ذكر كثيرون من الأدباء والمؤرخون عن بداية نظم الشعر الشعبي على يد (بني هلال)، ولكن أكثرهم يتجاهلون مرجعهم، ومن أفتى في ذلك ذكر بأنهم يرجعون إلى نجد، استناداً إلى ظهور أعلام من قبيلة (بني هلال) في نجد.
كما ذهب غيرهم إلى أن قبيلة (بني هلال) يرجعون إلى الحجاز لأنهم من نسل (عدنان بن اسماعيل).
ففي هذا المبحث أردنا أن نبيّن مرجع أفراد قبيلة (بني هلال) أنفسهم.
كيف وأين نشأوا وانحدروا؟ وكيف نشأ وانحدر معهم الشعر الشعبي بين العرب؟ فمن هم بنو هلال؟ وما حقيقة مرجعهم؟!
نسب بني هلال
بنو هلال: هم قبيلة عربية، يرجع نسبهم إلى جدهم الجاهلي: هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
أبناء هلال بن عامر: شُعثه، وناشره، ونهيك، وعبد مناف، وعبدالله.
ومن ولد عبد مناف بن هلال: مسعر بن عدام، وأم المؤمنين زينب بنت خزيمة بن الحارث بن هلال بن عامر، والتي توفت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنزّال بن سيرة، وحمير بن ثور الارقط الشاعر.
ومن بني عبدالله بن هلال بن عامر: أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث بن حزن بن هلال بن عامر، ولبابة الصغرى أم عبدالله بن العباس، ولبابة الكبرى أم خالد بن الوليد، وصفية بنت مرّة- أخت الحارث بن حزن عمّة أم المؤمنين، ميمونة
- هي أم أبي سفيان بن حرب بن أمية، وعبدالله بن يزيد بن شعثة بن هلال.
قال ابن حزم الاندلسي: " من بطون بني هلال بنو قرّة، وبنو بعجة الذين بين مصر وإفريقية، وبنو حرب الذين بالحجاز، وبنو رياح الذين أفسدوا أفريقية، ورحلت قبائلهم إلى أفريقية فتغلبوا عليها" أ هـ.
أخبار قبيلة بني هلال
قال عبدالرحمن بن خلدون رحمه الله:
" وسارت قبائل دياب وعوف وزغب، وجميع بطون هلال إلى أفريقية كالجراد المنتشر، لايمرون بشيء إلا أتوا عليه، وقاتلهم المعز فقتلوا رجاله، نهبوا أمواله وهزموه.
ثم كان لبني هلال من تونس إلى المغرب وهم: رياح، وزغب، والمعقل، وجشم، وقرّة، والإينج، والخلط، وسفيان" أ هـ .
وذكر الحسن الهمداني رحمه الله:
" أن (بنو هلال) كانوا يقيمون بالحجاز ونجد وحول مكة، وأقاموا بالشام إلى أن هاجروا إلى مصر والمغرب في حروب القرامطة، ثم إلى افريقيا، ثم زاحمهم بنو سليم بن منصور من قيس عيلان، فساروا إلى المغرب ما بين بونة وقسطنطينية، والبحر المحيط، وكان لهلال هذا خمسة أبناء" أ هـ .
ويورد الحوتي عن بني هلال أنهم:
" فرع من قيس عيلان، ويشمل بطوناً من هوازن، وقد انفصلت عن القبيلة الأصلية في زمن متقدم، وفي القرن السابع الميلادي كانوا يسكنون مع أقاربهم بني سليم قرب الطائف، وفي عام (1051م) نزح كثير منهم، ومن بني سليم، وبني قيس، ومعهم بنو قرّة، إلى شمال أفريقيا، وذلك للحاق بمن سبقوهم من قومهم، على أثر دعوة العزيز بالله (976-996م) بطون قيس من بني سليم، وبني هلال، ومعهم بنو قرّة، حيث نزحوا إلى شمال أفريقيا، وغزو تونس وطرابلس... إلخ" أهـ .
ويذكر صلاح البكري أن بنو هلال:
" من أعظم أفخاذ كندة، وأعزّها رجالاً، وأفصحها لساناً، وأشدها ذكاءً وفطنة، هاجروا إلى شمال أفريقيا بسبب القحط والجفاف الذي أنتاب وادي حضرموت في عهدهم" أهـ .
ويذكر محمد الشاطري:
" ويظن أن رحلتهم كانت في القرن الحادي عشر الميلادي، وبقى منهم من بقى في حضرموت كآل خليفة، وآل باحكيم، وآل ماضي، وآل باعطوة، وباعويدين، وبامقعين، والنسيين، والنمارة، منازلهم الأصلية باليمن بوادي مرخه، ووادي جردان بشبوة" أهـ .
وجاء في كتاب (سيرة بني هلال):
" قال الراوي: بعد وفاة الزير أبى ليلى المهلهل، وضعت امرأة الأوس غلاماً سمّوه عامراً، وعندما بلغ سن الرجولة تزوج بامرأة من أشراف العرب فولدت له غلاماً في نفس الليلة التي مات فيها جدّه الجرو فسمّاه هلالاً، وهو جد (بني هلال)، وكان متصفاً بالفضل والأدب، ولما كبر الأمير هلال تزوج بامرأة بديعة بالجمال، فولدت غلاماً سمّاه المنذر.
واتفق أن هلالاً زار مكة في اربعمائة فارس، وطافوا حول البيت وتشرّف بمقابلة النبي المختار فامره النبي صلى الله عليه وسلم، أن ينزل في وادي العباس، وكان النبي يحارب بعض العشائر المعادية له، فعاونه الأمير هلال ومدّه بالعساكر، وكانت (فاطمة الزهراء) راكبة على جمل في الهودج فلما رأت هول القتال ومصارعة الابطال حوّلت راحلتها لتبتعد عن القتال، فشرد بها الجمل في البر فدعت على الذي كان السبب بالبلاء والشتات، فقال لها أبوها (ادعي لهم الإنتصار فهم (بنو هلال) الأخيار، وهم لنا من جملة الأحباب والأنصار) فدعت لهم بالنصر فنفذ فيهم دعاؤها بالتشتيت والنصر" أهـ .
قال محمد عبدالرحيم:
"وتكاثروا في الحجاز ونجد، ثم تحولوا إلى بادية الشام، ومنها إلى صعيد مصر، فكانت لهم أسوان، وأكثر بلاد الصعيد" أهـ .
موطن قبيلة بني هلال
لا نعلم في الحقيقة صحّة الأشعار التي ذكرها عبدالرحمن الأبنودي في كتابه (السيرة الهلالية)، وكذلك عن صحّة الروايات والأخبار والأشعار التي ذكرها محمد عبدالرحيم في كتابيه (سيرة بنو هلال)، و(تغريبة بنو هلال)، حيث أنها لم تخرّج في هذين الكتابين، وبالأخص ماروي عن النبي عليه الصلاة والسلام، وابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها، فيما سبق ذكره، الذي لا يوافق العقل والمنطق، إذ كيف يكون هلال له اربعمائة فارس من صلبه، وهو حيّاً في أتم صحتّه!
إلا أن فضيلة الأستاذ عبدالملك بن مرشد الشيباني قد خرج حديثاً روي عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لقبيلة عامر بن صعصعة، وهو متفق عليه ورواه الإمام أحمد.
ونحن إذا ما تمعّنا إلى أقوال المؤرخين وعلماء الانساب، نلاحظ ذكر مواطن بطون (بني هلال) هنا وهناك، مما يعني أن قبيلة (بنو هلال) لها موطن ترجع إليه تلك البطون الهلالية المتفرقة في الجزيرة العربية وفي الأمصار.
وبالنظر في قول الحسن الهمداني:
" كانوا يقيمون الحجاز ونجد وحول مكة... إلخ"
قلت: معنى هذا أن لهم منشأ ومرجعاً أيضاَ كانوا يقطنونه، قبل أن يقيموا في الحجاز وحول مكة.
وكذلك بالنظر في قول محمد عبدالرحيم:
" وتكاثروا في الحجاز ونجد ...إلخ"
وعند ذهابنا إلى اليمن، وإقامتنا فيها بضع سنين إلتقينا زميلاً يدعى ناصر باعوم الخليفي الهلالي، وقد أخبرنا أن مقر (بنو هلال) قبيلته في شبوة، ومازالت حتى الآن بعض البطون الهلالية لم ترحل من شبوة مع رحيل السواد الأعظم من بطون قبيلة (بنو هلال).
وعندما سألناه عن (بني هلال) مارب، أخبرنا بان (بنو هلال) في مارب لا يرجعون إليهم، وإنما هم بطن يرجع إلى قبيلة مراد الأزديّة.
وبالرجوع إلى بعض أفراد قبيلة مراد، وقبائل خولان في مارب، وكذلك بالبحث في المعاجم وجدنا صحّة ما ذكره الزميل.
فقد ذكر العلامة الأستاذ محمد بن عبدالقادر بامطرف رحمه الله:
" بنو هلال: من كندة حضرموت، ومنازلهم الأصلية باليمن بلدة هَيْنن، ومنطقة سَدْبَه بكسر قشاقش (حضرموت)، هجرتهم الأولى إلى جنوب الشام (يعتقد البعض أنها بئر السبع بفلسطين)، ثم نزحوا منها إلى مصر وليبيا وأجزاء من المغرب العربي، ومن (بني هلال) استقر فرع بنجد.
ويذكر الرحالة البريطاني دوتي في كتاب (صحراء بلاد العرب):
أن بدو نجد يؤكدون أن (بني هلال) هؤلاء هم من نسل عاد وثمود العرب البائدة (أي من حضرموت).
ومن هؤلاء أبو زيد الهلالي الذي ينسبه المستشرق الإنجليزي وليم لين في كتابه ( المصريّون المحدّثون) إلى قبيلة من جنوب الجزيرة العربية" أهـ .
كما ذكر الأستاذ إبراهيم بن أحمد المقحفي:
" بنو هلال: بطن من كندة حضرموت، كانت منازلهم بمنطقة (العَرض) في جنوب القطن بوادي حضرموت، وهي المنطقة المعروفة حتى اليوم باسم ( عرض بوزيد).
وقد كانت هجرتهم الاولى إلى نجد، ثم نزحوا- أبّان الفتوح الاسلامية- إلى مصر وليبيا وفلسطين وأجزاء من المغرب العربي، أما أشهر قبائلهم الباقية في اليمن فأربع قبائل هي:
1- آل خليفة (الخليفي): الذين يدخلون في عداد العوالق العليا، ومركزهم في عتق فيه الفخائذ التالية:
أهل قفيش في الخريبة والجشم، أهل بُريك في لخبة أهل الأقور، وأهل لغجل في صوابان، أهل السودة في الجابية، أهل الصوة في القارة، أهل برمان وأهل الصامل في الجابية، أهل صُحيف في باسويدان، أهل سُويلم في العسيلة، أهل باضريس وأهل شريفان في ضَمار، أهل دحبول، وأهل السدلة في القارة، أهل عبّود في الصفح، أهل الهميج وأهل الجودة في ذات القفل، أهل مقلم في شبيكة، أهل الخريبي في وادي ماس، أهل الحجلى في عطفة الجُعيم، أهل قرحان في الشجون.
2- النسيين: ويسكنون في وادي مرخه من أعمال محافظة شبوة، وهم عدة لحام نذكر منهم: أهل حسين بن علي في قمزان، وأهل ناصر بن علي في الفجله، وأهل الأعسر في الهجير، وأهل طالب بن راجح في وسيعان، وأهل شاقع في شاقع، وأهل خميس في المديد، وأهل قاحل في يحر، وأهل شبتان في القويبل، وأهل الحسيني في هراوه، ولهم جبال هناك تعرف بجبال النسييّن، وهي التي تمر منها الطريق الجديد التي تربط: حريب- نقوب-جبال النسيّين-نصاب-عتق.
3- النماره: بوادي جردان وينقسمون إلى القبائل التالية:
أ) آل بن حسن، ومنهم: آل قديمه، آل الصُقير، آل مليح، آل طالب، آل الهميس، آل ريس، آل راشد.
ب) آل بن عاطف، ومنهم: آل مسلم بن ناصر، آل بارعيده، آل سعيد بن لجول، آل عامر، آل الكويلي.
جـ) آل الأخضر، ومنهم، آل سلمين، آل مسلم.
د) آل ضباب، منهم: آل مطلق، آل بن راشد، آل مهيس بن راشد، آل النويجر، آل البكري، آل لحول،آل منصور بن علي، آل منصور بن راشد، آل دغار، آل لقفر، آل خميس، آل الحنشيات.
هـ) آل سريع.
4- آل ماضي: بوادي عمد في حضرموت، وهم اصلاً من جردان، ولهذه القبائل فروع عديدة هي:
أ) آل طيف في حيره.
ب) آل سويدان، وهم: بن سويدان-بن دق-بن عقيل في طمحان.
جـ) آل لمْيق.
د) البانيف.
هـ) آل مرعى في الوجر.
و) آل مسلّم، في بامهشم. " انتهى كلام المقحفي.
وعن شبوة ذكر القاضي محمد بن أحمد الحجري اليماني رحمه الله:
" شبوة: بفتح الشين المعجمة، وسكون الموحدة، وفتح الواو ثم هاء، بلد قديم حميري فيما بين مارب وحضرموت... إلخ" أهـ .
وقال ياقوت الحموي في (معجم البلدان):
شبوة: بفتح أوله، وسكون ثانيه، وفتح الواو، وهو من أسماء العقرب، وهو اسم موضع.
ثم ذكر قول رجل من بني عامر بن عوبثان:
طربت وهاجتك الحمول البواكر مققية تحدي بهن الأباعر
على كل مهري رباع مخيّس له مشفرٍ رخوٍ وهادٍ عراعر
يذكّر أضعاناً بشبوة بعدما علون بروجاً فوقهنّ مناظر
الخاتمة:
هذه بعض الأدلة التي تدل على أن (بنو هلال بن عامر) المعنيّين، والذين هم أول من نظم الشعر الشعبي نشأوا في اليمن.
وقد قمت بهذا البحث منذ ما يقارب عام، ولم أقم بنشره إلا هنا، ولأنه يهم قرّاء هذه المجلة من قبيلة بني هلال، كما يهم الباحثين والشعراء والأكاديميين، والشكر موصولاً لمن أكد لي هذه الحقيقة رئيس التحرير الزميل الأستاذ بدر بامحرز في كشف الكثير من الحقائق عبر الآثار، التي أتمنى أن يظهرها أمام الملأ.
وفي العدد القادم بإذن الله، سوف نورد شيئاً من الأشعار الهلالية، لشعراء من بني هلال، وغيرهم ممن نظم على ما يسمّيه النبطيون في الخليج: (البحر الهلالي)، ويسمّيه الحمينيون في اليمن: (المسدوس) أو (المثمون)، وهو وزن شعري بالغ الصعوبة، ذو ألحان حزينة، لايزن عليه سوى الشعراء العمالقة من النبطيين والحمينيين، وينسب إلى قبيلة بني هلال، حيث أنهم أول من نظموا عليه.
محمد العبدالعزيز العرفج
السعودية- ص.ب 34500 الرياض 11488
المراجع:
8.إبراهيم أحمد المقحفي: (معجم البلدان والقبائل اليمنية)
9.الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني: (صفة جزيرة العرب)
10. أ.د سعد أبو سيف الحوتي: (الموسوعة العلميّة في أنساب القبائل العربية)
11. صلاح البكري: (تاريخ حضرموت السياسي)
12. عبدالرحمن الأبنودي: (السيرة الهلالية)
13. عبدالرحمن بن خلدون: (ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر)
14. عبدالملك مرشد الشيباني: (الجزء الثاني من اليمن ومكانتها في القرآن والسنة- تخريجات أحاديث)
15. محمد أحمد الشاطري: (أدوار التاريخ الحضرمي)
16. محمد بن أحمد الحجري اليماني: (مجموع بلدان اليمن وقبائلها)
17. محمد عبدالرحيم: (تغريبة بني هلال)
18. محمد عبدالرحيم: (سيرة بني هلال)
19. محمد عبدالقادر بامطرف: (الجامع، جامع شمل أعلام المهاجرين المنتسبين إلى اليمن وقبائلهم)
العرض العادي
