوه سبحانه على عرشه فإنه قريب منهم ولا منافاة بين كمال علوه وكمال قربه.

قال شيخ الإسلام رحمه الله في الواسطية (وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله الإيمان بما أخبر الله به في كتابه وتواتر عن رسوله وأجمع عليه سلف الأمة من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه عليٌّ على خلقه وهو سبحانه معهم أينما كانوا يعلم ما هم عاملون.
وقال أيضاً: (وقد دخل في الإيمان بأنه قريب مجيب كما جمــع بين ذلك في قولـه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ë) الآية. وقوله صلى الله عليه وسلم للصحابة لما رفعوا أصواتهم بالذكر أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصماً ولا غائباً، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته. وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في نعوته وهو عليٌّ في دنوه قريب في علوه([19]).

ولا يتم توحيد الأسماء والصفات حتى يؤمن بكل ما جاء به الكتاب والسنة من الأسماء والصفات والأفعال وأحكامها على وجه يليق بعظمة الباري ويعلم أنه كما أنه لا يمائله أحد في ذاته فلا يماثله أحد في صفاته.

الشرح: قولـه رحــمه الله (ولا يتم توحيد الأسماء والصفات حتى يؤمن بكل ما جاء به الكتاب والسنة .... إلخ) يريد أن يبين ما يقتضيه الإيمان بالأسماء والصفات فإنه يجب الإيمان بجميع ماجاءت به النصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة النبوية لا نؤمن ببعض ونكفر بالبعض الآخر كما فعلت بعض الطوائف الذين آمنوا ببعض الصفات وأولوا البعض الآخر وصرفوا النصوص عن ظاهرها أو آمنوا بالأسماء ثم عطلوا ما يقتضيه الاسم فقالوا رحيم بلا رحمة أو عزيز بلا عزة وهكذا في جميع أسماء الله تعالى فالمؤلف رحمه الله بين ذلك أتم البيان وعلله بأنه (كما أنه لا يماثله أحد في ذاته فلا يماثله أحد في صفاته) وذلك لأن القول في الذات كالقول في الصفات ولذلك قالوا لو قال لك المعطل أنا لا أثبت صفاته لأن إثباتها يقتضي التشبيه أو التمثيل فقل لـه إذاً صف لي ذاته فلا بد أن يقول لك لا أعلم كيفية ذاته فقل له إذاً فكما أنك لا تعلم كيفية ذاته كذلك لا تعرف كيفية صفاته سبحانه وتعالى لقولـه تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) .

ومن ظن أن في بعض العقليات ما يوجب تأويل بعض الصفات على غير معناها المعروف فقد ضل ضلالاً مبيناً.

الشرح: قولـه رحمه الله : (ومن ظن أن في بعض العقليات... إلخ) يريد أن يرد على الذين أولوا صفات الباري سبحانه وتعالى فقالوا بأنها لا تدل على إثبات تلك الصفة لله سبحانه وإنما تدل على معنى آخر فقالوا مثلاً في صفة اليد إنه ليس لـه ثمَّ يد وإنما هي كناية عن القدرة وكذا في صفة الرضى فأولوها فقالوا لا تثبت لله هذه الصفة وإنما المراد إرادة الإنعام وكذا في باقي الصفات أولوها على غير المراد وذلك باستخدام عقولهم القاصرة قال الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ([20]).

قال ابن القيم رحمه الله : (فتبين أن التأويل الصحيح كله يعود إلى فهم مراد الله ورسوله وإلى العمل بالخبر، وأن التأويل الباطل يراد به ضد ذلك ويراد به صرف النصوص عن معناها الذي أراده الله ورسوله ، إلى بدعهم وضلالهم وهو من أعظم ما يدخل في القول على الله بلا علم وقول غير الحق.

وقال أيضاً: يعني ابن القيم رحمه الله: (وبالجملة فالتأويل الذي يوافق ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة ويطابقها هو التأويل الصحيح والتأويل الذي يخالف ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة هو التأويل الفاسد ولا فرق بين باب الخبر والأمر في ذلك وكل تأويل وافق ما جاء به الرسول فهو المقبول وما خالفه فهو المردود([21]).

ولا يتم توحيد الربوبية حتى يعتقد العبد أن أفعال العباد مخلوقة لله وأن مشيئتهم تابعة لمشيئة الله.

الشرح: قولـه رحمه الله: (ولا يتم توحيد الربوبية حتى يعتقد العبد أن أفعال العباد مخلوقة لله) وذلك لأن الأدلة القرآنية دلــــت على ذلـــك قـال الله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)([22]) قال أهل التفسير في معنى (ما) في الآية وجهان.

أحدهما: أن تكون بمعنى المصدر فيكون معنى الآية: والله خلقكم وعملكم.
الثاني: أن تكون (ما) بمعنى الذي فيكون المعنى والله خلقكم وخلق الذي تعملونه من الأصنام([23]) وغيرها.

قال رحمه الله : (أفعال العباد كلها من الطاعات والمعاصي داخلة في خلق الله وقضائه وقدره ولكنهم هم الفاعلون لها لم يجبرهم الله عليها مع أنها واقعة بمشيئتهم وقدرتهم، فهي فعلهم حقيقة وهم الموصوفون بها المثابون المعاقبون عليها وهي خلق الله حقيقة فإن الله خلقهم وخلق مشيئتهم وقدرتهم وجميع ما يقع بذلك فنؤمن بجميع نصوص الكتاب والسنة([24]).

وأن لهم أفعالاً وإرادة تقع بها أفعالهم وهي متعلق الأمر والنهي وأنه لا يتنافى الأمران إثبات مشيئة الله العامة الشاملة للذوات والأفعال والصفات وإثبات قدرة العبد على أفعاله وأقواله.

الشرح: كلام الشيخ رحمه الله في هذا المقطع والذي قبله كله يرد على طائفتين ممن خالفوا أهل السنة وهم الجبرية الذين قالوا بأن العبد مجبور على فعله فالعباد عندهم ليسوا فاعلين حقيقة وإسناد الأفعال إليهم من باب المجاز أما الطائفة الثانية فهم القدرية مجوس هذه الأمة الذين قالوا إن الله لم يخلق أفعال العباد وإنما هم خالقوها استقلالاً دون مشيئة الله وتقديره لها فبيَّن المؤلف رحمه الله معتقد أهل السنة في ذلك. وخلاصة القول في مسألة خلق أفعال العباد. أن أفعال العباد كلها من الطاعات والمعاصي داخلة في خلق الله وقضائه وقدره فقد علم الله ما سيخلقه في عباده وعلم ما هم فاعلون وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، وخلقهم الله كما شاء ومضى فيهم قدره. فأفعال العباد هي من الله خلقاً وإيجاداً وتقديراً وهي من العباد فعلاً وكسباً، فالله هو الخالق لأفعالهم وهم الفاعلون لها.

قال شيخ الإسلام([25]): والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة والله خالقهـــم وخــالــــق قدرتهم وإرادتهم كما قــــال تعـــالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) ([26]).

ولا يتم توحيد العبد حتى يخلص العبد لله تعالى في إرادته وأقواله وأفعاله وحتى يدع الشرك الأكبر المنافي للتوحيد كل المنافاة وهو أن يصرف نوعاً من أنواع العبادة لغير الله تعالى.

الشرح: قولـه رحمه الله : (ولا يتم توحيد العبد حتى يخلص العبد لله تعالى في إرادته وأقواله وأفعاله) هذا الكلام في بيان كيفية تحقيق التوحيد فذكر الشيخ طرفاً من كيفية تحقيقه وقال أيضاً: (فإن تحقيق التوحيد تهذيبه وتصفيته من الشرك الأكبر والأصغر ومن البدع القولية الاعتقادية والبدع الفعلية العملية، ومن المعاصي وذلك بكمال الإخلاص لله في الأقوال والأفعال والإرادات، وبالسلامة من الشرك الأكبر المناقض لأصل التوحيد ومن الشرك الأصغر المنافي لكماله، وبالسلامة من البدع التي تكدر التوحيد وتمنع كماله وتعوقه عن حصول آثاره([27]).

وقولـه رحمه الله في الشرك الأكبر (وهو أن يصرف نوعاً من أنواع العبادة لغير الله تعالى) هذا هو تعريف الشرك الأكبر فمتى صرف العبد نوعاً من أنواع العبادة كنذر وذبح ونـحوها لـغير الله فهو مشرك كافر لقوله تعالى: ( ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) ([28]).

وقــولـه: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ) ([29]).

قال الشيخ رحمه الله: (فالشرك الأكبر أن يصرف العبد نوعاً من أنواع العبادة لغير الله ، كأن يدعو غير الله أو يرجوه أو يخافه فهذا مخرج من الدين وصاحبه مخلد في النار)([30]).
وكمال ذلك أن يدع الشرك الأصغر وهو كل وسيلة قريبة يتوصل بها إلى الشرك الأكبر كالحلف بغير الله ويسير الرياء ونحو ذلك.

الشرح: قولـه رحمه اله: (وكمال ذلك) أي وكمال التوحيد يكون بأن (يدع الشرك الأصغر) ثم عرفه بقولـه: (وهو كل وسيلة قريبة يتوصل بها إلى الشرك الأكبر) ثم مثل لـه بقولـه: (كالحلف بغير الله ويسير الرياء ونحو ذلك) فحد الشرك الأصغر عند ابن سعدي رحمه الله أنه كل وسيلة وذريعة يتطرق فيها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة([31]).

أما جمهور أهل العلم فيُعرِّفون الشرك الأصغر بأنه: (ما أتى في النصوص أنه شــرك ولم يصـل إلى حد الشرك الأكبر)([32]).

وتعريف الجمهور هو ما أفتت به اللجنة الدائمة فقالت:
الشرك الأصغر هو: (كل ما نهى عنه الشرع بما هو ذريعة إلى الأكبر ووسيلة للوقوع فيه وجاء في النصوص تسميته شركاً)([33]).

والفرق بين تعريف ابن سعدي وجمهور أهل العلم هو:
أن جمهور أهل العلم يشترطون كون الفعل جاءت به نصوص الشريعة بتسميته شركاً كالحلف بغير الله وقول ما شاء الله وشئت وغيرها من الأقوال أما ابن سعدي رحمه الله فيضيق هذا الأمر تضييقاً محكماً فيجعل الوسائل كلها سواء جاء تسميتها شركاً أو لم تجيء هي في حكم الشرك الأصغر وعلى ذلك فمثلاً قراءة القرآن عند صاحب القبر على قول الجمهور أنها بدعة لأنه لم يأت تسميتها شركاً أما عند بن سعدي فيرى أنه من جملة الشرك الأصغر لأنها وسيلة لحصول الشرك الأكبر. ولعل تفسير بن سعدي رحمه الله للشرك الأصغر هو الأضبط والأولى في ذلك والله أعلم.

والناس في التوحيد على درجات متفاوتة بحسب ما قاموا به من معرفة الله والقيام بعبوديته فأكملهم في هذا الباب من عرف من تفاصيل أسماء الله وصفاته وأفعاله وآلائه ومعانيها الثابتة في الكتاب والسُنة وفهمها فهماً صحيحاً فامتلأ قلبه من معرفة الله وتعظيمه وإجلاله ومحبته والإنابة إليه وانجذاب جميع دواعي قلبه إلى الله تعالى متوجهاً إليه وحده لا شريك له.

