تزوج رجل الاسكيمو من ابنة الراعي بعد عداء مميت
بدأت قصة رجل الاسكيمو ناكوزياك في احد خلجان الساحل الشرقي في منطقة بافن غرب اسكتلندا، ففي احد ايام شهر يوليو من عام 1850 حيث غطى الضباب الكثيف سطح المحيط خرج الصيادون وراحوا يصغون لاصوات الفقمات الآتية من بعيد سيكون موسم الصيد رائعاً لان هذه الاصوات تبشر بصيد وفير، ولكن موسم العواصف قد بدأ ومعه خطر داهم يتربص بالصيادين.
تقدم ناكوزياك ناحية المحيط متحدياً مخاوف رفاقه من الصيادين غير عابيء بالمحيط المزمجر والضباب الكثيف الذي غطى سطحه حاجباً الضوء تماماً وانزل قاربه الصغير الكاياك ـ قارب الاسكيمو المصنوع من قطع خشب وجلود، فحملته الامواج والثلوج بعيداً في عتمة المحيط.
بعد هذا الحدث بعدة ايام وعلى مسافة 300 كيلومتر بالقرب من خليج مضيق دافيس شاهد مراقب سفينة نرويجية لصيد الحيتان على مقربة من مقدمة القارب كتلة طافية على حافة جرف جبل جليد ظنها للوهلة الاولى دباً قطبياً فأمر السفينة بتغيير اتجاهها ولكنهم لاحظوا بأن الكتلة الملقية على الحافة هي رجل طاف على نتوء الحافة التي تكونت بفعل احتكاك الجبال الجليدية.
رفع البحار الرجل مع قاربه المحطم وكان فاقد الوعي فاعتنوا به حتى استعاد وعيه وحواسه وتناول بعض المشروبات الساخنة والطعام وكانت اول مرة يرى فيها اناساً بيضاً وكل طرف لا يفهم لغة الآخر وشابت علاقة ناكوزياك بطاقم السفينة سمة توتر ازدادت عندما لاحظ ناكوزياك ان السفينة تأخذ الاتجاه المعاكس لموطنه الاصلي وانه سوف يبتعد عن موطنه اكثر فأكثر.
وعندما اصبحت السفينة في عرض المحيط انتابت ناكوزياك موجة من الهستيريا وانكب يصلح المحطم بسرعة جنونية، وعندها ادرك البحارة قصده من وراء ذلك وعندما اتم اصلاح الكاياك رفعه البحارة وأنزلوه الى الماء مقطوراً خلف السفينة.
كان جل اهتمام البحارة هو انقاذ هذا الرجل المتهور الذي يظن بأنه سيتمكن من النجاة بهذا القارب الصغير وسوف يقطع المحيط بعواصفه وامواجه وجبال ثلجه!
اقتربت السفينة من جزر فيرويه وهنا هبت عاصفة قوية بسبب ثلوج الشمال الغربي واندفعت ناحية السفينة التي اصبحت لعبة في مهب الريح، وربما كانت السفينة استطاعت مواجهة العاصفة لو ان صاري الشراع صمد ولكن قوة الريح حملت الشراع وكسرت الصاري الذي سقط محدثا صريراً مزعجاً. وانغرس مقلوبا في المياه.
ظلت الحبال المعلقة بالصاري والشراع التي تربط السفينة بهما تشدهما الى الصاري الذي اصبح وكأنه هلب مغروس في مياه المحيط وحوله يدور مبنى السفينة بسرعة فائقة وكأن دوامة تحتهما، وبعدها ضربت موجة عالية جسم السفينة فاطاحت بها وجعلتها تطفو على احد جوانبها فقط ثم عادت الى وضعها الاول بعدما امتلأت بالماء حتى نصفها.
لم يسعف الوقت البحارة لانزال قوارب النجاة ولكن ناكوزياك استطاع الوصول الى قاربه الكاياك وقطع الحبال التي كانت تربطه بمؤخرة السفينة فحملته الامواج على حافتها عالياً وكانت موجة اخرى غطت السفينة بأشرعتها وصاريها وابتلعتها اللجة وكأن شيئاً لم يكن!
كان رجل الاسكيمو يجد نفسه تارة وكأنه على جبل ماء وتارة في واد بين دفتي جبال موج عال يحمل قاربه تارة الى الاعلى ليلقي به من جديد الى اسفل وهكذا اصبح الكاياك وكأنه قطعة قش صغيرة تطفو فوق الموج وبعد فترة طويلة لا يدري ناكوزياك كم استمرت في الوقت لانه لم يعد يرى او يحس بشيء توقفت العاصفة كما بدأت.
بعد فترة لم يعرف ناكوزياك المدة تماماً لانه غاب عن وعيه مدة لا يدري كم طالت وجد نفسه على صخور الشاطيء وقد التوى الكاياك وتمزق ما تمزق منه وأتت موجة اخيرة قذفته على الحافة فزحف مبتعداً عن الامواج وقد استبد به التعب لقد لفظته، الامواج على جزيرة تارانساي في ارخبيل هبرايديس.
