OM_SULTAN
المشرف العام
فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الصّلَاةِ [ لَمْ يَتَلَفّظْ بِالنّيّةِ ] كَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا قَامَ إلَى الصّلَاةِ قَالَ " اللّهُ أَكْبَرُ " وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا قَبْلَهَا وَلَا تَلَفّظَ بِالنّيّةِ الْبَتّةَ وَلَا قَالَ أُصَلّي لِلّهِ صَلَاةَ كَذَا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا وَلَا قَالَ أَدَاءً وَلَا قَضَاءً وَلَا فَرْضَ الْوَقْتِ وَهَذِهِ عَشْرُ بِدَعٍ لَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ أَحَدٌ قَطّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ وَلَا مُسْنَدٍ وَلَا مُرْسَلٍ لَفْظَةً وَاحِدَةً مِنْهَا الْبَتّةَ بَلْ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا اسْتَحْسَنَهُ أَحَدٌ مِنْ التّابِعِينَ وَلَا الْأَئِمّةِ الْأَرْبَعَةِ وَإِنّمَا غَرّ بَعْضَ الْمُتَأَخّرِينَ قَوْلُ الشّافِعِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي الصّلَاةِ إنّهَا لَيْسَتْ كَالصّيَامِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا أَحَدٌ إلّا بِذِكْرٍ فَظَنّ أَنّ الذّكْرَ تَلَفّظُ الْمُصَلّي بِالنّيّةِ وَإِنّمَا أَرَادَ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ بِالذّكْرِ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَيْسَ إلّا وَكَيْفَ يَسْتَحِبّ الشّافِعِيّ أَمْرًا لَمْ يَفْعَلْهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَهَذَا هَدْيُهُمْ وَسِيرَتُهُمْ فَإِنْ أَوْجَدَنَا أَحَدٌ حَرْفًا وَاحِدًا عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ قَبِلْنَاهُ وَقَابَلْنَاهُ بِالتّسْلِيمِ وَالْقَبُولِ وَلَا هَدْيَ أَكْمَلُ مِنْ هَدْيِهِمْ وَلَا سُنّةَ إلّا مَا تَلَقّوْهُ عَنْ صَاحِبِ الشّرْعِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [ الْإِحْرَام ُ ] وَكَانَ دَأْبُهُ فِي إحْرَامِهِ لَفْظَةَ اللّهُ أَكْبَرُ لَا غَيْرَهَا وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْهُ سِوَاهَا . [ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ ] وَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَهَا مَمْدُودَةَ الْأَصَابِعِ مُسْتَقْبِلًا بِهَا الْقِبْلَةَ إلَى فُرُوعِ أُذُنَيْه وَرُوِيَ إلَى مَنْكِبَيْهِ فَأَبُو حُمَيْدٍ السّاعِدِي ّ وَمَنْ مَعَهُ قَالُوا : حَتّى يُحَاذِيَ بِهِمَا الْمَنْكِبَيْنِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَر َ . وَقَالَ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ : إلَى حِيَالِ أُذُنَيْهِ . وَقَالَ الْبَرَاءُ : قَرِيبًا مِنْ أُذُنَيْهِ . وَقِيلَ هُوَ مِنْ الْعَمَلِ الْمُخَيّرِ فِيهِ وَقِيلَ كَانَ أَعْلَاهَا إلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ وَكَفّاهُ إلَى مَنْكِبَيْهِ فَلَا يَكُونُ اخْتِلَافًا وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي مَحَلّ هَذَا الرّفْعِ . ثُمّ يَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ الْيُسْرَى . [ الِاسْتِفْتَاحُ ] وَكَانَ يَسْتَفْتِحُ تَارَةً بِ اللّهُمّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللّهُمّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثّلْجِ وَالْبَرَدِ اللّهُمّ نَقّنِي مِنْ الذّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقّى الثّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدّنَسِ وَتَارَةً يَقُولُ وَجّهْتُ وَجْهِيَ لِلّذِي فَطَرَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوّلُ الْمُسْلِمِينَ اللّهُمّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ أَنْتَ رَبّي وَأَنَا عَبْدُك ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعَهَا إنّهُ لَا يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلّا أَنْتَ وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنّي سَيّئَ الْأَخْلَاقِ لَا يَصْرِفُ عَنّي سَيّئَهَا إلّا أَنْتَ لَبّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلّهُ بِيَدَيْك وَالشّرّ لَيْسَ إلَيْك أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْت أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْك وَلَكِنّ الْمَحْفُوظَ أَنّ هَذَا الِاسْتِفْتَاحَ إنّمَا كَانَ يَقُولُهُ فِي قِيَامِ اللّيْلِ . وَتَارَةً يَقُولُ اللّهُمّ رَبّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقّ بِإِذْنِك إنّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَتَارَةً يَقُولُ اللّهُمّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنّ . .. الْحَدِيثُ . وَسَيَأْتِي فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الصّحِيحَةِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُ كَبّرَ ثُمّ قَالَ ذَلِكَ . وَتَارَةً يَقُولُ اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلّهِ كَثِيرًا الْحَمْدُ لِلّهِ كَثِيرًا الْحَمْدُ لِلّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا سُبْحَانَ اللّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا سُبْحَانَ اللّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ . وَتَارَةً يَقُولُ اللّهُ أَكْبَرُ عَشْرَ مَرّاتٍ ثُمّ يُسَبّحُ عَشْرَ مَرّاتٍ ثُمّ يَحْمَدُ عَشْرًا ثُمّ يُهَلّلُ عَشْرًا ثُمّ يَسْتَغْفِرُ عَشْرًا ثُمّ يَقُولُ اللّهُمّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي عَشْرًا ثُمّ يَقُولُ " اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ الْمُقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَشْرًا . فَكُلّ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ صَحّتْ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِسُبْحَانَكَ اللّهُمّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدّك وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ ذَكَرَ ذَلِكَ أَهْلُ السّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ بْنِ عَلِيّ الرّفَاعِيّ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكّلِ النّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى أَنّهُ رُبّمَا أَرْسَلَ. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَالْأَحَادِيثُ الّتِي قَبْلَهُ أَثْبَتُ مِنْهُ وَلَكِنْ صَحّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِهِ فِي مَقَامِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَجْهَرُ بِهِ وَيُعَلّمُهُ النّاسَ وَقَال َ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : أَمّا أَنَا فَأَذْهَبُ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَلَوْ أَنّ رَجُلًا اسْتَفْتَحَ بِبَعْضِ مَا رُوِيَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الِاسْتِفْتَاحِ كَانَ حَسَنًا . [ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِدُعَاءِ " سُبْحَانَك اللّهُمّ " وَالتّعْلِيلُ لَهُ ] وَإِنّمَا اخْتَارَ الْإِمَامُ أَحْمَد ُ هَذَا لِعَشَرَةِ أَوْجُهٍ قَدْ ذَكَرْتُهَا فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى . مِنْهَا جَهْرُ عُمَرَ بِهِ يُعَلّمُهُ الصّحَابَةَ . وَمِنْهَا اشْتِمَالُهُ عَلَى أَفْضَلِ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ فَإِنّ أَفْضَلَ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ سُبْحَانَ اللّهِ وَالْحَمْدُ لِلّهِ وَلَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَاَللّهُ أَكْبَرُ وَقَدْ تَضَمّنَهَا هَذَا الِاسْتِفْتَاحُ مَعَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ . وَمِنْهَا أَنّهُ اسْتِفْتَاحٌ أَخْلَصُ لِلثّنَاءِ عَلَى اللّهِ وَغَيْرُهُ مُتَضَمّنٌ لِلدّعَاءِ وَالثّنَاءُ أَفْضَلُ مِنْ الدّعَاءِ وَلِهَذَا كَانَتْ سُورَةُ الْإِخْلَاصِ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ لِأَنّهَا أُخْلِصَتْ لِوَصْفِ الرّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَالثّنَاءِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا كَانَ " سُبْحَانَ اللّهِ وَالْحَمْدُ لِلّهِ وَلَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَاَللّهُ أَكْبَرُ " أَفْضَلُ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ فَيَلْزَمُ أَنّ مَا تَضَمّنَهَا مِنْ الِاسْتِفْتَاحَاتِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الِاسْتِفْتَاحَاتِ . وَمِنْهَا أَنّ غَيْرَهُ مِنْ الِاسْتِفْتَاحَاتِ عَامّتُهَا إنّمَا هِيَ فِي قِيَامِ اللّيْلِ فِي النّافِلَةِ وَهَذَا كَانَ عُمَرُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلّمُهُ النّاسَ فِي الْفَرْضِ . وَمِنْهَا أَنّ هَذَا الِاسْتِفْتَاحَ إنْشَاءٌ لِلثّنَاءِ عَلَى الرّبّ تَعَالَى مُتَضَمّنٌ لِلْإِخْبَارِ عَنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ وَالِاسْتِفْتَاحُ بِ " وَجّهْت وَجْهِيَ " إخْبَارٌ عَنْ عُبُودِيّةِ الْعَبْدِ وَبَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ مَا بَيْنَهُمَا . وَمِنْهَا أَنّ مَنْ اخْتَارَ الِاسْتِفْتَاحَ بِ " وَجّهْت وَجْهِيَ " لَا يُكْمِلُهُ وَإِنّمَا يَأْخُذُ بِقِطْعَةٍ مِنْ الْحَدِيثِ وَيَذَرُ بَاقِيَهُ بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاحِ بِ سُبْحَانِك اللّهُمّ وَبِحَمْدِك فَإِنّ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ يَقُولُهُ كُلّهُ إلَى آخِرِهِ . وَكَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ أَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ ثُمّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَة وَكَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ تَارَةً وَيُخْفِيهَا أَكْثَرَ مِمّا يَجْهَرُ بِهَا وَلَا رَيْبَ أَنّهُ لَمْ يَكُنْ يَجْهَرُ بِهَا دَائِمًا فِي كُلّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسَ مَرّاتٍ أَبَدًا حَضَرًا وَسَفَرًا وَيَخْفَى ذَلِكَ عَلَى خُلَفَائِهِ الرّاشِدِينَ وَعَلَى جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَأَهْلِ بَلَدِهِ فِي الْأَعْصَارِ الْفَاضِلَةِ هَذَا مِنْ أَمْحَلِ الْمُحَالِ حَتّى يَحْتَاجَ إلَى التّشَبّثِ فِيهِ بِأَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ وَأَحَادِيثَ وَاهِيَةٍ فَصَحِيحُ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ غَيْرُ صَرِيحٍ وَصَرِيحُهَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَهَذَا مَوْضِعٌ يَسْتَدْعِي مُجَلّدًا ضَخْمًا . [ سَكَتَاتُ الْإِمَام ِ ] وَكَانَ لَهُ سَكْتَتَانِ سَكْتَةٌ بَيْنَ التّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ وَعَنْهَا سَأَلَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاخْتُلِفَ فِي الثّانِيَةِ فَرُوِيَ أَنّهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ . وَقِيلَ إنّهَا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرّكُوعِ . وَقِيلَ هِيَ سَكْتَتَانِ غَيْرُ الْأُولَى فَتَكُونُ ثَلَاثًا وَالظّاهِرُ إنّمَا هِيَ اثْنَتَانِ فَقَطْ وَأَمّا الثّالِثَةُ فَلَطِيفَةٌ جِدّا لِأَجْلِ تَرَادّ النّفَسِ وَلَمْ يَكُنْ يَصِلُ الْقِرَاءَةَ بِالرّكُوعِ بِخِلَافِ السّكْتَةِ الْأُولَى فَإِنّهُ كَانَ يَجْعَلُهَا بِقَدْرِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالثّانِيَةُ قَدْ قِيلَ إنّهَا لِأَجْلِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ فَعَلَى هَذَا : يَنْبَغِي تَطْوِيلُهَا بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَأَمّا الثّالِثَةُ فَلِلرّاحَةِ وَالنّفَسِ فَقَطْ وَهِيَ سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ فَمَنْ لَمْ يَذْكُرْهَا فَلِقِصَرِهَا وَمَنْ اعْتَبَرَهَا جَعَلَهَا سَكْتَةً ثَالِثَةً فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الرّوَايَتَيْنِ وَهَذَا أَظْهَرُ مَا يُقَالُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ . وَقَدْ صَحّ حَدِيثُ السّكْتَتَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ سَمُرَةَ وَأُبَيّ بْنِ كَعْبٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَاتِمٍ فِي " صَحِيحِهِ " وَسَمُرَةُ هُوَ ابْنُ جُنْدُبٍ وَقَدْ تَبَيّنَ بِذَلِكَ أَنّ أَحَدَ مَنْ رَوَى حَدِيثَ السّكْتَتَيْنِ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ وَقَدْ قَالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَكْتَتَيْنِ سَكْتَةً إذَا كَبّرَ وَسَكْتَةً إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضّالّينَ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ سَكَتَ وَهَذَا كَالْمُجْمَلِ وَاللّفْظُ الْأَوّلُ مُفَسّرٌ مُبَيّنٌ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ : لِلْإِمَامِ سَكْتَتَانِ فَاغْتَنِمُوا فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ إذَا افْتَتَحَ الصّلَاةَ وَإِذَا قَالَ " وَلَا الضّالّينَ " عَلَى أَنّ تَعْيِينَ مَحَلّ السّكْتَتَيْنِ إنّمَا هُوَ مِنْ تَفْسِيرِ قَتَادَةَ فَإِنّهُ رَوَى الْحَدِيثَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ سَكْتَتَانِ حَفِظْتهمَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عِمْرَانُ فَقَالَ حَفِظْنَاهَا سَكْتَةً فَكَتَبْنَا إلَى أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ بِالْمَدِينَةِ فَكَتَبَ أُبَيّ أَنْ قَدْ حَفِظَ سَمُرَةُ قَالَ سَعِيدٌ فَقُلْنَا لِقَتَادَةَ مَا هَاتَانِ السّكْتَتَانِ قَالَ إذَا دَخَلَ فِي الصّلَاةِ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ ثُمّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِذَا قَالَ وَلَا الضّالّينَ . قَالَ وَكَانَ يُعْجِبُهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ أَنْ يَسْكُتَ حَتّى يَتَرَادّ إلَيْهِ نَفَسُهُ وَمَنْ يَحْتَجّ بِالْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ يَحْتَجّ بِهَذَا . فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَخَذَ فِي سُورَةٍ غَيْرِهَا وَكَانَ يُطِيلُهَا تَارَة وَيُخَفّفُهَا لِعَارِضٍ مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيُتَوَسّطُ فِيهَا غَالِبًا . وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِنَحْوِ سِتّينَ آيَةً إلَى مِائَةِ آيَةٍ وَصَلّاهَا بِسُورَةِ ( ق ) وَصَلّاهَا بِ ( الرّومِ ) وَصَلّاهَا بِ ( إذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ ) وَصَلّاهَا بِ إِذَا زُلْزِلَتِ فِي الرّكْعَتَيْنِ كِلَيْهِمَا وَصَلّاهَا بِ ( الْمُعَوّذَتَيْنِ ) وَكَانَ فِي السّفَرِ وَصَلّاهَا فَافْتَتَحَ بِ ( سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ ) حَتّى إذَا بَلَغَ ذِكْرَ مُوسَى وَهَارُونَ فِي الرّكْعَةِ الْأُولَى أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ . وَكَانَ يُصَلّيهَا يَوْمَ الْجُمْعَةِ بِ ( الم تَنْزِيلُ ) السّجْدَةِ وَسُورَةِ ( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ) كَامِلَتَيْنِ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النّاسِ الْيَوْمَ مِنْ قِرَاءَةِ بَعْضِ هَذِهِ وَبَعْضِ هَذِهِ فِي الرّكْعَتَيْنِ وَقِرَاءَةِ السّجْدَةِ وَحْدَهَا فِي الرّكْعَتَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ السّنّةِ . وَأَمّا مَا يَظُنّهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجُهّالِ أَنّ صُبْحَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فُضّلَ بِسَجْدَةٍ فَجَهْلٌ عَظِيمٌ وَلِهَذَا كَرِهَ بَعْضُ الْأَئِمّةِ قِرَاءَةَ سُورَةِ السّجْدَةِ لِأَجْلِ هَذَا الظّنّ وَإِنّمَا كَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ السّورَتَيْنِ لِمَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِ الْمَبْدَإِ وَالْمَعَادِ وَخَلْقِ آدَمَ وَدُخُولِ الْجَنّةِ وَالنّارِ وَذَلِكَ مِمّا كَانَ وَيَكُونُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَكَانَ يَقْرَأُ فِي فَجْرِهَا مَا كَانَ وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَذْكِيرًا لِلْأُمّةِ بِحَوَادِثِ هَذَا الْيَوْمِ كَمَا كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَجَامِعِ الْعِظَامِ كَالْأَعْيَادِ وَالْجُمُعَة بِسُورَةِ ( ق ) وَ ( اقْتَرَبَتْ ) وَ ( سَبّحْ ) وَ ( الْغَاشِيَةِ ) .