آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 20608 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14512 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 20658 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 22085 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 56170 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 51311 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 43192 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 25616 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 25969 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 31884 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-15-2005, 08:18 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

ريـــمــــــه

الاعضاء

ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


فضل الصبر

فضل الصبر

يحيى بن موسى الزهراني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، ونبيه وخليله ، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً . . وبعد :
فإن منزلة الصبر عند الله تعالى منزلة عظيمة ، ومرتبة عالية ، لا ينالها كل أحد ، لأنها مكانة علياء ، ورتبة عظمى ، وهي سبيل على الجنة ، وطريق على نعيم الآخرة الأبدي السرمدي ، فالناس يتفاوتون في ميدان الصبر والاحتساب ، ويُبتلون حسب الإيمان زيادة ونقصاً .
وهذا بحث مختصر في بعض ما يتعلق بالصبر من أحكام ، أذكر فيه نفسي وإخواني المسلمين والمسلمات في كل مكان ، للتحلي بهذه الخصلة الحميدة من خصال الدين العظيم .

الصبر في القرآن الكريم :

ذكر الصبر في القرآن الكريم ، في اثنان وثمانون موضعاً في المدح ، وموضعان في الذم ، أما موضعا الذم فقوله تعالى : " سواءٌ علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص " [ إبراهيم 21 ] ، وقوله تعالى : " أن امشوا واصبروا على آلهتكم " [ ص 6 ] .


الصبر في السنة النبوية :

ورد ذكر الصبر في السنة النبوية كثيراً جداً ، وفي ثنايا هذا الموضوع سنتطرق إلى كثير من تلك الأحاديث .

الفرق بين الصبر والقسوة :


والفرق بين الصبر والقسوة ، أن الصبر : خلق كسبي ، يتخلق به العبد ، وهو حبس النفس عن الجزع والهلع والتشكي ، فيحبس النفس عن التسخط ، واللسان عن الشكوى ، والجوارح عما لا ينبغي فعله ، وهو ثبات القلب على الأحكام القدرية والشرعية .
وأما القسوة : فيبس في القلب ، يمنعه من الانفعال ، وغلظة ، تمنعه من التأثير بالنوازل ، فلا يتأثر لغلظته وقساوته ، لا لصبره واحتماله .
وتحقيق هذا أن القلوب ثلاثة :
1- قلب قاس غليظ ، بمنزلة اليد اليابسة .
2- قلب مائع رقيق جداً .
فالأول لا ينفعل بمنزلة الحجر ، والثاني بمنزلة الماء ، وكلاهما ناقص ، وأصح القلوب وهو القلب الثالث .
3- القلب الرقيق الصافي الصلب ، فهو يرى الحق من الباطل بصفائه وبقلبه ، ويؤثره برقته ، ويحفظه ويحارب عدوه بصلابته ، وفي الأثر : القلوب آنية الله في أرضه ، فأحبها إليه أرقها وأصلبها وأصفاها ، وهذا هو القلب الزجاجي ، فإن الزجاجة جمعت الأوصاف الثلاثة ، وأبغض القلوب إلى الله القلب القاسي ، قال تعالى : " فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله " [ الزمر ] ، وقال تعالى : " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة " [ البقرة ] ، وقال تعالى : " ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم " [ الحج ] ، فذكر القلبين المنحرفين عن الاعتدال ، هذا بمرضه ، وهذا بقسوته ، وجعل إلقاء الشيطان فتنة لأصحاب هذين القلبين ، ورحمة لأصحاب القلب الثالث ، وهو القلب الصافي ، الذي ميز بين إلقاء الشيطان ، وإلقاء الملك ، بصفائه ، وقبل الحق بإخباته ورقته ، وحارب النفوس المبطلة بصلابته ، وقوته فقال تعالى عقيب ذلك : " وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم " [ الحج ] [ الروح ] .

صبر الله تعالى على أذى عباده :

ليس أحد أصبر من الله تعالى على أذى عباده له سبحانه ، فهو خلقهم ورزقهم ، ومنَّ عليهم بنعمه ومننه ، قال تعالى : " والله خلقكم وما تعملون " ، وقال تعالى : " ورزقكم من الطيبات " ، وأجرى لعباده الخير من حيث لا يعلمون : " وما بكم من نعمة فمن الله " ، ثم قابلوا الرزق والإيجاد ، بالكفر والشرك والإلحاد ، والجحود والطغيان والعناد ، قال تعالى : " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " ، وقال تعالى : " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " ، وقال تعالى : " ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ " [ النحل 54 ] ، وقابلوا النعم بعدم الشكر ، قال تعالى : " وقليل من عبادي الشكور " ، ثم ارتكبوا المعاصي ، واقترفوا الآثام ، قال تعال : " ولا تجد أكثرهم شاكرين " .
فخير الله إلى الناس نازل ، وشرهم إليه صاعد .
وبعد الطغيان ، والجحود بالنعم ، اعتدوا على مقام الألوهية والربوبية ، فمنهم من أدعى الألوهية ، ومنهم من تطاول بالسباب والشتائم قال تعالى : " وقال فرعون ما علمت لكم من إله غيري " ، وقال تعالى : " وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ، وقال تعالى : " لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ " [ آل عمران 181 ] ، فهل هناك أصبر من الله على خلقه ، على عصيانهم أوامره ، وارتكابهم لنواهيه ، وهو قادر على أن يعذبهم ، قال تعالى : " قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ " [ الأنعام ] ، ولكنه سبحانه وتعالى رحيم بعباده ، يمهل ويملي ، ولا يهمل ولا يغفل ، وإذا أخذهم ، أخذهم أخذ عزيز مقتدر ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ قول الله تعالى : " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد "[ متفق عليه ] ، وقال تعالى : " ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى " .




رد مع اقتباس
قديم 04-15-2005, 08:20 AM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

ريـــمــــــه

الاعضاء

ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


صبر الأنبياء على أذى أقوامهم :

ومن أشد الناس صبراً على البلاء الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، عَنْ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ قَالَ : " الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ " [ أخرجه الترمذي وقال : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] ، فكم لاقى الأنبياء من أقوامهم من التكذيب والصد عن الحق ، والرغبة إلى الباطل ، فكذبوا بعضهم ، وقتلوا آخرين ، قال تعالى : " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ " [ البقرة 87 ] ، وقال تعالى : " ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا " [ الأنعام ] ، وقال تعالى لنبيه محمداً صلى الله عليه وسلم تسلية له ، وبياناً لما حصل للأنبياء قبله : " فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ " [ فاطر 184 ] ، وقال تعالى : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا " [ الفرقان 31 ] ، ولقد كانت عاقبة أولئك وخيمة في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : " وَلَقَدْ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون " [ الأنعام10 ] ، وقال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " [ آل عمران 21 ] ، وقال تعالى : " إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ " [ ص 14 ] ، وقال تعالى : " يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون " [ يس 30 ] ، ومع ذلكم التكذيب ومعاداة الأنبياء ، إلا أن أنبياء الله ورسله صبروا على تكذيب أقوامهم فنالوا أشرف المنى ، واعتلوا أعلى المكانة ، وكانت العاقبة لهم ، والنصر والتمكين نتيجة صبرهم واحتمال أذى أقوامهم ، أخرج البخاري من حديث عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ : سَأَلْتُكَ كَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ وَدُوَلٌ ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ " [ متفق عليه واللفظ للبخاري ] .