مرت ساعات قبل ان توقظه تعتعة النوارس لقد استعاد وعيه ونظره وجزءاً من نشاطه، نظر الى مياه البحر فلم يشاهد جبال الجليد التي تعود على رؤيتها وصرخات طيور البحر هذه التي لا يعرفها لانها لا تعيش في موطنه انها طيور غريبة لم ير مثلها من قبل وهاهي تحوم فوقه وكأنها تهدده.
خلفه ظهرت بقع بيضاء على القمم الخضراء ربما كان قطع ثلج او جليد موزعة هنا وهناك انه يعرف قطع الثلج هذه، راح يحدق فيها ولكنه لاحظ انها تتحرك، سار ناحية هذه البقع ليتأكد وكان في طريقه قد شاهد كهفاً فاتجه اليه واختبأ فيه وهو يرتعد خوفاً، ان الحيوان الوحيد الابيض هو الدب القطبي ولكن شكل هذه الحيوانات يختلف عن الدببة فاذا هي الذئاب القطبية.
لازم ناكوزياك كهفه لمدة يومين كاملين لم يخرج منه، خوفاً من مهاجمة هذه الحيوانات التي شاهدها والتي ظنها ذئاباً، ولكن الجوع استبد به ولابد له من سلاح وصيد.. التقط قطعة خشب طافية على الماء وثبت في طرفها السكين التي كان يحملها فأصبحت وكأنها حربة بدائية يمكنه استعمالها مما بث فيه روح الشجاعة من جديد.
في اليوم الرابع تسلق ناكوزياك احد المنحدرات وعندها وعلى بعد مئة متر منه شاهد هذه الكائنات البيضاء الغريبة فأمسك بحربته البدائية بقوة، اقترب قطيع الغنم بتمهل يتقدمه كبش بقرون سوداء لولبية انه قائد القطيع، زاد ثغاء القطيع واصر آذان ناكوزياك الذي يسمع ذلك للمرة الاولى في حياته.
فصرخ صرخة تحد وهز حربته تلك وهجم ناحية القطيع فخافت النعاج وتراجعت هاربة تاركة وراءها الكبشين اللذين قتلهما ناكوزياك والذي مازال يرتجف من الموقف اخيراً مشاهد هذه الكائنات انها من لحم ودم وهي ليست كائنات خيالية كما جال بخاطره لحظة بعدها انزاح التوتر الذي كان يستبد به وراح يضحك ضحكات هستيرية وبعدها اعمل انيابه واسنانه وراح يلتهم لحم الكبش نيئاً.
على قمة اخرى تبعد مسافة 500 متر عن القمة التي يقف فوقها ناكوزياك وقف الراعي نجوس مكرمون يراقب قطيعه بعين ثاقبة ولاحظ حركة القطيع الذي كان يتجه ناحية شخص غير واضح المعالم ممدداً على حافة الجرف. ورأى انجوس هذا الشخص يقف مندفعاً ناحية القطيع والدم الاحمر يخضب الصوف الابيض لقد صرع هذا القاتل خروفاً وراح يتغذى من لحمه، فلام نفسه اشد اللوم لانه لم يصطحب كلبه معه، وركض ناحية القرية يطلب الغوث.
راح ياكوزياك لشدة جوعه يلتهم اللحم نيئاً ناسياً كل ما يحيط به ولم يشعر باقتراب الرجال تتقدمهم كلاب الحراسة الشرسة المدربة ولم ينتبه رجل الاسكيمو لذلك حتى اصبحت فوق رأسه وراح نباح الكلاب يصم اذنيه وتتقدمهم كلبة حراسة اسكتلندية سوداء فأمسك الرجل بعصاه التي ثبت في طرفها سكينه والتي قتل بها الكباش وهجم على الكلبة بكل ما أوتي من قوة وطعنها في رقبتها طعنة ناجعة كسرت رقبتها فتوقفت بقية الكلاب مذعورة وتجمعت حول بعضها البعض.
تراجع ياكوزياك الى المنحدر ونظر الى الفلاحين وصرخ فيهم بلغته انني رجل لايريد بكم شراً، فردوا عليه بطلق ناري اصابه في كتفه بقوة فائقة مما جعله يدور حول نفسه ويسقط في الهوة من خلفه اسرع الرجال الى المنحدر واستطاع ناكوزياك تخفيف سقطته لانه نجح في الامساك بجرف صخري على عمق مترين وتمدد على ابريز صغير وهو منهك خائف.
اقترب الرجال من الجرف ونظروا الى الاسفل فلم يروا شيئاً، وكانت الريح تصفر فقط وفي الاسفل امواج البحر تتكسر فوق الصخور.
جمع القرويون كلابهم وساروا عائدين ادراجهم وقد مالت الشمس للمغيب ولم يخطر ببالهم ان قاتل خرافهم هو رجل من بني البشر ولكنهم عرفوا ذلك الآن وتأكدوا من الامر وكان هذا كافياً لبعث القلق في نفوسهم.
عبر مكريمون عن قلق الجميع عندما اجاب على اسئلة زوجته وبناته اللاتي رحن يستفسرن عن قاتل الغنم هل هو ذئب، او حيوان آخر، وكي يقطع الطريق عليهن اجاب ليس من المستحب رواية ما يحدث في المراعي لان الناس لن يصدقوا ذلك فمن الافضل ان نغفل الامر وننساه.
لم يكن مكريمون مرتاحاً لما حدث فضميره يؤنبه بسبب ما فعلوه بهذا الرجل ولن ينسى هذا الصوت الغريب واللغة غير المفهومة التي قالها وبالرغم من ذلك اطلقوا عليه النار.
لم يهدأ بال الراعي مكريمون لمدة ثلاثة ايام عاد بعدها الى المنحدر الذي سقط فيه الرجل وراح يهبط بحذر وعند افريز مائل انطلق طائر ضخم من عشه فصدم في طيرانه وجه الراعي الذي رفع يديه لا شعورياً ليتحسس وجهه وبذلك اصبح حمل جسمه كله على الحافة الصخرية التي يقف عليها فانهارت الى الاسفل وتهاوت الصخور والركام الى اسفل الجرف.
ايقظت صرخة الراعي مكريمون ناكوزياك من نومه، ولان الحمى انتابته من اجراء جرح الطلقة التي اصيب بها في كتفه، وكان قد لزم المغارة بانتظار التئام الجرح.
لم يكن باستطاعة ناكوزياك الدفاع عن نفسه بحربته لان الطلقة اصابت كتفه الايسر فجعلت حركة الذراع كلها تسبب له الماً مبرحاً، فأمسك حجراً متوسطا بيده اليمنى وخرج بتمهل يستطلع الامر وصل الى الحافة ورفع يده بالحجر ليهوي به في اي لحظة، وكانت الصخور والحصى مازالت تتدحرج الى اسفل وتسقط في حفرة مليئة بمياه البحر والاخشاب التي لفظتها الامواج.
نظر ناكوزياك الى الاسفل فرأى رجلا فوق احد الالواح الطافية والدم ينساب تحت سترته الجليدية التي يرتديها وفي لحظة كان رجل الاسكيمو يواجه عدوه ويسيطر عليه تماماً وكان الحجر مازال في يده المرفوعة قد يهوي به في اي لحظة على رأس الراعي انجوس مكريمون.
نظر انجوس مكريمون الى هذا الرجل الغريب وهو يشاهد الحجر المسلط على رأسه وبعدها حدثت معجزة الرأفة والتسامح، حيث القى كوزياك بالحجر بعيداً ومد يدا ترتجف لينتشل هذا الجريح المسجى على الطوف امامه!
شد ناكوزياك الرجل بذراع واحدة وبصعوبة بالغة أوصله الى الكهف الذي يقيم فيه.
في اليوم التالي انطلق رجال القرية يبحثون عن الراعي المختفي منذ الامس توجهوا الى المنطقة التي شاهدوا فيها الرجل الغريب فرأوا دخاناً ينبعث من نقطة في المنحدر توجهوا اليها فشاهدوا مدخل كهف، راحوا يجولون ببصرهم في الكهف واصابعهم على استعداد للضغط على زناد بنادقهم لاطلاق الرصاص فوراً.
عندما شاهدهم الراعي مكريمون بهذه الحالة وقد استبد بهم الهلع وكان ممدداً على سرير طحالب جافة ارتسمت البسمة على شفتيه وقال لهم لا تخافوا فليس هناك من متوحشين لافتراسكم سوى اثنين فقط!
نظر الرجال الى الراعي الممدد فشاهدوا ضمادة من قميص الرجل الغريب تعلو رأس الراعي وشاهدوه ملفوفاً في السترة التي كان يرتديها الغريب منذ يومين وهو عاجز عن الحركة تماماً لاصابته بكسور في اضلاعه وآلام مبرحة في ظهره وبجانبه جلس الرجل قاتل الغنم عاري الصدر يفرك كتفه المصاب.
نقل الرجال المصابين الى بيت الراعي وبقيا هناك تحت رعاية زوجته وبناته حتى التأمت جروحهما، وكان الاسكيمو يغني لهم اغان بلغته كي يدخل الفرحة والسرور الى قلوبهن وبعد فترة كانت القرية تطلق على ناكوزياك اسم «الرجل الغريب الذي خرج من البحر».
اعتاد ناكوزياك على اهل القرية وتعلم اللغة وبعدها بثلاث سنوات قرر الاستقرار في الجزيرة وتكوين اسرة فتزوج من ابنه الراعي مكريمون البكر وغير اسمه الى اسم سهل في لفظه بالنسبة لاهل القرية واختار اسم مالكولم، وعاش بقية عمره في جزيرة ترانساي وكأنه ولد فيها ابا عن جد.
وعندما وافاه الاجل في بداية القرن العشرين دفن في مقابر القرية وكتب على شاهد قبره.
خرج من البحر أتى من أرض بعيدة
لانعرفها وصل هذا الغريب
الى جزيرة ترانساي
ليبقى فيها
أحب الجميع ذاك الذي
رد الاساءة بالخير
العرض العادي
