آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 35761 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 24539 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 30942 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 32386 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 65810 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 60029 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 51851 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 34270 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 34499 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 40407 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-10-2008, 03:50 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


تفسير سورة المسد

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


تفسير سورة المسد

سورة المسد مكية عدد آياتها خمسة

- سبب نزولها :

روى البخاري عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج إلى البطحاء . فصعد الجبل فنادى : " ياصباحاه " , فاجتمعت إليه قريش , فقال : " أرأيتم إن حدّثتكم أن العدوّ مُصبحكم أو مُمْسيكم أكنتم تصدقوني ؟ " قالوا : نعم , قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " , فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ؟ تبا لك , فأنزل الله : " تبت يدا أبي لهب و تبّ " . إلى آخرها . و في رواية - عند البخاري أيضا - : فقام ينفض يديه , و هو يقول : تبا لك سائر اليوم , ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله : " تبت يدا أبي لهب و تبّ " .

( تبت يدا أبي لهب ) أي خسرت و خابت , و ضل عمله و سعيه .
و هذه الجملة دعائية و لذا هلك - أبو لهب - بمرض خطير اسمه العدسة فمات و أقام ثلاثة أيام لم يدفن حتى أنتن ثم إن ولده أراقوا عليه الماء من بعيد مخافة عودى العدسة ؟ إذ كانت العرب تتقي هذا المرض كما يتقى الطاعون .
و أبو لهب هذا هو أحد عمومة النبي صلى الله عليه و سلم و اسمه عبد العزّى , و قد اشتهر بكنيته و عرف بها لولدٍ له يقال له لهب , أو لتلهب وجنتيه و إشراقهما , مع الإشارة إلى أنه من أهل النار , و أن مآله إلى نار ذات لهب , فوافقت حاله كنيته , فحسن ذكره بها .

( و تبّ ) إخبار من الله تعالى بهلالك عبد العزّى أبي لهب .

( ما أغنى عنه ماله و ما كسب ) لما سخط الله عليه و أدخله ناره لم يغن عنه أي لم يدفع عنه العذاب ماله و لا ولده , حيث ذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما دعا قومه إلى الإيمان , قال أبو لهب : إذا كان ما يقول ابن أخي حقا , فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي , فأنزل الله : " ما أغنى عنه ماله و ما كسب " .

( سيصلى نارا ذات لهب ) أي نار ذات شرر و لهيب و إحراق شديد , فتحيط به من كل جانب جزاء ما كان يأتيه من مقاومة الحق و مجاحدته .

( و امرأتُه حمالة الحطب )
" وامرأتُه " هي أم جميل العوراء , كانت من سادات نساء قريش , و اسمها أروى بنت حرب بن أمية و هي أخت أبي سفيان , و قد كانت عونا لزوجها على كفره و جحوده و عناده , فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه في عذابه في نار جهنم .
" حمالة الحطب " حيث كانت تأتي بشوك السعدان و تضعه في طريق النبي صلى الله عليه و سلم عند ذهابه إلى صلاة الصبح بالمسجد الحرام.
أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها .
و قيل لأنها كانت تحطب الكلام و تمشي بالنميمة كما قاله مجاهد و عكرمة و قتادة . قال الزمخشري : و يقال للمشّاء بالنمائم بين الناس , يحمل الحطب بينهم , أي يوقد بينهم و يورث الشر .

( في جيدها حبل من مسد ) قال مجاهد و عروة : من مسد النار , و قال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة , فقالت : لأنفقها في عداوة محمد , يعني : فأعقبها الله بها حبلا في جيدها من مسد النار , و عن الشعبي قال : المسد : الليف .
قال مجاهد : " في جيدها حبل من مسد " أي طوق من حديد , ألا ترى أن العرب يسمون البَكْرة مسد ؟
قال بعض أهل العلم : أي في عنقها حبل من نار جهنم تُرفع به إلى شفيرها , ثم ترمى بها إلى أسفلها , ثم كذلك دائما .

قال الإمام : قد أنزل الله في أبي لهب و في زوجته هذه السورة , ليكون مثلا يعتبر به من يعادي ما أنزل الله على نبيه , مطاوعة لهواه و إيثارا لما ألفه من العقائد و العوائد و الأعمال , و اغترار بما عنده من الأموار , و بماله من الصولة أو من المنزلة في قلوب الرجال , و أنه لا تغني عنه أمواله و لا أعماله شيئا , و سيصلى ما يصلى , نسأل الله العافية .


