في يوم الخميس الثاني من أغسطس في عام 1990م حدث ما لم يكن في الحسبان وما لم يتوقعه أي مسلم فضلا عن الجيران , فقد قام الجيش العراقي بغزو دولة الكويت , ومن شدة هول ماحدث حاول الكثير من أهل الكويت ومن فيها الخروج من جحيم الكراهية والحقد الأعمى , ومن ضمن الذين خرجوا عائلة ركب أفرادها السيارة في الصباح الباكر وهم في خوف ووجل مما يقد يتعرضون له من حوادث , وسارت السيارة بمن فيها تتخفى عن أنظار الجنود العراقيين . والكل يترقب خوفا من أي طارىء , والجدة المؤمنة تردد آيات من الذكر الحكيم وتدعو الله عزوجل أن يسهل رحلتهم كي يصلوا الى بر الأمان سالمين.
والسيارة تسير عبر الصحراء في يوم قائظ شديد الحرارة, وبعد قطع مسافة طويلة في هذه الصحراء مرت عليهم كأنها قرن فجأة ظهر جندي عراقي من بين الكثبان الرملية مدججا بالسلاح وأوقف السيارة وأخذ يجول بناظريه فيها والكل خائف, ثم أخذ يوجه لهم بعض الأسئلة الاستفزازية ثم أخذ يهددهم مستعملا معهم أسلوب التخويف والترهيب والجميع صامتون قد تملكهم الخوف, والجدة تناجي ربها وتدعوه أن يخلصهم مما هم فيه, وسألهم الجندي العراقي عن وجهتهم , فأجابوا أنهم ذاهبون الى السعودية فأشار عليهم أن يسلكوا طريقا معينا دلهم عليه وقال لهم : اذهبوا من هذا الطريق فهو طريق آمن .
أسرعت السيارة تسابق الريح مخلفة وراءها الجندي العراقي وقد غطاه التراب, والجميع يحمدون الله تعالى أن خلصهم من هذا المأزق دون أذى ودعوه سبحانه بأن يسهل لهم وصولهم الى السعودية.
وسألت الجدة ولدها قائلة: هل أعطيت الجندي ماءآ وطعامآ ؟ قال الولد: لا لم أعطه... ولماذا لم نعطيه ؟ الحمدلله الذي أنجانا من شره!!
قالت الجدة: انه مسكين ولاشك أنه بحاجة الى شربة ماء في هذا الجو الحار وفي هذه الصحراء القاحلة.. هيا أرجع اليه لنعطيه ما يحتاجه.
احتج جميع من فالسيارة على رأي الجدة وتذمروا من تصرفها, ولكنها أصرت على رأيها وأمرت ولدها أن يعود الى مكان الجندي العراقي , وانصاع الولد لأمر والدته وعاد من حيث أتى , ولما وصلوا الى مكان الجندي استغرب عودتهم وشهر بسلاحه بوجوههم وسألهم مستفسرا عن سبب عودتهم.
قال الولد: عدنا لنعطيك ماءآ وطعامآ .
قال الجندي : ماء وطعام!! اني منذ مدة طويلة لم أذق طعاما ولم أشرب ماء. فأعطاه الولد زجاجة ماء باردة وكيسا مليئا بالطعام , وبسرعة فتح الجندي زجاجة الماء وأخذ يعب منها ليطفىء عطشه, وأثناء ذلك سارت السيارة بمن فيها دون أن يشعر بهم الجندي العراقي فهو مشغول بشرب الماء, وفجأة سمع الجميع صرخة قوية مدوية صدرت من الجندي العراقي ينادي عليهم بأعلى صوته : ارجعوا ...ارجعوا .
فعادوا اليه خائفون , ولما وصلوا اليه قال لهم : لا تذهبوا من هذا الطريق, فقال الولد : ولماذا أليس هذا الطريق الذي أرشدتنا اليه؟!
قال الجندي: نعم ولكنه طريق خطر مليء بالألغام ونقاط تفتيش , وكنت أريد بكم سوءا, أما الآن وقد أعطيتموني الماء والطعام فأنتم أرحم ممن ألقى بنا في هذه الصحراء وتركنا من دون ماء أو طعام ولولاكم لهلكت من العطش, والآن أسلكوا الطريق الآخر فهو طريق آمن ولن يعترضكم فيه أحد . وأشار اليهم نحو الطريق قائلا لهم : من هنا سيروا هيا بسرعة ولا تتأخروا . شكره الجميع وانطلقت السيارة بهم وهم في دهشة مما حدث فقالت الجدة: أرأيتم كيف أن الله عز وجل سلمنا من خطر عظيم كدنا أن نقع به بسبب هذه اللقمة البسيطة والشربة القليلة فاحمدوا الله واشكروه واحرصوا على عمل الخيرات فان الصدقة تقي مصارع السوء.
وصلت العائلة بفضل الله تعالى ورعايته الى الأراضي السعودية دون أن يمسهم سوء.
ان الصدقة نتائجها عظيمة وثمرتها طيبة, ولولا الله عزوجل ثم حرص الجدة على الصدقة وايمانها بالله لتعرضت هذه العائلة لأخطار جسيمة ولكن الله سلم وأنقذهم من موت محقق, ولكن شربة ماء باردة في حر الصيف أطفأت في قلب هذا الجندي نار الحقد والضغينة فرق قلبه وأرشدهم الى طريق النجاة, والحمدلله رب العالمين.
قال الله تعالى (ان الله يجزي المتصدقين)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات, وأهل المعروف فالدنيا هم أهل المعروف في الآخرة).
منقول من قصص حقيقية من واقع الحياة(كما تدين تدان).