بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
النســــيان
النِّسْيان ( Obliviscence ) : ضــد التـَّذكُّـر ( Reminiscence ) ، أو هو عدم استحضار الأمر وقت الحاجة .. والذاكرة ( Memory ) مَلَكَةٌ ( Faculty ) تعينُ الإنسانَ على الاحتفاظ بالمعلومات التي تصل إلى إدراكه ( Perception ) من خلال حواسه الخمس : السمع والبصر والشمّ والذوق والحسّ ، وتعدُّ الذاكرة من أهمِّ المَلَكات التي تُمَيِّزُ الإنسانَ عن سائر الحيوان ، فلولا الذاكرة لما تمكَّن الإنسانُ من التعلُّم ، ولكان عليه في كل مرة أن يتعلَّم من جديد ، وأن يبدأ رحلة التعلُّم من نقطـة الصِّفر !
وعلى الرغم من كل التقدم العلمي الذي شـهده العصر الحديث في مختلف حقول الطب ، وعلى الرغم من اكتشاف الكثير من أسرار الجسم البشري فإنَّ طبيعة الذاكرة ماتزال سـِرَّاً إلهيَّاً مُستغلقاً على الفهم ، إذ لم يستطع العلمـاء حتى الآن تحديد موضع الذاكـرة من الجملة العصبية المركزية ( Central Nervous System ) وهم يعتقدون أن المعلومات تُختزن في الجملة العصبية على هيئة مركبات كيميائية ( Chemical Compounds ) لم تُعرف طبيعتها بعد ، وتميل بعض الدراسات الحديثة إلى أن تخزين المعلومات يتوزع في أرجاء الجملة العصبية ، وأن الجملة العصبية كلها تشارك بهذه المهمة ، ومما يدعم هذا الاعتقادَ أن تخريب أجزاء واسعة من الدماغ لم يؤثر كثيراً في الذاكرة ، كما أن استئصال نصف الدماغ من بعض المرضى لم يفقدهم كلَّ الذاكرة ، وقد أوحت هذه الحقائق لبعض الدارسين بوجود نسختين من الذاكرة عند كل إنسان وليس نسخة واحدة ( ؟! ) والله تعالى أعلم .
وتستوعب الذاكرة البشرية عـدة مليارات من المعلومات ، وبالرغم من أنها لا تستطيع عند الحاجة استرجاعَ كلِّ هذه الكمية الهائلة من المعلومات ، إلا أنها تستطيع استرجاع ما يكفي لملء ( 100 مليون مجلد ) من الحجم الضخم ، (فتبارك الله أحسن الخالقين).
والذاكرة البشرية نعمة إلهية عظيمة تضفي على حياة الإنسان طعماً آخر ، فهي تعينه على استرجاع الذكريات الحلوة بكل صورها وألوانها وهمساتها الدافئة العذبة ، وتجمعه بالأحباء العزيزين على قلبه كما لو أنهم يعيشون معه حقيقة لا وهماً ، وقد ذكر أحد الأسرى البريطانيين أن الذكريات وحدها هي التي جعلته ينجو من الجنون عندما احتجزه الألمان في زنزانة منفردة لعدة سنوات أيـام الحرب العالمية الثانية !