لانتظار العيد في الغربة طعم مختلف، فبقدر ما يحمل في طياته من إثارة وتجدد للانطلاق في عالم مثير من الترقب, ولهفة الي الإبحار في جمالية التجربة، بقدر ما يكون له مذاق الوجد المغموس بمشاعر البعد المتشحة بخضاب الشجن, والتوق الي دفء صباحاته المشرقة. انتظار العيد في الوطن أسطورة متداخلة ما بين اللحظة وبين ذاكرة الحنين الي بهجة الطفولة, حينما كانت الأيام فيها مغامرة ممتدة تحبس الأنفاس. وتزيد بريق العين.العيد في الوطن أسطورة تبدأ من لمسة يدي أمي المبسوطتان بالحن والخير فاستعيد في لحظة إحساسي بكفها الناعم يهدهدني كي أصحو والبس ثوبي الجديد, وما بين اليقظة والمنام كنت تأمل أصابعها تتجول فوق قطعة قماش ملونة، لتبث الحب فيها, وتحيلها الي فستان وفرح وعصافير. وتمتد كفيها المملوء بالود لتجمع بينها قلوبنا العشرة. وتتسع أكثر وأكثر لتحضن معنا الأهل والجيران والغريب, فتصير الفرحة بين أصابعها أبواب خير مفتوحة تدعو الي المحبة و الترابط وصله الرحم.وتمنحنا كلنا قطعا من قلبها لتسعد ايامنا القادمة. ويتحول وشم شرايينها الي أنشودة فرح تنبثق منه الحياة فتعيد الربيع الي أشجار الورد والياسمين المزروعة في قلب بيتنا. وتبشرنا بصوتها الناعم:( العيد قادم فافتحوا قلوبكم للفرح ). العيد في الوطن مختلف، فأذان فجره يحمل صوت أبي المطمئن, بدعاء نابع من القلب بأن يكون عيدنا احلي عيد, وان تكون أيامنا أجمل عيد. وصبحه المشرق يتضوع برائحة أبي الطيبة وبهجته الغامرة، فالعيد _ كما يقول أبي رحمه الله _ مكانه القلب, والقلب هو عبق الروح وهو عطر الحياة. وليس بحي من لا يستشعر بهجة العيد أو يعيش جمال الحياة. العيد في الوطن جميل، انه يحمل أحلام أيامه ولياليه المطرزة ببهجة اللقاء, حينما نتجمع - أطفال العائلة - معا أبناء أعمام وعمات, وأبناء أخوال وخالات, لاتسعنا الدنيا فرح بالتلاقي و الانطلاق, لا رادع لحماقاتنا ولا رقيب علي مغامراتنا. فالعيد لنا. والفرح لنا.ومن حقنا أن نتباهى فيه بملابسنا وألعابنا وحلوانا. ومن حقنا أن نحلم فيه بأكوان بهية مملوءة بالأمن والسلام. ومن حقنا فيه أن نتزود منه بلحظات فرح نحملها في قلوبنا, لتزين كل أيامنا القادمة وتزيدنا فخرا وفرحا فنحن أحفاد جد واحد ونحن أبناء أخوة وأخوات, ونحن نتاج صداقة عذبة تمتد بامتدادات أعمارنا.وتكبر معنا كلما كبرنا لتزين ذكراها كل أعيادنا القادمة. العيد في وطني كون متسع من توق وبحث عن انتماء، وفيه لا ينتابني هاجس البحث عن تفاصيل الحب المندسة في حنايا ذكرياته، ف كيف لا استدعي فيه البحث عن مفردات ندية تنعش الروح وتعيد الذكريات ؟ كيف لا ابحث عفيه ن جمالية الفرح وانتقي بوح الوشوشات كي اصل الي قلب الوطن وأحظى بالوصال ؟ كيف لا اشتعل شوقا وأنا ابحث عن العيد من حولي ؟. فانا الآن اشتاق الي العيد, واشتاق الي لهفة الترقب والانتظار. واشتاق أكثر الي العيد في قلب الوطن.
العرض العادي
