لم يبق من تلك الواحة الخضراء والجداول الرقراقة التي كانت تنساب في بلاد الشاعر الغناء إلا أودية ارتحلت نضرتها وذبلت أشجارها وتراكمت حجارها، ولم يبق إلا أثر الجداول على الصخور الملساء حتى السحابة التي كانت تمر كل صباح وتذرف الطل غيرت طريقها وقطعت حبال وصلها وأصبحت بلاده نائية إلا من الغربان.
فتعالوا نشاهد الطبيعة بكل جمالها ودلالها، بكل رومانسياتها في هذه المعلقة الرائعة التي تكتنز بالإيحاءات والدلالات والتي يصف الشاعر علاقته مع نوار ويربطها بالأمكنة والطقوس، فكأنما نوار غيمة حبلى بالربيع أينما حلت كان الخصب وأينما ارتحلت تركت ما دل على وجودها.
ثم ينتقل لبيد إلى الدفاع عن أمجاد قبيلته ووصف خصالهم الحميدة وتخليد مآثرهم المجيدة منهم العشيرة العظيمة الكريمة، وهم موطن الأمانة والشرف والشجاعة، وهم الذين يكرمون الضيف ويجودون بكل ما يملكون في سبيل راحته والحفاظ على سمعتهم عطرة تتناقلها الهبوب.
أما شاعر هذه المعلقة هو لبيد بن ربيعة بن مالك قدم على الرسول في وفد بني كلاب فأسلم ثم رجع إلى بلاده، ثم سكن الكوفة ومات بها عام 41هـ وقد ذكره ابن سلام في الطبقة الثالثة من شعراء الجاهلية وكان شريفاً في الجاهلية والإسلام.
وعاش حوالي مائة وأربعين سنة.