الموضوع: فتوح الغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-17-2011, 02:01 AM   رقم المشاركة : 43
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: فتوح الغيب

بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة الرابعة والثلاثون

فـي الـنـهـى عـن الـســخـط عـلـى الله تـعـالـى


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : ما أعظم تسخطك على ربّك و تهمتك له عزَّ وجلَّ، و اعتراضك عليه و انتسابك له عزَّ وجلَّ بالظلم، واستبطائك في الرزق والغنى وكشف الكروب والبلوى، أما تعلم أن لكل أجل كتاب، ولكل زيادة بلية وكربة غاية منتهى ونفاد، لا يتقدم ذلك ولا يتأخر، أوقات البلايا لا تقلب فتصير عوافى ووقت البؤس لا ينقلب نعيما، وحالة الفقر لا تستحيل غنى.


أحسن الأدب وألزم الصمت والصبر والرضا والموافقة لربك عزَّ وجلَّ، وتب عن تسخطك عليه وتهمتك له في فعله، فليس هناك استيفاء وانتقام من غير ذنب، ولا عرض على الطبع كما هو في حق العبيد بعضهم في بعض، هو عزَّ وجلَّ منفرد بالأزل وسبق الأشياء، خلقها وخلق مصالحها ومفاسدها وعلم ابتداءها وانتهاءها وانقضاءها، وهو عزَّ وجلَّ حكيم في فعله متقن في صنعه لا تناقض في فعله، لا يفعل عبثاً ولا يخلق باطلاً لعباً، ولا تجوز عليه النقائص ولا اللوم في أفعاله، فانتظر الفرج حتى إن عجزت عن موافقته وعن الرضا والغنى في فعله حتى يبلغ الكتاب أجله، فتسفر الحالة عن ضدها بمرور الزمان وانقضاء الآجال، كما ينقضي الشتاء فيسفر عن الصيف، وينقضي الليل فيسفر عن النهار، فإذ طلبت نور ضوء النهار ونوره بين العشاءين لم تعطه، بل يزداد في ظلمة الليل حتى إذا بلغت الظلمة غايتها وطلع الفجر وجاء النهار بضوئه طلبت ذلك وأردته وسكت عنه وكرهته، فإن طلبت إعادة الليل حينئذ لم تجب دعوتك ولم تعطه لأنك طلبت الشئ في غير حينه ووقته فتبقى حسيراً منقطعاً متسخطاً خجلاً، فأرخ هذا كله وألزم الموافقة وحسن الظن بربك عزَّ وجلَّ والصبر الجميل، فما كان لك لا تسلبه، وما ليس لك لا تعطاه. لعمري إنك تدعو وتبتهل إلى ربك عزَّ وجلَّ بالدعاء والتضرع وهما عبادة وطاعة امتثالاً لأمره عزَّ وجلَّ في قوله تعالى : }ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{.غافر60. وقوله تعالى : }وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ{.النساء32. وغير ذلك من الآيات والأخبار، أنت تدعو وهو يستجيب لك عند حينه وأجله إذا أراد وكان لك في ذلك مصلحة في دنياك وأخراك ويوافق في ذلك قضاءه وانتهاء أجله، لا تتهمه في تأخير الإجابة ولا تسأم من دعائه، فإنك إن لم تربح لم تخسر، وإن لم يجبك عاجلاً أثابك آجلاً، فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم : (والعبد يرى في صحائفه حسنات يوم القيامة لا يعرفها فيقال له إنها بدل سؤالك في الدنيا الذي لم يقدر قضاؤه فيها) أو كما ورد. ثم أقل أحوالك أنك تكون ذاكراً لربك عزَّ وجلَّ موحداً له حيث تسأله ولا تسأل أحداً غيره، ولا تترك حاجتك لغيره تعالى، فأنت بين الحالتين في زمانك كله ليلك ونهارك وصحتك وسقمك وبؤسك ونعمائك وشدتك ورخائك، وإما أن تمسك عن السؤال، وترضى بالقضاء وتوافق وتسترسل لفعله عزَّ وجلَّ، كالميت بين يدي الغاسل، والطفل الرضيع في يدي الظئر، والكرة بين يدي الفارس يقلبها بصولجانه، فيقلبك القدر كيف يشاء، إن كان النعماء فمنك الشكر والثناء ومنه عزَّ وجلَّ المزيد في العطاء، كما قال تعالى : }لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ{.إبراهيم7. وإن كان البأساء فالصبر والموافقة منك بتوفيقه والتثبت والنصرة والصلاة والرحمة منه عزَّ وجلَّ بفضله وكرمه، كما قال عزَّ من قائل: }إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{.البقرة153.الأنفال46. بنصره وتثبيته، وهو لعبده ناصر له على نفسه وهواه وشيطانه. وقال تعالى: }إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ{.محمد7. إذا نصرت الله في مخالفة نفسك وهواك بترك الاعتراض عليه والسخط بفعله فيك وكنت خصماً لله على نفسك سيافاً عليها كلما تحركت بكفرها وشركها حززت رأسها بصبرك وموافقتك لربّك والطمأنينة إلى فعله ووعده والرضا بهما كان عزَّ وجلَّ لك معينا. وأما الصلاة والرحمة، فقوله عزَّ وجلَّ : }وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ{.البقرة155-157. والحالة الأخرى أنك تبتهل إلى ربك عزَّ وجلَّ بالدعاء والتضرع إعظاماً له وامتثالاً لأمره، وفيه وضع الشئ في موضعه، لأنه ندبك إلى سؤاله والرجوع إليه، وجعل ذلك مستراحاً ورسولاً منك إليه وموصلة ووسيلة لديه بشرط ترك التهمة والسخط عليه عند تأخير الإجابة إلى حينها، اعتبر ما بين الحالتين ولا تكن ممن تجاوز عن حديهما، فإنه ليس هناك حالة أخرى، فاحذر أن تكون من الظالمين المعتدين فيهلكك عزَّ وجلَّ ولا يبالى كما أهلك من مضى من الأمم السالفة في الدنيا بتشديد بلائه وفى الآخرة بأليم عذابه


رد مع اقتباس