فما من قوم إلا وكذبوا نبيهم وربما تطاولوا عليه ، فقال قوم نوح لنبيهم : " قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " [ الأعراف 60 ] ، وقال قوم هود لنبيهم : " قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنْ الْكَاذِبِينَ " [ الأعراف 66 ] ، وقال قوم لوط لنبيهم : " وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ " [ الأعراف 82 ] ، وقال قوم شعيب لنبيهم : " قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ " [ الأعراف 88 ] ، وقال قوم موسى لنبيهم : " قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ " [ الأعراف 109 ] ، وقال قوم إبراهيم لنبيهم : " قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ " [ الأنبياء 68 ] ، ولقد تعرض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأذى قومه مراراً ، ولكنه صبر رجاء إسلامهم ، ومن صور تحمله للأذى حديث عَبْدِاللَّهِ بن مسعود رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُورٍ ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ ، حَتَّى جَاءَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها فَأَخَذَتْ مِنْ ظَهْرِهِ ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ عَلَيْكَ الْمَلَا مِنْ قُرَيْشٍ ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ أَوْ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ غَيْرَ أُمَيَّةَ أَوْ أُبَيٍّ فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا ضَخْمًا فَلَمَّا جَرُّوهُ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ قَبْلَ أَنْ يُلْقَى فِي الْبِئْرِ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] ، وعَنْهُ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ ، آثَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ ، فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ ، قَالَ رَجُلٌ : وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا ، وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : " فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ " [ متفق عليه ] ، ومع دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لقومه إلا أنهم كذبوه واتهموه بالجنون والسحر والشعوذة والشعر ، وحاولوا قتله ، وطردوه من بلده ، وآذوه أيما أذية ، ومع ذلك صبر واحتسب ، قال تعالى : " وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ " [ الأنفال 30 ] ، وقال سبحانه : " بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلْ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ " [ الأنبياء 5 ] ، ومواطن صبر النبي صلى الله عليه وسلم على أذى قومه كثيرة ، وليس المجال مجال حصرها وعرضها ، ولكن أكتفي بما ذكرت ففيه النفع والفائدة بإذن الله تعالى لمن أراد أن يقتفي أثر نبيه ، ويتبع سبيله في الصبر والاحتساب .
وهكذا نرى أن أقوام الأنبياء كذبوهم وقتلوهم ولم يستجب لهم إلا القليل ، فأملى لهم ربهم ليتبعوا أنبياءهم ، وليدركوا الحق فيتبعوه ، ويعرفوا الباطل فيجتنبوه ، قال تعالى : " وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ(44) [ الحج ] ، ومع دعوة الأنبياء لأقوامهم بالحسنى ، والجدال بالحق ، إلا أنهم طغوا وأسرفوا في الطغيان ، وأصروا واستكبروا استكباراً ، فبعد ذلكم التكذيب والعناد ، والإصرار على معصية رب العباد ، قال الله تعالى مبيناً شديد عقابه ، وأليم عذابه لمن عصاه وخالف أنبياءه : " ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا " [ الكهف 106 ] ، وقال تعالى مبيناً أنواع العذاب والعقاب الذي حل بتلك الأقوام : " فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " [ العنكبوت 40 ] .





رد مع اقتباس
قديم 04-15-2005, 08:26 AM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

ريـــمــــــه

الاعضاء

ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


دعاء الأنبياء لأقوامهم :

مع أذى الأقوام لأنبيائهم ، إلا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لم يدعوا عليهم بل دعوا لهم ، فلما لم يجدوا نتيجة من دعاء أقوامهم إلى الحق والإذعان له ، منهم من خاف الدعاء على قومه ، ومنهم من دعا على قومه مع عظيم صبره ، ولكن لما طفح الكيل وأصر أكثر الأقوام على الكفر والإلحاد ، دعا بعض الأنبياء على قومه ، كما حصل لنوح عليه السلام مع قومه ، فقد دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ألف سنة إلا خمسين عاماً ، ومع ذلك لم يؤمن برسالته إلا قليل ، وبعد تلك المدة الطويلة من الزمن دعا على قومه ، قال تعالى : " وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً " [ نوح ] .
ومن نماذج صبر الأنبياء على أذى أقوامهم ، ما قَالهُ عَبْدُاللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] ، وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَشُجَّ فِي رَأْسِهِ ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْهُ وَيَقُولُ : " كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ ، وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : " لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] ، وعن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ ، فَقَالَ : " لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ ، قَالَ : فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ ، فَمَا شِئْتَ ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا " [ متفق عليه ] .
فانظروا كيف كانت رحمة الأنبياء بأقوامهم ، مع تكذيبهم لهم ، وصدهم عنهم ، بل وإظهار العداء لهم ، فتراهم يدعون لهم بالهداية ، ولا يدعون عليهم بالغواية .

صبر الأنبياء على البلاء في أنفسهم :


من أعظم صنوف البلاء ، أن يبتلى الإنسان في عرضه وشرفه ، أو يبتلى بقتل أحد من أهله ، أو يبتلى بفعل المعصية ، وتهيأ له كل دوافع ارتكاب الحرام ، ففي مثل تلك المواقف يتبين الصابر من المكابر ، والمؤمن من المنافق ، ولقد ضرب لنا القرآن الكريم نماذجاً من ابتلاء الله تعالى لأنبيائه ، وصبرهم على البلاء لمعلمهم بنتيجة الصبر وعاقبته الحسنة يوم القيامة ، بل في الدنيا والآخرة ، فمن ذلك :
قصة قتل إبراهيم لابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام ، قال تعالى : " فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَسْفَلِينَ(98)وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِي(99)رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ(100)فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ(101)فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ(102)فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ(103)وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ(104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(105)إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ(106)وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ(107)وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ(108)سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ(109)كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(110)إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ(111) " [ الصافات ] ، فأي بلاءً أعظم من أن يبتلى المرء بقتل ولده وفلذة كبده ، ومع ذلك صبر نبي الله إبراهيم على قتل ولده امتثالاً لأمر الله تبارك وتعالى ، وصبر ولده إسماعيل عليه السلام ، وأسلم لله رب العالمين ، فكانت عاقبة الصبر والاختبار ، أن فداه الله بذبح عظيم ، فكانت سنة إلى يوم الدين .

وابتلاء يوسف عليه السلام بامرأة العزيز ، وهو شاب يافع مملوءً حيوية ونشاطاً ، وآتاه الله فوق ذلك جمالاً مفرطاً ، وتهيأت له أسباب فعل الفاحشة ، مع امرأة العزيز ذات المنصب والجمال ، في بيت لا يوجد فيه سواهما من البشر ، ولكن قوة الإيمان حالت دون وقوع تلك المعصية ، قال تعالى : " وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ(23)وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ(24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(25)قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ(26)وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ(27)فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ(28) " [ يوسف ] .
ثم ابتلي بنساء امرأة العزيز وصديقاتها من نساء الأمراء والأغنياء ، فكدن له كيداً عظيماً ، كانت مصيبته الأولى مع امرأة واحدة فقط ، واليوم مع العديد من النساء فكيف السبيل إلى الخلاص من ذلك ، لا سيما وقد تهيأت له دوافع الفعل المشين ، والجريمة النكراء ، لا سبيل إلا بالالتجاء إلى الله تعالى ، والدعاء له ليخلصه من تلك المعصية ، قال تعالى : " وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(30)فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ(31)قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ(32)قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ(33)فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(34)ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ(35) " [ يوسف ] ، فانظروا كيف كانت عاقبة الصبر عن معصية الله تعالى ، كانت رفعة لصاحبها في الدنيا والآخرة ، وسبباً للخروج من حر المعصية وهلاكها .
ولما ابتلى الله عز وجل عبده أيوب عليه السلام بالمرض ، صبر ولم يتبرم ولم يدع به ربه أن يشفيه من بلائه ، وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ(41)ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ(42)وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ(43)وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ(44) " [ ص ] .
وقال تعالى : " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ(84) " [ الأنبياء ] .
قال ابن كثير رحمه الله : " يذكر تبارك وتعالى عبده ورسوله أيوب عليه الصلاة والسلام وما كان ابتلاه تعالى به من الضر في جسده وماله وولده ، حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليماً سوى قلبه ، ولم يبق له من الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه غير زوجته ، التي حفظت وده لإيمانها بالله تعالى ورسوله ، فكات تخدم الناس بالأجرة ، وتطعمه وتخدمه نحواً من ثماني عشرة سنة ، وقد كان قبل ذلك في مال جزيل وأولاد وسعة طائله من الدنيا ، فسلب جميع ذلك حتى آل به الحال إلى أن ألقي خارج البلدة هذه المدة بكمالها ، ورفضه القريب والبعيد ، فلما طال المطال ، واشتد الحال ، وانتهى القدر ، وتم الأجل المقدر ، تضرع إلى رب العالمين ، وإله المرسلين ، فقال : " إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " ، وفي هذه الآية الكريمة قال : " واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب " ، فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين ، وأمره أن يقوم من مقامه ، وأن يركض الأرض برجله ، ففعل فأنبع الله تعالى عيناً ، وأمره أن يغتسل منها ، فأذهبت جميع ما كان في بدنه من الأذى ، ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر ، فأنبع له عيناً أخرى ، وأمره أن يشرب منها ، فأذهبت جميع ما كان في باطنه من السوء ، وتكاملت العافية ظاهراً وباطناً ، ولهذا قال تبارك وتعالى : " اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب " ، قال تبارك وتعالى : "ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب " ، قال الحسن وقتادة : أحياهم الله تعالى له بأعيانهم وزادهم مثلهم معهم وقوله عز وجل : " رحمة منا " ، أي به على صبره وثباته وإنابته وتواضعه واستكانته ، " وذكرى لأولي الألباب " أي : لذوي العقول ليعلموا أن عاقبة الصبر ، الفرج والمخرج والراحة " [ تفسير ابن كثير ] .