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تفسير سورة البروج

مكية و آياتها إثنتان و عشرون آية

( والسماء و البروج ) هذا قسم من أعظم الأقسام إذ أقسم تعالى فيه بالسماء ذات المنازل المشتملة على منازل الشمس و القمر , و الكواكب المنتظمة في سيرها , على أكمل ترتيب و نظام دال على كمال قدرة الله تعالى و رحمته , و سعة علمه و حكمته . قال ابن جرير : هي منازل الشمس و القمر , و هي إثنا عشر برجا , تسير الشمس في كل واحد منها شهرا , و يسير القمر في كل واحد يومين و ثلثا , فذلك ثمانية و عشرون منزلا , و يستتر ليلتين .

( و اليوم الموعود ) و هو يوم القيامة , الذي وعد الله الخلق أن يجمعهم فيه , و يضم فيه أولهم و آخرهم , و قاصيهم و دانيهم , ليحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون .

( و شاهد و مشهود ) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " اليوم الموعود يوم القيامة و اليوم المشهود يوم عرفة و الشاهد يوم الجمعة " حسنه الإمام الألباني .

و المقسم عليه , ما تضمنه هذا القسم من آيات الله الباهرة , و حِكمه الطاهرة , و رحمته الواسعة , و قيل : إن المقسم عليه قوله " قتل أصحاب الأخدود " .

( قتل أصحاب الأخدود ) أي لعن أصحاب الأخدود و الدعاء عليهم بالهلاك , و الأخدود حفرة في الأرض مستطيلة .
و هذا خبر عن قوم من الكفار عَمَدوا إلى من عندهم من المؤمنين بالله , عز و جل , فقهروهم و أرادوهم أن يرجعوا عن دينهم , فأبوا عليهم , فحفروا لهم في الأرض أخدودا و أججوا فيه نار , و أعدوا لها و قودا يسعرونها به , ثم أرادوهم فلم يقبلوا منهم , فقذفوهم فيها , و لهذا قال تعالى " قتل أصحاب الأخدود , النّار ذات الوقود , إذ هم عليها قعود , و هم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود " .

( النار ذات الوقود ) النار ذات الحَطب الجزل الموقد به .

( إذ هم عليها قعود ) أي على حافات الأخدود قاعدين يتشفون من المؤمنين .

( و هم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ) و هم على ما يفعلون بالمؤمنين من الإلقاء في النار و الإرتداد عن الإسلام حضور يشاهدون احتراق الأجساد الحية و ما تفعل بها النيران , لا يرقّون لهم , و هذا من أعظم ما يكون من التجبر و قساوة القلب , لأنهم جمعوا بين الكفر بآيات الله و معاندتها , و محاربة أهلها و تعذيبهم بهذا العذاب , الذي تنفطر منه القلوب , و حضورهم إياهم عند إلقائهم فيها .

( و ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) أي و ما عابوا عنهم شيئا سوى إيمانهم بالله العزيز الذي لا يضام من لاذ بجنابه , المنيع الحميد في جميع أفعاله و أقواله و شرعه و قدره , و إن كان قد قدّر على عباده هؤلاء هذا الذي وقع بهم بأيدي الكفار به , فهو العزيز الحميد , و إن خفي سبب ذلك على كثير من الناس .

( الذي له ملك السماوات و الأرض ) من تمام الصفة أنه المالك لجميع السماوات و الأرض و ما فيهما و ما بينهما , ليس لغيره ملك في شيء معه .

( و الله على كل شيء شهيد ) أي على كل شيء من أفاعيل هؤلاء الفجرة أصحاب الأخدود و غيرهم , شاهد شهودا لا يخفى عليه منه مثقال ذرة , و هو مجازيهم عليه .
أفلا خاف هؤلاء المتمردون على الله , أن يبطش بهم العزيز المقتدر , أو ما علموا أنهم جميعهم مماليك لله , ليس لأحد على أحد سلطة , من دون إذن المالك ؟ أو خفي عليهم أن الله محيط بأعمالهم , مجازٍ لهم على فعالهم ؟ كلا إن الكافر في غرور , و الظالم في جهل و عمى عن سواء السبيل .

( إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات ) أي فتنوهم عن دينهم فأحرقوهم بالنار , و الآية عامة ليست خاصة بأصحاب الأخدود , و لا بكفار قريش , و إنما عامة في كل من يفتن المؤمنين و المؤمنات في دينهم فيصرفهم عنه بأنواع من التعذيب , و جزاؤهم ما ذكر في الآية و هو عذاب جهنم و عذاب الحريق , إلا من تاب قبل موته .

( ثم لم يتوبوا ) بعد فتنتهم للمؤمنين و المؤمنات , لم يتوبوا عن كفرهم و فتنتهم , و لم يقلعوا عما فعلوا , و يندموا على ما أسلفوا .
قال الحسن البصري : أنظروا إلى هذا الكرم و الجود , هم قتلوا أولياءه و أهل طاعته , و هو يدعوهم إلى التوبة و المغفرة .

( فلهم عذاب جهنم و لهم عذاب الحريق ) أي العذاب الشديد المحرق , و ذلك أن الجزاء من جنس العمل .

( إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات ) أي من هؤلاء المفتونين و غيرهم ( لهم ) أي في نشأتهم الأخرى ( جنات تجري من تحتها الأنهار ) أنهار من الماء و اللبن و الخمر و العسل ( ذلك الفوز الكبير) أي التام الذي لا فوز مثله , لأنه نجاة من النار أولا و دخول الجنة ثانيا , قال تعالى " فمن زحزح عن النار و أدخل الجنة فقد فاز و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " .

لما ذكر تعالى ما توعد به الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات من أجل إيمانهم أخبر رسوله – صلى الله عليه و سلم – معرّضا بمشركي قومه و طغاتهم الذين آذوا المؤمنين في مكة من أجل إيمانهم أخبره بقوله :
( إن بطش ربك لشديد ) أي إن عقوبته لأهل الجرائم و الذنوب العظام لقوية شديدة , فإنه تعالى ذو القوة المتين .

( إنه هو يُبدئ و يُعيد ) أي من قوته و قدرته التامة يبدئ الخلق ثم يعيده كما بدأه , بلا ممانع و لا مدافع . قال الإمام : " و هو في كل يوم يبدئ الخلق من نبات و حيوان و غيرهما , ثم إذا هلك أعاد الله خلقه مرة أخرى , ثم هو يعيد الناس في اليوم الآخر على النحو الذي يعلمه " . و الذي يبدئ و يعيد لا يكون بطشه إلا قويا شديدا .

( و هو الغفور الودود )
" الغفور " الذي يغفر الذنوب جميعا لمن تاب – و لو كان الذنب من أي شيء كان – و يعفو عن السيئات لمن استغفره و أناب .
" الودود " أي المحب لمن أطاعه و أخلص له .
و في اقتران الودود بالغفور سر لطيف , حيث يدل ذلك على أن أهل الذنوب إذا تابوا إلى الله و أنابوا , غفر لهم ذنوبهم و أحبهم , فلا يقال : بل تُغفر ذنوبهم , و لا يَرجع إليهم الود , كما قاله بعض الغالطين .

( ذو العرش المجيد ) أي : صاحب العرش العظيم العالي على جميع الخلائق . فمن عظمته أنه وسع السماوات و الأرض و الكرسي , فهي بالنسبة إلى العرش كحلقة ملقاة في فلاة , بالنسبة لسائر الأرض , و خص الله العرش بالذكر , لعظمته , و لأنه أخص المخلوقات بالقرب منه تعالى , و هذا على قراءة الجر , يكون " المجيد " نعتا للعرش , و أما على قراءة الرفع , فإنّ "المجيد" نعت لله - و كلاهما معنى صحيح - , و المجد سعة الأوصاف و عظمتها .

( فعّال لما يريد ) أي لا يريد شيئا إلا فعله , فلا يحول بينه و بين مراده شيء , لأنه لا معقب لحكمه , و لا يسأل عما يفعل , لعظمته و قهره و حكمته و عدله .

( هل أتاك حديث الجنود , فرعون و ثمود ) أي : هل بلغك ما أحل الله بهم من البأس , و أنزل عليهم من النقمة التي لم يردها عنهم أحد , لما طغوا و بغوا و كفروا و عصوا ؟ نعم قد أتاك , قال ابن جرير : " قد أتاك ذلك , و علمته , فاصبر لأذى قومك إياك , لما نالوك به من مكروه , كما صبر الذين تجند هؤلاء الجنود عليهم من رسلي , و لا يثنينّك عن تبليغهم رسالتي , كما لم يثن الذين أرسلوا إلا هؤلاء , فإن عاقبة من لم يصدقك و يؤمن بك منهم , إلى عطب و هلاك , كالذي كان من هؤلاء الجنود " .
فالجملة تقرير لقوله " إن بطش ربك لشديد " أي : إذا أخذ الظالم أخذه أخذا أليما , أخذ عزيز مقتدر .

( بل الذين كفروا في تكذيب ) أي : لا يزالون مستمرين على التكذيب و العناد , لا تنفع فيهم الآيات , و لا تُجدي لديهم العظات , لأنه تكذيب ناشئ من الكبر و الحسد و الجهل فلذا هم لم يؤمنوا بعد .

( و الله من ورائهم مُّحيط ) أي : هم في قبضته و تحت قهره و سلطانه لا يخفى عليه منهم شيء , و لا يحول بينه و بينهم أحد , فمتى ما أراد أخذهم فعل .

( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ) يرد بهذا على المشركين الذين قالوا في القرآن إنه سحر و شعر و أساطير الأولين فقال : ليس هو كما قالوا و ادّعوا و إنما هو قرآن مجيد بالغ الغاية في المجد و الشرف و السمو و العلو في ألفاظه و معانيه , و ما يحمل من هدي و تشريع و أنه في مناعته لا تصل إليه أيدي الخلق بالتحريف و التبديل إذ هو في لوح محفوظ من التغيير و الزيادة و النقص , محفوظ من الشياطين فلا تمسه و لا تقربه , و هذا يدل على جلالة القرآن و جزالته , و رفعة قدره عند الله تعالى .
و اللوح المحفوظ هو الذي أثبت الله فيه كل شيء , و هو في الملأ الأعلى .



بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تفسير سورة الإنشقاق

و تسمى كذلك سورة إذا السماء انشقت , و هي مكية و آياتها خمس و عشرون آية .

يقول تعالى مبينا لما يكون في يوم القيامة من تغيير الأجرام العظام :

( إذا السماء انشقت ) أي انصدعت و تقطعت , و تمايز بعضها من بعض , و انتثرت نجومها , و خسف بشمسها و قمرها .

( و أذنت لربّها ) أي : استمعت لربها و أطاعت أمره فيما أمرها به من الإنشقاق .

( و حقّت ) أي : و حق لها أن تطيع أمره , لأنه العظيم الذي لا يُمَانَع و لا يغالب , بل قد قهر كل شيء و ذل له كلّ شيء .

( و إذا الأرض مدت ) أي بُسطت ووسعت و جعلت مستوية , و ذلك بنسف جبالها و آكامها , حتى صارت تسع أهل الموقف على كثرتهم .

( و ألقت ما فيها ) أي ما في جوفها من الكنوز و الأموات .

( و تخلّت ) حتى لم يبق شيء في باطنها .

( و أذنت لربّها و حقّت ) أي : انقادت له في التخلية , و حق لها ذلك , و إعادة الآية للتنبيه على أن ذلك تحت سلطان الجلال الإلهيّ و قهره و مشيئته .

( يا أيها الإنسان إنّك كادح إلى ربّك كدحا فملاقيه ) قال ابن جرير : " أي إنك عامل إلى ربك عملا فملاقيه به , خيرا كان أو شرا " . ثم تلاقي الله يوم القيامة , فلاتعدم منه جزاء بالفضل إن كنت سعيدا , أو بالعدل إن كنت شقيا . و لهذا ذكر تفصيل الجزاء بعد هذه الآية . و المعنى المراد به في الآية : فليكن عملك مما ينجيك من سخطه , و يوجب لك رضاه , و لا يكن مما يسخطه عليك فتهلك .

( فأما من أوتي كتابه بيمينه ) و هم من آمن و عمل صالحا و اتصف بما وصف به الأبرار , في غير ما آية .

( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) قال ابن جرير : بأن ينظر في أعماله فيغفر له سيئها و يجازي على حسنها . فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في بعض صلاته : " اللهم حاسبني حسابا يسيرا " . فلما انصرف قلت : يا رسول الله , ما الحساب اليسير ؟ قال : " أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه , إنه من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلَك " قال ابن كثير صحيح على شرط مسلم . " قلت ( عبد الحي) : قال الشيخ شعيب الأرنؤوط و رفاقه في تحقيق مسند الإمام أحمد حديث صحيح دون قوله : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول في صلاته اللهم حاسبني حسابا يسيرا ( 24215/40 )" .

و عنها أيضا قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من نوقش الحساب عذب " قالت : فقلت : أليس قال الله : " فسوف يحاسب حسابا يسيرا " قال : " ليس ذاك الحساب , و لكن ذلك العَرْض , من نوقش الحساب يوم القيامة عذب " رواه البخاري و مسلم .

( و ينقلب إلى أهله مسرورا ) و يرجع إلى أهله – و هم الحور العين و النساء المؤمنات و الذرية الصالحة , أو قومه ممن يجانسه و يقارنه من أصحاب اليمين – فرحان مغتبطا بما أعطاه الله عز و جل .

( و أما من أوتي كتابه وراء ظهره ) أي : أعطي كتاب عمله بشماله – حيث تغل اليمنى مع عنقه – من وراء ظهره , و هو على هيئة المغضوب عليه .

( فسوف يدعو ثبورا ) أي يُنادي بالهلاك – و هو أن يقول : واثبوراه ! و واويلاه ! – من الخزي و الفضيحة , و ما يجد في كتابه من الأعمال التي قدمها و لم يتب منها .

( و يصلى سعيرا ) أي يدخل نارا مستعرة شديدة الإلتهاب تحيط به من كل جانب و يقلب على عذابها حتى ينضح فيها لحمه المرة بعد المرة و أبداً و العياذ بالله .

( إنه كان في أهله مسرورا ) لا يخاف الله و لا يرجو الدار الآخرة يعمل ما يشاء و يترك ما يشاء , لا يفكر في العواقب . منعما مستريحا من التفكر في الحق و الدعاء إليه و الصبر عليه . لا يهمه إلا أجوفاه , بطراً بالنعم , ناسيا لمولاه .

( إنّه ظنّ أن لا يحور ) أي لن يرجع إلى ربه , أو إلى الحياة بالبعث , لاعتقاده أنه يحيى و يموت و لا يهلكه إلا الدهر . فلم يكُ يرجو ثوابا و لا يخشى عقابا و لا يُبالي ما ركب من المآثم , على خلاف ما قيل عن المؤمنين " إنّا كنّا قبل في أهلنا مشفقين " " إنّي ظننت أنّي ملاق حسابيه " .

( بلى ) أي ليحورن و ليرجعن إلى ربه حيّا كما كان قبل مماته , و يجازيه على أعماله خيرها و شرها .

( إنّ ربه كان به بصيرا ) أي عليما خبيرا , لا يخفى عليه من أمره شيء , و نتيجة لذلك تمّ له هذا الحساب و العقاب .

( فلا أقسم بالشّفق ) قال ابن جرير : " أقسم الله بالنهار مدبرا , و بالليل مقبلا " . و الشفق هو الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة , قال صلى الله عليه و سلم : " وقت المغرب مالم يغب الشفق " . رواه مسلم .

( و الليل و ما وسق ) أي و ما جمع من كل ذي روح من سابح في ماء و طائر في السماء و سارح في الغبراء , لأنه إذا كان الليل ذهب كل شيء إلى مأواه .

( و القمر إذا اتسق ) أي اجتمع و تم نوره و صار كاملا و ذلك في الليالي البيض .

و جواب القسم قوله تعالى ( لتركبنّ طبقا عن طبق ) أي حالا بعد حال الموت الحياة , ثم العرض ثم الحساب , ثم الجزاء فهي أحوال و أهوال فليس الأمر كما تتصورون من أنه موت و لا غير .


( فما لهم لا يؤمنون ) أي ما للناس لا يؤمنون , أي شيء منعهم من الإيمان بالله و رسوله و الدار الآخرة مع كثرة الآيات و قوة الحجج و سطوع البراهين .

( و إذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ) أي : لا يخضعون للقرآن , و لا ينقادون لأوامره و نواهيه .

( بل الذين كفروا يكذبون ) أي : يعاندون الحق بعدما تبين , فلا يستغرب عدم إيمانهم و عدم انقيادهم للقرآن , فإن المكذب بالحق عنادا , لا حيلة فيه . قال الإمام : لا تظن أن قرع القرآن لم يكسر أغلاق قلوبهم , و لم يبلغ صوته أعماق ضمائرهم , بلى , قد أبلغ و أقنع فيما بلغ , و لكن العناد هو الذي يمنعهم عن الإيمان , و يصدهم عن الإذعان , فليس منشأ التكذيب قصور الدليل . و إنما هو تقصير المستدل و إعراضه عن هدايته .

( و الله أعلم بما يوعون ) أي : بما يسرون في صدورهم من حقية التنزيل , و إن أخفوه عنادا , أو بما يضمرون من البغي و المكر , فسيجزيهم عليه و لذا قال ( فبشرهم بعذاب أليم ) أي : فأخبرهم – يا محمد – بأن الله عز و جل قد أعد لهم عذابا أليما جزاء على تكذيبهم و إعراضهم و بغيهم .
و سميت البشارة بشارة , لأنها تؤثر في البشرة سرورا أو غما .

( إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ) هذا استثناء منقطع , يعني : لكن الذين آمنوا بقلوبهم , و عملوا الصالحات بجوارحهم لهم أجر في الدار الآخرة غير منقوص و لا مقطوع , بل هو أجر دائم مما لا عين رأت , و لا أذن سمعت , و لا خطر على قلب بشر .



بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تفسير سورة المطففين

مدنية الأوائل مكية الأواخر و آياتها ست و ثلاثون آية

قال ابن عباس : " لما قدم نبي الله صلى الله عليه و سلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا , فأنزل الله " و يل للمطففين " , فحسَّنوا الكيل بعد ذلك " صححه الألباني .
و قال أحد الأنصار رضي الله عنه : كُنَّا أسوأ الناس كيلا , حتى إنه ليكون لأحدنا مكيالان مكيال يشتري به و آخر يبيع به و ما إن نزلت فينا ويل للمطففين حتى أصبحنا أحسن كيلا ووزنا . قال الفرّاء : فهم من أوفى الناس كيلا إلى يومهم هذا .

( ويل للمطففين ) يتوعد الله تعالى المطففين بالخسار و الهلاك . و التطفيف ها هنا : هو البَخْس في المكيال و الميزان , إما بالإزدياد إن اقتضى من الناس , و إما بالنقصان إن قضاهم .

( إذا اكتالوا على الناس يستوفون ) إذا اشتروا من الناس يأخذون كيلهم وافيا و زائدا , على إيهام أن بذلك تمام الكيل . و إذا فعلوا ذلك في الكيل الذي هو أجلّ مقدارا , ففي الوزن بطريق الأولى .

( و إذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون ) أي كالوا للناس أو وزنوا لهم , ينقصونهم حقهم الواجب لهم – و هو الوفاء و التمام – سواء بمكيال و ميزان ناقصين , أو بعدم ملء المكيال و الميزان , أو نحو ذلك .

فهذا سرقة لأموال الناس في الأخذ و الدفع , و لو في القليل , لأن من دَنُؤَت نفسه إلى القليل دل على فساد طويته و خبث ملكته , و أنه لا يقعده عن التوثب إلى الكثير إلا عجز أو رقابة .
و قد أمرنا الله تعالى بالوفاء بالكيل و الميزان فقال " و أوفوا الكيل إذا كلتم و زنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير و أحسن تأويلا " , و قال " و أوفوا الكيل و الميزان بالقسط لا تكلّف نفسا إلاّ وسعها " , و قال " و أقيموا الوزن القسط و لا تُخسروا الميزان " . و أهلك الله قوم شعيب و دمّرهم على ما كانوا يبخسون الناس في المكيال و الميزان .

( ألا يظن أولئك أنّهم مبعوثون ليوم عظيم ) أما يخاف أولئك من البعث و القيام بين يديّ من يعلم السرائر و الضمائر , في يوم عظيم الهول كثير الفزع , جليل الخطب , من خسر فيه أدخل نارًا حامية ؟ .

( يوم يقوم النّاس لرب العالمين ) يقومون حفاة عراة غُرْلاً – قلت " عبد الحي " : أي غير مختونين - , في موقف صعب حرج ضيق ضنك على المجرم , و يغشاهم من أمر الله ما تعجز القوى و الحواس عنه .
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " ( يوم يقوم النّاس لرب العالمين ) حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه " رواه البخاري و مسلم .
و روى الإمام أحمد عن ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " ( يوم يقوم النّاس لرب العالمين ) لعظمة الرحمن عز وجل يوم القيامة , حتى إن العرق ليُلجم الرجال إلى أنصاف آذانهم " قال الشيخ أحمد شاكر إسناده صحيح .
و عن المقداد بن الأسود الكندي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " إذا كان يوم القيامة أُدْنِيَت الشمس من العباد , حتى تكون قيدَ ميل أو ميلين , قال : فتصهرهم الشمس , فيكونون في العرق كقدر أعمالهم , منهم من يأخذه إلى عقبيه , و منهم من يأخذه إلى ركبتيه , و منهم من يأخذه إلى حَقْوَيه , و منهم من يلجمه إلجاما " رواه مسلم .

فالذي جرأهم على التطفيف عدم إيمانهم باليوم الآخر , و إلا فلو آمنوا به , و عرفوا أنهم يقومون بين يدي الله , يحاسبهم على القليل و الكثير , لأقلعوا عن ذلك و تابوا منه .

( كلاّ ) ردع عن التطفيف الذي يقترفونه لغفلتهم عن يوم الحساب و ضعف اعتقادهم به .

( إنّ كتاب الفُجّار ) و هذا شامل لكل فاجر من أنواع الكفرة و المنافقين و الفاسقين , و الكتاب ما كتب فيه من عملهم السيء و أحصي عليهم .

( لفي سجّين ) موضع في أسفل الخلق به أرواح الكافرين و الظالمين و كتب أعمالهم . و هو سجن مقيم و عذاب أليم . قال القاشانيّ : " لفي سجّين " في مرتبة من الوجود مسجون أهلها في حبوس ضيقة مظلمة أذلاء أخساء في أسفل مراتب الطبيعة و دركاتها . و هو ديوان أعمال أهل الشرّ .

( و ما أدراك ما سجين ) أي و ما أعلمك يا رسولنا ما سجين . و الإستفهام للتهويل و تفخيم من شأن سجين .

( كتاب مرقوم ) أي مسطور بيّن الكتابة , مذكور فيه أعمالهم الخبيثة . و هو كتاب مفروغ منه , لا يزاد فيه أحد و لا ينقص منه أحد .

( ويل يومئذ للمكذبين الذين يكذبون بيوم الدين ) أي العذاب الأليم بوادي الويل يوم القيامة للمكذبين بالله و آياته و لقائه , المكذبين بيوم الجزاء و الحساب . و فيه إشعار بأن المطففين ممن يتناولهم هذا الوصف , لأن إصرارهم على التعدي و الإجترام يدل على عدم الظن بالبعث .

( و ما يكذب به إلا كل معتد أثيم ) و ما يكذب بيوم الجزاء و الحساب إلا كل معتد ظالم متجاوز للحد بالإفراط في أفعاله بالبغي و العدوان , مبالغ في ارتكاب أفانين الإثم و أنواع المعاصي .

( إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ) هذا بيان لذلك المعتدي الأثيم و هو أنه إذا قُرئت عليه آيات الله تذكيراً له و تعليمًا ردًّها بقوله أساطير الأولين أي هذه الحكايات من ترهات المتقدمين و أخبار الأمم الغابرين , ليس من عند الله تكبُّرا و عنادًا .

( كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسون ) أي : ليس الأمر كما زعموا و لا كما قالوا , إن هذا القرآن أساطير الأولين , بل هو كلام الله ووحيه و تنزيله على رسوله صلى الله عليه و سلم , و إنما حجب قلوبهم عن الإيمان به ما عليها من الرَّين – قال الحسن البصري : هو الذنب على الذنب , حتى يعمى القلب , فيموت . و كذا قال مجاهد و قتادة , و ابن زيد , و غيرهم – الذي قد لبس قلوبهم من كثرة الذنوب و الخطايا . قال النبي صلى الله عليه و سلم : " إن العبد إذا أخطأ خطيئة نُكت في قلبه نكتة , فإن هو نزع و استغفر و تاب صُقل قلبه . فإن عاد زيد فيها حتى يعلو قلبه , فهو الران الذي قال الله تعالى ( كلاّ بل ران على قلوبهم مّا كانوا يكسبون ) " صححه الألباني .

( كلاّ إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) أي ردعا لهم و زجرا عن أقوالهم الباطلة و أعمالهم الفاسدة , أو بمعنى حق , إنهم محجوبون عن رؤية ربهم و خالقهم . قال ابن جرير : أي فلا يرونه و لا يرون شيئا من كرامته , فهم محجوبون عن رؤيته و عن كرامته . و تخصيص الحجب بهؤلاء يقتضي أن غيرهم غير محجوب فيرى الله تعالى و يرى كرامته . قال الإمام الشافعي : في هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ . قال ابن كثير : و هذا الذي قاله الإمام الشافعي , رحمه الله , في غاية الحسن , و هو استدلال بمفهوم هذه الآية , كما دل عليه منطوق قوله ( وجوه يومئذ ناضرة , على ربها ناظرة ) . و كما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح المتواترة في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل في الدار الآخرة , رؤية بالأبصار في عَرَصات القيامة , و في روضات الجنات الفاخرة .

( ثم إنهم لصالوا الجحيم ) ثم هم مع هذا الحرمان عن رؤية الرحمن من أهل النيران , مصطلون بحرها معذبون بأنواع العذاب فيها .

( ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ) ثم يقال لهم على وجه التقريع و التوبيخ , و التصغير و التحقير " هذا " أي العذاب الذي كنتم به في الدنيا تكذبون حتى واصلتم كفركم و إجرامكم فحل بكم هذا الذي أنتم فيه الآن فذوقوا فلن تزدادوا إلا عذابا .

لما ذكر الله تعالى أن كتاب الفجار في أسفل الأمكنة و أضيقها , ذكر أن كتاب الأبرار في أعلاها و أوسعها و أفسحها , فقال تعالى :

( إن كتاب الأبرار لفي عليين ) أي حقا إن كتاب أعمال هؤلاء الأبرار الذين كانوا لربهم طائعين - بأداء فرائضه و اجتناب نواهيه - في أعلى الجنة . قال القاشانيّ : أي ما كتب من صور أعمال السعداء و هيآت نفوسهم النورانية و ملكاتهم الفاضلة , في عليين . و هو مقابل للسجين , في علوه و ارتفاع درجته , و كونه ديوان أعمال أهل الخير .

( و ما أدراك ما عليون ) إستفهام للتفخيم و التعظيم بشأن عليين , إذ هو في أعلى مرتبة و أسمى منزلة .

( كتاب مرقوم ) أي محل شريف رقم بصور أعمالهم .

( يشهده المقربون ) أي يحضره المقربون من حضرة ذي الجلال , من الملائكة , و أرواح الأنبياء , و الصديقين و الشهداء , و ينوِّه الله بذكرهم في الملأ الأعلى .

( إن الأبرار لفي نعيم ) إن الأبرار – و هم أهل الطاعة و الصدق فيها , و هم أصحاب الكتب المودعة في عليين – لفي نعيم – و هو إسم جامع لنعيم القلب و الروح و البدن – عظيم دائم , و جنات فيها فضل عميم .

( على الأرائك ) أي على السرر المزينة بالفرش الحسان .

( ينظرون ) في ملكهم و ما أعطاهم الله من الخير و الفضل الذي لا ينقضي و لا يبيد , و ينظرون إلى وجه ربهم الكريم .

( تعرف في وجوههم نضر النعيم ) أي : تعرف إذا نظرت إليهم في وجوههم بهاء النعيم و نضارته و رونقه , فإن توالي اللذة و السرور , يكسب الوجه نورًا و حسنا و بهجة .

( يُسقون من رحيق ) يسقون من خمر من الجنة , صافية لا دنس فيها و لا غش . و الرحيق : من أسماء الخمر .

( مختوم ) أي : خُتم على أوانيه تكريما له لصيانته عن أن تمسه الأيدي على ما جرت به العادة من ختم ما يكرم و يصان .

( ختامه مسك ) آخر هذا الشراب يفوح برائحة المسك الأذفر فهي طيبة الرائحة للغاية . قال ابن عباس : طيب الله لهم الخمر , فكان آخر شيء جعل فيها مسك , خُتم بمسك . و القصد لذة القطع بذكاء الرائحة و أرجها , على خلاف خمر الدنيا الخبيثة الطعم و الرائحة .

( و في ذلك ) أي النعيم المقيم , الذي لا يعلم مقداره و حسنه إلا الله .

( فليتنافس المتنافسون ) أي : يتسابقوا في المبادرة إليه و الأعمال الموصلة إليه , فهذا أولى ما بذلت فيه نفائس الأنفاس , و أحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال .

( و مزاجه من تسنيم ) أي إن ذلك الرحيق يمزج لأصحاب اليمين بماء تسمى التسنيم .

( عينا يشرب بها المقربون ) هذا التسنيم يشربه المقربون صرفا أي خالصا بدون مزج , فهو أعلى أشربة الجنة على الإطلاق , لذلك كانت خالصة للمقربين , الذين هم أعلى الخلق منزلة , و ممزوجة بالرحيق و غيره من الأشربة اللذيذة لأصحاب اليمين .

( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون , و إذا مروا بهم يتغامزون ) يخبر تعالى عن المجرمين – الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك و المعاصي – أنهم كانوا في الدنيا يسخرون بالمؤمنين و يستهزؤون بهم , و يضحكون منهم , و يتغامزون بهم عند مرورهم عليهم , احتقارا لهم و ازدراء , لأنهم آمنوا بالله وحده و بما أوحاه إلى رسوله صلوات الله عليه , و نبذوا ما أَلْفَوْا عليه آباءهم . قال السيوطي : و في هذا دلالة على تحريم السخرية بالمؤمنين , و الضحك منهم , و التغامز عليهم .

( و إذا انقلبوا إلى أهلهم إنقلبوا فاكهين ) أي : رجع هؤلاء المجرمون إلى منازلهم , مسرورين مغتبطين , متلذذين بالسخرية و حكاية ما يعيبون به أهل الإيمان , أو ما هم فيه من الشرك و الطغيان و التنعم الدنيا . و هذا من أعظم ما يكون من الإغترار أنهم جمعوا بين الإساءة و الأمن في الدنيا , حتى كأنهم قد جاءهم كتاب من الله و عهد , أنهم من أهل السعادة , و قد حكموا لأنفسهم أنهم أهل الهدى , و أن المؤمنين ضالون , افتراء على الله , و تجروا على القول عليه بلا علم .

( و إذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون ) أي : و إذا رأى أولئك المجرمون المؤمنين أشاروا إليهم و قالوا " إن هؤلاء لضالون " بتركهم دينهم و اعتناق دين محمد الجديد في نظرهم .

( و ما أرسلوا عليهم حافظين ) أي : و ما أرسلوا وكلاء على المؤمنين ملزمين بحفظ أعمالهم , حتى يحرصوا على رميهم بالضلال , و ما هذا منهم إلا تعنت و عناد و تلاعب , ليس له مستند و لا برهان , و لهذا كان جزاؤهم في الآخرة من جنس عملهم .

( فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ) أي : يوم القيامة يضحكون حين يرونهم في غمرات العذاب يقلبون , و ضحكهم من الكفار ضحك المسرور بما نزل بعدوّه من الهوان و الصغار , بعد العزة و الكبر .

( على الأرائك ينظرون ) على السرر المزينة ينظرون إلى ما أوتوا من النعيم , و ما حل بالمجرمين من عذاب الجحيم .

( هل ثوّب الكفار ما كانوا يفعلون ) أي : هل جوزي الكفار على ما كانو يقابلون به المؤمنين من الإستهزاء و التنقيص أم لا ؟ نعم قد جوزوا أوفر الجزاء و أتمه و أكمله .

و نظير هذه الآيات قوله تعالى " إخسئوا فيها و لا تكلمون , إنّه كان فريق من عبادي يقولون ربنّا آمنا فاغفر لنا و ارحمنا و أنت خير الراحمين , فاتخذتموهم سِخريا حتى أنسوكم ذِكري و كنتم منهم تضحكون , إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون " .




التوقيع :




لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم








رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:51 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir