آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 12626 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 7386 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 13275 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14649 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 48779 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 43840 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 36047 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 20857 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 21124 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 27063 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-04-2004, 06:59 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

abo _mohammed

المشــرف العــــام

abo _mohammed غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









abo _mohammed غير متواجد حالياً


رحلة ابن بطوطة



رحلة ابن بطوطة

بداية هذه بطاقة تعريف بالكتاب

اسم الكتاب :: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار
اسم المؤلف :: محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي أبو عبد الله
ولادة المؤلف :: 703
دار النشر :: مؤسسة الرسالة
مدينة النشر :: بيروت
سنة النشر :: 1405
رقم الطبعة :: الرابعة
عدد الأجزاء :: 2
اسم المحقق :: د. علي المنتصر الكتاني

## ## الفصل الأول ####
@ مصر @
1 من طنجة إلى الإسكندرية

كان خروجي من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من شهر الله رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة معتمدا حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام منفردا عن رفيق آنس بصحبته وراكب أكون في جملته لباعث على النفس شديد العزائم وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازم فحزمت امري على هجر الأحباب من الإناث والذكور وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور وكان والدي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصب ولقيت كما لقيا من الفراق نصيبا وسني يومئذ ثنتان وعشرون سنة .

وكان ارتحالي في أيام أمير المؤمنين وناصر الدين المجاهد في سبيل رب العالمين الذي رويت أخبار جوده وصولة الاسناد بالاسناد وشهرت آثار كرمه شهرة واضحة الاشهاد وتحلت الأيام بحلي فضله ورتع الأنام في ظل رفقه وعدله الإمام المقدس أبو سعيد بن مولانا أمير المؤمنين وناصر الدين الذي فل حد الشرك صدق رعزائمه وأطفأت نار الكفر جداول صارمه وفتكت بعباد الصليب كتائبه وكرمت في إخلاص الجهاد مذاهبه الإمام المقدس أبو يوسف بن عبد الحق جدد الله عليهم رضوانه وسقى ضرائحهم المقدسة من صوب الحيا طله وتهنانه وجزاهم أفضل الجزاء عن الإسلام والمسلمين وأبقى الملك في عقبهم إلى يوم الدين .

فوصلت مدينة تلمسان وسلطانها يومئذ أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن يغمر أسن بن زيان ووافقت بها رسولي ملك افريقية السلطان أبي يحيى رحمه الله وهما قاضي الانكحة بمدينة تونس أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن علي بن إبراهيم النفزاوي والشيخ الصالح أبو عبد الله محمد بن الحسين بن عبد الله القرشي الزبيدي نسبة إلى قرية بساحل المهدية وهو أحد الفضلاء وفاته عام أربعين وفي يوم وصولي إلى تلسمان خرج عنها الرسولان المذكوران فأشار عن بعض الإخوان بمرافقتهما فاستخرت الله عز وجل في ذلك وأقمت بتلسمان ثلاثا في قضاء مآربي وخرجت أجد السير في آثارهما .

فوصلت مدينة مليانة وأدركتهما بها وذلك في إبان القيظ فلحق الفقيهين مرض أقمنا بسببه عشرا ثم ارتحلنا وقد اشتد المرض بالقاضي منهما فأقمنا ببعض المياه على مسافة أميال من مليانة ثلاثا وقضى القاضي نحبه ضحى اليوم الرابع فعاد ابنه أبو الطيب ورفيقه أبو عبد الله الزبيدي إلى مليانة فقبروه بها وتركتهم هنالك وارتحلت مع رفقة من تجار تونس منهم الحاج مسعود بن المنتصر والحاج العدولي ومحمد بن الحجر.

فوصلنا مدينة الجزائر وأقمنا بخارجها أياما إلى أن أقدم الشيخ أبو عبد الله وابن القاضي فتوجهنا جميعا على منجبة جبل الزان.

ثم وصلنا إلى مدينة بجاية فنزل الشيخ أبو عبد الله بدار قاضيها أبي عبد اللعه الزواوي ونزل أبو الصيب ابن القاضي بدار الفقيه أبي عبد الله المفسر وكان أمير بجاية إذ ذاك أبا عبد الله محمد بن سيد الناس الحاجب وكان قد توفي من تجار تونس الذين صحبتهم من مليانة محمد بن الحجر الذي تقدم ذكره وترك ثلاثة آلآف دينار من المذهب وأوصى بها لرجل من أهل الجزائر يعرف بابن حديدة ليوصلها إلى ورثته بتونس فانتهى خبره لابن سيد الناس المذكور فانتزعها من يده وهذا أول ما شاهدته من ظلم عمال الموحدين وولاتهم ولما وصلنا إلى بجاية كما ذكرته أصابتني الحمى فأشار علي أبو عبد الله الزبيدي بالإقامة فيها حتى يتمكن البرد مني فأبيت وقلت إن قضى الله عز وجل بالموت فتكون وفاتي بالطريق وأنا قاصد أرض الحجاز فقال لي أما ان عزمت فبع دابتك وثقل المتاع وأنا أعيرك دابة وخباء وتصحبنا خفيفا فإننا نجد السير خوف غارة العرب في الطريق ففعلت هذا وأعارني ما وعد به جزاه الله خيرا وكان ذلك أول ما ظهر لي من الألطاف الإلهية في تلك الوجهة الحجازية.

وسرنا إلى أن وصلنا إلى مدينة قسنطينة فنزلنا خارجها وأصابنا مطر جود اضطررنا إلى الخروج عن الأخبية ليلا إلى دور هنالك فلما كان من الغد تلقانا حاكم المدينة وهو من الشرفاء الفضلاء يسمى بأبي الحسن فنظر إلى ثيابي وقد لوثها المطر فأمر بغسلها في داره وكان الإحرام منها خلقا فبعث مكانه إحراما بعلبكيا وصر في أحد طرفيه دينارين من الذهب فكان ذلك أول ما فتح به علي وجهتي.


ورحلنا إلى أن وصلنا مدينة بونة ونزلنا بداخلها وأقمنا بها أياما ثم تركنا بها ما كان في صحبتنا من التجار لأجل التخوف في الطريق وتجردنا للسير وواصلنا الجهد

وأصابتني الحمى فكنت أشسد نفسي بعمامة فوق السرج خوف السقوط بسبب الضعف ولا يمكنني النزول من الخوف إلى ان وصلنا إلى مدينة تونس فبرز أهلها للقاء الشيخ أبي عبد الله الزبيدي ولقاء أبي الطيب ابن القاضي أبي عبد الله النفزاوي فأقبل بعضهم على بعض بالسلام والسؤال ولم يسلم علي أحد لعدم معرفي بهم فوجدت من ذلك في النفس ما لم أملك معه سوابق العبرة واشتد بكائي فشعر بحالي بعض الحجاج فأقبل علي بالسلام والإيناس وما زال يؤنسني بحديثه حتى دخلت المدينة ونزلت منها بمدرسة الكتبيين

وكان سلطان تونس عند دخولي إليها السلطان أبا يحيى ابن السلطان أبي زكريا يحيى ابن السلطان أبي إسحاق إبراهيم ابن السلطان أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص رحمه الله وكان بتونس جماعة من أعلام العلماء منهم قاضي الجماعة أبو عبد الله محمد بن قاضي الجماعة أبي العباس أحمد بن محمد بن حسن بن محمد الأنصاري الخزرجي البلنسي الأصل ثم التونسي هو ابن الغماز ومنهم الخطيب أبو اسحق ابراهيم بن حسين بن علي بن عبد الرفيع وولي أيضا قضاء الجماعة في خمس دول ومنهم الفقيه أبو علي عمر بن علي بن قداح الهواري وولي أيضا قضاءها وكان من أعلام العلماء ومن عوائده أنه يستند كل يوم جمعة بعد صلاته إلى بعض أساطين الجامع الأعظم المعروف بجامع الزيتونة ويستفتيه الناس في المسائل فإذا افتى في أربعين مسألة انصرف عن مجلسه لذلك وأظلني بتونس عيد الفطر فحضرت المصلى وقد احتفل الناس لشهود عيدهم وبرزوا في أجمل هيئة وأكمل شارة ووافى المسجد السلطان أبو يحيى المذكور راكبا وجمع أقاربه وخواصه وخدم مملكته مشاة على أقدامهم في ترتيب عجيب وصليت الصلاة وانقضت الخطبة وانصرف الناس إلى منازلهم وبعد مدة تعين لركب الحجاز الشريف شيخه ويعرف بأبي يعقوب السومي من أهل إقليبية من بلاد أفريقية وأكثره المصامدة فقدموني قاضيا بينهم وخرجنا من تونس في أواخر شهر ذي القعدة سالكين طريق الساحل


فوصلنا إلى بلدة سوسة وهي صغيرة حسنة مبنية على شاطيء البحر بينها وبين مدينة تونس أربعون ميلا

ثم وصلنا إلى مدينة صفاقس وبخارج هذه البلدة قبر الإمام أبو الحسن اللخمي المالكي مؤلف كتاب التبصرة في الفقه .

ثم وصلنا إلى مدينة قابس ونزلنا بداخلها وأقمنا بها عشر لتوالي نزول الأمطار

ثم خرجنا من مدينة قابس قاصدين طرابلس وصحبنا في بعض المراحل إليها نحو مائة فارس أو يزيد وكان بالركب قوم رماة فهابتهم العرب وتحامت مكانهم وعصمنا الله منهم وأظلنا عيد الأضحى في بعض تلك المراحل

وفي الرابع بعده وصلنا إلى مدينة طرابلس فأقمنا بها مدة وكنت عقدت بصفاقس على بنت لبعض أمناء تونس فبنيت بها بطرابلس ثم خرجت من طرابلس أواخر شهر المحرم من عام ستة وعشرين ومعي أهلي وفي صحبتي جماعة من المصامدة وقد رفعت العلم وتقدمت عليهم وأقام الركب في طرابلس خوفا من البرد والمطر

وتجاوزنا مسلاة ومسراته وقصور سرت وهنالك أرادت طوائف العرب الإيقاع بنا ثم صرفتهم القدرة وحالت دون ما راموه من إذايتنا ثم توسطنا الغابة وتجاوزناها إلى قصر برصيصا العابر إلى قبة سلام وأدركنا هنالك الذين تخلفوا بطرابلس ووقع بينى وبين صهري مشاجرة أوجبت فراق بنته وتزوجت بنتا لبعض طلبة فارس وبنيت بها بقصر الزعافية وأولمت وليمة حبست لها الركوب يوما وأطعمتهم.

2- مدينة الإسكندرية

نتابعها في المرة القادمة

المصدر
Cant See Links


الصور المرفقة
 
التوقيع :



قال تعالى :
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
[فصلت:33]






رد مع اقتباس
قديم 06-04-2004, 07:04 PM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

abo _mohammed

المشــرف العــــام

abo _mohammed غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









abo _mohammed غير متواجد حالياً


2- مدينة الإسكندرية

ثم وصلنا في اول جمادى الأولى إلى مدينة الاسكندرية حرسها الله وهي الثغر المحروس والقطر المأنوس العجيبة الشأن الأصيلة البنيان بها ما شئت من تحسين وتحصين ومآثر دنيا ودين كرمت مغانيها ولطفت معانيها وجمعت بين الضخامة والإحكام مبانيها فهي الفريدة في تجلي سناها والغريدة تجلى في جلاها الزاهية بجمالها المغرب والجامعة لمفترق المحاسن لتوسطها بين المشرق والمغرب فكل بديعة بها اختلاؤها وكل طريفة فاليها انتهاؤها وقد وصفها الناس فأطنبوا وصنفوا في عجائبها فأغربوا وحسب المشوق إلى ذلك ما سطره أبو عبيد في كتاب المسالك

ولمدينة الإسكندرية أربعة أبواب باب السدرة وإليه يشرع طريق المغرب وباب رشيد وباب البحر والباب الأخضر وليس يفتح إلا يوم الجمعة فيخرج الناس منه إلى زيارة القبور ولها المرسى العظيم الشأن ولم أر في مراسي الدنيا مثله إلا ما كان من مرسى كولم وقاليقوط ببلاد الهند ومرسى الكفار جرداق ببلاد الأتراك ومرسى الزيتون ببلاد الصين وسيقع ذكرها

قصدت المنار في هذه الوجهة فرأيت أحد جوانبه متهدما وصفته أنه بناء مربع ذاهب في الهواء وبابه مرتفع على الأرض وازاء بابه بناء بقدر ارتفاعه وضعت بينهما ألواح خشب يعبر عليها إلى بابه فإذا أزيلت لم يكن له سبيل وداخل الباب موضع لجلوس حارس المنار وداخل المنار بيوت كثيرة وعرض المر بداخله تسعة أشبار وعرض الحائط عشرة أشبار وعرض المنار من كل جهة من جهاته الأربع مائة وأربعون شبرا وهو على تل مرتفع ومسافة ما بينه وبين المدينة فرسخ واحد في بر مستطيل يحيط به البحر من ثلاث جهات إلى أن يتصل البحر بسور البلد فلا يمكن التوصل إلى المنار في البر إلا من المدينة وفي هذا البر المتصل بالمنار مقبرة الاسكندرية وقصدت المنار عند عودي إلى بلاد المغرب عام خمسين وسبعمائة فوجدته قد استولى عليه الخراب بحيث لا يمكن دخوله ولا الصعود إلى بابه وكان الملك الناصر رحمه الله قد شرع في بناء منار مثله بإزائه فعاقه الموت من إتمامه

ومن غرائب هذه المدينة عمود الرخام الهائل الذي بخارجها المسمى عندهم بعمود السواري وهو متوسط في غابة نخل وقد امتاز عن شجراتها سموا وارتفاعا وهو قطعة واحدة محكمة النحت قد اقيم على قواعد حجارة مربعة أمثال الدكاكين العظيمة ولا تعرف كيفية وضعه هنالك ولا يتحقق من وضعه

وكان أمير الإسكندرية في عهد وصلولي إليها يسمى بصلاح الدين وكان فيها أيضا في ذلك العهد سلطان أفريقية المخلوع وهو زكريا أبو يحيى بن محمد ابن أبي حفص المعروف باللحياني وأمر الملك الناصر بإنزاله بدار السلطنة من اسكندرية وأجرى له مائة درهم كل يوم وكان معه أولاده عبد الواحد ومصري واسكندري وحاجبه أبو زكريا بن يعقوب ووزيره أبو عبد الله بن ياسين وبالإسكندرية توفي اللحياني المذكور وولده الاسكندري وبقي المصري بهاوتحول عبد الواحد لبلاد الأندلس والمغرب وأفريقية وتوفي هنالك بجزيرة جربة

ومن علماء الإسكندرية قاضيها عماد الدين الكندي إمام من أئمة علم اللسان وكان يعتم بعمامة خرقت المعتاد للعمائم لم أر في مشارق الأرض ومغاربها أعظم منها رأيته يوما قاعدا في صدر محراب وقد كادت عمامته أن تملأ المحراب

ومنهم فخر الدين بن الريغي وهو أيضا من القضاة بالإسكندرية فاضل من أهل العلم يذكر أن جد القاضي فخر الدين الريغي من أهل ريغة واشتغل بطلب العلم ثم رحل إلى الحجاز فوصل الاسكندرية بالعشى وهو قليل ذات اليد فأحب أن لا يدخلها حتى يسمع فألا حسنا فقعد قريبا من بابها إلى أن دخل جميع الناس وجاء وقت سد الباب ولم يبق هنالك سواه فاغتاظ الموكل بالباب من إبطائه وقال متهكما ادخل يا قاضي فقال قاض إن شاء الله ودخل إلى بعض المدارس ولازم القراءة وسلك طريق الفضلاء فعظم صيته وشهر اسمه وعرف بالزهد والورع واتصلت أخباره بملك مصر واتفق أن توفي قاضي الإسكندرية وبها إذا ذاك الجم الغفير من الفقهاء والعلماء وكلهم متشوف للولاية وهو من بينهم لا يتشوف لذلك فبعث إليه السلطان بالتقليد وهو ظهير القضاء وأتاه البريد بذلك فأمر خديمة أن ينادي في الناس من كانت له خصومه فليحضر لها وقعد للفصل بين الناس

فاجتمع الفقهاء وسواهم إلى رجل منهم كانوا يظنون أن القضاء لا يتعداه وتفاوضوا في مراجعة السلطان في أمره ومخاطبته بأن الناس لا يرضونه وحضر لذلك أحد الحذاق من المنجمين فقال لهم لا تفعلوا ذلك فإني عدلت طالع ولايته وحققته فظهر لي أنه يحكم أربعين سنة فأضربوا عما هموا به من المراجعة في شأنه وكان أمره على ما ظهر للمنجم وعرف في ولايته بالعل والنزاهة ومنهم وجيه الدين الصنهاجي من قضاتها مشتهر بالعلم والفضل

ومنهم شمس الدين ابن بنت التنيسي فاضل شهير الذكر ومن الصالحين بها الشيخ أبو عبد الله الفاسي من كبار أولياء الله تعالى يذكر أنه كان يسمع رد السلام عليه إذا سلم من صلاته

ومنهم الإمام العالم الزاهد الخاشع الورع خليفة صاحب المكاشفات أخبرني بعض الثقات من أصحابه قال رأى الشيخ خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال يا خليفة زرنا فرحل إلى المدينة الشريفة وأتى المسجد الكريم فدخل من باب السلام وحيا المسجد وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعد مستندا إلى بعض سواري المسجد ووضع رأسه على ركبتيه وذلك يسمى عند المتصوفة التزييق فلما رفع رأسه وجد أربعة أرغفة وآنية فيها لبن وطبقا فيه تمر فأكل هو وأصحابه وانصرف عائدا إلى الاسكندرية ولم يحج تلك السنة

ومنهم الإمام العالم الزاهد الورع الخاشع برهان الدين الأعرج من كبار الزهاد وأفراد العباد لقيته أيام مقامي بالإسكندرية وأقمت في ضيافته ثلاثا دخلت عليه يوما فقال لي أراك تحب السياحة والجولان في البلاد فقلت له نعم إني أحب ذلك ولم يكن حينئذ بخاطري التوغل في البلاد القاصية من الهند والصين فقال لا بد لك إن شاء الله من زيارة أخي فريد الدين بالهند وأخي ركن الدين زكرياء بالسند وأخي برهان الدين بالصين فإذا بلغتهم فأبلغهم مني السلام فعجبت من قوله وألقى في روعي التوجه إلى تلك البلاد ولم أزل أجول حتى لقيت الثلاثة الذين ذكرهم وأبلغتهم سلامه ولما ودعته زودني دراهم لم تزل عندي محوطة لم أحتج بعد إلى إنفاقها إلى أن سلبها مني كفار الهنود فيم سلبوه لي في البحر

ومنهم الشيخ ياقوت الحبشي من افراد الرجال وهو تلميذ أبو العباس المرسي وأبو العباس المرسي تلميذ ولي الله تعالى أبي الحسن الشاذلي الشهير ذي الكرامات الجليلة والمقامات العالية أخبرني الشيخ ياقوت عن شيخه أبي العباس المرسي أن أبا الحسن كان يحج في كل سنة ويجعل طريقه على صعيد مصر ويجاور بمكة شهر رجب وما بعده إلى انقضاء الحج ويزور القبر الشريف ويعود على الدرب الكبير إلى بلده فلما كان في بعض السنين وهي آخر سنة خرج فيها قال لخديمة استصحب فأسا وقفه وحنوطا وما يجهز به الميت فقال له الخديم ولم ذا يا سيدي فقال له في حميثرا سوف ترى وحميثرا في صعيد مصر في صحراء عيذاب وبها عين ماء زعاق وهي كثيرة الضباع فلما بلغا حميثرا اغتسل الشيخ أبو الحسن وصلى ركعتين وقبضه الله عز وجل في آخر سجدة من صلاته ودفن هناك وقد زرت قبره وعليه تبرية مكتوب فيها اسمه ونسبه متصلا بالحسن بن علي رضي الله عنه كان يسافر في كل عام كما ذكرناه على صعيد مصر وبحر جدة فكان إذا ركب السفينة يقرأ حزب البحر المنسوب إليه في كل يوم وتلامذته إلى الآن يقرؤنه في كل يوم

ومما جرى بمدينة الاسكندرية سنة سبع وعشرين وبلغنا خبر ذلك بمكة شرفها الله أنه وقع بين المسلمين وتجار النصارى مشاجرة وكان والي الإسكندرية رجلا يعرف بالكركي فذهب إلى حماية الروم وأمر المسلمين فحضروا بين فصيلي باب المدينة وأغلق دونهم الأبواب نكالا لهم فأنكر الناس ذلك وأعظموه وكسروا الباب وثاروا إلى منزل الوالي فتحصن منهم وقاتلهم من أعلاه وطير الحمام بالخبر إلى الملك الناصر فبعث أميرا يعرف بالجمالي ثم أتبعه أميرا يعرف بطوغان جبار قاسي القلب متهم في دينه يقال أنه يعبد الشمس فدخلا الاسكندرية وقبضا على كبار أهلها وأعيان التجار بها كأولاد الكوبك وسواهم وأخذ منهم الأموال الطائلة وجعلت في عنق عماد الدين القاضي جامعة حديد ثم ان الأميرين قتلا من أهل المدينة ستة وثلاثين رجلا وجعلوا كل رجل قطعتين وصلبوهم صفين وذلك في يوم جمعة


وخرج الناس على عادتهم بعد الصلاة لزيارة القبور وشاهدوا مصارع القوم فعظمت حسرتهم وتضاعفت أحزانهم وكان في جملة أولئك المصلوبين تاجر القدر يعرف بابن رواحة وكان له قاعة معدة للسلاح فمتى كان خوف أو قتال جهز منها المائة والمائتين من الرجال بما يكفيهم من الأسحلة وبالمدينة قاعات على هذه الصورة لكثير من أهلها فزل لسانه وقال للأميرين أنا أضمن هذه المدينة وكل ما يحدث فيها أطلب به وأحوط على السلطان مرتبات العساكر والرجال فأنمكر الأميران قوله وقالا إنما تريد الثورة على السلطان وقتلاه وإنما كان قصده رحمه الله إظهار النصح والخدمة للسلطان فكان فيه حتفه

وكنت سمعت أيام إقامتي بالإسكندرية بالشيخ الصالح العابد المنقطع المنفق من الكون أبي عبد الله المرشدي وهو من كبار الأولياء المكاشفين أنه منقطع بمنية بني مرشد له هنالك زاوية هو منفرد فيها لا خديم له ولا صاحب ويقصدالأمراء والوزراء وتأتيه الوفود من طوائف الناس في كل يوم فيطعمهم الطعام وكل واحد منهم ينوي أن يأكل عنده طعاما أو فاكهة أو حلوى فيأتي لكل واحد بما نواه وربما كان ذلك في غير إبانه ويأتيه الفقهاء لطلب الخطبة فيولي ويعزل وذلك كله من أمر مستفيض متواتر وقد قصده الملك الناصر مرات بموضعه..

3 - من الأسكندرية إلى المحلة الكبرى

في الحلقة القادمة


الصور المرفقة
 
رد مع اقتباس
قديم 06-04-2004, 07:08 PM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

abo _mohammed

المشــرف العــــام

abo _mohammed غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









abo _mohammed غير متواجد حالياً


3 من الأسكندرية إلى المحلة الكبرى

فخرجت من مدينة الإسكندرية قاصدا هذا الشيخ نفعنا الله به ووصلت قرية فروجة وهي على مسيرة نصف يوم من مدينة الإسكندرية قرية كبيرة بها قاض ووال وناظر ولأهلها مكارم أخلاق ومروءة صحبت قاضيها صفي الدين وخطيبها فخر الدين وفاضلا من أهلها يسمى بمبارك وينعت بزين الدين ونزلت بها على رجل من العباد الفضلاء كبير القدر يسمى عبد الوهاب وأضافني ناظرها زين الدين بن الواعظ وسألني عن بلدي وعن مجباه فأخبرته أن مجباه نحو اثني عشر ألفا من دينار الذهب فعجب وقال لي رأيت هذه القرية فإن مجباها اثنان وسبعون ألف دينار ذهبا وإنما عظمت مجابي ديار مصر لأن جميع أملاكها لبيت المال ثم خرجت من هذه القرية

فوصلت مدينة دمنهور وهي مدينة كبيرة جبايتها كثيرة ومحاسنها أثيرة أم مدن البحيرة بأسرها وقطبها الذي عليه مدار أمرها وكان قاضيها في ذلك العهد فخر الدين بن مسكين من فقهاء الشافعية وتولى قضاء الإسكندرية لما عزل عنها عماد الدين الكندي بسبب الواقعة التي قصصناها وأخبرني الثقة أن ابن مسكين أعطي خمسة وعشرين ألف درهم وصرفها من دنانير الذهب ألف دينار على ولاية القضاء بالإسكندرية

ثم رحلنا إلى مدينة فوا وهذه المدينة عجيبة المنظر حسنة المخبر بها البساتين الكثيرة والفوائد الخطيرة الأثيرة بها قبر الشيخ الولي أبي النجاة الشهير الإسم خبير تلك البلاد وزاوية الشيخ أبي عبد الله المرشدي الذي قصدته بمقربة من المدينة يفصل بينهما خليج هنالك فلما وصلت تعديتها ووصلت إلى زاوية الشيخ المذكور قبل صلاة العصر وسلمت عليه ووجدت عنده الأمير سيف الدين يلملك وهو من الخاصكية والعامة تقول فيه الملك فيخطئون ونزل هذا الأمير بعسكره خارج الزاوية ولما دخلت على الشيخ رحمه الله قام إلي وعانقني وأحضر طعاما فواكلني وكانت عليه جبة صوف سوداء فلما حضرت صلاة العصر قدمني للصلاة إماما وكذلك لكل ما حضرني عنده حين إقامتي معه من الصلاة ولما أردت النوم قال لي اصعد إلى سطح الزاوية فنم هنالك وذلك أوان القيظ فقلت للأمير بسم الله فقال لي وما منا إلا له مقام معلوم فصعدت السطح فوجدت به حصيرا ونطعا وآنية للوضوء وجرة ماء وقدحا للشرب فنمت هنالك رأيت ليلتي تلك وأنا نائم بسطح الزاوية كأني على جناح طائر عظيم يطير بي في سمت القبلة يتيامن ثم يشرق ثم يذهب في ناحية الجنوب ثم يبعد الطيران في ناحية الشرق وينزل في أرض مظلمة خضراء ويتركني بها فعجبت من هذه الرؤيا وقلت في نفسي إن كاشفني الشيخ برؤياي فهو كما يحكى عنه فما غدوت لصلاة الصبح قدمني إماما لها ثم أتاه الأمير يلملك فوادعه وانصرف ووادعه من كان هناك من الزوار وانصرفوا أجمعين من بعد أن زودهم كعيكات صغارا ثم سبحت الضحى ودعاني وكاشفني برؤياي فقصصتها عليه فقال سوف تحج وتزور النبي صلى الله عليه وسلم وتجول في بلاد اليمن والعراق وبلاد الترك وتبقى بها مدة طويلة وستلقى بها دلشاد الهندي ويخلصك من شدة تقع فيها ثم زودني كعيكات ودراهم وأودعته وانصرفت ومنذ فارقته لم ألق في أسفاري إلا خيرا وظهرت علي بركاته ثم لم ألق فيمن لقيته مثله إلا الولي سيدي محمدا الموله بأرض الهند

ثم رحلنا إلى مدينة النحرارية وهي رحبة الفناء حديثة البناء أسواقها حسنة الرؤيا وأميرها كبير القدر يعرف بالسعدي وولده في خدمة ملك الهند وسنذكره وقاضيها صدر الدين سليمان المالكي من كبار المالكية سفر عن الملك الناصر إلى العراق وولي قضاء البلاد الغربية وله هيئة جميلة وصورة حسنة وخطيبها شرف الدين السخاوي من الصالحين

ورحلت منها إلى مدينة أبيار وهي قديمة البناء أرجة الأرجاء كثيرة المساجد ذات حسن زائد وهي بمقربة من النحرارية ويفصل بينها النيل وتصنع بأبيار ثياب حسان تعلو قيمتها بالشام والعراق ومصر وغيرها ومن الغريب قرب النحرارية منها والثياب التي تصنع بها غير معتبرة ولا مستحسنة عند أهلها ولقيت بابيار قاضيها عز الدين المليجي الشافعي وهو كريم الشمائل كبير القدر حضرت عنده مرة يوم الركبة وهم يسمون ذلك يوم ارتقاب هلال رمضان وعادتهم فيه أن يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشعبان بدار القاضي ويقف على الباب نقيب المتعممين وهو ذو شارة وهيئة حسنة فإذا أتى أحد الوجوه تلقاه ذلك النقيب ومشى بين يديه قائلا بسم الله سيدنا فلان الدين فيسمع القاضي ومن معه فيقومون له ويجلسه النقيب في موضع يليق به فإذا تكاملوا هنالك ركب القاضي وركب من معه أجمعين وتبعهم جميع من بالمدينة من الرجال والنساء والصبيان وينتهون إلى موضع مرتفع خارج المدينة وهو مرتقب الهلال عندهم وقد فرش ذلك الموضع بالبسط والفرش فينزل فيه القاضي ومن معه فيرتقبون الهلال ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس ويوقد أهل الحوانيت بحوانيتهم الشمع ويصل الناس مع القاضي إلى داره ثم ينصرفون هكذا فعلهم في كل سنة


ثم توجهت إلى مدينة المحلة الكبيرة وهي جليلة المقدار حسنة الآثار كثير أهلها جامع بالمحاسن شملها واسمها بين ولهذه المدينة قاضي القضاة ووالي الولاة وكان قاضي قضاتها أيام وصولي إليها في فراش المرض ببستان له على مسافة فرسخين من البلد وهو عز الدين بن الأشمرين فقصدت زيارته صحبة نائبه الفقيه أبي القاسم بن بنون المالكي التونسي وشرف الدين الدميري قاضي محلة منوف وأقمنا عنده يوما وسمعت منه وقد جرى ذكر الصالحين أن على مسيرة يوم من المحلة الكبيرة بلاد البرلس ونسترو وهي بلاد الصالحين وبها قبر الشيخ مرزوق صاحب المكاشفات


يتبع..


الصور المرفقة
 
رد مع اقتباس
قديم 06-04-2004, 07:15 PM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

abo _mohammed

المشــرف العــــام

abo _mohammed غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









abo _mohammed غير متواجد حالياً


4 من المحلة الكبرى إلى القاهرة

فقصدت تلك البلاد ونزلت بزاوية الشيخ المذكور وتلك البلاد كثيرة النخل والثمار والطير البحري والحوت المعروف بالبوري ومدينتهم تسمى ملطين وهي على ساحل البحيرةالمجتمعة من ماء النيل وماء البحر المعروفة ببحيرة تنيس ونسترو بمقربة منها نزلت هنالك بزاوية الشيخ شمس الدين القلوي من الصالحين وكانت تنيس بلدا عظيما شهيرا وهي الآن خراب

ثم سافرت في أرض رملة إلى مدينة دمياط وهي مدينة فسيحة الأقطار متنوعة الثمار عجيبة الترتيب آخذة من كل حسن بنصيب والناس يضبطون اسمها باعجام الذال وكذلك ضبطه الامام أبو محمد عبد الله بن علي الرشاطي وكان شرف الدين الإمام العلامة أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي إمام المحدثين يضبطها بإهمال الدال ويتبع ذلك بأن يقول خلاف الرشاطي وغيره وهو أعرف بضبط اسم بلده

ومدينة دمياط على شاطيء النيل وأهل الدور الموالية يستقون منه الماء بالدلاء وكثير من دورها بها دركات ينزل فيها إلى النيل وشجر الموز بها كثير يحمل ثمره إلى مصر في المراكب وغنمها سائحة هملا بالليل والنهار ولهذا يقال في دمياط سورها حلوى وكلابها غنم وإذا دخلها أحد لم يكن له سبيل إلى الخروج عنها إلا بطابع الوالي فمن كان من الناس معتبرا طبع له في قطعة كاغد يتظهر به لحراس بابها وغيرهم يطبع على ذراعه فيستظهر به والطير البحري بهذه المدينة كثير متناهي السمن وبها الألبان الجاموسية التي لا مثل لها في عذوبة الطعم وطيب المذاق وبها الحوت البوري يحمل منها إلى الشام وبلاد الروم ومصر وبخارجها جزيرة بين البحرين والنيل يسمى البرزخ بها مسجد وزاوية لقيت بها شيخها المعروف بابن قفل وحضرت عنده ليلة جمعة ومعه جماعة من الفقراء الفضلاء المتعبدين الأخيار فقطعوا ليلتهم صلاة وقراءة وذكرا ودمياط هذه حديثة البناء والمدينة القديمة هي التي خربها الإفرنج على عهد الملك الصالح وبها زاوية الشيخ جمال الدين الساوي قدوة الطائفة المعروفة بالقلندرية

وهم الذين يحلقون لحاهم وحواجبهم ويسكن الزاوية في هذا العهد الشيخ فتح التكروري يذكر أن السبب الداعي للشيخ جمال الدين الساوي إلى حلق لحيته وحاجبيه أنه كان جميل الصورة حسن الوجه فعلقت به امرأة من أهل ساوة وكانت تراسله وتعارضه في الطرق وتدعوه لنفسها وهو يمتنع ويتهاون فلما أعياها أمره دست له عجوزا تصدت له إزاء دار على طريقه إلى المسجد وبيدها كتاب مختوم فلما مر بها قالت له:

يا سيدي أتحسن القراءة قال نعم قالت له الكتاب وجهه إلي ولدي وأحب أن تقرأه علي فقال لها نعم فلما فتح الكتاب قالت له يا سيدي إن لولدي زوجة وهي بأسطوان الدار فلو تفضلت بقراءته بين بابي الدار بحيث تسمعها فأجابها لذلك فلما توسط بين البابين غلقت العجوز الباب وأخرجت المرأة جواريها فتعلقن به وأدخلته إلى الدار وراودته المرأة عن نفسه فلما رأى أن لا خلاص له قال لها إني حيث تريدين فأريني بيت الخلاء فأرته إياه فأدخل معه الماء وكانت عنده موسى جديدة فحلق لحيته وحاجبيه وخرج عليها فاستقبحت هيئته واستنكرت فعله وأمرت بإخراجه وعصمه الله بذلك فبقي على هيئته فيما بعد وصار كل من يسلك طريقته أن يحلق رأسه ولحيته وحاجبيه يذكر أنه لما قصد مدينة دمياط لزم مقبرتها وكان بها قاض يعرف بابن العميد فخرج يوما إلى جنازة بعض الأعيان فرأى الشيخ جمال الدين بالمقبرة فقال له:


أنت الشيخ المبتدع فقال له وأنت القاضي الجاهل تمر بدابتك بين القبور وتعلم أن حرمة الإنسان ميتا كحرمته حيا فقال له القاضي وأعظم من ذلك حلقك للحيتك فقال له إياي تعني وزعق الشيخ ثم رفع رأسه فإذا هو ذو لحية سوداء عظيمة فعجب القاضي ومن معه ونزل إليه عن بغلته ثم زعق ثانيا فإذا هو ذو لحية بيضاء حسنة ثم زعق ثالث ورفع رأسه فإذا هو بلا لحية كهيئة الأولى فقبل القاضي يده وتتلمذ له وبنى له زاوية حسنة وصحبه أيام حياته حتى مات الشيخ فدفن بزاويته ولما حضرت القاضي وفاته أوصى أن يدفن بباب الزاوية حتى يكون كل داخل إلى زيارة الشيخ يطأ قبره وبخارج دمياط المزار المعروف بشطا وهو ظاهر البركة يقصده أهل الديار المصرية وله أيام في السنة معلومة لذلك وبخارجها أيضا بين بساتينها موضع يعرف بالمنية فيه شيخ من الفضلاء يعرف بابن النعمان قصدت زاويته وبت عنده وكان بدمياط أيام إقامتي بها وال يعرف بالمحسني من ذوي الإحسان والفضل بنى مدرسة على شاطيء النيل وبها كان نزولي في تلك الأيام وتأكدت بيني وبينه مودة

ثم سافرت إلى مينة فارسكور وهي مدينة على ساحل النيل ونزلت بخارجها ولحقني هنالك فارس وجهه إلي الأمير المحسني فقال لي إن الأمير سأل عنك وعرف بسيرتك فبعث إليك بهذه النفقة ودفع إلي بجملة دراهم جزاه الله خيرا ثم سافرت إلى مدينة أشمون الرمان ونسبت لكثرته بها ومنها يحمل إلى مصر وهي مدينة عتيقة كبيرة على خلج النيل ولها قنطرة خشب ترسو المراكب عندها فإذا كان العصر رفعت تلك الخشب وجازت المراكب صاعدة ومنحدرة وبهده البلدة قاضي القضاة ووالي الولاة

ثم سافرت عنها إلى مدينة سمنود وهي على شاطيء النيل كثيرة المراكب حسنة الأسواق وبينها وبين المحلة الكبيرة ثلاثة فراسخ


ومن هذه المدينة ركبت النيل مصعدا إلى مصر ما بين مدائن وقرى منتظمة متصل بعضها ببعض ولا يفتقر راكب النيل إلى استصحاب الزاد لأنه مهما أراد النزول بالشاطيء نزل للوضوء والصلاة وشراء الزاد وغير ذلك والأسواق متصلة من مدينة الإسكندرية إلى مصر ومن مصر إلى مدينة أسوان من الصعيد..

ترقبوا .....

5- مدينة القاهرة {{{ مصر }}}


الصور المرفقة
 
التوقيع :



قال تعالى :
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
[فصلت:33]






رد مع اقتباس
قديم 06-04-2004, 07:20 PM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

abo _mohammed

المشــرف العــــام

abo _mohammed غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









abo _mohammed غير متواجد حالياً


5 - مدينة القاهرة


ثم وصلت إلى مدينة مصر وهي أم البلاد وقرارة فرعون ذي الأوتاد ذات الإقاليم العريضة والبلاد الأريضة المتناهية في كثرة العمارة المتناهية بالحسن والنضارة ومجمع الوارد والصادر ومحد ومحط رحل الضعيف والقادر وبها ما شئت من عالم وجاهل وجاد وهازل وحليم وسفيه ووضيع ونبيه وشريف ومشروف ومنكر ومعروف تموج موج البحر بسكانها وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها شبابها يجد على طول العهد وكوكب تعديلها لا يبرح عن منزل السعد قهرت قاهرتها الأمم وتمكنت ملوكها نواصي العرب والعجم ولها خصوصية النيل الذي أجل خطرها وأغناها عن أن يستمد القطر قطرها وأرضها مسيرة شهر لمجد السير كريمة التربة مؤنسة لذي الغربة

ويقال أن بمصر من السائقين على الجمال اثني عشر ألف سقاء وأن بها ثلاثين ألف مكار وأن بنيلها من المراكب ستة وثلاثين ألفا للسلطان والرعية تمر صاعدة إلى الصعيد ومنحدرة إلى الإسكندرية ودمياط بأنواع الخيرات والمرافق وعلى ضفة النيل مما يواجه مصر الموضع المعروف بالروضة وهو مكان النزهة والتفرج وبه البساتين الكثيرة الحسنة وأهل مصر ذوو طرب وسرور ولهو شاهدت بها مرة فرجة بسبب برء الملك الناصر من كسر أصاب يده فزين كل أهل سوق سوقهم وعلقوا بحوانيتهم الحلل والحلي وثياب الحرير وبقوا على ذلك أياما

ومسجد عمرو بن العاص مسجد شريف كبير القدر شهير الذكر تقام فيه الجمعة والطريق يعترضه من شرق إلى غرب وبشرقه الزاوية حيث كان يدرس الإمام أبو عبد الله الشافعي وأما المدارس بمصر فلا يحيط أحد بحصرها لكثرتها وأما المارستان الذي بين القصرين عند تربة الملك المنصور قلاوون فيعجز الواصف عن محاسنه وقد أعد فيه من المرافق والأدوية مالا يحصر يذكر أن مجباه ألف دينار كل يوم


وأما الزوايا فكثيرة وهو يسمونها الخوانق واحدتها خانقة والامراء بمصر يتنافسون في بناء الزوايا وكل زاوية بمصر معينة لطائفة من الفقراء وأكثرهم الأعاجم وهو أهل وأب ومعرفة بطريقة التصوف ولكل زاوية شيخ وحارس وترتيب أمورهم عجيب ومن عوائدهم في الطعام أنه يأتي خديم الزاوية إلى الفقراء صباحا فيعين له كل واحد ما يشتهيه من الطعام فإذا اجتمعوا للأكل جعلوا لكل إنسان خبزه ومرقة في إناء على حدة لا يشاركه فيه أحد وطعامهم مرتان في اليوم ولهم كسوة الشتاء وكسوة الصيف ومرتب شهري من ثلاثين درهما للواحد في الشهر إلى عشرين ولهم الحلاوة من السكر كل ليلة جمعه والصابون لغسل أثوابهم والأجرة لدخول الحمام والزيت للإستصباح وهم أعزاب وللمتزوجين زوايا على حدة ومن المشترط عليهم حضور الصلوات الخمس والمبيت بالزاوية واجتماعهم بقبة داخل الزاوية ومن عوائدهم أن يجلس كل واحد منهم على سجادة مختصة به وإذا صلوا الصبح قرأوا سورة الفتح وسورة الملك وسورة عم ثم يؤتى بنسخ من القرآن العظيم مجزأة فيأخذ كل فقير جزءا ويختمون القرآن ويذكرون ثم يقرأ القراء على عادة أهل المشرق ومثل ذلك يفعلون بعد صلاة العصر ومن عوائدهم مع القادم أنه يأتي باب الزاوية فيقف به مشدود الوسط وعلى كاهله سجادة وبيمناه العكاز وبيسراه الإبريق فيعلم البواب خديم الزاوية بمكانه فيخرج إليه ويسأله من أي البلاد أتى وبأي زاوية نزل في طريقه ومن شيخه فإذا عرف صحة قوله أدخله الزاوية وفرش له سجادته في موضع يليق به وأراه موضع الطهارة فيجدد الوضوء ويأتي إلى سجادته فيحل وسطه ويصل ركعتين ويصافح الشيخ ومن حضر ويقعد معهم ومن عوائدهم أنهم إذا كان يوم الجمعة أخذ الخادم جميع سجاجيدهم فيذهب بها إلى المسجد ويفرشها لهم هنالك ويخرجون مجتمعين ومعهم شيخهم فيأتون المسجد ويصلي كل واحد على سجادته فإذا فرغوا من الصلاة قرءوا القرآن على عادتهم ثم ينصرفون مجتمعين إلى الزاوية ومعهم شيخهم

ولمصر القرافة العظيمة الشأن في التبرك بها وقد جاء في فضلها أثر أخرجه القرطبي وغيره لأنها من جملة الجبل المقطم الذي وعد الله أن يكون روضة من رياض الجنة وهم يبنون بالقرافة القباب الحسنة ويجعلون عليها الحيطان فتكون كالدور ويبنون بها البيوت ويرتبون القراء ويقرءون ليلا ونهارا بالأصوات الحسان ومنهم من يبني الزاوية والمدرسة إلى جانب التربة ويخرجون كل ليلة جمعة إلى البيت بأولادهم ونسائهم ويطوفون على الأسواق بصنوف المأكل ومن المزارات الشريفة المشهد المقدس العظيم الشأن حيث رأس الحسين ابن علي عليهما السلام وعليه رباط ضخم عجيب البناء على أبوابه وحلق الفضة وصفائحها أيضا كذلك وهو موفى الحق من الإجلال والتعظيم ومنها تربة السيدة نفيسة بنت الحسن الأنور بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام وكانت مجابة الدعوة مجتهدة في العبادة وهذه التربة أنيقة البناء مشرقة الضياء عليها رباط مقصود ومنها تربة الإمام أبي عبدالله بن محمد بن أدريس الشافعي رضي الله عنه وعليها رباط كبير ولها جراية ضخمة وبها القبة الشهيرة البديعة الإتقان العجيبة البنيان المتناهية الأحكام المفرطة السمو وسعتها أزيد من ثلاثين ذراعا وبقرافة مصر من قبور العلماء والصالحين ما لا يضبطه الحصر وبها عدد جم من الصحابة وصدور السلف والخلف رضي الله تعالى عنهم مثل عبد الرحمن بن القاسم وأشهب بن عبد العزيز وأصبغ بن الفرج وابني عبد الحكيم وأبي القاسم بن شعبان وأبي محمد عبد الوهاب ولكن ليس لهم بها اشتهار ولا يعرفهم إلا من له بهم عناية والشافعي رضي الله عنه ساعده الجد في نفسه وأتباعه وأصحابه في حياته ومماته فظهر من أمره مصداق قوله


الجد يدني كل أمر شائع ................... والجد يفتح كل باب مغلق

ونيل مصر يفضل أنهار الأرض عذوبة مذاق واتساع قطر وعظم منفعة والمدن والقرى بضفتيه منتظمة ليس في المعمور مثلها ولا يعلم نهر يزرع عليه ما يزرع على النيل وليس في الأرض نهر يسمى بحرا غيره

قال الله تعالى فإذا خفت عليه فألقيه في اليم فسماه يما وهو البحر

وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل إليه ليلة الإسراء إلى سدرة المنتهى فإذا في أصلها أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران باطنان فسأل عنها جبريل عليه السلام فقال أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات

وفي الحديث أيضا النيل والفرات وسيحون وجيحون كل من أنهار الجنة ومجرى النيل من الجنوب إلى الشمال خلافا لجميع الأنهار .

ومن عجائبه أن ابتداء زيادته في شدة الحر عند نقص الأنهار وجفوفها وابتداء نقصه حين زيادة الأنهر وفيضها ونهر السند مثله في ذلك وسيأتي ذكره وأول ابتداء زيادته في حزيران وهو يونيه فإذا بلغت زيادته ستة عشر ذراعا تم خراج السلطان فإذا زاد ذراعا كان الخصب في العام والصلاح التام فإن بلغ ثمانية عشر ذراعا أضر بالضياع وأعقب الوباء وإن نقص ذراعا عن ستة عشر نقص خراج السلطان وإن نقص ذراعين استسقى الناس وكان الضرر شديد .

والنيل أحد أنهار الدنيا الخمسة الكبار وهي النيل والفرات والدجلة وسيحون وجيحون وتماثلها أنهار خمسة أيضا نهر السند ويسمى بنج أب ونهر الهند ويسمى الكنك وإليه تحج الهنود وإذا أحرقوا أمواتهم رموا برمادهم فيه ويقولون هو من الجنة ونهر الجون بالهند أيضا ونهر اتل بصحراء قفجق وعلى ساحله مدينة السرا ونهر السرو بأرض الخطا وعلى ضفته مدينة خان بالق ومنها ينحدر إلى مدينة الخنسا ثم إلى مدينة الزيتون بأرض الصين وسيذكر ذلك كله في مواضعه إن شاء الله

والنيل يفترق بعد مسافة من مصر على ثلاثة أقسام ولا يعبر نهر منها إلا في السفن شتاء وصيفا وأهل كل بلد لهم خلجان تخرج من النيل فإذا مد أترعها وفاضت على المزارع ( الأهرام والبرابي ) من العجائب المذكورة على مر الدهور وللناس فيها كلام كثير وخوض في شأنها وأولية بنائها ويزعمون أن العلوم التي ظهرت قبل الطوفان أخذت من هرمس الأول الساكن بصعيد مصر الأعلى ويسمى الخنوج وهو إدريس عليه السلام وأنه اول من تكلم في الحركات الفلكية والجواهر العلوية وأول من بنى الهياكل ومجد الله تعالى وفيها أنه أنذر الناس بالطوفان وخاف ذهاب العلم ودروس الصنائع فبنى الأهرام والبرابي وصور فيها جميع الصنائع والآلات ورسم العلوم فيها لتبقى مخلدة

ويقال أن دار العلم والملك بمصر مدينة منوف وهي على بريد من الفسطاط فلما بنيت الاسكندرية انتقل الناس إليها وصارت دار العلم والملك إلى أن أتى الإسلام فاختلط عمرو بن العاص رضي الله عنه مدينة الفسطاط فهي قاعدة مصر إلى هذا العهد والأهرام بناء بالحجر الصلد المنحوت متناهي السمو مستدير متسع الأسفل ضيق الأعلى كالشكل المخروط ولا أبواب لها ولا تعلم كيفية بنائها ومما يذكر في شأنها أن ملكا من ملوك مصر قبل الطوفان رأى رؤيا هالته وأوجبت عنده أنه بنى تلك الأهرام بالجانب الغربي من النيل لتكون مستودعا للعلوم ولجثث الملوك وأنه سأل المنجمين هل يفتح منها موضع فأخبروه أنه تفتح من الجانب الشمالي وعينوا له الموضع الذي تفتح منه ومبلغ الإنفاق في فتحه فأمر أن يجعل بذلك الموضع من المال قدر ما أخبروه أنه ينفق في فتحه واشتد في البناء فأتمه في ستين سنة وكتب عليها بنينا هذه الأهرام في ستين سنة فليهدمها من يريد ذلك في ستمائة سنة فإن الهدم أيسر من البقاء

فلما أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين المأمون أراد هدمها فأشار عليه بعض مشايخ مصر أن لا يفعل فلج في ذلك وأمر أن تفتح من الجانب الشمالي فكانوا يوقدون عليها النار ثم يرشونها بالخل ويرمونها بالمنجنيق حتى فتحت الثلمة التي بها إلى اليوم ووجدوا بإزاء النقب مالا أمر أمير المؤمنين بوزنه فحصر ما أنفق في النقب فوجدهما سواء فطال عجبه من ذلك ووجدوا عرض الحائط عشرين ذراعا

6 وجهاء القاهرة


الصور المرفقة
 
التوقيع :



قال تعالى :
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
[فصلت:33]






رد مع اقتباس
قديم 06-04-2004, 07:23 PM   رقم المشاركة : 6
الكاتب

abo _mohammed

المشــرف العــــام

abo _mohammed غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









abo _mohammed غير متواجد حالياً


6- وجهاء القاهرة

وكان سلطان مصر على عهد دخولي إليها الملك الناصر أبو الفتح محمد بن المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي وكان قلاوون يعرف بالألفي لأن الملك الصالح اشتراه بألف دينار ذهبا وأصله من قفجق وللملك الناصر رحمه الله السيرة الكريمة والفضائل العظيمة وكفاه شرفا انتماؤه لخدمة الحرمين الشريفين وما يفعله في كل سنة من أفعال البر التي تعين الحجاج من الجمال التي تحمل الزاد والماء للمنقطعين والضعفاء وتحمل من تأخر أو ضعف عن المشي في الدربين المصري والشامي وبنى زاوية بسرياقص خارج القاهرة لكن الزاوية التي بناها مولانا أمير المؤمنين وناصر الدين وكهف الفقراء والمساكين خليفة الله في أرضه القائم من الجهاد بنفله وفرضه أبو عنان أيد الله أمره وأظهره وسنى له الفتح المبين ويسر بخارج حضرته العلية المدينا البيضاء حرسها الله لا نظير لها في المعمورة في اتقان الوضع وحسن البناء والنقش في الجص بحيث لا يقدر أهل المشرق على مثله وسيأتي ذكر ما عمره أيده الله من المدارس والمرستانات والزوايا ببلاده حرسها الله وحفظها بدوام ملكه

ومن أمراء مصر ساقي الملك الناصر وهو الأمير بكتمور وهو الذي قتله الناصر بالسم وسيذكر ذلك ومنهم نائب الملك الناصر أرغون الدودار وهو الذي يلي بكتمور في المنزلة ومنهم طشط المعروف بحمص أخضر وكان من خيار الأمراء وله الصدقات الكثيرة على الأيتام من كسوة ونفقة وأجرة لمن يعلمهم القرآن وله الإحسان العظيم للحرافيش وهم طائفة كبيرة أهل صلابة وجاه ودعارة وسجنه الملك الناصر مرة.


