الثَّقافة الإيجابيَّة نعمةٌ كبيرة لمن تحلَّى بها وأحسَنَ توظيفها، وتقيَّدَ فيها بالمخرجات الصَّحيحة التي تحقِّق الخير للأفراد والأسر والأوطان والمجتمعات، فذلك هو واجبُ كلِّ مثقَّفٍ يريد الخير لوطنه وأمَّته، كيف ونحن مسؤولون بين يدي ربِّنا عن إدراكاتنا وعمَّا نتكلَّم ونعمل، قال الله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، والعاقلُ من يُعِدُّ لهذا السُّؤال العظيم جوابًا.
فالمثقف العاقل هو الذي يبث الثقافة الإيجابية التعريفية والعلاجية والوقائية، التي تحافظ على مصلحة المجتمعات والدول، إلا أن ما لمسناه من بعض مثقَّفي قطر أمرٌ مؤسفٌ جدًّا، لا يرضاه عاقلٌ ولا جارٌ ولا صديق، ولا يصبُّ في مصلحة أحد، إذ لاحظنا بروز ثقافةٍ سلبيَّةٍ سيِّئةٍ تسعى إلى نشر الإشاعات والأكاذيب والطعن في الدول، ودعم المعارضات والمشبوهين، والطعن في رموز دول الخليج ومؤسَّساتها، والتركيز على تشويه دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ومحاولة تشويه الحقائق حتى في أبرز القضايا المشرقة الواضحة مثل قضيَّة دعم غزة، فعلى ماذا يدلُّ ذلك؟!
ومن المستفيد من هذه الثقافات المسيئة؟ وما ذاك المِلح الأُجاج (العذبة) عنَّا ببعيد، والذي لم يقف قلمه عن الإساءة إلينا، تارةً بالإساءة إلى مؤسس دولتنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، وتارةً بالإساءة إلى بعض قياداتنا ورموزنا، وتارةً بتشويه دولتنا والتحريض على أبنائها، في صنوفٍ من الإساءات التي يخجلُ منها من يحترم نفسه، مع أنَّنا على قناعةٍ تامَّةٍ بأنَّ هذا الشخص لا يملك مؤهلات الثقافة الإيجابية التي يستحقُّ بها أن يُصنَّف في فئتها أو في أدنى فئاتها.
إنَّ عتبي على مثقفي قطر كبير، فأين ثقافتكم الإيجابية تجاه هؤلاء المفسدين؟ أين أنتم من كشف زيف تصرفات أمثال هؤلاء، والتي لا تُقبل في شرعٍ ولا عُرفٍ ولا عقلٍ؟ كيف تعجز أقلامكم عن الردِّ على من يحمل مثل هذه الثقافات الفاسدة، التي تقطع ولا تصل، وتهدم ولا تبني، وتسيء ولا تحسن، وتظلم ولا تعدل؟ أين أنتم مما أمركم الله به من بيان الحقِّ وردِّ الباطل والأخذ على يد الظالم؟!
ألم تسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: »انصر أخاك ظالما أو مظلوما« قيل: كيف ننصره إذا كان ظالمًا؟ قال: »تمنعه من الظُّلم، فإنَّ ذلك نصرُه« رواه البخاري؟ ألم تسمعوا قوله عليه الصلاة والسلام: »ليَنْصُرِ الرجلُ أخاه ظالِمًا أو مظلومًا، إنْ كان ظالمًا فليَنْهَهُ فإنَّه له نصرٌ, وإنْ كان مظلومًا فليَنْصُرْهُ« رواه مسلم؟ أين أنتم من هذا المبدأ النبويِّ العظيم؟! أين أنتم من مقتضيات الأخوة والتي منها التصدي لأصحاب الألسنة الظالمة والأقلام الجائرة؟! إننا وللأسف الشديد لا نرى لكم في هذا الباب شيئًا يُذكر!
قد يصيبكم منَّا سهمٌ جارح، لكن حُقَّ لنا، فسهمُنا لم يأتِ إلاَّ بعد السِّهام الجائرة الظَّالمة المتجاوزة للحدِّ، التي صدرت من بعض مثقَّفيكم والمسيئة إلى قيادتنا ومؤسَّساتنا، والتي سعت للنيل من استقرارنا ووحدتنا وركائز ثقافتنا الإيجابية، فلا يمكن السُّكوتُ عن مثل هكذا قلمٍ ظالمٍ يسيء إلى مقدَّراتنا ومكتسباتنا ورموزنا وهويتنا، فأقلُّ ما في ذلك دفع الظلم وردع الظالم، فكيف إذا انضاف إلى ذلك ما في تلك التصرفات الرعناء من مفاسد عظمى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: »إنَّ لصاحبِ الحقِّ مقالاً« متفق عليه، أي: لصاحب الدَّيْنِ سُلطانٌ على غريمِه إذا ماطَلَهُ حقَّهُ وهو غنيٌّ، فيباح له الإغلاظُ بالقول ما لم يبلغ الفحش، وقال عليه الصلاة والسلام: »الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالا فَعَلَى الْبَادِئِ، مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ« رواه مسلم، أي: أنَّ إثم ذلك مختصٌّ بالبادئ دون المجيب، ما لم يتجاوز الثاني قدر الانتصار.
ويقول تعالى: {لا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ}، فإذا كان هذا في الخصومات الفردية المحصورة، فكيف بمن يعتدي على دولتنا وقادتنا ومؤسَّساتنا ويحرِّض على أبنائنا ويستعدي علينا، ويستهدف أمننا واستقرارنا ويسعى في هدم المصالح العظمى؟! لقد جعل الله لنا سلطانًا أن ندفع عن أنفسنا هذه السِّهام المسمومة وهذا البغي، يقول ربُّنا تعالى: {وَالَّذين إِذا أَصَابَهُم الْبَغيُ هم ينتصرون}، ويقول عزَّ وجلَّ: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}.
إنَّ عتبي عليكم شديدٌ يا مثقَّفي قطر، فقد كان المأمول من عقلائكم أن يسعوا إلى رأب الصَّدع، والعمل على تحقيق المصلحة العامة، من المحافظة على استقرار دول الخليج، وتعزيز أواصر التَّراحم بينها، وترسيخ حقوق الجوار، ونبذ أسباب الفرقة، وكسر شوكة تجار الدين والمفسدين والمرتزقة.. ولكنَّ عجبي لا ينقضي من سكوتكم المشين عن أصحاب تلك الثقافات الفاسدة الذين يعيثون فسادًا، فإنْ كنتم تؤمنون حقًّا بالمصير المشترك والمصلحة الواحدة فألجموا الأقلام المأجورة، وضعوا أيديكم في أيدي إخوانكم من المثقَّفين في دول الخليج، واعملوا على تحقيق المصلحة العامة، وإلاَّ فثقوا بأنَّكم ستجدون أنفسكم تغرِّدون خارج السِّرب، ولعلَّكم قد وجدتم ذلك.Cant See Links
العرض العادي
