لم يكن التشدد بأي أمر من الأمور يوما محمدة، وهذه الحالات من الاتجاهات نحو طرف التشديد تعبر عن أزماتٍ فكرية ونفسية واجتماعية، والدين نفسه جاء ليرفع عنا وزرنا والأغلال التي كانت علينا، وليرسل مع نبي لم يكن فظا غليظ القلب وإنما بعث بالسماحة، والتآلف، والتعاون.
لقد كرس ــ عليه الصلاة والسلام ــ كل حياته من أجل حل الكوارث الموروثة لدى العرب من عصبيات، وتأزم، وتشديد في مجالات الحياة ونواحيها. ولسفيان الثوري مقولة رائعة: «التشدد يحسنه كل أحد». وقس على التشدد كل أمر سيئ، فمن السهل أن تلفظ الكلمة البذيئة، لكن تحتاج إلى وقت لصناعة كلمة ناصعة صادقة هادئة تتفوه بها بهدوء من دون انتقاص أو تجريح.
من السهل أن تكون ممسكا مغلول اليد، لكن الأصعب أن تروض نفسك على الكرم والبذل والعطاء والعون. من السهل أيضا أن تكون بعيدا عن أداء الواجبات الاجتماعية مثل زيارة المريض أو إعانة الملهوف أو مساعدة الغريق أو معاونة عابر السبيل، هنا تكون الأخلاق بعمومها ليست سهلة وطيعة على كل أحد، بل هي صنعة واكتساب وتدرب، ومن نما على خلق حسن لم يرض إلا أن يكون كذلك، وكل تصرف أو تعليق أو حالة أو شخصية إنما هي انعكاس للتربية، ولطالما اعتبرت المعلقين مثلا في «تويتر» ممن يستخدمون كلمات نابية أننا لا نحزن عليهم بذواتهم، بل الحزن في تشويههم لصورة من رباهم من آباء وأمهات!
الإنسان السيئ لن يستطيع أن يمسك بأذى بقدر ما يؤذي صورة والديه!
كلمة سفيان الثوري عن سهولة التشدد توضح مستوى فقهيا أيضا، ذلك أن وصف كل جديد بالحرام أمر سهل، غير أن الأصعب إيجاد مخارج وعلل ومناطات فقهية تأصيلية أخرى لتجاوز تلك الإحراجات الدنيوية.
الرفق ما كان في شيء إلا زانه، هذه قاعدة من استخدمها في حياته يستريح ويريح.