فهذا الحديث وما قبله دليل على فضل المنزل البعيد عن المسجد ؛
لحصول كثرة الخُطَا الذي من ثمرته حصول الثواب ,
وكثرتها تكون ببعد الدار , كما تكون بكثرة التردد إلى المسجد .
فانظر أخي المسلم إلى هذا الثواب العظيم من الرب الكريم ,
حيث دل الحديث على إثبات الأجر في الخطا في الرجوع من الصلاة
كما في الذهاب إليها , ولهذا آثر هذا الصحابي رضي الله عنه
المشي على قدميه مع بعد داره عن المسجد .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
رواه أبو داود (561) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
قال في دليل الفاتحين (3/558-559)
: " الظُّلَم : جمع ظلمة ، وهي تعم ظلمة العشاء والفجر .
وفي الحديث : فضل المشي إلى الصلاة سواء كان المشي
طويلاً أو قصيراً , وفضل المشي إليها للجماعات في ظلم الليل " انتهى .
وهذا الفضل ثابت ـ إن شاء الله ـ لمن صلى العشاء والفجر مع الجماعة ,
ولو كانت الطرق مضاءة . لأن هاتين الصلاتين في ظلمة الليل .
فهذه الأحاديث وغيرها فيها حث للمسلم على أن يجتهد في إتيان
المسجد ماشياً لا راكباً ولو كانت داره بعيدة , ما لم تكن مشقة أو
عذر ككبر ونحوه , وألا يعوَّد نفسه ركوب السيارة ,
إذا كان المسجد تصله القدم بلا مشقة .
ومع هذه الفضائل العظيمة في المشي إلى المسجد من محو
الخطايا ورفع الدرجات والأجر العظيم والنور التام يوم القيامة ؛
فإن هناك فوائد أخرى عظيمة تعود على البدن :
إن المشي إلى المسجد هو رياضة بحد ذاته , وفوائده لا تحصى ؛
وله دور كبير في تقوية الجسم وتنشيطه بإذن الله تعالى ؛
ليكون أهلاً لمقاومة الأمراض والآفات .
إن السعي إلى بيوت الله كل يوم في أوقات معلومة متقطعة يكفي
لتمرين العضلات وتنشيط الأوصال وتحسين حالة الجسم ,
كما أن المشي إلى المساجد يساهم في الوقاية من الأمراض
التي يسببها الخمول وكثرة الجلوس وعلى رأسها السمن ؛
لأن المشي يعمل على إذابة الشحوم والدهون .
كما أن المشي علاج لأمراض القلب حيث إنه يعطي القلب ـ بإذن الله ـ
القدرة على العمل وتحمل الجهود , حيث تكون الدورة الدموية أكثر انتظاماً .
كما أن المشي إلى المسجد علاج للتعب الذهني والتفكير الطويل ؛
إذ إنه يعيد العقل إلى حالته الطبيعية , ويساعد على الاسترخاء العصبي والعضلي .
وبالجملة ففي المشي إلى بيوت الله تعالى من الفوائد الصحية
الشيء الكثير مما أبان عنه الطب الحديث , وهي فوائد عاجلة
ينعم الله تعالى بها على عبده المؤمن في الدنيا حيث لبى النداء
وأجاب داعي الله , وهناك الأجر العظيم والنور التام في الدار الآخرة إن شاء الله .
انظر : " أحكام حضور المساجد" (60-62) لفضيلة الشيخ عبد الله الفوزان .