فاجتمع من الحرافيش آلاف ووقفوا بأسفل القلعة ونادوا بلسان واحد يا أعرج النحس يعنون الملك الناصر أخرجه فأخرجه من محبسه وسجنه مرة أخرى ففعل الأيتام مثل ذلك فأطلقه ومنهم وزير الملك الناصر يعرف بالجمالي ومنهم بدر الدين بن البابه ومنهم جمال الدين نائب الكرك ومنهم تفز دمور ودمور بالتركية الحديد ومنهم بهادر الحجازي ومنهم قوصون ومنهم بشتك وكل هؤلاء يتنافسون في أفعال الخيرات وبناء المساجد والزوايا ومنهم ناظر الجيش الملك الناصر وكاتبه فخر الدين القهطي وكان نصرانيا من القبط فأسلم وحسن إسلامه وله المكارم العظيمة والفضائل التامة ودرجته من أعلى الدرجات عند الملك الناصر وله الصدقات الكثيرة والإحسان الجزيل

ومن عادته أن يجلس عشى النهار في مجلس له باسطوان داره على النيل ويليه المسجد فإذا حضر المغرب صلى في المسجد وعاد إلى مجلسه وأوتي بالطعام ولا يمنع حينئذ أحد من الدخول كائنا من كان فمن كان ذا حاجة تكلم فيها فقضاها له ومن كان طالب صدقة أمر مملوكا له يدعى بدر الدين واسمه لؤلؤ أن يصحبه إلى خارج الدار وهنالك خازنه معه صرر الدراهم فيعطيه ما قدر له ويحضر عنده في ذلك الوقت الفقهاء ويقرأ بين يديه كتب البخاري فإذا صلى العشاء الأخيرة انصرف الناس عنه

ومن قضاة مصر في عهد دخولي إليها قاضي قضاة الشافعية وهو أعلاهم منزلة وأكبرهم قدرا واليه ولاية القضاة بمصر وعزلهم وهو القاضي الإمام العالم بدر الدين بن جماعة وابنه عز الدين هو الان متولي ذلك

ومنهم قاضي قضاة المالكية الامام الصالح تقي الدين الاخنائي

ومنهم قاضي قضاة الحنفية الإمام العالم شمس الدين الحريري وكان شديد السطوة لا تأخذه في الله لومة لائم وكانت الأمراء تخافه ولقد ذكر لي أن الملك الناصر قال يوما لجلسائه إني أخاف من أحد إلا من شمس الدين الحريري

ومنهم قاضي قضاة الحنبلية ولا أعرفه الآن إلا أنه كان يدعى بعز الدين كان الملك الناصر رحمه الله يقعد للنظر في المظالم ورفع قصص المتشكين كل يوم اثنين وخميس ويقعد القضاة الأربعة عن يساره وتقرأ القصص بين يديه ويعين من يسأل صاحب القصة عنها وقد سلك مولانا أمير المؤمنين ناصر الدين أيده الله في ذلك مسلكا لم يسبق إليه ولا مزيد في العدل والتواضع عليه وهو سؤاله بذاته الكريمة المتظلم وعرضه بين يديه المستقيمة أبى الله أن يحضرها سواه أدام الله أيامه وكان رسم القضاة المذكورين أن يكون أعلاهم منزلة في الجلوس قاضي الشافعية ثم قاضي الحنفية ثم قاضي المالكية ثم قاضي الحنبلية فلما توفي شمس الدين الحريري وولي مكانه برهان الدين عبد الحق الحنفي أشار الأمراء على الملك الناصر بأن يكون مجلس المالكي فوقه وذكروا أن العادة جرت بذلك قديما إذ كان قاضي المالكية زين بن مخلوف يلي قاضي الشافعية تقي الدين بن دقيق العيد فأمر الناصر بذلك فلما علم به قاضي الحنفية غاب شهود المجلس أنفة من ذلك فأنكر الملك الناصر مغيبه وعلم ما قصده فأمر بإحضاره فلما مثل بين يديه أخذ الحاجب بيده وأقعده حيث نفذ أمر السلطان مما يلي قاضي المالكية واستمر حاله على ذلك

ومن علماء مصر وأعيانها شمس الدين الأصبهاني إمام الدنيا في المعقولات ومنهم شرف الدين الزواوي المالكي ...... ومنهم برهان الدين ابن بنت الشاذلي نائب قاضي القضاة بجامع الصالح ...... ومنهم ركن الدين بن القوبع التونسي منن الأئمة في المعقولات ...... ومنهم شمس الدين بن عدلان كبير الشافعية ...... ومنهم بهاء الدين بن عقيل فقيه كبير ...... ومنهم أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن حيان الغرناطي وهو أعلمهم بالنحو ...... ومنهم الشيخ الصالح بدر الدين عبد الله المنوفي ...... ومنهم برهان الدين الصفاقسي ...... ومنهم قوام الدين الكرماني وكان سكناه على سطح الجامع الأزهر وله جماعة من الفقهاء

والقراء يلازمونه ويدرسون فنون العلم ويفتي في المذاهب ولباسه عبادة صوف خشنة وعمامة صوف سوداء ومن عاداته أن يذهب بعد صلاة العصر إلى موضع الفرج والنزاهات منفردا عن أصحابه ومنهم السيد الشريف شمس الدين ابن بنت صاحب تاج الدين ابن حناء...

ومنهم شيخ شيوخ القراء بديار مصر مجد الدين الاقصرائي نسبة إلى أقصرا من بلاد الروم ومكنسة سرياقص ...... ومنهم الشيخ جمال الدين الحويزائي والحويزا على مسيرة ثلاث ايام من البصرة ...... ومنهم نقيب الأشراف بديار مصر السيد الشريف المعظم بدر الدين الحسيني من كبار الصالحين ...... ومنهم وكيل بيت المال المدرس بقبة الإمام الشافعي مجد الدين بن حرمي...... ومنهم المحتسب بمصر نجم الدين السهرتي من كبار الفقهاء وله بمصر رئاسة عظيمة وجاه..


يوم المحمل هو يوم دوران الجمل يوم مشهود وكيفية ترتيبهم فيه أنه يركب فيه القضاة الأربعة ووكيل بيت المال والمحتسب وقد ذكرنا جميعهم ويركب معهم أعلام الفقهاء وأمناء الرؤساء وأرباب الدولة ويقصدون جميعا باب القلعة دار الملك الناصر فيخرج إليهم المحمل على جمل وأمامه الامير المعين لسفر الحجاز في تلك السنة ومعه عسكره والسقاؤون على جمالهم ويجتمع لذلك أصناف الناس من رجال ونساء ثم يطوفون بالمحمل وجميع من ذكرنا معه بمدينة القاهرة ومصر والحداة يحدون أمامهم ويكون ذلك في رجب فعند ذلك تهيج العزمات وتنبعث الأشواق وتتحرك البواعث ويلقي الله تعالى العزيمة على الحج في قلب من يشاء من عباده فيأخذون في التأهب لذلك والاستعداد

الى اللقاء في الرحلة القادمة

7- من القاهرة إلى أسيوط


الصور المرفقة
 
التوقيع :



قال تعالى :
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
[فصلت:33]






رد مع اقتباس
قديم 06-04-2004, 07:27 PM   رقم المشاركة : 7
الكاتب

abo _mohammed

المشــرف العــــام

abo _mohammed غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









abo _mohammed غير متواجد حالياً


7 - من القاهرة إلى أسيوط

ثم كان سفري من مصر على طريق الصعيد برسم الحجاز الشريف فبث ليلة خروجي بالرباط الذي بناه الصاحب تاج الدين بن حناء بدير الطين وهو رباط عظيم بني على مفاخر عظيمة وآثار كريمة أودعها فيه وهي قطعة من قصعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والميل الذي كان يكتحل به والدرفش وهو الاشفا الذي كان يخصف به نعله ومصحف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي بخط يده رضي الله عنه ويقال إن الصاحب اشترى ما ذكرناه من الآثار الكريمة النبوية بمائة ألف درهم وبنى الرباط وجعل فيه الطعام للوارد والصادر والجراية لخدام تلك الآثار الشريفة نفعه الله تعالى بقصده المبارك

ثم خرجت من الرباط المذكور ومررت بمنية القائد وهي بلدة صغيرة على ساحل النيل

ثم سرت منها إلى مدينة بوش وهذه المدينة أكثر بلاد مصر كتانا ومنها يجلب إلى سائر الديار المصرية وإلى إفريقية


ثم سافرت منها فوصلت إلى مدينة دلاص وهذه المدينة كثيرة الكتان أيضا كمثل التي ذكرناها قبلها ويحمل أيضا منها إلى ديار مصر وإفريقية

ثم سافرت منها إلى مدينة ببا

ثم سافرت منها إلى مدينة البهنسا وهي مدينة كبيرة وبساتينها كثيرة ويصنع بهذه المدينة ثياب الصوف الجيدة وممن لقيته بها قاضيها العالم شرف الدين وهو كريم النفس فاضل ولقيت بها الشيخ الصالح أبا بكر العجمي ونزلت عنده وأضافني

ثم سافرت منها إلى مدينة منية ابن خصيب وهي مدينة كبيرة الساحة متسعة المساحة مبنية على شاطئ النيل وحق حقيق لها على بلاد الصعيد التفضيل بها المدارس والمشاهد والزوايا والمساجد وكانت في القدم منية عامل مصر الخصيب يذكر أن أحد الخلفاء من بني العباس رضي الله عنهم غضب على أهل مصر فالى أن يولي عليهم أحقر عبيدة وأصغرهم شأنا قصدا لإذلالهم والتنكيل بهم وكان خصيب أحقرهم إذ كان يتولى تسخين الحمام فخلع عليه وأمره على مصر وظنه أنه يسير فيهم سيرة سوء ويقصدهم بالأذية حسبما هو المعهود ممن ولي عن غير عهد بالعز فلما استقر خصيب بمصر سار في أهلها أحسن سيرة وشهر بالكرم والايثار فكان أقارب الخلفاء وسواهم يقصدونه فيجزل العطاء لهم ويعودون إلى بغداد شاكرين لما أولاهم وأن الخليفة افتقد بعض العباسيين وغاب عنه مدة ثم اتاه فسأله عن مغيبة فأخبره أنه قصد خصيبا وذكر له ما أعطاه خصيب وكان جزيلا فغضب الخليفة وأمر بسمل عيني خصيب وأخرجه من مصر إلى بغداد وأن يطرح في أسواقها فلما ورد الأمر بالقبض عليه حيل بينه وبين دخوله منزله وكانت بيده ياقوتة عظيمة الشأن فخباها عنده وخاطها في ثوب لها ليلا وسملت عيناه وطرح في أسواق بغداد فمر به بعض الشعراء فقال:

يا خصيب أني كنت قصدتك من بغداد إلى مصر مادحا لك بقصيدة فوافقت انصرافك عنها وأحب أن تسمعها فقال كيف بسماعها وأنا على ما تراه فقال إنما قصدي سماعك لها وأما العطاء فقد أعطيت الناس وأجزلت جزاك الله خيرا قال فافعل فأنشد :

أنت الخصيب وهذه مصر ........................ فتدفقا فكلاكما بحر
فلما أتى على اخرها قال له افتق هذه الخياطة ففعل ذلك فقال له خذ الياقوتة فأبى فأقسم عليه أن يأخذها فأخذها وذهب بها إلى سوق الجوهريين فلما عرضها عليهم قالوا له إن هذه لا تصلح إلا للخليفة فرفعوا أمرها إلى الخليفة فأمر الخليفة بإحضار الشاعر واستفهمه عن شأن الياقوتة فأخبره بخبرها فتأسف على ما فعله بخصيب وأمر بمثوله بين يديه وأجزل له العطاء وحكمه فيما يريد فرغب أن يعطيه المنية ففعل ذلك وسكنها خصيب إلى أن توفي وأورثها عقبه إلى أن انقرضوا وكان قاضي هذه المنية أيام دخولي إليها فخر الدين النويري المالكي وواليها شمس الدين أمير خير كريم دخلت يوما الحمام بهذه البلدة فرأيت الناس بها لا يستترون فعظم ذلك علي وأتيته فأعلمته بذلك فأمرني ألا أبرح وأمر بإحضار المكنزين للحمامات وكتبت عليهم العقود أنه متى دخل أحد الحمام دون مئزر فإنهم يؤاخذون على ذلك واشتد عليهم أعظم الاشتداد ثم انصرفت عنه


وسافرت من منية ابن خصيب إلى مدينة منلوي وهي صغيرة مبنية على مسافة ميلين من النيل وقاضيها الفقية شرف الدين الدميري الشافعي وكبارها قوم يعرفون ببني فضيل بنى أحدهم جامعا أنفق فيه صميم ماله وبهذه المدينة إحدى عشرة معصرة للسكر ومن عوائدهم أنهم لا يمنعون فقيرا من دخول معصرة منها فيأتي الفقير بالخبزة الحارة فيطرحها في القدر التي يطبخ السكر فيها ثم يخرجها وقد امتلاءت سكرا فينصرف بها

وسافرت من منلوى المذكورة إلى مدينة منفلوط وهي مدينة حسن هواؤها مؤنق بناؤها على ضفة النيل شهيرة البركة أخبرني أهل هذه المدينة أن الملك الناصر رحمه الله أمر بعمل منبر عظيم محكم الصنعة بديع الإنشاء برسم المسجد الحرام زاده الله شرفا وتعظيما فلما تم عمله أمر أن يصعد به في النيل ليجتاز إلى بحر جدة ثم إلى مكة شرفها الله فلما وصل المركب الذي احتمله

إلى منفلوط وحاذى مسجدها الجامع وقف وامتنع من الجري مع مساعدة الريح فعجب الناس من شأنه أشد العجب وأقاموا أياما لا ينهض بهم المركب فكتبوا بخبر إلى الملك الناصر رحمه الله فأمر أن يجعل ذلك المنبر بجامع مدينة منفلوط ففعل ذلك وقد عاينته بها ويصنع في هذه المدينة شبه العسل يستخرج من القمح ويسمونه النيدا يباع بأسواق مصر

وسافرت من هذه المدينة إلى مدينة أسيوط وهي مدينة رفيعة أسواقها بديعة وقاضيها شرف الدين بن عبد الرحيم الملقب بحاصل ما تم لقب اشتهر به وأصله أن القضاة بديار مصر والشام بأيديهم الأوقاف والصدقات لابناء السبيل فإذا أتى فقير لمدينة من المدن قصد القاضي بها فيعطيه ما قدر له فكان القاضي إذا أتاه الفقير يقول له حاصل ما تم أي لم يبق من المال الحاصل شيء فلقب بذلك ولزمه وبها من المشايخ الفضلاء الصالح شهاب الدين ابن الصباغ أضافني بزاويته.

الرحلة القادمة

8 - من أسيوط إلى البحر الأحمر ثم إلى الشام


التوقيع :



قال تعالى :
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
[فصلت:33]






رد مع اقتباس
قديم 06-04-2004, 07:29 PM   رقم المشاركة : 8
الكاتب

abo _mohammed

المشــرف العــــام

abo _mohammed غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









abo _mohammed غير متواجد حالياً


[B][ALIGN=CENTER][SIZE=4]8- من أسيوط إلى البحر الأحمر ثم إلى الشام


وسافرت منها إلى مدينة أخميم وهي مدينة عظيمة أصيلة البنيان عجمية الشأن بها البربي المعروف باسمه وهو مبني بالحجارة في داخله نقوش وكتابة للأوائل لا تفهم في هذا العهد وصور الأفلاك والكواكب ويزعمون أنها بنيت والنسر الطائر ببرج العقرب وبها صور الحيوانات وسواها وعند الناس في هذه الصور أكاذيب لا يعرج عليها وكان باخميم رجل يعرف بلخطيب أمر على هدم بعض هذه البرابي وابتنى بحجارتها مدرسة وهو رجل موسر معروف باليسار ويزعم حساده أنه استفاد ما بيده من المال من ملازمته لهذه البرابي ونزلت من هذه المدينة بزاوية الشيخ أبي العباس بن عبد الظاهر وبها تربة جده عبد الظاهر وله من الأخوة ناصر الدين ومجد الدين وواحد الدين ومن عادتهم أن يجتمعوا جميعا بعد صلاة الجمعة ومعهم الخطيب نور الدين المذكور وأولاده وقاضي المدينة الفقيه مخلص وسائر أهلها فيجتمعون للقرآن ويذكرون الله إلى صلاة العصر فإذا صلوها قرأوا سورة الكهف ثم انصرفوا



وسافرت من اخميم إلى هو مدينة كبيرة بساحل النيل ونزلت منها بمدرسة تفي الدين بن السراج ورأيتهم يقرأون بها في كل يوم بعد صلاة الصبح حزبا من القرآن ثم يقرأون اوراد الشيخ أبي الحسن الشاذلي وحزب البحر وبهذه المدينة السيد الشريف أبو محمد عبد الله الحسني من كبار الصالحين دخلت إلى هذا الشريف متبركا برؤيته والسلام عليه فسألني عن قصدي فأخبرته إني أريد البيت الحرام على طريق جدة فقال لي ولا يحصل لك هذا في هذا الوقت فارجع وإنما تحج أول حجة على الدرب الشامي فانصرفت عنه ولم أعمل على كلامه ومشيت في طريقي حتى وصلت إلى عيذاب فلم يتمكن لي السفر فعدت راجعا إلى مصر ثم إلى الشام وكان طريقي في اول حجاتي على الدرب الشامي حسبما أخبرني الشريف نفع الله به

ثم سافرت إلى مدينة قنا وهي صغيرة حسنة الأسواق وبها قبر الشريف الصالح الولي صاحب البراهين العجيبة والكرامات الشهيرة عبد الرحيم القناوي رحمة الله عليه ورأيت بالمدرسة السيفية حفيدة شهاب الدين أحمد

وسافرت من هذا البلد إلى مدينة قوص مدينة عظيمة لها خيرات عميمة بساتينها مورقة وأسواقها مونقة ولها المساجد الكثيرة والمدارس الأثيرة وهي منزل ولاة الصعيد وبخارجها زاوية الشيخ شهاب الدين بن عبد الغفار وزاوية الافرام وبها اجتماع الفقراء المتجردين في شهر رمضان من كل سنة ومن علمائها القاضي جمال الدين بن السديد والخطيب بها فتح الدين بن دقيق العيد أحد الفصحاء البلغاء الذين حصل لهم السبق في ذلك لم أر من يماثله إلا خطيب المسجد الحرام بهاء الدين الطبري وخطيب مدينة خوارزم حسام الدين الشاطبي وسيقع ذكرهما ومنهم الفقيه بهاء الدين عبد العزيز المدرس بمدرسة المالكية ومنهم الفقيه برهان الدين إبراهيم الأندلسي له زاوية عالية

ثم سافرت إلى مدينة الاقصر وهي صغيرة حسنة وبها قبر الصالح العابد ابي الحجاج الأقصري وعليه زاوية

وسافرت منها إلى مدينة آرمنت وهي صغيرة ذات بساتين مبنية على ساحل النيل أضافني قاضيها ونسيت اسمه

ثم سافرت منها إلى مدينة أسنا مدينة عظيمة متسعة الشوارع ضخمة المنافع كثيرة الزوايا والمدارس والجوامع لها أسواق حسان وبساتين ذات أفنان قاضيها قاضي القضاة شهاب الدين بن مسكين أضافني وأكرمني وكتب إلى نوابه بإكرامي وبها من الفضلاء الشيخ الصالح نور الدين علي والشيخ الصالح عبد الواحد المكناسي وهو على هذا العهد صاحب زاوية بقوص

ثم سافرت منها إلى مدينة أدفو وبينها وبين مدينة أسنا مسيرة يوم وليلة في صحراء

ثم جزنا النيل من مدينة أدفو إلى مدينة العطواني

ومنها اكترينا الجمال وسافرنا مع طائفة من العرب تعرف بدغين في صحراء لا عمارة بها إلا أنها آمنة السبل وفي بعض منازلها نزلنا حميثرا حيث قبر ولي الله ابي الحسن الشاذلي وقد ذكرنا كرامته في إخباره أنه يموت بها وأرضها وكثيرة الضباع ولم نزل ليلة مبيتنا بها نحارب الضباع ولقد قصدت رحلي ضبع منها فمزقت عدلا كان به واجتزت منه جراب تمر وذهبت به فوجدناه لما أصبحنا ممزقا مأكولا معظم ما كان فيه

ثم لما سرنا خمسة عشر يوما وصلنا إلى مدينة عي


رد مع اقتباس
قديم 06-04-2004, 07:35 PM   رقم المشاركة : 9
الكاتب

abo _mohammed

المشــرف العــــام

abo _mohammed غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









abo _mohammed غير متواجد حالياً


8- من أسيوط إلى البحر الأحمر ثم إلى الشام


وسافرت منها إلى مدينة أخميم وهي مدينة عظيمة أصيلة البنيان عجمية الشأن بها البربي المعروف باسمه وهو مبني بالحجارة في داخله نقوش وكتابة للأوائل لا تفهم في هذا العهد وصور الأفلاك والكواكب ويزعمون أنها بنيت والنسر الطائر ببرج العقرب وبها صور الحيوانات وسواها وعند الناس في هذه الصور أكاذيب لا يعرج عليها وكان باخميم رجل يعرف بلخطيب أمر على هدم بعض هذه البرابي وابتنى بحجارتها مدرسة وهو رجل موسر معروف باليسار ويزعم حساده أنه استفاد ما بيده من المال من ملازمته لهذه البرابي ونزلت من هذه المدينة بزاوية الشيخ أبي العباس بن عبد الظاهر وبها تربة جده عبد الظاهر وله من الأخوة ناصر الدين ومجد الدين وواحد الدين ومن عادتهم أن يجتمعوا جميعا بعد صلاة الجمعة ومعهم الخطيب نور الدين المذكور وأولاده وقاضي المدينة الفقيه مخلص وسائر أهلها فيجتمعون للقرآن ويذكرون الله إلى صلاة العصر فإذا صلوها قرأوا سورة الكهف ثم انصرفوا


وسافرت من اخميم إلى هو مدينة كبيرة بساحل النيل ونزلت منها بمدرسة تفي الدين بن السراج ورأيتهم يقرأون بها في كل يوم بعد صلاة الصبح حزبا من القرآن ثم يقرأون اوراد الشيخ أبي الحسن الشاذلي وحزب البحر وبهذه المدينة السيد الشريف أبو محمد عبد الله الحسني من كبار الصالحين دخلت إلى هذا الشريف متبركا برؤيته والسلام عليه فسألني عن قصدي فأخبرته إني أريد البيت الحرام على طريق جدة فقال لي ولا يحصل لك هذا في هذا الوقت فارجع وإنما تحج أول حجة على الدرب الشامي فانصرفت عنه ولم أعمل على كلامه ومشيت في طريقي حتى وصلت إلى عيذاب فلم يتمكن لي السفر فعدت راجعا إلى مصر ثم إلى الشام وكان طريقي في اول حجاتي على الدرب الشامي حسبما أخبرني الشريف نفع الله به

ثم سافرت إلى مدينة قنا وهي صغيرة حسنة الأسواق وبها قبر الشريف الصالح الولي صاحب البراهين العجيبة والكرامات الشهيرة عبد الرحيم القناوي رحمة الله عليه ورأيت بالمدرسة السيفية حفيدة شهاب الدين أحمد

وسافرت من هذا البلد إلى مدينة قوص مدينة عظيمة لها خيرات عميمة بساتينها مورقة وأسواقها مونقة ولها المساجد الكثيرة والمدارس الأثيرة وهي منزل ولاة الصعيد وبخارجها زاوية الشيخ شهاب الدين بن عبد الغفار وزاوية الافرام وبها اجتماع الفقراء المتجردين في شهر رمضان من كل سنة ومن علمائها القاضي جمال الدين بن السديد والخطيب بها فتح الدين بن دقيق العيد أحد الفصحاء البلغاء الذين حصل لهم السبق في ذلك لم أر من يماثله إلا خطيب المسجد الحرام بهاء الدين الطبري وخطيب مدينة خوارزم حسام الدين الشاطبي وسيقع ذكرهما ومنهم الفقيه بهاء الدين عبد العزيز المدرس بمدرسة المالكية ومنهم الفقيه برهان الدين إبراهيم الأندلسي له زاوية عالية

ثم سافرت إلى مدينة الاقصر وهي صغيرة حسنة وبها قبر الصالح العابد ابي الحجاج الأقصري وعليه زاوية

وسافرت منها إلى مدينة آرمنت وهي صغيرة ذات بساتين مبنية على ساحل النيل أضافني قاضيها ونسيت اسمه

ثم سافرت منها إلى مدينة أسنا مدينة عظيمة متسعة الشوارع ضخمة المنافع كثيرة الزوايا والمدارس والجوامع لها أسواق حسان وبساتين ذات أفنان قاضيها قاضي القضاة شهاب الدين بن مسكين أضافني وأكرمني وكتب إلى نوابه بإكرامي وبها من الفضلاء الشيخ الصالح نور الدين علي والشيخ الصالح عبد الواحد المكناسي وهو على هذا العهد صاحب زاوية بقوص

ثم سافرت منها إلى مدينة أدفو وبينها وبين مدينة أسنا مسيرة يوم وليلة في صحراء

ثم جزنا النيل من مدينة أدفو إلى مدينة العطواني

ومنها اكترينا الجمال وسافرنا مع طائفة من العرب تعرف بدغين في صحراء لا عمارة بها إلا أنها آمنة السبل وفي بعض منازلها نزلنا حميثرا حيث قبر ولي الله ابي الحسن الشاذلي وقد ذكرنا كرامته في إخباره أنه يموت بها وأرضها وكثيرة الضباع ولم نزل ليلة مبيتنا بها نحارب الضباع ولقد قصدت رحلي ضبع منها فمزقت عدلا كان به واجتزت منه جراب تمر وذهبت به فوجدناه لما أصبحنا ممزقا مأكولا معظم ما كان فيه

ثم لما سرنا خمسة عشر يوما وصلنا إلى مدينة عيذاب وهي مدينة كبيرة كثيرة الحوت واللبن ويحمل إليها الزوع والثمر من صعيد مصر وأهلها البجاة وهم سود الألوان يلتحفون بملاحف صفراء ويشدون على رؤوسهم عصائب يكون عرض العصابة إصبعا وهم لا يورثون البنات طعامهم ألبان الإبل ويركبون المهاري ويسمونها الصهب وثلث المدينة للملك الناصر وثلثاه لملك البجاة وهو يعرف بالحدربي وبمدينة عيذاب مسجد ينسب للقسطلاني شهير البركة رأيته وتبركت به وبها الشيخ الصالح موسى والشيخ المسن محمد المراكشي زعم أنه ابن المرتضى ملك مراكش وأن سنه خمسة وتسعون سنة

ولما وصلنا إلى عيذاب وجدنا الحدربي سلطان البجاة يحارب الأتراك وقد خرق المراكب وهرب الترك أمامه فتعذر سفرنا في البحر فبعنا ما كنا أعددناه من الزاد وعدنا مع العرب الذين اكترينا الجمال منهم إلى صعيد مصر

فوصلنا إلى مدينة قوص التي تقدم ذكرها وانحدرنا منها في النيل وكان أوان مده فوصلنا بعد مسيرة ثمان من قوص إلى مصر فبت بمصر ليلة واحدة وقصدت بلاد الشام وذلك في منتصف شعبان سنة ست وعشرين فوصلت إلى مدينة بلبيس وهي مدينة كبيرة ذات بساتين كثيرة ولم ألق بها من يجب ذكره ثم وصلت إلى الصالحية ومنها دخلنا الرمال ونزلنا منازلها مثل السوادة والواردة والطيب والعريش والخروبة بكل منزل منها فندق وهم يسمونه الخان ينزله المسافرون بدوابهم وبخارج كل خان ساقية للسبيل وحانوت يشتري منه المسافر ما يحتاجه لنفسه ودابته

من منازلها قطيا المشهورة وبها تؤخذ الزكاة من التجار ونفيس أمتعتهم ويبحث عما لديهم أشد البحث وفيها الدواوين والعمال والكتاب والشهود ومجباها في كل يوم ألف دينار من الذهب ولا يجوز عليها أحد الى الشام إلا ببراءة من مصر ولا الى مصر إلا ببراءة من الشام إحتياطا على أموال الناس وتوقيا من الجواسيس العراقيين وطريقها في ضمان العرب قد وكلوا بحفظه فإذا كان الليل مسحوا على الرمل حتى لا يبقى به أثر ثم يأتي الأمير صباحا فينظر إلى الرمل فإن وجد به أثرا طالب العرب بإحضار مؤثره فيذهبون في طلبه فلا يفوتهم فيأتون به الأمير فيعاقبه بما شاء

وكان بها في عهد وصولى إليها عز الدين أستاذ الدار قماري من خيار الأمراء أضافني وأكرمني وأباح الجواز لمن كان معي وبين يديه عبد الجليل المغربي الوقاف وهو يعرف المغاربة وبلادهم فيسأل من ورد منهم من أي البلاد هو لئلا يلبس عليهم فإن المغاربة لا يعترضون جوازهم على قطية


================================
موعدنا معكم في :

الفصل الثاني
الشام


الصور المرفقة
 
التوقيع :



قال تعالى :
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
[فصلت:33]






رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:10 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir