دخل عطاء بن ابي رباح على هشام بن عبدالملك فلما رآه قال: مرحبا مرحبا هاهنا هاهنا ولايزال يقول هنا حتى اجلسه معه على سريره ومس بركبته ركبته وعنده اشراف الناس يتحدثون فسكتوا فقال له:
ما حاجتك يا ابا محمد قال: يا أمير المؤمنين اهل الحرمين اهل الله وجيران رسول الله صلى الله عليه وسلم تقسم عليهم ارزاقهم واعطياتهم. فقال: يا غلام اكتب لاهل مكة والمدينة بعطاياهم وارزاقهم لسنة ثم قال: هل من حاجة غيرها؟ قال: نعم اهل الحجاز واهل نجد هم اصل العرب وقادة الاسلام ترد فيهم فضول صدقاتهم ثم قال:
هل من حاجة غيرها يا ابا محمد؟ قال نعم: يا امير المؤمنين اهل الثغور يردون من وراءكم ويقاتلون عدوكم تجري لهم ارزاقهم اليهم فإنهم ان هلكوا ضاعت الثغور، قال: يا غلام اكتب بحمل أرزاقهم اليهم قال: هل من حاجة غيرها؟ قال اهل ذمتكم يكلفون ما لا يطيقون فإن ما تجبونه منهم معونة لكم على عدوكم قال:
نعم يا غلام اكتب ان اهل الذمة لا يكلفون ما لا يطيقون قال: هل من حاجة غيرها؟ قال نعم: اتق الله في نفسك فإنك خلقت وحدك وتموت وتحشر وحدك وتحاسب وحدك وما معك ممن ترى احد فأكب هشام وهو يبكي فقام عطاء فلما كان عند الباب اذا رجل قد تبعه بكيس ثم قال: ان امير المؤمنين امر لك بهذا فقال: لا اسألك عليه اجرا ان اجري إلا على رب العالمين.
دخل الامام الاوزاعي على المنصور وكان شديد الهيبة فقال له: عظني فقال يا امير المؤمنين ان الله هو الحق المبين ومن كره الحق فقد كرهه الله.
يا أمير المؤمنين ان الملك لا يدوم لمخلوق وانما الملك لله وحده ولو كان يدوم لاحد لما وصل اليك.
يا أمير المؤمين: «ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا للقصاص من نفسه في خدش خدشه اعرابياً وهو غير متعمد فقال الاعرابي: بأبي وأمي قد احللتك وما كنت لافعل ذلك بك ابداً».
يا أمير المؤمنين: ان خير الكرم عند الله التقوى ومن طلب العزة بطاعة الله رفعه واعزه ومن طلبها بمعصية الله وضعه الله واذله.
فلما انتهى من عظته امر له المنصور بمال فاعتذر واستعفى من قبوله وقال: يا امير المؤمنين ما كنت لابيع نصيحتي بعرض الدنيا فاحرم ثوابها واقلل من نفعها وما دام امير المؤمنين قائماً فينا بالعدل فنحن في خير الله ثم في خيره.
قال بعض الحكماء: طلبت الراحة لنفسي فلم اجد لها أروح من ترك ما لايعنيها وتوحشت في البرية فلم أر وحشة امر من قرين السوء وشهدت الزحوف وغالبت الاقران فلم أر قرينا اغلب للرجل من المرأة السوء ونظرت الى كل ما يذل القوي ويكسره فلم أر شيئاً اذل له ولا أكسر من الفاقة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لجليسي علي ثلاث: ان ارميه بطرفي اذا اقبل وان اوسع له اذا جلس، وان اصغي له اذا تحدث.
كان الحسن بن علي رضي الله عنهما يقول: من أدام الاختلاف الى المسجد اصاب ثماني خصال: آية محكمة وأخا مستفاداً وعلماً مستطرفاً ورحمة منتظرة وحكمة تدل على هدى او تردعه عن ردي وترك الذنوب حياء أو خشية.
العرض العادي
