همس الدراويش
كان يأتي حاملا ( ساج ) الخبز , وقد أطبق فمه , على حافته العليا ... حينما أقترب مني , شعرت بسخونة الساج ,
مضى بعيدا , حيث تجمهر الصبية , اختلطت الأجساد لترى الرجل الغريب ..
تحاشى الناس المتكدسين حوله , عائدا للجلسة .. قريبا من الطبول , التي تقرع بلا انقطاع .. خيط الوهم يربط الحقيقة المتلاطمة , وظلت الأفواه فاغرة من الدهشة المحيرة ...
لازال أحدهم يصدح بحب (النبي وآله ...) تحركت لأجلس قبالته :
كأن النار التي تتقد لاتستطيع وقف ولعه المفرط , في التجلي ... أسياخ الحديد , يدسها في جسده النحيل , ويمضي هادئا وسط المحيطين به ...
بلا كلل ,يمضي بين الجالسين , يتبختر في مشيته ... أسر المتحلقين , بصبره وجلده , أنه يؤدي رقصة الاكتواء , وسط حلقة الدهشة , من هذيان يسيح فيه ألالم بصمت ..
أعب الهواء , في رئتي , يتمنطق الفزع , داخلي .. حين يقترب يسد المنافذ .. وتعبر قسمات الدهشة والخوف ,لتجاعيد زمن لايوصف ...
(( حتى تتوفر شروط , البحث في الذات , عليك أن تخلص في عملك ... ))
يتفوه بكلماته مع المريدين .. أظل استمع أليه , يسحرني عالمه .. يأتيني صوته , من أرض نسجت في أخيلة الغابرين ... ( حينما توحد أعضائك , مع الروح , تسكب على أحلامك , دنان الورد المتألق في وحي الغفوة .. !!! )
كان الصناع المهرة , يقومون بشرب الماء الحامض ,تعبيرا عن ( الطريقة ) التي توصلهم الى حافة المعرفة .. !!!
يحتاج العالم أكثر من واسطة , لاختراق شعاب الفهم الشاهقة , من الممكن أن تنفذ خلالها بلا أدلاء ... حتما سيكتب
أسمك مع العشاق ..
حيث تذوب ألآهات في استثناءات الوجع , ليعبر مخاض المرحلة المؤلمة , ويكتب على جبهته (( بسم الله))...
كانت النبرات الدافئة , تحتفي بالهمس المستشري , في تفكيري المتسطح .. حينما عدت للمنزل , شاهدت الموقد , تملكتني رغبة جامحة ,في أيقاد أسياخ اللحم , هوس تكور في مخيلتي المتوثبة , لعبور العالم الحسي , للضفة الأخرى , حيث يهجع الجسد , بلا ألم يتضور منه ...
أطبقت أجفاني , وأوصدت الهاجس المتمرد داخلي .. لم أعد أشعر ألا بنبض وريد ينتفض ,في رقبتي .. وتداعت صور أسلافي في تجاويف ذاكرتي .. وتساءلت :
( هل أنهم مسكونين بقلق مماثل ...؟؟!!)
الهوس يتراشق مثل حجارة , تلطمني .. أستشعر ألما في قبضتي , ورائحة الشواء , تملأ الجو الخانق ... وأفيق على صرخة أمي :
: (ماذا تفعل يامجنون ...؟؟!!)
ينهار الدرويش داخلي , وأراه , يستلقي على قفاه من فرط الضحك المستهزئ ... وأتمتم في نفسي :
(ياللعار ...)
سيبقى الوشم في يدي , الى ماشاء الله ... ويسمر التوتر , يحاصرني, يتكوم دمعا .. ينزف من حدقاتي , ساخنا مثل لهيب السيخ المحمر ...