بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ميلاد بطل
الحلقة الاولى
أشرقت شمس ذلك الصباح باردة .. كانت مجرد ضياء بلا حرارة .. أطلت على السهول متثاقلة وكأنها أمضت الليل في صراع طويل من أجل البقاء ..
أخفت الضباب المائية منذ ساعات الفجر الأولى ملامح بيوت القرية الصغيرة .. فبدت قبيل اطلالة شعاع الشمس كأشباح أو رؤوس شياطين ..
كان كل من يحط رحاله على أطراف القرية تنتابه رعشة سرعان ما تسري في أطرافه كلما تقدم نحو بيوت القرية العتيقة .. فيؤثر أن يبقى في مكانه حتى تطرد أشعة الشمس تلك الضباب من السماء ومن سهول القرية وتبرز مفاتن اللون الأخضر للعشب وروعة اللون الأزرق الصافي للجدول الكبير الذي تبرق أطراف أمواجه حين تنعكس عليها أشعة الشمس كما لو كانت جواهر أو ماسات صغيرة ..
لكن شمس ذلك الصباح ضعفت أمام الضباب المنتشر في كل أرجاء القرية والسهول المحيطة بها .. لتنذر بيوم حار جداً ..
لكن الشمس لم تكن وحدها من استيقظ مبكراً .. فجميع أهل القرية يستيقظون قبلها .. كل يعرف ما وراءه من أعمال ويؤديها بشكل تلقائي منذ آلاف السنين .. تستطيع أن تسمع أصواتهم الخشنة تعلو من وسط الضباب بين حين وآخر لكنك لا ترى سوى خيالات لا يمكنك تمييزها إن كانت لبشر أم لغيرهم ..
في منزل خشبي كبير بللت حوائطه من الخارج قطرات الندى فبدا كما لو كان غمر في مياه الجدول الكبير .. كانت صرخات مكتومة لامرأة في المخاض تنطلق بين حين وآخر .. وعلى إثرها يشق عواء الكلاب السمينة التي تحرس المكان الصمت المهيب ..
مضت ساعة على هذا الحال والشمس لم تحسم بعد معركتها مع الضباب .. كانت هناك أشباح تتحرك هنا وهناك دخولاً وخروجاً من ذلك البيت الخشبي .. حين غمر المكان بكاء رضيع يطل للمرة الأولى على هذه الحياة .. كان هذا الصوت لبطل صغير ولد للتو .. إنه " فارس " .. حلم والديه .. ذلك الحلم الذي انتظراه طويلاً لكنهما كانا يعلمان أنه سيتحقق يوماً ..
كان والده يعلم أن ذلك الرضيع سيكون له في المستقبل شأن عظيم .. لكن من فسر له الحلم أنذره أن ابنه " فارس " سيقاسي الأمرين في حياته .. لكن والده كان يكذب مفسر الأحلام لكن صوت ذلك الرجل بقي يتردد في ذهنه كلما آوى إلى الفراش : " سيكون لفارس شأن عظيم " ..
لذلك حينما كان والده يحمله بين ذراعيه ويهدهده كان يرى فوق جبينه هالة من النور تضفي مهابة على ملامحه التي كانت تبدو له حزينة .. فيبتسم لفارس ثم يغلبه البكاء يخفي وجهه في صدر ابنه حتى تجف دموعه ..
ولم تكن " حسناء " شقيقة " فارس " الكبرى تختلف عنه في الملامح .. بل كانت لها ذات الملامح .. كانت في الخامسة من عمرها حين ولد " فارس " .. وجدت في البداية صعوبة في نطق اسمه فلم تكن قد أتقنت بعد الكلام .. لكنها ابتكرت لنفسها الحل المناسب لنطق ذلك الاسم الصعب فلم تكف عن مناداته بـ " فايس " ويبدو أنها لم تستطع أن تعدل طريقة نطقها لهذا الاسم فيما بعد ..
أما والدته فقد فارقت الحياة بعد مولده بعدة أيام من تأثير حمى النفاس .. ولعل هذا هو أول مشواره مع المتاعب التي توقعها مفسر الأحلام .
ولم يمض شهر واحد على مولده حتى حلت بأهل قريته كارثة .. فقد بدأت قريته تتعرض لهجمات العصابات المنظمة التي كان أفرادها في كل مرة يأسرون بعض جميلات القرية ويحرقون عدداً من منازلها الخشبية حتى قرر رجال القرية تشكيل فرقة لصد هجمات هذه العصابات واستعادة فتياتها الجميلات .. أما أخطر هذه الهجمات فهي تلك التي تعرض لها بيت أهله الخشبي لعدوان من هؤلاء الأشرار .. فماذا فعل أبوه للانتقام منهم ؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة .. تابعونا ..