رد مع اقتباس
قديم 04-15-2005, 08:31 AM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

ريـــمــــــه

الاعضاء

ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


ومن صور صبر الأنبياء على البلاء ، ابتلاء محمد صلى الله عليه وسلم في عرضه في حادثة الإفك ، فقد اتهم المنافقون والمرجفون في المدينة عائشة رضي الله عنها بالفاحشة ، وهي منها بريئة ، كما يقذفها بها الآن الشيعة قاتلهم الله ، فأنزل الله براءة الطاهرة في عشر آيات من سورة النور ، تتلى إلى يوم القيامة ، قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ(11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ(12)لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ(13)وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(14)إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ(15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ(16)يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(17)وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(18)إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(19)وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ(20) " [ النور ] .

إنه اتهام عظيم في حق أفضل البشرية محمد صلى الله عليه وسلم في عرضه وشرفه الطاهر ، ومع ذلك لم يقدم على أمر فيه ضرر حتى يتأكد من الواقعة وما بثه المنافقون ، فصبر على ذلك البلاء ، حتى أنزل الله تعالى براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في القرآن الكريم ، وفي السنة النبوية الشريفة ، في حديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَأَيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ قَالَتْ وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ عَلَيْهِ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الْجَمَلَ فَسَارُوا وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ وَكَانَ صَفْوَانُ ابْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي وَ وَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ وَهَوَى حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ وَهُمْ نُزُولٌ قَالَتْ فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الْإِفْكِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ قَالَ عُرْوَةُ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاعُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ فَيُقِرُّهُ وَيَسْتَمِعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ وَقَالَ عُرْوَةُ أَيْضًا لَمْ يُسَمَّ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ أَيْضًا إِلَّا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ فِي نَاسٍ آخَرِينَ لَا عِلْمَ لِي بِهِمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّ كِبْرَ ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ قَالَ عُرْوَةُ كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ وَتَقُولُ إِنَّهُ الَّذِي قَالَ فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ كَيْفَ تِيكُمْ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَذَلِكَ يَرِيبُنِي وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتَّى خَرَجْتُ حِينَ نَقَهْتُ فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ وَكَانَ مُتَبَرَّزَنَا وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا قَالَتْ وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي الْبَرِّيَّةِ قِبَلَ الْغَائِطِ وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا قَالَتْ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِمَنَافٍ وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ لَهَا بِئْسَ مَا قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَتْ أَيْ هَنْتَاهْ وَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ قَالَتْ وَقُلْتُ مَا قَالَ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ قَالَتْ فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ كَيْفَ تِيكُمْ فَقُلْتُ لَهُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ قَالَتْ وَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا قَالَتْ فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لِأُمِّي يَا أُمَّتَاهُ مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ قَالَتْ يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا قَالَتْ فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا قَالَتْ فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي قَالَتْ وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْأَلُهُمَا وَيَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ قَالَتْ فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ أُسَامَةُ أَهْلَكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ


رد مع اقتباس
قديم 04-15-2005, 08:33 AM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

ريـــمــــــه

الاعضاء

ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


سِوَاهَا كَثِيرٌ وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ قَالَتْ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ فَقَالَ أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ غَيْرَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ قَالَتْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي قَالَتْ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْذِرُكَ فَإِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ قَالَتْ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخِذِهِ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ قَالَتْ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدٍ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكَ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ قَالَتْ فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَتْ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ قَالَتْ فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ قَالَتْ وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حَتَّى إِنِّي لَأَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي قَالَتْ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ قَالَتْ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا

يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ قَالَتْ فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَتْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً فَقُلْتُ لِأَبِي أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِّي فِيمَا قَالَ فَقَالَ أَبِي وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لِأُمِّي أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ قَالَتْ أُمِّي وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرًا إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي فَوَاللَّهِ لَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ ( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) ثُمَّ تَحَوَّلْتُ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى لَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِنَ الْعَرَقِ مِثْلُ الْجُمَانِ وَهُوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ قَالَتْ فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْحَكُ فَكَانَتْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ قَالَتْ فَقَالَتْ لِي أُمِّي قُومِي إِلَيْهِ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ فَإِنِّي لَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَتْ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) الْعَشْرَ الْآيَاتِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ ) إِلَى قَوْلِهِ ( غَفُورٌ رَحِيمٌ ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ وَاللَّهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا قَالَتْ عَائِشَةُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي فَقَالَ لِزَيْنَبَ مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا قَالَتْ عَائِشَةُ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ قَالَتْ وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ ثُمَّ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ مَا قِيلَ لَيَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كَشَفْتُ مِنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ قَالَتْ ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " [ متفق عليه ] .

وهكذا كل الأنبياء صبروا على أذى قومهم ، حتى نالوا منازل عليا ، وتسنموا أماكن رفيعة عند الله تعالى .


رد مع اقتباس
قديم 04-15-2005, 08:39 AM   رقم المشاركة : 6
الكاتب

ريـــمــــــه

الاعضاء

ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









ريـــمــــــه غير متواجد حالياً



الأمر بالصبر :


لقد أمر الله عباده بالصبر ، وحثهم عليه في كثير من الآيات ، فقال سبحانه : " وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ " [ البقرة 45 ] ، وقال سبحانه : " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " [ البقرة 153 ] ، وقال تعالى : " إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ " [ آل عمران120 ] ، وقال تعالى : " لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ " [ آل عمران 186 ] ، نعم إن البلاء لا يزال مستمراً بالمؤمن حتى يلقى الله جل وعلا ، فقد قال سبحانه : " أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ " [ العنكبوت 2 ] .
وقال تعالى : " قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " [ الأعراف 128 ] ، فنحتاج اليوم لمثل هذا الصبر لنخرج من مدلهمات الأمور التي حطت رحالها بالأمة ، ونحتاج إلى الصبر في مواجهة العدو الكافر الظالم المعتدي لكي نعد العدة ، ونجمع الشمل ، ونلم الشعث ، ونكون قوة واحدة في شتى بقاع الأرض ، فأرض فلسطين إسلامية ، وأرض العراق إسلامية ، وأرض أفغانستان إسلامية ، وكل أرض اغتصبها أعداء الملة والدين هي إسلامية ، ولا بد أن تعود الأمور إلى نصابها .

فليس دواء أنفع للفتنة مثل الصبر ، فإن صبر كانت الفتنة ممحصة له ومخلصة من الذنوب ، كما يخلص الكير خبث الذهب والفضة ، فالفتنة كير القلوب ، ومحك الإيمان ، وبها يتبين الصادق من الكاذب ، قال تعالى : " ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " [ العنكبوت ] ، فالفتنة قسمت الناس إلى صادق وكاذب ، ومؤمن ومنافق ، وطيب وخبيث ، فمن صبر عليها كانت رحمة في حقه ، ونجا بصبره من فتنة أعظم منها ، ومن لم يصبر عليها ، وقع في فتنة أشد منها ، فالفتنة لا بد منها في الدنيا والآخرة كما قال تعالى : " يوم هم على النار يفتنون * ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون " [ الذاريات ] ، فالنار فتنة من لم يصبر على فتنة الدنيا [ إغاثة اللهفان ] .



صبر العلماء :


العلماء هم ورثة الأنبياء ، وهم أعلم الناس بالله تعالى ، وهم أتقى الخلق لله بعد الأنبياء والرسل ، وهم أصبر الناس على البلاء والفتن ، والمصائب والمحن ، لأنهم عرفوا منزلة الصبر على ذلك ، فصبروا ابتغاء وجه ربهم ، وابتغاء مرضاته .
والعلم هو أول ما يبدأ به الإنسان حياته ، حتى يكون مدركاً لما حوله ، وليكون عارفاً بربه فيعبده حق عبادته ، بلا غلو ولا تفريط ، وقد بوب البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه باباً فقال : بَاب الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " ، فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ ، وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ : " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ "، وَقَالَ : " وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ " ، وقال سبحانه : " وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ " ، وَقَالَ سبحانه : " هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ " ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ ، وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ : لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ ـ السيف القاطع ـ عَلَى هَذِهِ ، وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لَأَنْفَذْتُهَا ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ في تفسير قوله تعالى : " كُونُوا رَبَّانِيِّينَ " حُلَمَاءَ فُقَهَاءَِ .
ولسنا هنا بصدد ذكر فضل العالم على غيره ، فهذه حقيقة لا يغفل عنها إلا جاهل ، أو حديث عهد بالإسلام ، فمن ذلك قول الله تعالى : " يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات " [ المجادلة ] ، وقال تعالى : " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " [ الزمر ] .
وذكر نماذجاً لصبر العلماء على الدعوة ، وعن معصية الله تعالى ، مع تهيؤ الأسباب والدوافع ، كثيرة ليس هذا هو مجال ذكرها ، ولكني نبهت إلى أهمية الصبر في ذلك .



رد مع اقتباس
قديم 04-15-2005, 08:42 AM   رقم المشاركة : 7
الكاتب

ريـــمــــــه

الاعضاء

ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الصبر في طلب العلم والدعوة إلى الله تعالى :


قال تعالى : " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " [ الكهف 28 ] ، وهذا موطن من مواطن الصبر ، وهو الصبر على طلب العلم ، والدعوة إليه ، والصبر على الدعوة إلى الله تعالى ، وعدم اليأس أو الضجر ، أو استعجال النتائج ، فربما كانت تلك معوقات في سبيل الخير والدعوة إليه .
فالعلم أشرف ما يطلبه العبد في هذه الحياة الدنيا ، لأنه الطريق الموصل لمعرفة الله تعالى ، وهو الطريق إلى الجنة ورضوان الله عز وجل ، وقد وردت الأدلة والنصوص الشرعية الدالة على فضل طلب العلم حتى أنها لا تخفى على عاقل ، ولكن ومع مغريات الحياة الدنيا ، وانشغال الناس في طلب الرزق الدنيوي ، ترك طلب العلم الشرعي الذي هو غذاء الروح ، والذي لا بد منه للنفس وحياة القلب ، ومن تلك النصوص ما يلي :
قال تعالى : " وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " [ البقرة 247 ] .
وقال تعالى : " لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا " [ النساء 162 ] .
وقال تعالى : " وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ " [ النمل 15 ] .
وقال تعالى : " وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ " [ العنكبوت 43 ] .
وقال تعالى : " أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ " [ الزمر 9
] .
وقال تعالى : " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " [ المجادلة 11 ] .
وقال تعالى : " شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " [ آل عمران 18 ] .
وقال تعالى : " وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا " [ النساء 83 ] .

وقال تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " [ الأنبياء 7 ] .
وفي فضل العلم وطلبه وردت عدة نصوص شرعية من سنة النبي صلى الله عليه وسلم تبين ذلك وهذا طرف منها :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ : إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " [ أخرجه مسلم ] .

وعن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا ، إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ " [ أخرجه الترمذي وابن ماجة ] .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا ، يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ " [ أخرجه الترمذي وغيره وقال : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أيضاً قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَقِيهٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ " [ أخرجه ابن ماجة والترمذي ] .
وعن أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا ، سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، وإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا ، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ " [ أخرجه الترمذي وصححه ] .
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ : ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ ، أَحَدُهُمَا عَابِدٌ ، وَالْآخَرُ عَالِمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ ، كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ ، وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا ، وَحَتَّى الْحُوتَ ، لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ " [ أخرجه الترمذي وغيره ] .
فإذا كانت تلكم هي منزلة العلم والعلماء ، فوالله إن العاقل الحصيف الذي يريد الجنة ويسعى لها سعيه وهو مؤمن ، ليتشبث بطلب العلم ، ويلزم ركب العلماء ، ليستقي من علمهم ، وسمتهم وأدبهم ، فلا أشرف من طلب العلم ، ولا أعظم من تدارس كتاب الله تعالى والنظر فيه ، ولا أفضل من الانكباب على دراسة سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، فأي فضل أعظم من أن يبقى العبد يومه وليلته مع ربه سبحانه وتعالى ، ويتذكر نبيه صلى الله عليه وسلم ؟ إن ذلك والله لهو أفضل وأعظم درجة عند الله عز وجل من الذين يلهون ويلعبون ، ويتخذون دينهم لهواً ولعباً ، ومن الذين يسخرون ويستهزئون بالناس ، فلا غرو أن يفعلوا ذلك لأنه بعيدون كل البعد عن الله تعالى ، لا يعرفون معروفاً ، ولا ينكرون منكراً والعياذ بالله ، فهل يستوي الفريقان ؟
لا والله لا يستويان أبداً .
فشتان بين من يعرف الله تعالى ويخشه ويتقه ، وبين من لا يعرف الله عز وجل إلا ذكراً وهذراً .
العارف بربه أخشى الناس لمولاه ، والغافل عن ربه أبعد الناس من الخوف منه سبحانه .



رد مع اقتباس
قديم 04-15-2005, 08:45 AM   رقم المشاركة : 8
الكاتب

ريـــمــــــه

الاعضاء

ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الصبر عند المصيبة :


وهذه من أفضل مراتب الصبر ، وقليل من الناس من يصبر عند المصيبة ، فما إن تحدث حادثة من حوادث الدهر ، أو نائبة من نوائبه ، إلا واستعجل أهلها البكاء والدعاء على أنفسهم ، وأظهروا الحزن والألم ، والأسى والندم ، وربما دعوا بدعوى الجاهلية ، فلطموا الخدود ، وشقوا الجيوب ، وضربوا الصدور ، وقد بشر الله تعالى الصابرين على المصائب فقال سبحانه : " وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " [ البقرة 155-157 ] .
ومن أعظم المصائب التي تصيب الإنسان ، فقد قريب أو صديق أو جار ، لأن النفس إذا ماتت لا تعود إلى يوم القيامة ، بينما الأموال وما ينتج عنها ، تعوض بإذن الله تعالى ، فإذا مات الميت وجب على أهله الصبر والاحتساب ، وحرم عليهم أمور الجاهلية القديمة ، فلما جاء الإسلام منع المرأة من الإحداد على غير زوجها أكثر من ثلاث ليال ، وأوجبه على زوجها أربعة أشهر وعشراً ، وهذا من تمام محاسن هذه الشريعة وحكمتها ورعايتها لمصالح العباد على أكمل الوجوه ، فإن الإحداد على الميت من تعظيم مصيبة الموت ، التي كان أهل الجاهلية يبالغون فيها أعظم مبالغة ، ويضيفون إلى ذلك شق الجيوب ، ولطم الخدود ، وحلق الشعور ، والدعاء بالويل والثبور ، وتمكث المرأة سنة في أضيق بيت وأوحشه ، لا تمس طيباً ، ولا تدهن ، ولا تغتسل ، إلى غير ذلك مما هو تسخط على الرب تعالى ، واعتراض على أقداره ، فأبطل الله سبحانه برحمته ورأفته ، سنة الجاهلية ، وأبدلنا بها الصبر والاسترجاع ، الذي هو أنفع للمصاب في عاجلته وآجلته ، ولما كانت مصيبة الموت لا بد أن تُحدث للمصاب من الجزع والألم والحزن مما تتقاضاه الطباع ، سمح لها الحكيم الخبير في اليسير من ذلك ، وهو ثلاثة أيام تجد بها نوع راحة ، وتقضي بها وطراً من الحزن [ إعلام الموقعين ] .
أخرج البخاري ومسلم من حديث أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، وَلَا نَكْتَحِلَ ، وَلَا نَتَطَيَّبَ ، وَلَا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا ، إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ ـ نوع من الثياب اليمنية ـ وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا ، فِي نُبْذَةٍ ـ قطعة صغيرة ـ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ ـ عود يجعل في البخور والدواء ـ وَكُنَّا نُنْهَى عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ " [ متفق عليه ] .
وأخرج الشيخان أيضاً من حديث زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ : لَمَّا جَاءَ نَعْيُ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ الشَّامِ ، دَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا بِصُفْرَةٍ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ ، فَمَسَحَتْ عَارِضَيْهَا وَذِرَاعَيْهَا ، وَقَالَتْ : إِنِّي كُنْتُ عَنْ هَذَا لَغَنِيَّةً ، لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ : إِلَّا عَلَى زَوْجٍ ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا " [ متفق عليه ] .

وعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ : دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا " ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا ، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ بِهِ ، ثُمَّ قَالَتْ : مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا " [ متفق عليه ] .
وقَالَتْ أُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنها : جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا ، وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا أَفَنَكْحَلُهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا " ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا ، ثُمَّ قَالَ : " إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ " [ متفق عليه ] ، وقَالَ الترمذي : وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ ، أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَتَّقِي فِي عِدَّتِهَا الطِّيبَ وَالزِّينَةَ ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ .
فواجب على العباد الصبر عند المصيبة ، واحتساب حرها عند الله عز وجل ، والصبر لا يكون صبراً إلا عند بداية المصيبة ، وبعض الناس إذا أصيب بمصيبة أعاد أمور الجاهلية الأولى ، وبقي حزيناً كئيباً ، وبعد أن يعص الله تعالى ، وربما خف ألم المصيبة تظاهر بالصبر ، وفي الحقيقة ليس هذا صبراً ، وإنما هو بقايا عدم الصبر ، ويشهد لذلك حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ : " اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي " ، قَالَتْ : إِلَيْكَ عَنِّي ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي ، وَلَمْ تَعْرِفْهُ ، فَقِيلَ لَهَا : إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ ، فَقَالَتْ : لَمْ أَعْرِفْكَ ، فَقَالَ : " إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى " [ متفق عليه ] .

الصبر في الحرب :


وهذا من أعظم مواطن النصر على الأعداء ، كما حصل للمسلمين يوم بدر الكبرى ، كان جيش الكفار ألف وثلاثمائة مقاتل ، بينما جيش المسلمين لا يتجاوز الثلاثمائة إلا قليلاً ، ومع صبر الأبطال في مواطن القتال ، كتب الله لهم النصر على عدوهم ، قال تعالى : " بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ " [ آل عمران 125 ] ، وقال تعالى : " وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ " [ آل عمران 146 ] ، وقال تعالى : " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(16) " [ الأنفال ] ، يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ " [ الأنفال 65-66 ] ، فتلك الآيات تبرهن برهاناً أن النصر مع الصبر ، ولما استعجل المسلمون النصر يوم أحد ، انقلب النصر إلى هزيمة ، وذلك نتيجة لعدم صبر الرماة حتى تنتهي المعركة ، فنزلوا من مواقعهم التي حددها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليقتسموا الغنائم مع إخوانهم ، فحصل ما لم يكن في الحسبان ، فتحول النصر إلى هزيمة ، ولم يبق على الجبل إلا ابن جبير وتسعة أو أقل معه ينتظرون إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم .

ومن أدلة الصبر في الحرب من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم حديث عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِي اللَّه عَنْهمَا ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ، ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ ، وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ ، بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا ـ تشققت من المشي ـ وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ ، وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي ، وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ ، لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا " [ متفق عليه ] .



رد مع اقتباس
قديم 04-15-2005, 08:47 AM   رقم المشاركة : 9
الكاتب

ريـــمــــــه

الاعضاء

ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الصبر عند الفرح :


الفرح من نعم الله تعالى عباده ، وما أجمل أن يعيش المرء فرحاً يومه وليلته ، فهذه نعمة مسداة من رب العباد جل جلاله ، ومن الناس من إذا جاءته البشرى ، فرح فرحاً شديداً أفقد شكر ربه على ذلك ، بل ربما أدى الفرح إلى الوقوع في المعصية ، ويستغني عن عبادة ربه ، وهذا واقع مشاهد ، فكل من يقرأ هذه السطور لينزل هذا الكلام على واقعه عند الفرح .
فالفرح مطلوب ، لكن على العبد أن يتحلى بالهدوء والسكينة عند الأمور المفرحة ، ولا يؤدي به ذلك إلى الوقوع في أذية الآخرين ، فالنصر والفوز سببا الفرح ، فهنا ينبغي للفائز أن يتحلى بروح المرح والفرح والتواضع ، لأن التواضع مع النصر ، والصبر مع الهزيمة ، وأظن أن الأمر أصبح واضحاً في مثل هذه النقطة .
الرزق بمولود سبب للفرح ، التوفيق في التجارة ، والحصول على المال الوفير سبب للفرح ، ولكن لا يغفل العبد عن أداء سجدة يشكر الله تعالى فيها على ما وهبه من أولاد ومال ، ثم لا يكن المال سبباً للشقاء في الدنيا والآخرة ، بل لا بد أن يؤدي حق منه ، وهكذا هو الفرح سبب للامتحان ، لقياس مدى صبر العبد من عدمه ، فالسعيد من وفق للصبر في أوقات الفرح ، والشقي من خسر ذلك .


الصبر على طاعة الله :


قال تعالى : " رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا " [ مريم 65 ] ، وقال تعالى : " وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى " [ طه 132 ] ، وقال تعالى : " يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ " [ لقمان 17 ] ،
قال ابن القيم رحمه الله : " فسعادة العبد ، وكمال لذته ونعيمه ، موقوفاً على مقامات خمسة : علمه بالنعيم المطلوب ، ومحبته له ، وعلمه بالطريق الموصل إليه ، وعلمه به ، وصبره على ذلك ، قال الله تعالى : " والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " [ العصر ] " [ إغاثة اللهفان ] .
فطاعة الله تعالى لا يستطيع القيام بها غلا من سهل الله تعالى عليه ذلك ، وإلا فكل الناس يقول أنا أطيع الله ، وعندما ترى أعماله ، وتسمع أقواله ، ربما تجده أبعد ما يكون عن طاعة الله تعالى ، بل هو إلى المعصية أقرب .



ومن صور الصبر في الطاعة :


الصبر على الوضوء في اليوم شديد البرودة ، والقيام لله تعالى في جوف الليل الآخر ، والناس نيام ، والفراش وثير ، والنفس داعية إلى الاستغراق في النوم ، ومع ذلك يقوم الواحد منا متوضئاً متطهراً متوجهاً إلى ربه ، مصلياً له ، وكذلك الاهتمام بالصلوات المكتوبة ، وان تكون هي شغل المسلم الشاغل ، فلا يتثاقل عنها ، ولا يغفل عنها ، بل يؤديها في أوقاتها في بيوت الله تعالى ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا ، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ ، قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ " [ أخرجه البخاري ] .
ومن صور الصبر على الطاعة ، الصوم في اليوم شديد الحر ، لما في ذلك من عظيم الأجر ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " [ أخرجه مسلم ] .

فالصبر على أداء أركان الإسلام الخمسة من الصبر على طاعة الله تعالى ، وكذلك بر الوالدين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحفظ اللسان عن الحرام ، وغير ذلك كثير .
فيجب على العبد أن يصبر على أداء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن ، وأن يؤدي زكاة ماله ، وأن يصوم شهر رمضان ، وأن يحج البيت الحرام إذا استطاع إليه سبيلاً ، وأن يؤدي الأمانات إلى أهلها ، وأن يقول الحق ولو كان على نفسه ، فيتحرى الصدق في كل أقواله .
المقصود أن القيام بأوامر الله تعالى ، والإمساك عن نواهيه من الصبر على الطاعة ، ومن فعل ذلك ابتغاء وجه الله فله العاقبة الحسنة عند ربه ، قال تعالى : " وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ(22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ(23)سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ(24) " [ الرعد ] .


الصبر عن معصية الله :


وذلك بالصبر عند الشهوات كما حصل ليوسف عليه السلام مع امرأة العزيز والذي مر بنا قبل ذلك ، وكما حصل لكثير من العلماء قديماً ، فمن أعظم أنواع الصبر ، الصبر على مجاهدة النفس وما يبثه الشيطان فيها ، ويزينه لها من فعل الحرام ، وارتكاب الآثام .
فالصبر عن معصية الله ، أهون من الصبر على الأغلال والسلاسل والحميم والجحيم يوم القيامة .
فطريق الجنة محفوف بالمكاره ، كقيام الليل ، وصوم النهار ، والوضوء في الليل البارد ، وغير ذلك من الواجبات والطاعات ، وطريق النار محفوف بالشهوات ، وكل ما تحبه النفس الأمارة بالسوء ، وتدعو إليه من فعل الحرام ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ، وَحُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ " [ أخرجه البخاري ] .
فالشيطان عدو الإنسان ، ولا يهنأ له بال ، حتى يوقع العبد في معصية ربه تبارك وتعالى ، وللشيطان خطوات في إيقاع العبد في المعصية وارتكاب الذنب ، كما قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر " [ النور 21 ] .
فمن أدرك معنى الآية الكريمة ، والآيات أمثالها ، عرف حيل الشيطان ومزالقة وخطواته ، فتبدأ طرق ارتكاب الذنب بنظرة ، ثم تكون خطرة ، ثم خطوة ، ثم خطيئة ، ولهذا قيل : من حفظ هذه الأربعة ، أحرز دينه ، اللحظات والخطرات واللفظات والخطوات ، فينبغي للعبد أن يكون بواب نفسه على هذه الأبواب الأربعة ، ويلازم الرباط على ثغورها ، فمنها يدخل عليه العدو ، فيجوس خلال الديار ، ويتبر ما علوا تتبيراً .


رد مع اقتباس
قديم 04-15-2005, 08:51 AM   رقم المشاركة : 10
الكاتب

ريـــمــــــه

الاعضاء

ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الصبر على تربية البنات :


كل الناس في هذه الحياة الدنيا ، يسعى ويعمل من أجل أن يدخل الجنة ، وينجو من النار ، ولقد رتب الشارع الكريم أموراً توجب الجنة ، وتنجي من النار ، ومن ذلك العناية بالبنات ، وحسن رعايتهن وتربيتهن .
ومن الخطأ الواضح عند بعض المسلمين هداهم الله ، إذا وهبه الله تعالى بنتاً غضب وزمجر وتضجر ، وضرب أخماس على أسداس تأسياً وتحسفاً على ما وهبه الله إياه ، وتمنى لو أن تلك البنت قد ماتت في مهدها ، لأنه يريد الولد الذكر ، وما علم ذلك المسكين أن البنت أرحم بأبيها من أخيها ، ولن يقوم بخدمته إلا هي ، أما الأولاد فأكثرهم اليوم وبالاً على الآباء لاسيما في ظل وجود المغريات ، وتوفر الملهيات ، حتى أضحت تربيتهم أمراً عسيراً ، إلا من وفقه الله لذلك .
ومن الجهل المطبق أن بعض الرجال ربما طلق زوجته ، لأنها أنجبت بنتاً أو عدة بنات ، سبحان وهل يملك ذلك إلا الله الخالق جل جلاله ، فأين العقول والتأمل في ذلك ؟
وليعلم كل مسلم عاقل أن التسخط من وجود البنات ، أنه قادح في عقيدة الرجل والمرأة ، لأن المتصرف بذلك هو الله الواحد القهار ، وليس للأب ولا للأم دخل في ذلك ، فالله هو الواهب الرازق ، المعطي المانع .
ولقد رتب الشارع الكريم أجراً عظيماً ، ومثوبة كبيرة ، لمن عال البنات ، وأخلص في تربيتهن ومن ذلك :
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَنَاتِ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ ، كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ " [ أخرجه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ] .
وعَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ ، دَخَلْتُ أَنَا وَهُوَ الْجَنَّةَ كَهَاتَيْنِ ، وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ " [ أخرجه مسلم واللفظ للترمذي ] .
وعند الإمام أحمد في مسنده قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ بَنَاتٍ ، أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ حَتَّى يَمُتْنَ ، أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ ، كُنْتُ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ ، وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى " .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ عَالَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ فَأَدَّبَهُنَّ وَزَوَّجَهُنَّ ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ ، فَلَهُ الْجَنَّةُ " [ أخرجه أبو داود وأحمد ] .


الصبر على سُكنى المدينة النبوية ( المنورة ) :


يشعر الساكن بالمدينة النبوية بالطمأنينة والراحة النفسية ، والهدوء العصبي ، والاستقرار الذهني ، وبركتها عظيمة ، وخيرها وفير ، كيف لا يكون ذلك ، وقد دعا لها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولقد ورد في فضل سُكنى المدينة عدة أحاديث منها :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي ، إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ شَهِيدًا " [ أخرجه مسلم ] .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ ، وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ " [ متفق عليه واللفظ لمسلم ] .
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ وَبِيئَةٌ ، فَاشْتَكَى أَبُو بَكْرٍ ، وَاشْتَكَى بِلَالٌ ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكْوَى أَصْحَابِهِ قَالَ : " اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ ، كَمَا حَبَّبْتَ مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ ، وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا ، وَحَوِّلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ " [ متفق عليه واللفظ لمسلم ] .
وعَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّه عَنْه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ " [ متفق عليه ] .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ ، يَعْنِي أَهْلَ الْمَدِينَةِ " [ متفق عليه ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِأَوَّلِ الثَّمَرِ فَيَقُولُ : " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا ، وَفِي ثِمَارِنَا ، وَفِي مُدِّنَا ، وَفِي صَاعِنَا ، بَرَكَةً مَعَ بَرَكَةٍ ، ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنَ الْوِلْدَانِ " [ أخرجه مسلم ] .
وعن ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا ، وَبَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ، وَبَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا ، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا ، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا " [ أخرجه أحمد وهو في الصحيحين بغير هذا اللفظ ] .
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَرَادَ أَهْلَ هَذِهِ الْبَلْدَةِ بِسُوءٍ يَعْنِي الْمَدِينَةَ ، أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ " [ متفق عليه واللفظ لمسلم ] .
وعن سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَرَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ " [ أخرجه مسلم ] .
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَأْتِي الدَّجَّالُ الْمَدِينَةَ ، فَيَجِدُ الْمَلَائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا ، فَلَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ " [ أخرجه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وأصله في الصحيحين ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ ـ ينضم ويجتمع ـ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا " [ أخرجه مسلم ] .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا ، فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا " [ أخرجه الترمذي وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ] .


وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " تُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ ـ يزينون للناس الخروج من المدينة ـ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ، وَتُفْتَحُ الشَّأْمُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ، وَتُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " [ أخرجه البخاري ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ ، هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ ، هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا ، إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ فِيهَا خَيْرًا مِنْهُ ، أَلَا إِنَّ الْمَدِينَةَ كَالْكِيرِ تُخْرِجُ الْخَبِيثَ ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِيَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ " [ أخرجه مسلم ] .
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ رِجَالٌ رَغْبَةً عَنْهَا ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " [ أخرجه أحمد ] .
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث الصحابة الكرام خطاباً لهم خاصاً ، ولمن يأتي بعدهم من عامة المسلمين أن يلزموا سكنى المدينة فهي خير بقاع الأرض ، وأحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يتمنى أن يكون قبره بها ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَقَبْرٌ يُحْفَرُ بِالْمَدِينَةِ ، فَاطَّلَعَ رَجُلٌ فِي الْقَبْرِ فَقَالَ : بِئْسَ مَضْجَعُ الْمُؤْمِنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بِئْسَ مَا قُلْتَ " ، فَقَالَ الرَّجُلُ : إِنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّمَا أَرَدْتُ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا مِثْلَ لِلْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، مَا عَلَى الْأَرْضِ بُقْعَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَكُونَ قَبْرِي بِهَا مِنْهَا ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَعْنِي الْمَدِينَةَ " [ أخرجه الدارمي ] .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : أَرَادَتْ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْ دِيَارِهِمْ إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْرُوا الْمَدِينَةَ فَقَالَ : " يَا بَنِي سَلِمَةَ أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ ، فَأَقَامُوا " [ أخرجه البخاري واللفظ لابن ماجة ] .
فبني سلمة أرادوا أن يقتربوا من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والنبي عليه الصلاة والسلام يعلم من الله ما لم يعلموه ، فكثرة الخطى إلى المساجد من الرباط في سبيل الله ، وفيها أجر كبير ، ثم أراد النبي صلى الله عليه وسلم ألا تخلوا المدينة من أهلها .
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ ، أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا ، أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا ، وَقَالَ : الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ، لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا ، إِلَّا أَبْدَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ ، وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا ، إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " [ أخرجه مسلم ] .
فإذا كان ذلك فضل البقاء في المدينة ، فعجيب من يضيعه ، أو من تسنح له الفرضة ليسكنها ثم يضيعها ، وأعجب من ذلك من يكون ساكناً فيها ، قاطناً بها ، ثم يخرج منها ، فهذا خسر خسراناً عظيماً ، وسوف يعوضها الله خيراً منه كما جاء ذلك في الحديث السابق .
المقصود مما ذكرنا بيان فضل سُكنى المدينة المنورة ، وبيان فضل الصبر على حرها وشدتها ، وقلة أمطارها ، وبيان بركة الرزق بها ، وهذا أمر ملموس لمن سكن المدينة أو زارها ومكث بها فترة ، فسوف يلاحظ تلك البركة ويجد ثمرتها .


رد مع اقتباس
قديم 04-15-2005, 08:52 AM   رقم المشاركة : 11
الكاتب

ريـــمــــــه

الاعضاء

ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الصبر على بلاد الأوبئة والأمراض :


كل إنسان يحب الصحة والعافية ، ويأبى الأمراض والأسقام ، لعدم معرفته بما يترتب على المرض من أجر وحسن مثوبة ، لكن لا يذهب الإنسان ويلقي بيده إلى التهلكة في بلد فيها أمراض منتشرة ، وأوبئة ظاهرة ، بل الواجب أن يحذر ذلك ، لكن لو قُدر أن البلاء والمرض وقع في بلده ، فهنا لا ينبغ له الخروج منها ، بل عليه الصبر والاحتساب ، وله الأجر العظيم في ذلك ، فلا يخرج من بلده خوفاً من المرض ، فربما أصابه مرض في طريق خروجه ، أو وجد مرضاً في محل إقامته الجديدة .
المقصود أن بقاء العبد في بلده صابراً محتسباً مترتب عليه أجر كبير ، لأن عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ ؟ فَقَالَ : " كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ، مَا مِنْ عَبْدٍ يَكُونُ فِي بَلَدٍ يَكُونُ فِيهِ ، وَيَمْكُثُ فِيهِ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَلَدِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ " [ أخرجه البخاري ] .
عن أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ " [ متفق عليه ] .
ونحن نرى اليوم أن الأمراض قد تعددت ، والأدواء قد كثرت ، سواءً المستعصية منها أو غير المستعصية ، والمعدية وغير المعدية ، حتى مات الملايين من ذلك ، وكل يوم يكتشف العالم مرضاً غريباً ، لا يُعرف له سبب ، ثم يُكتشف العلاج والسبب ، وهكذا هي الحياة ، فعلى المسلم أن يتجنب الدول التي تعاني من تلك الأمراض الفتاكة المهلكة ، كإنفلونزا الطيور ، ومرض سارس ، والإيدز ، وحمى الوادي المتصدع ، والحمى الشوكية ، وغيرها من الأمراض أجارنا الله منها وجميع المسلمين .
لكن لو حصل أن وقع البلاء فلا يخرج المسلم من أجل وقوع الداء ، بل يبقى صابراً محتسباً ، عالماً أن ذلك من عند الله تعالى ، وأن الله لا يضيع عمله أبداً .



الصبر على أذى الناس :

اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في أيهما أفضل :


العزلة أم الاختلاط ؟

ولكل منهما مزاياه ، لكني أرجح أن الاختلاط بالناس والصبر على أذاهم أفضل من العزلة ، وليس هذا مجال مناقشة أدلة الفريقين ، لكن سأذكر حديثاً يدل على أفضلية الاختلاط لأني أؤيده وأراه راجحاً إلا في مواطن معينة .
قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ، خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ " [ أخرجه الترمذي وابن ماجة ] .

وقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ " [ أخرجه ابن ماجة وأحمد ] .
ففي تلك النصوص الشرعية نجد أن الأجر والخيرية مرتبة على مخالطة الناس ، والصبر على أذاهم ، لأن رضا الناس غاية لا تدرك ، فإذا كان ذلك كذلك ، فلابد من الصبر على ما ينتج من مخالطة الناس ، فالإمام يجب أن يصبر على المأمومين وما يصدر عنهم من توجيهات وطلبات ، وكذلك المعلم يصبر على أذى تلاميذه ، وكذلك الجار يصبر على أذى جيرانه ، والداعية يصبر على من يدعوهم ، وهكذا كل إنسان يجب أن يصبر على أذى الغير ، لأن الموضوع موضوع أجر وخيرية ، وليس كل الناس فساقاً وبغاة وظلمة ، حتى يقول القائل : أن العزلة أفضل ، فنحن لم نصل إلى اليوم الذي يكون القابض على دينه كالقابض على جمرة ، بل الخير موجود في الناس اليوم ، ولا أدل على ذلك من تلكم التبرعات وأعمال البر التي يقوم بها المسلمون في كل مكان .
ونسأل الله تعالى أن نكون من أولئك الذين نالوا الأجر من الله ، والخيرية منه سبحانه .



رد مع اقتباس
قديم 04-15-2005, 08:55 AM   رقم المشاركة : 12
الكاتب

ريـــمــــــه

الاعضاء

ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الصبر على أذى السلطان :


لا يمكن لأمة أن تعيش في ظل أمن وارف ، وخير جارف ، ما لم يكن لها والياً يلي أمورها ، ويمسك زمامها ، وينشر العدل فيها ، وهذا الوالي أو الأمير لا يمكن أن يقوم بتلك الأمور ما لم يحاط بالنصح والتقدير ، والسمع والطاعة ، والبعد عن شق عصا الجماعة .
ثم مما لاشك فيه أن الأمير والوالي والسلطان بشر ، والبشر كثير الخطأ والزلل ، وربما وقع ظلم منه مقصود أو غير مقصود ، وهنا يجب على الرعية الصبر والاحتساب والتوجه إلى الله تعالى بالدعاء لرد الحق إلى أهلها ، وأؤكد على ضرورة صبر المواطن على أذى الأمير .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا ، فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ " [متفق عليه] .
فالملاحظ في هذا الحديث وغيره ، أن ترك الصبر على أذى الأمير من أمور الجاهلية ، التي حذر منها الشرع الكريم .
والخروج على الأمير محرم شرعاً لما يفضي إليه من قتل وتشريد وانقسامات قبلية ، إلى غير ذلك من المفاسد .


الصبر على أذى الزوجة :


الزوجات شقائق الرجال ، وهن الملاذ والمأوى بعد الله تعالى للأزواج ، المرأة هي التي تخفف عن زوجها معاناة العمل ، وأعباء الأسرة ، وهذا حال كثير من النساء اللاتي عرفن حقوق الزوج وأدركن أهميته .
والرجل العاقل هو الذي يقدر للمرأة قدرها ، ويحفظ ودها .
المرأة هي الأم التي تقوم بتربية الأبناء ، والعناية بالمنزل ، وطهي الطعام ، وغسيل الأواني والملابس ، ولا يمكن للبيت أن يستغني عن الأم .
الأم اليوم هي التي تعتني بتعليم أبنائها إضافة إلى كثرة أعباء المنزل ، ومراعاة حق الزوج ، فهو مجهود جبار يجب أن يُشكر من قبل الزوج والأبناء ، فلا غرو أن تتذمر الأم أحياناً ، وتخرج عن طورها أحياناً أخرى ، وهنا نهيب بالأزواج أن يصبروا على أذى الزوجات لما يجدنه من شدة وألم وتعب ونصب ، ومن لا يقدر ذلك فلا يمكن أن يكون أباً وزوجاً واعياً .
فالصبر الصبر أيها الأزواج لأن الزوجات آلات عاملات ، لا تكل ولا تمل ، فإن حدث وخرجت عن طورها فما هو إلا تنفس وراحة تخرجها لتعاود نشاطها من جديد ، والزوج الواعي من يقدر للزوجة قدرها ويعرف مكانتها .

الصبر على الابتلاء والأمراض :


من فضل الله تعالى على عباده ، أن العبد لا يصيبه مرض ولا وهن ولا نصب ، حتى الهم يزنه ، والغم يمرضه ، ثم يصبر على ذلك ، إلا أتاه الله من الخير ما لم يكن يحتسبه ، كيف لا ، والله عز وجل أكرم الأكرمين ، وأغنى الأغنياء ، وهو ملك الملوك سبحانه وتقدس ، وهو الكريم المنان .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ ؟ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ " [ أخرجه البخاري ] .

عن عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ ، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا " [ متفق عليه ] .
فالله عز وجل جعل أمر المؤمن كله خير ، كما جاء في حديث صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ " [ أخرجه مسلم ] .
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا ، إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً " [متفق عليه واللفظ للترمذي].
مَنْ مِنَ الناس لا يصيبه الهم ، كل الناس يصيبه ذلك ، ولكن الهم يختلف باختلاف العمل ، فمن الناس من همه طلب العلم ، ومنهم من همه بث العلم ونشره بين الناس ، ومنهم من همه النصر في الحرب ، أو الفوز والغلبة ، أو النجاح في الدراسة ، أو حصول المكسب المادي في التجارة ، إلى غير ذلك من أنواع الهموم ، فإذا كان الهم كذلك وكان سببه شرعياً لا محذور فيه ، فصاحبه مأجور ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ ، مِنْ نَصَبٍ وَلَا حَزَنٍ وَلَا وَصَبٍ ، حَتَّى الْهَمُّ يَهُمُّهُ ، إِلَّا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ " [ متفق عليه واللفظ للترمذي ] .
ومن أشد الناس بلاءً النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يوعك ، ويصيبه المرض وهو صابر محتسب ، بل كان مرضه كمرض الرجلين من الناس ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "[ أخرجه البخاري ومسلم ].
فلنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، وقدوة طيبة .
ومن الناس من إذا أصيب بالبلاء تسخط ، وعاتب ربه والعياذ بالله ، ووقع في المعصية والذنب من حيث يدري أو لا يدري ، وذلك إثم كبير ، وشر مستطير ، فكل الناس في هذه الدنيا يتقلب بين البلاء والمحن والفتن ، والخير والفرح والسرور ، كل ذلك للاختبار والامتحان ، لأن الله تعالى يقول : " ليبلوكم أيكم أحسن عملاً " [ هود 7 ، الملك 2 ] .
فمن رام العلا صبر على البلاء ، من أراد الجنة فطريقها شائك ، ليس ممهداً ، وليس يسيراً إلا على من يسره الله له ، ومن أعظم أسباب دخول الجنة الصبر في مواطن الفتن والمحن .
عن عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ : أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : إِنِّي أُصْرَعُ ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللَّهَ لِي ، قَالَ : " إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ " ، فَقَالَتْ : أَصْبِرُ ، فَقَالَتْ : إِنِّي أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا " [ متفق عليه ] .




رد مع اقتباس
قديم 04-15-2005, 08:56 AM   رقم المشاركة : 13
الكاتب

ريـــمــــــه

الاعضاء

ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









ريـــمــــــه غير متواجد حالياً


الصبر على فقد الأقارب :


الابتلاء بالقريب والصديق والحبيب والجار أمر وارد ، فالمصيبة قائمة ما وجد بشر على ظهر الأرض ، تمحيصاً وتحقيقاً ، قال تعالى : " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين * أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " [ آل عمران 141-142 ] .
وهذا أنموذج لمن صبر في المصائب واحتسب ذلك عند الله تعالى ، دخل ابن عمر المسجد ، وابن الزبير مصلوب ، فأتى أسماء وهي أم ابن الزبير يعزيها ، فقال لها : عليك بتقوى الله والصبر ، فإن هذه الجثث ليست بشيء ، وإنما الأرواح عند الله ، فقالت : وما يمنعني من الصبر ، وقد أهدي رأس يحيى ابن زكريا إلى بغي من بغايا بنى إسرائيل .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : كَانَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي ، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ فَقُبِضَ الصَّبِيُّ ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ : مَا فَعَلَ ابْنِي ؟ ، قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى ، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ : وَارُوا الصَّبِيَّ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ : " أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ " ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا " ، فَوَلَدَتْ غُلَامًا ، قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ : احْفَظْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْسَلَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " أَمَعَهُ شَيْءٌ ؟ " قَالُوا : نَعَمْ تَمَرَاتٌ ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَضَغَهَا ثُمَّ أَخَذَ مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ ، وَحَنَّكَهُ بِهِ وَسَمَّاهُ عَبْدَاللَّهِ " [ متفق عليه ] .

فالصبر منزلته عظيمة عند الله عز وجل ، وبما المصائب قائمة بالإنسان ، فواجب عليه الصبر عند حصولها ، وأن يتسلى بمصيبة من حوله ، فيحمله ذلك على الصبر ، ثم ليتذكر الصابرين من هذه الأمة قديماً وحديثاً ، وليتدبر كتاب ربه في المر بالصبر والحث عليه ، وما وعد الله الصابرين من الفضل والأجر .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : " مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ ، إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ " [ أخرجه البخاري ] .

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنَ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ " [ أخرجه البخاري ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ " [ أخرجه مسلم ] .
فما أعظمه من فضل ، وما أجزله من عطاء ، من رب الأرض والسماء ، فالموت حق ، ولا بد منه ، فمادام ذلك كذلك ، فلا خيار في وجوب الصبر ، والدعوة إليه ، لأن الدنيا دار فناء ، والآخرة دار بقاء ، وهناك يلتقي الأحبة ، ويجتمع الصحب ، بمحمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء قاطبة ، والصحابة أجمعين ، فمن رام الآخرة صبر والله على مصائب الدنيا ، لأن الدنيا مزرعة للآخرة ، ولا أمان لها ، فالعبد يتقلب فيها بين الخير والشر ، بين السراء والضراء ، ولا يقر له حال ، ولو بلغ ما بلغ من العلم أو الثراء والجاه .
وهل يأمل الإنسان في هذه الدنيا إلا في الوصول إلى الجنة ، والنجاة من النار ، والصبر سلم الوصول ، وسبيل المرور إليها .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِنِسْوَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ : " لَا يَمُوتُ لِإِحْدَاكُنَّ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَحْتَسِبَهُ إِلَّا دَخَلَتِ الْجَنَّةَ " ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ : أَوِ اثْنَيْنِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " أَوِ اثْنَيْنِ " [ متفق عليه ] .


الصبر على فقد الجوارح :


من أعظم الجوارح الظاهرة فائدة لدى الإنسان العين ، فبها يرى آثار رحمة الله على عباده ، وبها يشاهد سنن الله الكونية ، ولها فوائد لا تحصى ، ولهذا رتب الله تعالى على فقدها الجنة .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ قَالَ : إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ ، عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ ، يُرِيدُ عَيْنَيْهِ "[ أخرجه البخاري ].
عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَزِيزٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَنْ يَأْخُذَ كَرِيمَتَيْ مُسْلِمٍ ، ثُمَّ يُدْخِلَهُ النَّارَ " [ أخرجه أحمد ] .


ثمرة الصبر :


عندما أمر الله عباده بالصبر لم يتركهم هكذا بل بين لهم ثماره اليانعة ، وأزهاره المتفتحة ، وثوابه الجزيل ، وعاقبته المفرحة ، قال تعالى : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157) " [ البقرة ] ، وقال تعالى : " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [ آل عمران 200 ] ، وقال تعالى : " إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ " [ هود 11 ] ، وقال تعالى : " إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ " [ المؤمنون 111 ] ، وقال تعالى : " قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ " [ الزمر 10 ] ، وقال تعالى : " وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا " [ الإنسان 12 ] .
عَنْ أَبِي حَسَّانَ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ : إِنَّهُ قَدْ مَاتَ لِيَ ابْنَانِ ، فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا ، قَالَ : قَالَ : نَعَمْ ، صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ ـ أصغر أهلها ـ يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ ، أَوْ قَالَ : أَبَوَيْهِ فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ ، أَوْ قَالَ بِيَدِهِ ، كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنِفَةِ ـ طرف ـ ثَوْبِكَ هَذَا ، فَلَا يَتَنَاهَى ، أَوْ قَالَ : فَلَا يَنْتَهِي حَتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ " [ أخرجه مسلم ] .
عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ لَهَا ، فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ : ادْعُ اللَّهَ لَهُ ، فَلَقَدْ دَفَنْتُ ثَلَاثَةً ، قَالَ : " دَفَنْتِ ثَلَاثَةً " ، قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ : " لَقَدِ احْتَظَرْتِ ـ احتميت وامتنعت ـ بِحِظَارٍ شَدِيدٍ مِنَ النَّارِ " [ أخرجه مسلم ] .
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ ، قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ : قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي ؟ ، فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ : قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟ ، فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ : مَاذَا قَالَ عَبْدِي ؟ ، فَيَقُولُونَ : حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ : " ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ " [ أخرجه الترمذي وأحمد ] .
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بن مسعود رَضِي اللَّه عَنْه قال : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا ، وَقُلْتُ : إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا ؟ قُلْتُ : إِنَّ ذَاكَ بِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ ؟ قَالَ : " أَجَلْ ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلَّا حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
وهذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعك كما يوعك الرجلين ، وثوابه عند ربه ، فهو الصابر المحتسب ، فلنا فيه قدوة طيبة ، وأسوة حسنة ، نحتذي بها ، في صبره على البلاء والمرض ، ولقد بين في هذا الحديث أجر الصبر ، وعظيم ثوابه ، فالصبر يكفر السيئات ، ويذهب الخطايا ، ويمحو السيئات ، وهذا الحديث جزء من باكورة من الأدلة الشرعية التي تبين فضل الصبر .
ولقد مر بنا كثير من الآيات والأحاديث الدالة على فضل الصبر ، وثمرته اليانعة ، فيما مزيد عليه هنا ، ولكن بما أن هذه خاتمة المطاف فأحببت أن يتذكر القارئ الكريم فضل الصبر والاحتساب ، لئلا ينسي آخر الكلام أوله .
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه ، وأن يُمن على هذه الرسالة القصيرة بالقبول وحسن الجزاء ، وأن يلهم جميع المسلمين ، الصبر في مواطن الفتن والمحن ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وهو على كل شيء قدير ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين .
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام الجامع الكبير بتبوك


رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:34 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir