ذاكــــــرة تحتضــــــر
جمعتنا الحياة بعد فراق مرير , وكان أولنا-وهو أكبرنا سنا- لا يهوى إلا جمع الكتب
أما الثاني فينا – وهو أوسطنا عمرا- كان هو الآخر لم يغرف من جب الحياة إلا طحين الحب
وأما ثالثنا- ولنفرض أنه أنا , ؟ وأنا أصغرهما أعواما فقد سابقاني ولادة , كنت صاحب حقل
غير أن حقلي هذا لم تنبت فيه بذور الحب ..
وحين بلغت حمى القوم ولم يتجاوز سني حينذاك ثلث التسعين .لم أدر لما أعطاني شيخ القبيلة
فأسا بدل الكأس التي أنشدها , وقد أعطى لصاحبي غير الذي أشق به تربة الأرض الجرز...
استيقظ دوما على صياح الديك , وأخلد للنوم بعدما تعود أسراب [ الزر زور] لأعشاشها , وبين هذين أغتصب من النهار هنيهة من ضيائه لأسود بها نفسي , وألوك بعضا من أضغاث الأحلام
وقد ألفت ذلك وتعودت عليه .وهكذا استمرت عربات الحياة تجر سنين عمري حتى كان اليوم الذي تعرت الأشجار وتبرأت الأغصان مما كان يزينها , احتفاء بحلول طائر [ الرخمة] علي...
ومغادرة رمز فتوتي .....
وقتها جاورت الجذوع النخرة الخاوية المسندة الممدة ..............ورحت أؤنس نفسي بمآسي
ألقيت بعيدا عني فأسي .لمست بياض رأسي ..مررت يدي على ما وهن ...
بكت العينان .وما يبكيهما إلا ذاك الذي لا زال بعيدا......فعزيتهما بقول قيس بن الملوح
وددت على طيب الحياة لو أنه-*- يزداد لليلى عمرها من حياتيا
ألا يا حمامات العراق أعنني-*- على شجني وابكين مثل بكائيا
يقولون ليلى بالعراق مريضة -*- فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
تمر الليالي والشهور ولا أرى -*- غرامي لها يزداد إلا تماديا
فقال بصير القوم ألمحت كوكبا؟-*- بدا في سواد الليل فردا يمانيا
فقلت له: بل نار ليلى توقدت -*- ( يعليا) تسامى ضوءها فبدا ليا
فيا ليل كم من حاجة لي مهمة -*- إذا جئتكم بالليل لم أدر ما هيا
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما-*- يظنان كل الظن أن لا ملاقيا
ولا هبت الريح الجنوب لأرضيها-*- من الليل إلا بت للريح حانيا
أحب من الأسماء ما وافق اسمها-*- أو أشبهه أو كان منه مدانيا
هذا حالي بالأمس القريب واليوم ولعله في الغد هو باقيا.. وتسري قشعريرة في بدني ,وتتراخى سدلا مفاصلي .فيهفو القلب فينكر النصب ....أليس في طيات ريحها نسمات مسومة تحرك الأوتار وتجفف البحار ..........؟ متى...؟ متى يطلع النهار....؟
وبرأس عصاه الغليظة وكزني شيخ القبيلة ..فتبخرت أحلامي بعد ما حرمني منامي ...
أنت لم تعد تصلح لشيئ - وكادت عصاه تندب وجنتي – فهذا قوله وهذا فعله.......
لما ياسيدي ..؟ ألم أحلب لك شاتك..؟ ألم أرقع لك نعليك..؟ ألم أغسل لك رجليك..؟ ألم أرقد بجانب قدميك..؟ وما فعلت هذا لأمي من ذي قبل؟ لولا حاجتي ما كنت ها هنا...
قلت ولا أعيد القول: أنت طريد القوم والقبيلة من هذا اليوم ؟
قلت: رحمتك يا سيد القوم.. لا تتعجل الأمر قبل أن يقضى إليك علمه وكنهه ..إني لم أغدر ولم أكن محترف افتراء .. لم أفسق وللأمانة عيني أحرس وجفني لم يطبق.. لكن ما بقلبي لا يعلمه أحد إلا ربي..... يا سيدي أعفو عني واترك سبيلي فإني راحل عنكم جميعا .. وحتى صاحباي إن رأيتهما بلغهما السلام.......
لعلني لن أراهما بعد فإن ذاكرتي أراها تحتضر.
العرض العادي