الشرح: قولـه رحمه الله: (والناس في التوحيد على درجات متفاوتة، كما بين ذلك ربنا بقوله: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ) فأعظمهم وأكملهم آخرهم ذكراً وذلك لكمال علمه بخالقه سبحانه وتعالى فسابق إلى فعل الخيرات مع ما هو فيه من كمال توحيد خالقه سبحانه وتعالى ولا يتم ذلك إلا بالعلم به سبحانه والعلم بأسمائه وصفات وأفعاله لذا قال رحمه الله: (فأكملهم في هذا الباب) أي فأكملهم في باب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد. (من عرف من تفاصيل أسماء الله وصفاته) أي عرف الاسم وما يقتضيه هذا الاسم وعلم الصفة وما تقتضيه هذه الصفة فمثلاً علم أن من أسمائه (السميع البصير) فيؤمن بتفاصيل هذين الاسمين فالسميع أي الذي أحاط سمعه بجميع المسموعات، فكل ما في العالم العلوي والسفلي من الأصوات يسمعها: سرها وعلنها وكأنها لديه صوت واحد لا تختلط عليه الأصوات ولا تخفى عليه جميع اللغات، بل القريب منها والبعيد والسر والعلانية عنده سواء أما البصر فيؤمن بتفاصيل هذا الاسم أيضاً من أنه سبحانه أحاط بصره بجميع المبصرات في أقطار الأرض والسماوات ، حتى أخفى ما يكون فيها، فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وجميع أعضائها الظاهرة والباطنة وهكذا في جميع أسمائه سبحانه وتعالى وصفاته.

وقوله رحمه الله: (وأفعاله وآلائه ومعانيها الثابتة في الكتاب والسنة).

أما أفعال الله سبحانه فكلها متعلقة بصفاته الثلاث القدرة الكاملة والمشيئة النافذة والحكمة الشاملة فلا تخرج أفعاله سبحانه عن ذلك.

أما أفعاله سبحانه الاختيارية فهي نوعان:
الأول: متعلقة بذاته المقدسة كالاستواء على العرش والنزول كل ليلة إلى سماء الدنيا والمجيء والإتيان ونحوها.

الثاني: تتعلق بالمخلوقات كالخلق والرزق والإحياء والإماتة والعطاء والمنع وأنواع التدابير الكونية والشرعية.

أما آلائه سبحانه وتعالى فهي نعمه الظاهرة والباطنة التي ينعم بها على عباده.
وقوله رحمه الله (وفهمها فهماً صحيحاً) أي فهم أسماء الله وصفاته وأفعاله وآلائه (فهماً صحيحاً) أي بما فهمه سلف الأمة رضوان الله عليهم لا بفهم أهل البدع الذين انحرفوا عن منهج السلف الصالح.

قوله رحمه الله: (فامتلأ قلبه من معرفة الله وتعظيمه وإجلاله... إلخ).3.

فهذا لا شك هو أعرف الناس بربه فمتى عرف العبد أسماء الله وصفاته وأفعاله وآلاءه الظاهرة والباطنة حق المعرفة فلابد أن تدله إلى محبة الرب وتعظيمه وإجلاله.
فبقدر معرفة العبد بأسماء الله وصفاته بقدر ما يحصل له من خشية وإنابة وخوف منه سبحانه.

ووقعت جميع حركاته وسكناته في كمال الإيمان والإخلاص التام الذي لا يساويه شيء من الأغراض الفاسدة فاطمأن إلى الله معرفة وإنابة وفعلاً وتركاً وتكميلاً لنفسه وتكميلاً لغيره بالدعوة إلى هذا الأصل العظيم فنسأل الله من فضله وكرمه أن يتفضل علينا بذلك.

الشرح: (قولـه رحمه الله: ووقعت جميع حركاته وسكناته في كمال الإيمان).

الضمير هنا يعود على أكمل الناس في درجات التوحيد فبعد أن بين الوسائل التي يكمل بها توحيد العبد وذلك بمعرفة الرب سبحانه وأسمائه وصفاته وأفعاله وآلائه وغيرها مع فهمها فهما صحيحاً قرن ذلك كله بوقوعها على الوجه المرضي لـه سبحانه بأن تكون في كمال الإيمان والإخلاص التام فلا يكفي العلم فرب علم أعقبه ندم كثير فالعلم بالله والعلم بأحكامه الشرعية لابد أن يكون على إخلاص لا يساويه شيء من الأغراض الفاسدة كالرياء والسمعة ومحبة الذكر وغيرها قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) ([34]).

وقولـه رحمه الله: (فاطمأن إلى الله معرفة، أي معرفة بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته مع ما يقتضيه ذلك كله (وإنابة) الإنابة هي التوبة النصوح والرجوع إلى الله تعالى.

(وفعلاً) أي وفعلاً لأوامره سبحانه وتعالى أمر بها (وتركاً) أي تركاً لمنهياته التي نهى عنها (وتكميلاً لنفسه) وذلك بفعل نوافل الطاعات (وتكميلا لغيره) لأن هذا من الدين الذي بينه صلى الله عليه وسلم (الدين النصحية)([35]).

قال الشيخ رحمه الله: (والنصحية لأئمة المسلمين وعامتهم: أن يحب لهم الخير ويكره لهم الشر ويسعى في ذلك بحسب مقدوره، فيعلِّم جاهلهم، ويرشد منحرفهم، ويذكِّر غافلهم، ويعظ معرضهم ومعارضيهم، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ويسلك كل طريق فيه صلاح لإخوانه المسلمين ويسعى في تأليف ذات بينهم، وفي إرشادهم على اختلاف طبقاتهم لمصالح دينهم ودنياهم كل أحد على حسب حاله([36]).


وقال أيضاً: (وأما واجب أهل العلم المتعلق بالخلق فإن مهمتهم أعظم المهمات وعليهم من القيام بالحقوق أضعاف ما على غيرهم، فإن الله أوجب على أهل العلم أن يبينوه للناس ولا يكتمونه، فيعلمون الجاهل وينصحون ويذكرون ويعظون ويصدعون بأمر الله، ويظهرون دين الله، فكما أمر الله الجهال أن يتعلموا فقد أمر أهل العلم أن يعلموا الناس على اختلاف طبقاتهم، وأن يحنوا عليهم ويعلموهم مما علمهم الله)([37]).


الأصل الثاني

الإيـمان بنبوة جميع الأنبياء عموماً ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم خصوصاً.
قولـه رحمه الله (الأصل الثاني) أي الأصل الثاني من أصول العقائد الدينية (الإيمان بنبوة جميع الأنبياء عموماً) لقـولـه تعالـى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ )([38])

وقولـه صلى الله عليه وسلم في حــديث جبريل حين سأله عن الإيمان قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره)([39]).

فمن كفر بواحد من الأنبياء فهو كافر بهم جميعاً وقولـه رحمه الله (ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم خصوصاً) لأنه خاتم النبيين ورسالته عامة لجميع الناس قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) ([40]).

وقولـه تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) ([41]).
وهذا الأصل مبناه على أن يعتقد ويؤمن بأن جميع الأنبياء قد اختصهم الله بوحيه وإرساله وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه في تبليغ شرعه ودينه.

الشرح: ثم شرع المؤلف رحمه الله في بيان ما يتضمنه الإيمان بالرسل فقال : (وهذا الأصل مبناه على أن يعتقد ويؤمن بأن جميع الأنبياء قد اختصهم الله بوحيه وإرساله) هذا هو الأمر الأول ودليله قوله تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ)([42]). فهذا دليل الاختصاص بالنبــــوة والرسالة ودليل الإحـــيـــاء والإرسال قولـه تعالى:( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)([43]).

وقولـه تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً ) ([44]).

وقولـه رحمه الله: (وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه في تبليغ دينه) هذا هو الأمر الثاني فيما يجب نحو الإيمان بأنبياء الله ورسله فإنهم واسطة بين الله وبين خلقه فلم يكن لهم من صفات الربوبية والألوهـيــة شيء. قــال الله تعـالى لنبيه:( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ([45]).

فلا يجوز للعبد أن يتوجه بشيء من أنواع العبادات لغير الله.

وأن الله أيدهم بالبراهين الدالة على صدقهم وصحة ما جاءوا به وأنهم أكمل الخلق علماً وعملاً وأصدقهم وأبرهم وأكملهم أخلاقاً وأعمالاً.

الشرح: قولـه رحمه الله : (وأن الله أيدهم بالبراهين الدالة على صدقهم وصحة ما جاءوا به) أي ومما يجب الإيمان به نحو أنبياء الله ورسله أن الله سبحانه وتعالى أيدهم بالبراهين وهي الأدلة والعلامات المستلزمة لصدقهم.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: (الآيات والبراهين دالة على صدق الرسل وأنهم لا يقولون على الله إلا الحق وأنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله من الخبر والطلب لا يجوز أن يستقر في خبرهم عن الله شيء من الخطأ كما اتفق على ذلك جميع المقرين بالرسل من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم فوجب أن جميع ما يخبر الرسول عن الله صدق وحق لا يجوز أن يكون في ذلك شيء مناقض لدليل عقلي ولا سمعي فمتى علم المؤمن بالرسول أنه أخبر بشيء من ذلك جزم جزماً قاطعاً أنه حق وأنه لا يجوز أن يكون في الباطن بخلاف ما أخبر به وأنه يمنع أن يعارضه دليل قطعي لا عقلي ولا سمعي وأن كل ما ظن أنه عارضه من ذلك فإنما هو بحجج داحضة وشبه من جنس شبه السوفسطائية إلى آخر ما قاله رحمه الله ([46]).

وأن الله خصهم بخصائص وفضائل لا يلحقهم بها أحد وأن الله برأهم من كل خلق رذيل.

الشرح: قولـه رحمه الله (وأن الله خصهم بخصائص وفضائل… إلخ). أي ومن جملة ما يجب الإيمان به نحو أنبياء الله ورسله أن الله خصهم بخصائص وفضائل ليست مما تكون لغيرهم يعلمون أن الله لم يخلق مثلها لغير الأنبياء كما ذكرنا سابقاً في ذكر بعض المعجزات التي أيد الله بها أنبياءه ورسله وقولـه رحمه الله (لا يلحقهم بها أحد) كمن يدعي النبوة أو السحرة والمشعوذون فإن لهم خوارق للعادة ولكن لا يمكن بأي حال أن تصل إلى خوارق الأنبياء، فإن خوارق السحرة والمشعوذين ومدعي النبوة مبناها على الفسق والكذب والظلم والشرك والكفر والفواحش ولذا كانت خوارقهم يمكن إبطالها ومعارضتها بخلاف ما اختص الله به الأنبياء فإن خوارقهم لا يمكن غيرهم أن يعارضها ولا يمكن إبطالها لا من جنسهم ولا من غير جنسهم فإن الأنبياء يصدق بعضهم بعضاً([47]).

وأنهم معصومون فيما يبلغون عن الله تعالى وأنه لا يستقر في خبرهم إلا الحق والصواب.
الشرح: اشتمل كلام المؤلف رحمه الله على أمرين يجب الإيمان بهما في حق أنبياء الله ورسله:

الأول: أنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله تعالى وهذا بإجماع العلماء.

قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله: (فرسله صادقون فيما يقولون) فكل ما يخبرون به عن الله وعن غيره من مخلوقاته فهم صادقون فيه لا يكذبون أبداً. ولهذا أجمع العلماء على أن الرسل عليهم الصلاة والسلام معصومون عن الكذب([48]).

الثاني: أن الرسل لا يستقر في خبرهم إلا الحق والصواب وذلك لأنه من وحي الله سبحانه وتعالى لهم فمن طعن في خبرهم فقد طعن في الوحي قال الله تعالى في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) ([49]).

وقد ذكرنا طرفاً من كلام شيخ الإسلام عند كلام الـمؤلف رحمه الله (وأن الله أيدهم بالبراهـين.. إلخ) فليراجع .

وأنه يجب الإيمان بهم وبكل ما أوتوه من الله ومحبتهم وتعظيمهم وأن هذه الأمور ثابتة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم على أكمل الوجوه.

الشرح: قولـه رحمه الله: (وأنه يجب الإيمان بهم وبكل ما أوتوه من الله ومحبتهم وتعظيمهم) هذا أيضاً أصل من أصول الإيمان بأنبياء الله ورسله فكما أنه يجب الإيمان بهم يجب الإيمان بما آتاهم الله وكذلك محبتهم وتعظيمهم والثناء عليهم بما يليق بهم لأنهم رسل الله تعالى ولأنهم قاموا بعبادته وتبليغ رسالته والنصح لعباده فأخرجوا الناس من ظلمات الكفر والشرك إلى نور التوحيد والإخلاص.

وقولـه رحمه الله: (وأن هذه الأمور ثابتة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم على أكمل وجه): أي المحبة والتعظيم والتوقير والثناء وغيرها من الأمور الجميلة ثابتة في حق النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لأنه خاتم الأنبياء ورسول رب العالمين للناس كافة ولذا استحق أن يكون خليل الرحمن قال الله تعالى: ( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) ([50]).

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآيات: (يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( إنا أرسلناك شاهدا) أي على الخلق (ومبشرا)أي للمؤمنين (ونذيرا) أي للكافـــــرين وقـد تقدم تفسيرها في سورة الأحــــزاب: ( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ ) قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد وتعظموه (وَتُوَقِّرُوهُ) من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام. انتهى المراد من تفسيره رحمه الله ([51]).

وأنه يجب معرفة جميع ما جاء به من الشرع جملة وتفصيلاً والإيمان بذلك والتزام طاعته في كل شيء بتصديق خبره وامتثال أمره واجتناب نهيه.

قولـه رحمه الله: (وأنه يجب معرفة جميع ما جاء به من الشرع جملة وتفصيلاً والإيمان بذلك أما الإيمان بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فلا خلاف في وجوب الإيمان به أما معرفة جميع ما جاء به الرسول فهو يختلف باختلاف الأشخاص منهم من يكون في حقه واجب كالعلماء ومنهم من لا يكون في حقه واجب كمن دونهم ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله :

(ويجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إيماناً مجملاً ولا ريب أن معرفة ما جاء به من التفصيل فرض كفاية فإذا دخل في تبيلغ ما بعث الله به الرسول ودخل في تدبر القرآن وعلم الكتاب والحكمة وحفظ الذكر والدعاء إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعاء إلى سبيل الرب بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ونحو ذلك مما أوجبه الله على المؤمنين فهو واجب على الكفاية منهم وأما ما وجب على أعيانهم فهو يتنوع بتنوع قدرهم وحاجتهم ومعرفتهم وما أمر به أعيانهم ولا يجب على العاجز عن سماع بعض العلم أو فهم دقيقه ما يجب على القادر على ذلك ويجب على من سمع النصوص وفهمها من علم التفصيل ما لا يجب على من لم يسمعها ويجب على المفتي والمحدث والمجادل ما لا يجب على من ليس كذلك([52]).

وقولـه رحمه الله (والتزام طاعته…إلخ) هذا هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله فلا تتم هذه الشهادة إلا بذلك.

ومن ذلك أنه خاتم النبيين قد نسخت شريعته جميع الشرائع وأن نبوته وشريعته باقية إلى قيام الساعة فلا نبي بعده ولا شريعة غير شريعته في أصول الدين وفروعه.
الشرح: قولـه رحمه الله: (ومن ذلك أنه خاتم النبيين) كما قال تعالى:( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) ([53]).

وقـولـه صلى الله عليه وسلم (… وأنا خاتـم النبيين )([54]).

وقولـه رحمه الله: (قد نسخت شريعته جميع الشرائع) كما قال تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه)([55]) قال ابن سعدي رحمه الله في تفسيرها قولـه تعالى : (وأنزلنا إليك الكتاب). الذي هو القرآن العظيم أفضل الكتب وأجلها (بالحق) أي إنزالاً بالحق ومشتملاً على الحق في أخباره ونواهيه وأوامره (مصدقاً لما بين يديه من الكتاب) لأنه شهد لها ووافقها وطابقت أخباره أخبارها وشرائعه الكبار شرائعها وأخبرت به فصار وجوده مصادقاً لخبرها (ومهيمناً عليه) أي مشتملا على ما اشتملت عليه الكتب السابقة وزيادة في المطالب الإلهية والأخلاق النفسية([56]).

وقولـه رحمه الله: (وأن نبوته وشريعته باقية إلى قيام الساعة فلا نبي بعده ولا شريعة بعد شريعته في أصول الدين وفروعه).

هذا حق لا شك فيه فإن مقتضى كونه خاتم النبيين يستلزم أنه لا نبي بعده ولا شريعة بعد شريعته.

قال ابن القيم رحمه الله: وكما أن محمداً صلى الله عليه وسلم عام الرسالة إلى كل مكلف فرسالته عامة في كل شيء من الدين أصوله وفروعه دقيقه وجليله فكما لا يخرج أحد عن رسالته فكذلك لا يخرج حكم تحتاج إليه الأمة عنها وعن بيانه لها([57]).

ويدخل في الإيمان بالرسل الإيمان بالكتب، والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم يقتضي الإيمان بكل ما جاء به من الكتاب والسنة ألفاظها ومعانيها فلا يتم الإيمان به إلا بذلك.
الشرح: ثم شرع المؤلف رحمه الله في بيان أصل من أصول الإيمان الستة وهو الإيمان بالكتب فقال رحمه الله: (ويدخل في الإيمان بالرسل الإيمان بالكتب) ووجه دخول الإيمان بالكتب في الإيمان بالرسل أنه متى آمن العبد بالرسل فإن الإيمان بهم يقتضي الإيمان بما جاءوا به من الكتب التي أنزلها الله عليهم ومعنى الإيمان بالكتب هو التصديق الجازم بأنها كلها من عند الله عز وجل أنزلها على رسله إلى عباده بالحق المبين والهدى المستبين وأنها كلام الله عز وجل لا كلام غيره وأن الله تعالى تكلم بها حقيقة كما شاء على الوجه الذي أراد ومن الإيمان بها أيضاً الإيمان بكل ما فيها من الشرائع وأنه كان واجباً على الأمم الذين نزلت إليهم الصحف الأولى الانقياد لها والحكم بما فيها.

وقولـه رحمه الله: (فالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم يقتضي الإيمان بكل ما جاء به… إلخ) أما الإيمان بالكتاب فلم يختلف فيه أحد أما السنة فقد خالف في الإيمان بها من انحرف عن الطريق المستقيم طريق الذين أنعم الله عليهم فقد جاءت نصوص الكتاب والسنة في بيان أمر وجوب الإيمان بها ولذا قال حسان بن عطية: كان جبريل ينزل بالقرآن والسنة على النبي صلى الله عليه وسلم ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن قال الله تعالى: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة)([58]).

وقال: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة)([59]).

وقال:( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة) ([60]).

وكل من كان أعظم علماً بذلك وتصديقاً واعترافاً وعملاً كان أكمل إيماناً.

الشرح: قولـه رحمه الله: (وكل من كان أعظم علماً بذلك) أي بالكتاب والسنة (وتصديقاً) أي التصديق المتضمن لأعمال القلوب وأعمال البدن (واعترافاً) أي الاعتراف التام بجميع ما أمر الله ورسوله بالإيمان به (وعملاً) أي عمل القلب واللسان والجوارح (كان أكمل إيماناً) وذلك لأنه استكمل كل شيء فلم يبق إلا وصفه بذلك أي أكمل الناس إيماناً.
3
والإيمان بالملائكة والقدر داخل في هذا الأصل العظيم.

الشرح: قولـه رحمه الله (والإيمان بالملائكة والقدر داخل في هذا الأصل العظيم) أي ويدخل في الإيمان بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم الإيمان بالملائكة لأنهم أخبروا بوجودهم ودعوا الناس للإيمان بهم فهم عباد الله المكرمون والسفرة بينه تعالى وبين رسله عليهم الصلاة والسلام والإيمان بهم أحد أركان الإيمان الستة فمن كفر بهم أو كفر بواحد منهم فقد كفر بالله ورسله قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً ) ([61]).

ويدخل أيضاً في أصل الإيمان بالرسل الإيمان بالقدر قال الله تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) وقال صلى الله عليه وسلم في بيان أركان الإيمان( … وأن تؤمن بالقدر خيره وشره)([62]) والقدر هو تقدير الله عز وجل للأشياء فقد كتب الله مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما قال صلى الله عليه وسلم: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة)([63]).

ومن تمام الإيمان به أن يعلم أن ما جاء به حق لا يمكن أن يقوم دليل عقلي أو حسي على خلافه كما لا يقوم دليل نقلي على خلافه فالأمور العقلية أو الحسية النافعة تجد دلالة الكتاب والسُنة مثبتة لها حاثة على تعلمها وعملها وغير النافع من المذكورات ليس فيها ما ينبغي وجودها وإن كان الدليل الشرعي ينهى ويذم الأمور الضارة منها.

الشرح: قولـه رحمه الله : (ومن تمام الإيمان به أن يعلم أن ما جاء به حق … إلخ). هذا أيضاً من مقتضيات الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فلا تتم شهادة العبد للنبي صلى الله عليه وسلم بالنبوة ولا الرسالة إلا بما ذكره المؤلف رحمه الله وهي:

1- (أن يعلم أن ما جاء به حق) كما قال تعالى:(وأنزلنا إليك الكتاب بالحق)([64]).

2- أنه (لا يمكن أن يقوم دليل عقلي أو حسي على خلافه كما لا يقوم دليل نقلي على خلافه) أي أنه لا تعارض ولله الحمد بين نصوص الكتاب ونصوص السُنة فالعقل السليم والحس السليم لا يخالفان نصوص الكتاب والسُنة ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله (ما عُلِم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط)([65]).

3- (أن الأمور العقلية أو الحسية النافعة تجد دلالة الكتاب والسنة مثبتة لها حاثة على تعلمها وعملها.. إلخ. وهذا صحيح فكل ما فيه نفع للأفراد والمجتمعات قد قررته الشريعة وحثت عليه فقد أمر الله بالعدل مع كل أحد وبالإحسان والرحمة لكل أحد ونهى عن الفحشاء والبغي على الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وأمر بالوفاء بالعهود والمحافظة عليها وحذر من نقضها بهذه الأمور المذكورة وغيرها والعقل والحس جاءا بذلك والناس يثنون على من قام بها فقد كانت هذه الأمور وغيرها قبل الإسلام يعظمها أهل الجاهلية ويثنون على من قام بها وكذلك الأمور المنهي عنها من قبل العقل والحس تجدهم يذمون من قام بها أو ارتكبها فجاءت الشريعة تبين ذلك بالدليل الشرعي فاتفقا جميعاً.
ويدخل في الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بل وسائر الرسل.

الأصل الثالث : الإيمان باليوم الآخر

فكل ما جاء به الكتاب والسنة مما يكون بعد الموت فإنه من الإيمان باليوم الآخر كأحوال البرزخ وأحوال يوم القيامة وما فيها من الحساب والثواب والعقاب والشفاعة والميزان والصحف المأخوذة باليمين أو الشمال والصراط وأحوال الجنة والنار وأحوال أهلها وأنواع ما أعد الله فيها لأهلها إجمالاً وتفصيلاً فكل ذلك داخل في الإيمان باليوم الآخر.
الشرح: قولـه رحمه الله : (ويدخل في الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بل وسائر الرسل الأصل الثالث.. الإيمان باليوم الآخر).

وجه دخول الإيمان باليوم الآخر في الإيمان بالرسل لأن الرسل أخبروا به ودعوا الناس للإيمان به وبأنهم مجزيون على أعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر ولذلك بين الرب سبحانه أن الإيمان باليوم الآخر أصل من أصول الإيمان فمن كفر باليوم الآخر فقد كفر بالله سبحانه قال الله تعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)([66]).

وقوله سبحانه:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ) ([67]).

ثم شرع المؤلف رحمه الله في بيان صفة الإيمان بهذا الأصل العظيم.

فقال: (فكل ما جاء به من الكتاب والسُنة مما يكون بعد الموت فإنه من الإيمان باليوم الآخر).

وذلك لأنه بانقطاع العبد من الدنيا ورحيله إلى دار الآخرة يكون قد دخل في المرحلة الأولى من مراحل العرض على الله تعالى فمن مات فقد قامت قيامته وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه قال وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما رأيت منظراً قط إلا القبر أفظع منه) ([68]).

وقوله رحمه الله : (كأحوال البرزخ) (البرزخ في كلام العرب الحاجز بين الشيئين قال تعالى: (وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا) ([69]).

أي حاجزاً وفي الشريعة: الدار التي تعقب الموت إلى البعث قال تعالى:(ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)([70]).

قال مجاهد: هو ما بين الموت والبعث، وقيل للشعبي مات فلان قال: ليس هو في دار الدنيا ولا في الآخرة([71]).

وقولـه رحمه الله: (وأحوال يوم القيامة وما فيها من الحساب والثواب والعقاب والشفاعة) أما الحساب والثواب والعقاب فهذا أصل اشتركت فيه الأنبياء جميعاً وأتباعهم الصادقون فما من نبي إلا بشر أمته بالجنة أو بالنار وأن هناك حساباً وعقاباً وثواباً كما قال تعالى: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ)([72]).

أما الشفاعة فقد اختلف فيها الناس وانقسموا إلى ثلاث طوائف فمنهم من أنكرها كالخوارج والمعتزلة فنفوا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وقسم أثبتوها حتى للأصنام وهم المشركون كما ذكر ذلك عنهم في القرآن في قولـه تعالى: (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) وقسم توسطوا وهم أهل السنة والجماعة فأثبتوها بشرطيها وهما:

1- إذن الرب للشافع أن يشفع.
2- رضاه عن المشفوع له.

وقولـه رحمه الله: (والميزان والصحف المأخوذة باليمين.. إلخ) هذا أيضاً داخل في الإيمان باليوم الآخر. قال الشيخ رحمه الله حينما سُئل عن حد الإيمان باليوم الآخر.
كل ما جاء في الكتاب والسنة مما يكون بعد الموت فإنه داخل في الإيمان باليوم الآخر كأحوال القبر والبرزخ ونعيمه وعذابه وأحوال يوم القيامة وما فيها من الحساب والثواب والعقاب والصحف والميزان والشفاعة([73]) وأحوال الجنة والنار وصفاتها وصفات أهلها وما أعده الله فيهما لأهلهما إجمالاً وتفصيلاً كل ذلك من الإيمان باليوم الآخر.

@ @ @

الأصل الرابع : مسألة الإيـمان

فأهل السُنة يعتقدون ما جاء به الكتاب والسُنة من أن الإيـمان هو تصديق القلب المتضمن لأعمال الجوارح فيقولون الإيـمان اعتقادات القلوب وأعمالها وأعمال الجوارح وأقوال اللسان وأنها كلها من الإيـمان.

الشرح: شرع المؤلف رحمه الله في بيان الأصل الرابع من أصول الاعتقاد وهو (مسألة الإيمان) وخصها رحمه الله بالذكر وجعلها أصلاً من أصول الاعتقاد لأن هناك فِرقاً قد ضلت في هذا الأصل العظيم وخالفت الطريق المستقيم ولذا نجد علماء الأمة يخصون هذه المسألة بالذكر في كتبهم فهذا شيخ الإسلام رحمه الله نجده كثيراً ما يتكلم عن هذه المسألة فانظر إلى المجلد السابع من مجموع الفتاوى لـه تجده خُصِّص لهذه المسألة فقط.

وقول المؤلف رحمه الله: (فأهل السُنة يعتقدون بما جاء به الكتاب والسُنة من أن الإيمان هو تصديق القلب ... إلخ) هنا بين رحمه الله اعتقاد أهل السُنة في الإيمان.

فقولـه: (الإيمان هو تصديق القلب) أي اعترافه وقوله كما قال شيخ الإسلام في الواسطية (الإيمان قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح).

وقولـه: (المتضمن لأعمال الجوارح) لأن الجوارح شاهدة على ما في القلب من إيمان فمتى امتلأ القلب بالإيمان خضعت الجوارح وسكنت لخالقها فركعت وسجدت وقامت وقعدت فيكون عملها إيـماناً شرعاً لأن الحامل لهذه الأعمال هو الإيمان.

وقوله: (فيقولون الإيمان اعتقادات القلوب وأعمالها) عمل القلوب تحركها وإرادتها مثل الإخلاص في العمل فهذا عمل القلب وكذا التوكل والرجاء والخوف والصبر والخشية والإنابة وغيرها من أعمال القلوب .

وقولـه: (وأعمال الجوارح وأقوال اللسان أنها كلها من الإيمان) هنا يريد أن يرد على الذين قالوا بأن الإيمان قول فقط ويخرجون الأعمال عن مسمى الإيمان كالمرجئة وغيرهم.
وأن من أكملها ظاهراً وباطناً فقد أكمل الإيـمان ومن انتقص شيئاً منها فقد انتقص من إيـمانه.

الشرح: قولـه رحمه الله (وأن من أكملها ظاهراً وباطناً فقد أكمل الإيمان). مراده رحمه الله أن من قام بما أمر الشارع به فجاء بالأعمال الظاهرة كالصلاة والزكاة من الأعمال الظاهرة وكذلك جاء بالأعمال الباطنة كالإخلاص والخشية والإنابة والتوكل والصبر وغير ذلك من الأعمال الباطنة فإنه قد كمل إيمانه بذلك فالأعمال الظاهرة والباطنة تصدق الإيمان.

وقولـه رحمه الله: (ومن انتقص شيئاً منها فقد انتقص من إيمانه).

وذلك لأن الإيمان كما هو عند أهل السنة يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فكلما كان العبد لأوامر الله أتقى كان الإيـمان في قلبه أقوى ولذا قال الشيخ رحمه الله عند تعليقه على حديث سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه وفيه قلت يا رسول الله: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك قال: (قل آمنت بالله ثم استقم)([74]).

قال رحمه الله فبيَّن صلى الله عليه وسلم بهذه الوصية الجامعة أن العبد إذا اعترف بالإيـمان ظاهراً وباطناً ثم استقام عليه قولاً وعملاً فعلاً وتركاً فقد كمل أمره واستقام على الصراط المســـتقيم ورجى أن يدخل مع من قال الله فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ([75]).
وهذه الأمور بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيـمان.

الشرح: قولـه رحمه الله: (وهذه الأمور بضع وسبعون شعبة.... إلخ).

مراده بالأمور هنا أمور الإيمان الظاهرة والباطنة التي قد بيناها سابقاً ودليله رحمه الله قولـه صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة : أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)([76]).

فهذا الحديث شامل لأعمال القلب واللسان والجوارح التي هي من الإيـمان فقول اللسان ظاهر في قول لا إله إلا الله وعمل الجوارح في إماطة الأذى عن الطريق وعمل القلب هو الحياء الذي هو انكسار قلبي يصيب الإنسان ويعتريه عند وجود ما يستلزم الحياء.

ويرتبون على هذا الأصل أن الناس في الإيـمان درجات مقربون وأصحاب يمين وظالمون لأنفسهم بحسب مقاماتهم من الدين والإيمان.

الشرح: قولـه رحمه الله: (ويرتبون على هذا الأصل أن الناس في الإيمان درجات ... إلخ) دليله رحمه الله تعالى قولـه تعـالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ)([77]).

فهذه الآية بينت مراتب الناس في الإيـمان.

قال رحمه الله: (ولهذا كان الـمؤمنون ثلاث مراتب مرتبة السابقين ، ومرتبة المقتصدين ، ومرتبة الظالمين، وكل واحدة من هذه المراتب أيضاً أهلها متفاوتون تفاوتاً كثيراً، والعبد الـمؤمن - في نفسه - لـه أحوال وأوقات تكون أعماله كثيرة قوية وأحياناً بالعكس. وكل هذا من زيادة الإيـمان ونقصه وقوته وضعفه([78]).

وقال أيضاً: (ولهذا كانوا ثلاث درجات سابقون مقربون وهم الذين قاموا بالواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات)([79]).

وفضول المباحات، ومقتصدون وهم الذين قاموا بالواجبات وتركوا المحرمات وظالمون لأنفسهم وهم الذين تركوا بعض الواجبات .

وأنه يزيد وينقص فمن فعل محرماً أو ترك واجباً نقص إيمانه الواجب ما لم يتب إلى الله.
قوله رحمه الله: (وأنه يزيد وينقص ... إلخ) هذا مجمل اعتقاد أهل السنة في زيادة ونقصان الإيمان وقد خالفهم في هذا طائفتان:

الأولى: المرجئة الذين يقولون أن الإيمان هو الإقرار بالقلب وما عدا ذلك فليس من الإيمان ولهذا كله الإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص فإيمان العاصي كإيمان جبريل ولذا يقولون: (لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة) فالزاني والسارق وشارب الخمر والعصاة عموماً عندهم كاملوا الإيمان.

الثانية: الخوارج والمعتزلة: قالوا إن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان بل هي شرط في بقائه فمن فعل معصية من كبائر الذنوب فقد خرج من الإيمان غير أن الخوارج تقول عنه كافر والمعتزلة يقولون فاسق وكلاهما يقولون بأنه مخلد في النار. وسيذكر المؤلف مزيداً من التفصيل في هذه المسألة.

ويرتبون على هذا الأصل أن الناس ثلاثة أقسام منهم من قام بحقوق الإيمان كلها فهو المؤمن حقاً ومنهم من تركها كلها فهذا كافر بالله تعالى ومنهم من فيه إيمان وكفر وإيمان ونفاق أو خير وشر ففيه من ولاية الله واستحقاقه لكرامته بحسب ما معه من الإيمان، وفيه من عداوة الله واستحقاقه لعقوبة الله بحسب ما ضيعه من الإيـمان.

قولـه رحمه الله: (ويرتبون على هذا الأصل العظيم) أي الأصل الرابع والمراد به مسألة الإيمان (أن الناس ثلاثة أقسام منهم من قام بحقوق الإيمان كلها فهو المؤمن حقاً).

والمراد بحقوق الإيمان هنا أصول الدين وفروعه وظاهره وباطنه.

قال الشيخ رحمه الله في قوله تعالى:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)([80]).

قال: فوصف الله المؤمنين بهذه الصفات المتضمنة للقيام بأصول الدين وفروعه وظاهره وباطنه فإنهم وصفهم بالإيمان به إيماناً ظهرت آثاره في عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة مع ثبوت الإيمان في قلوبهم يزداد إيمانهم كلما تليت عليهم آيات الله ويزداد خوفهم ووجلهم كلما ذكر الله وهم في قلوبهم وسرهم متوكلون على الله ومعتمدون في أمورهم كلها عليه ومفوضون أمورهم إليه وهم مع ذلك يقيمون الصلاة فرضها ونفلها يقيمونها ظاهراً وباطناً ويؤتون الزكاة وينفقون النفقات الواجبة والمستحبة ومن كان على هذا فلم يبقِ من الخير مطلباً ولا من الشر مهرباً ولهذا قال : (أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً) الذين يستحقون هذا الوصف على الحقيقة ويحققون القيام به ظاهراً وباطناً([81]). انتهى.

وقوله رحمه الله: (ومنهم من تركها كلها فهو كافر بالله تعالى) أي ومن أقسام الناس هذا القسم الثاني الذي ترك الإيـمان جملة وتفصيلا فلم يؤمن بأصول الدين كالإيمان بالله وملائكته المرسلة واليوم الآخر وغيرها وكذا فروعه كالصلاة والزكاة والحج والصوم وغير ذلك من أمور الإيمان الظاهرة والباطنة.

وقوله رحمه الله: (ومنهم من فيه إيمان وكفر وإيمان ونفاق وخير وشر... إلخ) هذا هو القسم الثالث من أقسام الناس وهو الذي جمع بين خصال الإيمان وخصال الكفر أو خصال الإيمان وخصال النفاق والمراد بالكفر والنفاق هنا الكفر العملي والنفاق العملي إذ لو جمع في قلبه الكفر الاعتقادي والنفاق الاعتقادي لم يكن في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان.

قال ابن القيم رحمه الله: فصل: وها هنا أصل آخر وهو أن الرجل قد يجتمع فيه كفر وإيمان، وشرك وتوحيد، وتقوى وفجور،ونفاق وإيمان وهذا من أعظم أصول أهل السنة، وخالفهم فيه غيرهم من أهل البدع فالخوارج والمعتزلة والقدرية ومسألة خروج أهل الكبائر من النار وتخليدهم فيها مبنية على هذا الأصل، وقد دل عليه القرآن والسنة والفطرة وإجماع الصحابة([82]).

ويرتبون على هذا الأصل العظيم أن كبائر الذنوب وصغائرها التي لا تصل بصاحبها إلى الكفر تنقص إيمان العبد من غير أن تخرجه من دائرة الإسلام ولا يخلد في نار جهنم.
الشرح: قولـه رحمه الله: (ويرتبون على هذا الأصل العظيم أن كبائر الذنوب وصغائرها التي لا تصل بصاحبها إلى الكفر.... إلخ).

هذا فيه الرد على الخوارج الذين يكفرون أهل القبلة من أصحاب الكبائر التي لا تصل بصاحبها إلى الكفر فالمسلم عند أهل السنة والجماعة لا يكفر بمطلق المعاصي والكبائر قال شيخ الإسلام في وصفه لأهل السنة (وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي) كما قال سبحانه وتعالى في آية القصاص:( ô`yJsù z�Å"ãã ¼ã&s! ô`ÏB ÏmŠ½zصلى الله عليه وسلم& ÖäóÓx« 7í$t6Ïo?$$sù Å$صلى الله عليه وسلمã÷èyJø9$$Î/ )([83]).

وقال:(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) إلى قوله: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) ([84]).

ولا يسلبون الفاسق أعلى اسم الإيمان بالكلية ولا يخلدونه في النار كما تقولـه الـمعتزلة بل الفاسق يدخل في اسم الإيـمان في مثل قوله تعالى: ( فتحرير رقبة مؤمنة ) ([85]). إلى أن قال رحمه الله ويقولون: هو مؤمن ناقص الإيـمان، أو مؤمن بإيـمانه فاسق بكبيرته، فلا يعطى الاسم المطلق ولا يسلب مطلق الاسم([86]).

ولا يطلقون عليه الكفر كما تقول الخوارج أو ينفون عنه الإيـمان كما تقوله المعتزلة، بل يقولون هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فمعه مطلق الإيـمان وأما الإيـمان الـمطلق فينفي عنه.

الشرح: قولـه رحمه الله: (ولا يطلقون عليه الكفر كما تقول الخوارج) كما ذكرناه سابقاً (أو ينفون عنه الإيـمان كما تقولـه المعتزلة) فإن المعتزلة يقولون هو فاسق وليس بكافر مع موافقتهم الخوارج في تخليده في النار فوافقوا أهل السنة مقالاً وخالفوهم مآلاً ولذا قال: (بل يقولون هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته) هذا هو قول أهل السنة والجماعة في مرتكب الكبيرة فهم وسط بين الجهمية والمرجئة وبين المعتزلة والخوارج فأهل السُنة يقولون: إن مرتكب الكبيرة ناقص الإيمان ولذا يسمى عند أهل السنة مؤمناً ناقص الإيمان وبعبارة أخرى يسمى مؤمنا بإيمانه فاسقاً بكبيرته أو يقال مؤمن عاص آثم وهو معرض نفسه للعقوبة وهو تحت مشيئة الله إذا مات من غير توبة إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ولكنه لا يخلد في النار (كما تقول المعتزلة والخوارج) بل يخرج منها بعد تطهيره من الذنوب والمعاصي إما بشفاعة أو بفضل الله ورحمته.

وقولـه رحمه الله: (فمعه مطلق الإيـمان وأما الإيـمان المطلق فينفى عنه) الفرق بين المعنيين أن مطلق الإيمان المراد به أن معه أصل الإيمان لكن كماله مفقود ففاعل الكبيرة مثلاً يقال معه مطلق الإيمان أي الإيمان موجود معه ولكنه ناقص أما (الإيـمان الـمطلق) فهو الإيـمان الكامل.

وقد مر بنا قول شيخ الإسلام رحمه الله.

وبهذه الأصول يحصل الإيمان بجميع نصوص الكتاب والسُنة.

قولـه رحمه الله (وبهذه الأصول يحصل الإيمان بجميع نصوص الكتاب والسُنة)
المراد بالأصول هنا ذكرها في الأصل الرابع في مسألة الإيمان فمن قام بها على الوجه الأكمل فقد حصل عنده الإيمان بجميع نصوص الكتاب والسُنَّة بخلاف من ضل كالجهمية والمرجئة والمعتزلة والخوارج وغيرهم مـمن ضل في مسألة الإيمان.

ويترتب على هذا الأصل أن الإسلام يجبُّ ما قبله وأن التوبة تجبُّ ما قبلها وأن من ارتد ومات على ذلك فقد حبط عمله، ومن تاب تاب الله عليه.

الشرح : قولـه رحمه الله (ويترتب على هذا الأصل العظيم أن الإسلام يجب ما قبله).

لقولـه صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن العاص قال: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله)([87]).

وقولـه رحمه الله: (وأن التوبة تجب ما قبلها) لقولـه تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ) ([88]) .

وقولـه رحمه الله: (وأن من ارتد ومات على ذلك حبط عمله) لقوله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)([89]).

وقوله: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون)([90]).

وقولـه: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ)([91]).

وقولـه رحمه الله: (ومن تاب تاب الله عليه) لقوله تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً)([92]).

وقولـه تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)([93]).

ويرتبون أيضاً على هذا الأصل صحة الاستثناء في الإيمان فيصح أن يقول أنا مؤمنٌ إن شاء الله لأنه يرجو من الله تعالى تكميل إيمانه فيستثنى لذلك ويرجو الثبات على ذلك إلى الممات فيستثني من غير شك منه بحصول أصل الإيمان.

الشرح: قوله رحمه الله: (ويرتبون أيضاً على هذا الأصل العظيم الاستثناء في الإيمان.. إلخ).
هذه المسألة العظيمة ساقها المؤلف لبيان قول أهل السنة في مسألة الاستثناء في الإيمان أي قول : (أنا مؤمن إن شاء الله).

وهذه المسألة الناس فيها على ثلاثة أقوال:
منهم من يوجبه، ومنهم من يحرمه، ومنهم من يجيزه باعتبار ويمنعه باعتبار وهذا هو أصح الأقوال في هذه المسألة.

فالذين يحرمونه هم المرجئة والجهمية ونحوهم ممن يجعل الإيمان شيئاً واحداً يعلمه الإنسان من نفسه كالتصديق بالرب ونحو ذلك مما في قلبه. فمتى استثنى الإنسان عندهم في إيمانه فقال أنا مؤمن إن شاء الله فهو شاك فيه.

أما الذين يوجبونه فهم الكلابية أصحاب ابن كلاب ووافقهم عليه كثير من أتباع الأئمة لكن هذا ليس قول أحد من السلف لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم.

أما الذين يجيزون ذلك فهم أسعد الناس وذلك لموافقة قولهم نصوص الكتاب والسنة فخير الأمور أوسطها فإن أراد المستثني الشك في أصل إيمانه منع من الاستثناء وهذا مما لا خلاف فيه.

وإن أراد أنه مؤمن من المؤمنين الذين وصفهم الله في كتابه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)([94]). وغيرها من الآيات فالاستثناء حينئذ جائز وكذلك من استثنى وأراد عدم علمه بالعاقبة، وكذلك من استثنى تعليقاً للأمر بمشيئة الله لا شكاً في إيمانه وهذا القول هو أقوى الأقوال([95]).

ويرتبون أيضاً على هذا الأصل أن الحب والبغض أصله ومقداره تابع للإيمان وجوداً وعدماً وتكميلاً ونقصاً ثم يتبع ذلك الولاية والعداوة، ولهذا من الإيمان الحب في الله والبغض لله والولاية لله والعداوة لله.

الشرح : قولـه رحمه الله (ويرتبون أيضاً على هذا الأصل أن الحب والبغض.. إلخ).

هذه مسألة عظيمة جداً فهي أساس من أسس هذه العقيدة غفل عنها الكثير من الناس حتى أصبح عندهم اليهود والنصارى والسيخ وعُباد البقر والبوذيين وغيرهم من الوثنيين أفضل من المسلمين بل كم نسمع عن فلان وفلان من الناس يتحبب إلى فلان الكافر ويتودد إليه ويدنيه منه محبة لما عليه من الكفر بل إذا قام هذا الكافر وأعلن إسلامه ترى هذا الشخص يهينه ويبخسه حقه وغير ذلك من المعاملة السيئة ونسي هذا أن الرضى بالكفر كفر نعوذ بالله من الذل والخذلان.

وما ذكره المؤلف رحمه الله هو بيان لملة إبراهيم الخليل عليه السلام قال الله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)([96]).

فأوثق عرى الإسلام الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في الله والناس في هذه المسألة على ثلاث درجات:

الأولى: ما يحب من كل جانب وهم المؤمنون الموجودون القائمون لله بحقه المجتنبون ما حرم الله.

الثانية: من يحب من جانب ويكره ويبغض من جانب وهم العصاة من المؤمنين.

الثالثة: من يكره ويعادي من كل جانب وهم الكفار جميعهم.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: فأما الحمد والذم والحب والبغض والموالاة والمعاداة فإنما تكون بالأشياء التي أنزل الله بها سلطانه، وسلطانه كتابه، فمن كان مؤمناً وجبت موالاته من أي صنف كان، ومن كان كافراً وجبت معاداته من أي صنف كان. ثم ذكر جملة من الآيات التي تدل على قولـه ثم قال ومن كان فيه إيمان وفيه فجور أعطى من الموالاة بحسب إيمانه ومن البغض بحسب فجوره([97]). انتهى بتصرف.

ويترتب على الإيمان ولا يتم إلا بأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويترتب على ذلك أيضاً محبة اجتماع المؤمنين ويحث على التآلف والتحابب وعدم التقاطع.

الشرح: قولـه رحمه الله (ويترتب على الإيمان ولا يتم إلا بأن يحب لأخيه .. إلخ).
هذا أيضاً داخل في الإيمان فلا يتم إيمان العبد إلا بما ذكره رحمه الله.

وقال أيضاً حينما سُئل عن حقوق المسلمين عليك قال رحمه الله:
الجواب قال الله تعالى: ( إنما المؤمنون إخوة ) ([98]).
فالواجب أن تتخذهم إخواناً تحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك وتسعى بحسب مقدورك في مصالحهم وإصلاح ذات بينهم وتأليف قلوبهم واجتماعهم على الحق، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذلـه ولا يكذبه ولا يحقره وتقوم بحق من لـه حق خاص كالوالدين والأقارب والجيران والأصحاب والمعلمين([99]).

وقال أيضاً:(وفي الصحيحين أيضاً عن أنس مرفوعاً: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)([100]).

قال: وذلك يقتضي أن تقوم بحقوق إخوانك المسلمين الخاصة والعامة فإنه من الإيمان ومن لم يقم بذلك ويحب لهم ما يحب لنفسه فإنه لم يؤمن الإيمان الواجب بل نقص إيمانه بقدر ما نقص من الحقوق الواجبة عليه([101]).

ويبرأ أهل السُنة والجماعة من التعصبات والتفرق والتباغض ويرون أن هذه القاعدة من أهم قواعد الإيمان ولا يرون الاختلاف في المسائل التي لا تصل إلى كفر أو بدعة موجبة للتفرق.

الشرح : قولـه رحمه الله (ويبرأ أهل السنة والجماعة من التعصبات والتفرق والتباغض إلى آخر كلامه رحمه الله.

هذه مسألة عظيمة بل هي كما ذكر المؤلف رحمه الله من أهم قواعد الإيمان إذ بفهمها والعمل بمضمونها تحفظ بيضة هذا الدين وكيان الأمة وما حدث للأمة من ضعف ووهن إلا بتفريطهم في فهم هذه القاعدة.

ولو نظرنا للقرآن والسُنة لوجدنا فيها الكثير مما يدعو إلى عدم الفرقة ويدعو إلى التآلف.
قال الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)([102]).

وقال أيضاً: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات )([103]).

وقال أيضاً: ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك)([104]).

فجعل أهل الرحمة مستثنين من الاختلاف.

وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة، يعني الأهواء، كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة)([105]).

فبين صلى الله عليه وسلم أن عامة المختلفين هالكون إلا أهل السنة والجماعة.

قال ابن أبي العز الحنفي في شرحه للطحاوية عند قول الإمام الطحاوي: (ونرى الجماعة حقاً وصواباً، والفرقة زيغاً وعذاباً).

قال: فالناس إذا خفي عليهم بعض ما بعث الله به الرسول إما عادلون وإما ظالمون فالعادل فيهم: الذي يعمل بما وصل إليه من آثار الأنبياء ولا يظلم غيره.

والظالم الذي يعتدي على غيره وأكثرهم إنما يظلمون مع علمهم بأنهم يظلمون كما قال تعالى:(وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) وإلا فلو سلكوا ما علموه من العدل أقر بعضهم بعضاً.

ثم ذكر كلاماً في مسائل الاختلاف والافتراق خلاصته:
أن الاختلاف والافتراق في الأصل قسمان: اختلاف تنوع، واختلاف تضاد.

أولاً : اختلاف التنوع وهو على وجوه:
منه ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين مشروعاً كما في القراءات التي اختلف فيها الصحابة رضي الله عنهم.

ومثله اختلاف الأنواع كما في صفة الآذان والإقامة والاستفتاح ومحل سجود السهو ونحو ذلك مما قد شرع جميعه وإن كان بعض أنواعه أرجح أو أفضل.

ومنه ما يكون كل من القولين هو في المعنى القول الآخر لكنَّ العبارتين مختلفتان كما يختلف كثير من الناس في ألفاظ الحدود وصوغ الأدلة والتعبير عن المسميات ثم الجهل أو الظلم يحمل على حمد المقالتين وذم الأخرى والاعتداء على قائلها ونحو ذلك.

وهذا النوع من الاختلاف: الذم فيه واقع على من بغى على الآخر فيه وقد دل القرآن على حمد كل واحدة من الطائفتين في مثل ذلك إذا لم يحصل بغي كما في قولـه تعالى: ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها ) وقد كانوا اختلفوا في قطع الأشجار قطع قوم وترك آخرون، وكما في إقرار النبي صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة لمن صلى العصر في وقتها ولـمن أخرها إلى أن وصل إلى بني قريظة.

ثانياً: اختلاف التضاد:
وهو القولان المتنافيان إما في الأصول وإما في الفروع عند الجمهور الذين يقولون إن المصيب واحد والخطب في هذا أشد لأن القولين يتنافيان. لكن تجد كثيراً من هؤلاء قد يكون القول الباطل مع منازعه فيه حق ما، أو معه دليل يقتضي حقاً ما فيروا الحق مع الباطل حتى يبقى مبطلاً في البعض كما كان الأول مبطلاً في الأصل وهذا النوع ما حمد فيه إحدى الطائفتين وذمت الأخرى)([106]).

ويترتب على الإيمان محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحسب مراتبهم وعملهم على الفضل والسوابق والمناقب وما فضلوا فيه سائر الأمة.

الشرح : قولـه رحمه الله: (ويترتب على الإيمان محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحسب مراتبهم .. إلخ).

ساق المؤلف رحمه الله هذا الكلام لبيان ما يعتقده أهل السُنة والجماعة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه رحمه الله يريد أن يرد على الروافض والخوارج، فالروافض يقولون بتكفير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم ارتدوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم حتى أبو بكر وعمر لم يسلما من تكفيرهم قبحهم الله ولا يستثنون من الصحابة إلا آل البيت ونفراً قليلاً ممن قالوا إنهم من أولياء آل البيت حتى إن غلاتهم كفروا علي بن أبي طالب وذلك لأن علياً أقـر الظلم والباطل حينما بايع أبا بكر وعمر وكان الواجب عليه إنكار بيعتهما.

أما الخوارج : فهم عكس الروافض فقد كفَّروا علياً ومعاوية بن أبي سفيان وكل من لم يكن على طريقتهم واستحلوا دماءهم.

أما أهل السُنة والجماعة فهم وسط بين الطائفتين.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: (ومن أصول أهل السُنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله به في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)([107]).

وطاعـــــة النـبــــــي صلى الله عليه وسلم في قولـه: (لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)([108]). ويقبلون ما جاء به الكتاب والسُنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم، ويفضلون من أنفق من قبل الفتح – وهو صلح الحديبية – وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل ويقدمون المهاجرين على الأنصار ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر وكانوا ثلاث مائة وبضعة عشر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)([109]). وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم([110]). بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه وكانوا أكثر من ألف وأربع مائة.. إلى آخر ما قاله رحمه الله([111]).

ويدينون بمحبتهم ونشر فضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم وأنهم أولى الأمة بكل خصلة حميدة وأسبقهم إلى كل خير وأبعدهم من كل شر.

الشرح: قولـه رحمه الله : (ويدينون بمحبتهم ونشر فضائلهم .. إلخ) أي من الدين محبة الصحابة ونشر فضائلهم لأن محبتهم من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبة رسول الله من محبة الله أما نشر فضائلهم فتتمثل في كونهم من أصدق الناس وأنصحهم وأحسنهم أخلاقاً وأدباً بل هذه الصفات وغيرها من الصفات الحميدة لا توجد عند غيرهم.

قال الشيخ رحمه الله في سؤال وجواب في أهم المهمات حينما سُئل عن الواجب نحو الصحابة فقال:

من تمام الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبته محبة أصحابه بحسب مراتبهم في الفضل والسبق والاعتراف بفضائلهم التي فاقوا فيها جميع الأمة وأن تدين الله بحبهم ونشر فضائلهم وتمسك عما شجر بينهم، وتعتقد أنهم أولى الأمة بكل خصلة حميدة وأسبقهم إلى كل خير وأبعدهم عن كل شر وأنهم جميعاً عدول مرضيون([112]).

وقولـه رحمه الله: (ويمسكون عما شجر بين الصحابة.. إلخ) أي أن أهل السُنة والجماعة طريقتهم الإمساك عما شجر بين الصحابة لما في ذلك من توليد العداوة والبغضاء والحقد على أحد الطرفين وذلك من أعظم الذنوب والواجب حب الجميع والترضي عنهم والترحم عليهم والاعتراف بفضائلهم.

ويعتقدون أن الأمة لا تستغني عن إمام يقيم لها دينها ودنياها ويدفع عنها عادية المعتدين.

الشرح : وقولـه رحمه الله : (ويعتقدون أن الأمة لا تستغني عن إمام... إلخ).

قال في سؤال وجواب في أهم المهمات:

نعتقد أن نصب الإمام فرض كفاية، فإن الأمة لا تستغني عن إمام يقيم لها دينها ودنياها، ويدفع عنها عادية المعتدين وإقامة الحدود على الجناة، ولا تتم إمامة إلا بطاعة في المعروف في غير معصية ، والجهاد ماض مع البر والفاجر، ويعانون على الخير وينصحون عن الشر([113]).

ولا تتم إمامته إلا بطاعة بغير معصية الله تعالى.

الشرح : قولـه رحمه الله: (ولا تتم إمامته إلا بطاعة بغير معصية الله.. إلخ) هذا مما جاءت به نصوص الكتاب والسُنة فأهل السنة والجماعة يرون أن طاعة ولي الأمر واجبة وإن كان فاسقاً بشرط أن لا يخرجه فسقه إلى الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان فهذا لا طاعة لـه، بل يجب على الأمة إزالته عن تولي أمر المسلمين، ودليل أهل السنة على وجوب طاعة الإمام كثيرة منها قولـه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)([114]).

وعن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)([115]).
والإمامة هنا ليست قاصرة على الملوك والرؤساء بل هي شاملة قادتهم في تنظيم شؤون الدنيا وفي إقامة معالم الدين ونشره بين الناس فيدخل في ذلك الإمام الأعظم والقضاة والأمراء وجميع من لهم ولاية عامة أو خاصة.

ويرون أنه لا يتم الإيمان إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد وإلا باللسان وإلا فبالقلب على حسب مراتبه الشرعية وطرقه المرعية.

الشرح: قولـه رحمه الله: (ويرون أنه لا يتم الإيمان إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. إلخ) ذلك لأن الله وصف هذه الأمة بذلك قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)([116]).

وقوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ)([117]).

وقوله رحمه الله (لا يتم) أي لا يكمل إيمان العبد إلا بذلك.3

وقولـه رحمه الله : (باليد وإلا باللسان وإلا بالقلب) هذه مراتب تغيير المنكر الثلاثة دليلها قوله صلى الله عليه وسلم : (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)([118]).

وقولـه رحمه الله (على حسب مراتبه الشرعية) أي التي ذكرناها آنفاً وهي مرتبة التغيير باليد ومرتبة التغيير باللسان ومرتبة التغيير بالقلب.

وقولـه رحمه الله (وطرقه المرعية) أي الطرق التي رعاها الشارع ووضعت كضوابط للأمر والنهي فمن هذه الضوابط:

1- أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عالـماً بـما يأمر به.
2- أن يكون قادراً على ذلك فإن علم يقيناً أنه قد يلحقه أذى في ماله أو نفسه أو أهله فلا يجب عليه لأن جميع الواجبات مشروطة بالقدرة والاستطاعة.
3- أن لا يترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مفسدة أعظم من السكوت وبهذا يكون إنكار المنكر أربع درجات.

الأولى: أن يزول ويخلفه ضده فهذا مشروع بل هو واجب شرعاً.
الثانية: أن يقل المنكر وإن لم يزل من جملته فهذا أيضاً واجب شرعاً.
الثالثة : أن يخلفه ما هو مثله من منكر فهذا محل نظر واجتهاد.
الرابعة : أن يخلفه ما هو شر منه فهذا محرّم.

وبالجملة فيرون القيام بكل الأصول الشرعية على الوجه الشرعي من تمام الإيمان والدين ومن تمام هذا الأصل.

الشرح : قوله رحمه الله (وبالجملة فيرون القيام بكل الأصول الشرعية .. إلخ) أي التي ذكرها المؤلف والتي لم يذكرها وجعلها أهل العلم أصولاً شرعية وقوله: (على الوجه الشرعي) أي الذي جاءت به نصوص الكتاب والسُنة وإجماع المسلمين وغيره (من تمام الإيمان) أي لا يتم إيمان العبد إلا بالقيام بكل الأصول الشرعية.

فمن قام بهذه الأصول الشرعية الصحيحة المحكمة فهو المؤمن حقاً فإن فاقد الإيمان بها لا خير فيه لأنه إذا عدم الإيمان فإما أن يكون الإنسان أحواله كلها شر وضرر على نفسه أو على مجتمعه الذي يعيش فيه أو يكون الإنسان فيه بعض الخير الذي قد انغمر بالشر وغلب شره خيره. قال الشيخ رحمه الله (والمصالح إذا انغمرت واضمحلت في المفاسد صارت شراً لأن الخير الذي معه يقابله شر نظيره فيتساقطان ويبقى الشر الذي لا مقابل لـه من الخير يعمل به)([119]).

الأصل الخامس: طريقهم في العلم والعمل

وذلك أن أهل السنة والجماعة يعتقدون ويلزمون أن لا طريق إلى الله وإلى كرامته إلا بالعلم النافع والعمل الصالح، فالعلم النافع هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مجتهدون في معرفة معانيها والتفقه فيها أصولاً وفروعاً.

الشرح : قولـه رحمه الله: (الأصل الخامس: طريقهم في العلم والعمل).
بعد أن انتهى المؤلف رحمه الله من بيان طريقة أهل السنة والجماعة العقدية والعملية بدأ في بيان طريقتهم في العلم والعمل فقال رحمه الله: (ذلك أن أهل السنة والجماعة يعتقدون ويلزمون أن لا طريق إلى الله) أي لا طريق موصل إلى الله تعالى (وإلى كرامته) أي ما يكرم به الرب العبد من كرامات حسية أو معنوية فالحسية ما يجريها الله تعالى على يديه كما جرى للأولياء من هذه الأمة والتكريم المعنوي هو ما يحصل لنفس الإنسان من الراحة والأنس بالله ومحبته ومحبة ما شرعه لعباده فهذا أعظم كرامة يكرم بها الله العبد بل وأعظم من ذلك تكميل عبودية الله الظاهرة والباطنة العلمية والعملية القولية والفعلية والمالية ولا يتم ذلك إلا بأمرين ذكرهما المؤلف رحمه الله فقال: (إلا بالعلم النافع والعمل الصالح) أما العلم النافع فقد وضحه المؤلف بقولـه (هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم) إلى قوله فهذا طريقهم في العلم.

(أما العمل الصالح) فقد بينه رحمه الله بقوله: (فإنهم يتقربون إلى الله تعالى بالتصديق والاعتراف التام بعقائد الإيمان التي هي أصل العبادات وأسسها ) فالعمل الصالح أي المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة فإذا خلا هذا العمل من الصلاح خربت عقائد البشر وبخراب العقائد تخرب الدنيا ولذا قيده رحمه الله بـ (الصالح) أما الأعمال الفاسدة فهي في الحقيقة خراب للأفراد والمجتمعات وما أكثرها في هذا الزمان فما أكثر الذين يدعون إلى التحلل الديني والعقدي والأخلاقي ويظنون بذلك أنهم يحسنون صنعاً قال تعالى في وصفهم: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ) ([120]).

وقوله : (مجتهدون في معرفة معانيها) أي معرفة معاني الكتاب والسنة وما تدل عليه هذه المعاني (والتفقه فيها) لأنها أصل من أصول التشريع الذي يستمد منه الفقه في الدين.
ويسلكون جميع طرق الدلالات فيها دلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الالتزام ويبذلون قواهم في إدراك ذلك بحسب ما أعطاهم الله.

الشرح: قولـه رحمه الله : (ويسلكون جميع طرق الدلالات فيها دلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الالتزام) أي أهل السنة مسلكهم في الأدلة شامل لجميع الدلالات فإن كانت دلالة الكتاب والسنة على جميع المعنى فهي دلالة مطابقة وإن كانت على بعضه فدلالة تضمن وإن كانت على توابع الحكم من شروط وتتمات فدلالة التزام.


رد مع اقتباس
قديم 08-31-2012, 11:33 AM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


رد: محاضرة في أصول الإيمان

فخرجنا من قوله رحمه الله هذا شموله العمل بالسنة.

وقولـه رحمه الله: (ويبذلون قواهم في إدراك ذلك بحسب ما أعطاهم الله) أي أن أهل السنة يبذلون ما في وسعهم وما أعطاهم الله تعالى من علم وإدراك وقوة سواء بالنظر إلى أقوال أهل العلم أوبالذهاب إليهم وسؤالهم عما أشكل عليهم في الكتاب والسنة.3

قال ابن سعدي رحمه الله في بيان دلالة التضمن والالتزام والمطابقة.

والدلالة من الكتاب والسنة ثلاثة أقسام:

دلالة مطابقة إذا طبقنا اللفظ على جميع المعنى.
ودلالة تضمن إذا استدللنا باللفظ على بعض معناه.
ودلالة التزام إذا استدللنا بلفظ الكتاب والسنة ومعناهما على توابع ذلك ومتمماته وشروطه وما لا يتم ذلك المحكوم فيه أو المخبر عنه إلا به([121]).

ويعتقدون أن هذه هي العلوم النافعة هي وما تفرع عليها من أقيسة صحيحة ومناسبات حكيمة وكل علم أعان على ذلك أو وازره أو ترتب عليه فإنه علم شرعي كما أن ما ضاده وناقضه هو علم باطل فهذا طريقهم في العلم.

الشرح : قولـه رحمه الله : (ويعتقدون أن هذه هي العلوم النافعة) أي المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم : (هي وما تفرع عليها من أقيسة صحيحة) ذلك لأن القياس أحد الأدلة التي تثبت بها الأحكام الشرعية (ومناسبات حكيمة) أي ما تناسب مع هذه العلوم النافعة من أحكام (وكل علم أعان على ذلك أو وازره أو ترتب عليه فإنه علم شرعي).

حد العلم ما قامت عليه الأدلة والبراهين والنافع من هذا العلم ما تعلق بالدين وكان من العلوم المعينة عليه فهذه الاختراعات الحادثة التي استخدمها الداعون إلى الله تعالى هي من العلوم النافعة بل هي من العلوم الشرعية فهي معينة على الدين وقوة المسلمين.

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: (والعلم النافع هي العلوم الشرعية وما أعان عليها من العلوم العربية بأنواعها، ومن العلوم الشرعية تعلم الفنون المعينة على الدين وعلى قوة المسلمين وعلى الاستعداد للأعداء للمقاومة والمدافعة فإنها داخلة في الجهاد في سبيل الله([122]).


وقولـه رحمه الله: (كما أن ما ضاده وناقضه هو علم باطل) الضمير في ضاده يعود على العلم الشرعي فكل علم ناقض العلوم الشرعية وضادها كعلم الكلام والفلسفة والعلوم المخالفة للدين التي سماها أهلها رقياً وتقدماً وغيرها من العلوم التي تضر بالأفراد والمجتمعات كلها علوم باطلة وإن زخرفها أهلها بالمسميات وروجوا لها بأنها من الثقافة العصرية ونحو ذلك كل هذه العلوم باطلة مضادة للعلوم الشرعية النافعة.

وأما طريقهم في العمل فإنهم يتقربون إلى الله تعالى بالتصديق والاعتراف التام بعقائد الإيمان التي هي أصل العبادات وأساسها.

الشرح : قولـه رحمه الله: (وأما طريقهم في العمل فإنهم... إلخ) .

بعد أن ذكر رحمه الله طريقة أهل السنة في العلم بدأ في بيان طريقتهم في العمل فإن منهجهم فيه هو التقرب إلى الله تعالى مع الاذعان والتصديق والاعتراف (بعقائد الإيمان) التي بينها رحمه الله في هذه الرسالة فإن هذه العقائد هي أصل العبادات وأساسها وما عداها فرع على هذه الأصول.

ثم يتقربون إلى الله بأداء فرائض الله المتعلقة بحقه وحقوق عباده مع الإكثار من النوافل وبترك المحرمات والمنهيات تعبداً لله تعالى.

الشرح : قولـه رحمه الله: (ثم يتقربون إلى الله بأداء فرائض الله المتعلقة بحقه) فالصلاة والزكاة والحج والصوم والجهاد في سبيله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الفرائض التي هي حق خالص لله تعالى أما الفرائض المتعلقة بحقوق عباده فهي كحقوق الوالدين وكذا صلة الأرحام وحقوق الجار وزيارة المريض وتشميت العاطس وتشييع الجنائز وغيرها مـما هو حق محض للعباد.

قولـه رحمه الله: (مع الإكثار من النوافل وبترك المحرمات والمنهيات) كنافلة الصلاة والصوم والحج والعمرة والصدقة وغيرها من النوافل المشروعة بل من صفتهم أيضاً أنهم يتركون المحرمات التي أفاضت بها نصوص الكتاب والسنة وكذلك المنهيات.

وقوله (تعبداً لله تعالى) أي ليس عبادة بدون قصد ونية بل عبادة لله تعالى فالعبد إذا فعل المأمور وترك المحظور تعبداً لله أجر عليه فكأن المؤلف رحمه الله يريد أن يحثنا على أن تكون أعمالنا كلها بنية لكي نؤجر على ذلك.

ويعلمون أن الله لا يقبل إلا كل عمل خالص لوجهه الكريم مسلوكاً فيه طريق النبي الكريم ويستعينون بالله في سلوك هذه الطرق النافعة التي هي العلم النافع والعمل الصالح الموصل إلى كل خير وفلاح وسعادة عاجلة وآجلة والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الشرح : قولـه رحمه الله : (ويعلمون أن الله لا يقبل إلا كل عمل خالص لوجهه الكريم)
بعد أن بيَّن رحمه الله الأصول الجامعة لمنهج أهل السنة والجماعة وبين سلوكهم في العلم والعمل بين أن هذا لا يقبل إلا بشرطين:

الأول : الإخلاص لله تعالى.
الثاني : اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.

قال رحمه الله: (هاتان القاعدتان: وهي الإخلاص والمتابعة شرط لكل عبادة ظاهرة وباطنة فكل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل، وكل عمل لا يكون على سُنة رسول الله فهو مردود فإذا اجتمع للعمل الإخلاص للمعبود وهو أن يراد بالعمل وجه الله وحده، والمتابعة للرسول وهو: أن يكون العمل قد أمر به فهو العمل المقبول)([123]).

وقولــه رحمه الله: (ويستعينون بالله في سلوك هذه الطرق.. إلخ) أي أن أهل السنة والجماعة عند سلوكهم الطرق النافعة يعلمون أنه لابد من الاستعانة بالله للحصول على العلم النافـــع والعمـــــل الصـــالح ولذا يقولون دائماً: (ِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أي نستعين بك على مصالحنا الدينية والدنيوية فأنت المعين على ذلك ولذا قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).

فالعبد محتاج إلى ربه في كل شيء في عبوديته لـه وفي شؤون حياته التي يعيشها هو دائماً في حاجة إلى ربه أن يعينه عليها.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يعيننا على ما فيه الخير والفلاح لنا في الدنيا والآخرة إنه سبحانه جواد كريم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالـمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ

فــهــرس الـموضوعات

الموضــوع
رقم الصفحة
مقدمة الشارح...........
5

التعريف بمؤلف الرسالة........
10
اسمه ونسبه........... 10
مولده.............
10
نشأته............. 11
مشايخه............
11

تلاميذه............
12

بعض الأعمال التي قام بها.......
12

مرضه ووفاته..........
13

مؤلفاته............
14

مقدمة المؤلف..........
15

شرح مقدمة المؤلف.........
16

الأصل الأول التوحيد........
20

لماذا جعله الأصل الأول........
20

حد التوحيد الجامع لأنواعه.......
20

توحيد الربوبية..........
21

معنى توحيد الربوبية.........
21

توحيد الأسماء والصفات.......
22

أركان الإيمان بالأسماء والصفات.....
23

توحيد الألوهية..........
24

معنى توحيد الألوهية........
25

دخول القضاء والقدر في توحيد الربوبية...
25

درجات الإيمان بالأسماء والصفات.....
27

إثبات علو الله على خلقه.......
28

استواء الله على عرشه........
30

نزول الرب كل ليلة إلى سماء الدنيا.....
30

إثبات الصفات الذاتية........
31

إثبات الصفات الفعلية........
30
إثبات الفعل لله تعالى........ 32
إثبات الكلام لله تعالى........
33

إثبات صفة الرحمة والإحسان......
35
القرآن كلام الله.......... 36
الإيمان بأنه سبحانه قريب مع كونه علي أعلى لايتم الإيمان بالأسماء والصفات حتى يؤمن بكل ماجاء في الكتاب والسنة..........
46

من أول بعض الصفات على غير معناها فقد ضل ضلالاً بيناً
38

إثبات أفعال العباد ومشيئتهم......
39

لا يتم توحيد العبد حتى يخلص في الإرادة والأقوال والأفعال
41

الشرك الأصغر..........
43
معنى الشرك الأصغر........ 44
درجات الناس في التوحيد.......
46
أكمل الناس توحيداً......... 50
الأصل الثاني: الإيمان بنبوة جميع الأنبياء ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم خصوصاً............................................ ....
53

كيفية الإيمان بالرسل.........
54
اختصاصهم بالوحي......... 55
أنهم وسائط بين الله وخلقه.......
56

تأييدهم بالبراهين.........
57

عصمتهم فيما يبلغونه عن الله......
59

الإيمان بكل ما جاءوا به........
61

تعظيمهم وتحيتهم.........
62
صفة الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم...
64
الإيـمان بالكتب.......... 67
كيفية الإيـمان بالكتب........
68

أكمل الناس إيـماناً.........
69

الإيـمان بالملائكة.........
69

من تمام الإيمان أن يعلم أن ما جاء به الرسول حق.
73

الأصل الثالث : الإيـمان باليوم الآخر.........
73

صفة الإيمان باليوم الآخر.......
78

الأصل الرابع : مسألة الإيمان................
79
تعريف الإيمان..........
79

أكمل الناس إيـماناً.........
81

بيان شعب الإيـمان.........
83

درجات الناس في الإيـمان.......
84

الإيـمان يزيد وينقص........
85

أقسام الناس في الإيـمان........
86
كبائر الذنوب وصغائرها وأثرها على الإيـمان.. 92
قول أهل السنة في مرتكب الكبيرة.....
93

الإسلام يجب ما قبله........
94
التوبة تجبُّ ما قبلها......... 95
صحة الاستثناء في الإيـمان.......
96

أقسام الناس في الاستثناء في الإيـمان....
97

الحب والبغض في الله من الإيـمان.....
99
لا يتم الإيـمان حتى تحب لأخيك ما تحب لنفسك
101

براءة أهل السنة من التعصبات والتفرق...
103

أقسام الاختلاف.........
106

اختلاف التنوع..........
106

اختلاف التضاد.........
107

من الإيمان محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
108

عقيدة أهل السنة في الصحابة......
109

عقيدة الخوارج في الصحابة......
111

عقيدة الروافض في الصحابة......
112

مسألة الإمامة عند أهل السنة......
113

طاعة الإمام في غير معصية الله.....
113

لا يتم الإيمان إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
114

درجات تغيير المنكر........
116

الأصل الخامس : طريقة أهل السنة في العلم والعمل
116

لا طريق إلى الله إلا بالعلم النافع والعمل الصالح.
121
تعريف العلم النافع........
122

تعريف العمل الصالح........
124

معنى الدلالة..........
125

معنى دلالة المطابقة.........
121

معنى دلالة الالتزام........
122

كل علم أعان على العلم الشرعي فهو داخل في العلم الشرعي
123

طريقة أهل السنة في العمل......
124

أهل السنة يتقربون إلى الله بفعل الفرائض المتعلقة بحقه وحقوق عباده
125

شروط قبول الأعمال........
126


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ

الهوامش:
( (1) من مقولة الإمام أحمد في رده على الزنادقة والجهمية انظرها بتمامها في إعلام الـموقعين لابن القيم ج1، ص9.
([2]) من أراد معرفة الكثير من جوانب سيرته العلمية والعملية فليراجع رسالتين للباحث هما صفحات من حياة علاّمة القصيم وأثر علاّمة القصيم على الحركة العلمية المعاصرة.
([3]) وهناك الكثير من كتبه رحمه الله التي يصل عددها أكثر من (50) مؤلفاً.
([4]) المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله ج3 (العقيدة الإسلامية/ ص61)
([5]) القول السديد في مقاصد التوحيد – مجموع مؤلفات الشيخ (3/10).
([6]) الـمرجع السابق.
([7]) مؤلفات الشيخ رحمه الله (3/62) قسم العقيدة الإسلامية.
([8]) التوضيح والبيان لشجرة الإيـمان (3/108) قسم العقيدة من مؤلفات الشيخ ابن سعدي رحمه الله.
([9]) أعلام السنة المنثورة لاعتقاد الطائفة المنصورة – للشيخ حافظ الحكمي ص51.
([10]) الحق الواضح الـمبين لابن سعدي.
([11]) رواه أحمد (1/307) وانظر جامع العلوم والحكم ص174.
([12]) فاطـر آية: (15).
([13]) فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد – لابن سعدي رحمه الله (ص 65).
([14]) سؤال وجواب في أهم الـمهمات (3/63) ومؤلفات الشيخ ابن سعدي قسم العقيدة.
([15]) الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين الكافية الشافية (3/233) مجموع مؤلفات ابن سعدي.
([16]) توضيح الكافية الشافية لابن سعدي رحمه الله (3/317) مجموع مؤلفات ابن سعدي رحمه الله.
([17]) سورة النساء، الآية: 164.
([18]) الحق الواضح الـمبين (3/232) مجموع مؤلفات ابن سعدي رحمه الله.
([19]) انظر الواسطية لشيخ الإسلام.
([20]) سورة الزمر، الآية: (67).
([21]) الصواعق الـمرسلة (1/187).

([22]) سورة الصافات، الآية: (96).
([23]) تفســـير القــرآن العظيــــم – لابن كثــيــر (4/15 – زاد الـمسير – لابن الجوزي (7/70).
([24]) سؤال وجواب في أهم المهمات – لابن سعدي (ص65) من مجموع مؤلفات الشيخ رحمه الله.
([25]) الواسطية (ص175) شرح الفوزان.
([26]) سورة التكوير، الآيتان: (28، 29).
([27]) القول السديد في مقاصد التوحيد (3/12) مجموع مؤلفات الشيخ ابن سعدي.
([28]) سورة النساء، الآية: (36).
([29]) سورة الجن، الآية: (18).
([30]) أهم المهمات (3/65).
([31]) القول السديد ص (24).
([32]) المجموع الثمين (2/27) باب من تبرك بشجر أو حجر.
([33]) فتاوى اللجنة الدائمة (1/517).
([34]) سورة البينة، الآية: (5).
([35]) رواه مسلم (55).
([36]) فتح الرحيم الملك العلام ص103.
([37]) الرياض الناضرة والحدائق الزاهرة لابن سعدي (1/439) مجموع مؤلفات ابن سعدي.
([38]) سورة البقرة ، الآية: (285).
([39]) رواه مسلم (8) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
([40]) سورة الأعراف، الآية: (158).
([41]) سورة الأحزاب، الآية: (40).
([42]) سورة الحج، الآية: (75).
([43]) سورة الشورى، الآية: (52).
([44]) سورة النساء، الآية: (163).
([45]) سورة الأعراف، الآية: (188).
([46]) درء تعارض العقل والنقل (1/172).
([47]) انظر النبوات لشيخ الإسلام بن تيمية ص (21).
([48]) شرح الواسطية (1/136).
([49]) سورة النجم، الآيتان: (3، 4).
([50]) سورة الفتح، الآيتان: (8، 9).
([51]) تفسير ابن كثير (3/184).
([52]) درء تعارض العقل والنقل (1/51).
([53]) سورة الأحزاب، الآية: (40).
([54]) مختصر صحيح البخاري للزبيدي (1409).
([55]) سورة المائدة، الآية: (48).
([56]) تفسير الكريم المنان لابن سعدي.
([57]) نقلاً من شرح الشيخ عبد العزيز السلمان للواسطية.
([58]) سورة النساء، الآية: (113).
([59]) سورة الأحزاب، الآية: (34).
([60]) سورة النور، الآية: (63).
([61]) سورة النساء، الآية: (136).
([62]) رواه مسلم (2653).
([63]) رواه مسلم (2653).
([64]) سورة المائدة، الآية: (48).
([65]) درء تعارض العقل والنقل – مجموع مؤلفات ابن سعدي (2/47).
([66]) سورة التغابن، الآية: (7).
([67]) سورة سبأ، الآية: (3).
([68]) رواه الترمذي (3081) وقال حديث غريب – مشكاة المصابيح (1/48). وجامع الأصول (11/164) وحسن إسناده الألباني في المشكاة وصحيح الجامع الصغير (2/85).
([69]) سورة الفرقان، الآية: (53).
([70]) سورة المؤمنون ، الآية: (100).
([71]) التذكرة للقرطبي (ص100).
([72]) سورة الـملك، الآيتان: (8، 9).
([73]) مجموع مؤلفات ابن سعدي (3/68).
([74]) التوضيح والبيان لشجرة الإيمان (3/99) مجموع مؤلفات ابن سعدي رحمه الله.
([75]) سورة فصلت، الآية: (30).
([76]) رواه مسلم (35) من حديث أبي هريرة بهذا اللفظ، ورواه البخاري (9) بلفظ الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيـمان.
([77]) سورة فاطر، الآية: (32).
([78]) التوضيح والبيان لشجرة الإيمان (3/105).
([79]) التوضيح والبيان لشجرة الإيمان (3/93) مجموع مؤلفات ابن سعدي رحمه الله.
([80]) سورة الأنفال، الآيات: (2، 3، 4).
([81]) التوضيح والبيان لشجرة الإيمان (3/92) من مجموع مؤلفات الشيخ ابن سعدي رحمه الله.
([82]) كتاب الصلاة لابن القيم ص60.
([83]) سورة البقرة، الآية: (178).
([84]) سورة الحجرات، الآيتان: (9، 10).
([85]) سورة النساء، الآية: (92).
([86]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (3/151 – 152).
(1) رواه مسلم (1/78).
(2) سورة الأنفال، الآية: (38).
(3) سورة الزمر، الآية: 65.
([90]) سورة الأنعام، الآية: 88.
([91]) سورة محمد، الآية: 34.
([92]) سورة النساء، الآية: 17.
([93]) سورة آل عمران، الآية: 89.
([94]) سورة الأنفال، الآيات: 2 – 4.
([95]) انظر الكلام في هذه المسألة في كتاب الإيمان لشيخ الإسلام (4/429) مجموع الفتاوى شرح العقيدة الطحاوية (2/494).
([96]) سورة الممتحنة، الآية: 4.
([97]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (28/227-229).
([98]) سورة الحجرات، الآية: 10.
([99]) سؤال وجواب في أهم المهمات (3/69) من مؤلفات الشيخ رحمه الله.
([100]) البخاري (13) ومسلم (56).
([101]) التوضيح والبيان لشجرة الإيمان (3/97) من مؤلفات الشيخ رحمه الله.
([102]) سورة آل عمران، الآية: 103.
([103]) سورة آل عمران، الآية: 105.
([104]) سورة هود الآيتان: 118، 119.
([105]) أخرجه أحمد (4/102)، وأبو داود (4597) الدارمي (2/241) وهو حديث حسن.
([106]) انظر شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (1/775 – 786).
([107]) سورة الحشر، الآية: 10.
([108]) رواه البخاري (3673)، مسلم (2541).
([109]) البخاري (3007)، مسلم (2494).
([110]) رواه مسلم (2496)، أبو داود (4653 – الترمذي (3859).
([111]) انظر العقيدة الواسطية وشرحها للشيخ بن عثيمين (2/247 – 273).
([112]) سؤال وجواب في أهم المهمات (3/70) – مجموع مؤلفات ابن سعدي رحمه الله.
([113]) سؤال وجواب في أهم المهمات (3/70).
([114]) سورة النساء، الآية: 59.
([115]) أخرجه البخاري (2955) و (7144) ، ومسلم (1839).
([116]) سورة آل عمران، الآية: 110.
([117]) سورة التوبة ، الآية: 71.
([118]) رواه مسلم (49)، وأبو داود (1140) والترمذي (2172).
([119]) توضيح شجرة الإيمان (3/139).
([120]) سورة الكهف، الآيات: 103 – 105.
([121]) مجموع مؤلفات ابن سعدي – رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه (4/10).
([122]) فتح الرحيم الملك العلام (ابن سعدي ص10).
([123]) منظومة في السير إلى الله والدار الآخرة (4/172) مجموع مؤلفات الشيخ رحمه الله.
Cant See Links


رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:26 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir