كانت دنيا الناس قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم تعج بجاهلية غير بريئة استحكمت على تجارب الناس ودنياهم . فغلب الطيش وعم الزيغ وأصبح العالم أشبه بمخمور تربو أوقات سكره على أوقات صحوه أو بمحموم يهرف بما لا يعرف .
وتردت الإنسانية في ظلمات من الباطل تقبل أجيال وتدبر أجيال وهي تستحسن اعتناق الخرافة وإتباع الرذيلة وهان على الإنسان إنسانيته ففسد نظام فكره وتخلى عن عقله فلم يعد يستسيغ البديهيات ولا يستقبح الخبيث .
حتى تأذن الله ليحسمن هذه الآثار وليسوقن هدايته الكبرى إلى الأنام , فكان مبعث محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله بالحق إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا , ليخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد , ويخرج الناس من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا و الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام , ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم .
فكان ��" صلى الله عليه وسلم ��" خاتم الأنبياء والمرسلين وحجة الله على العالمين , بعثه بما بعث به المرسلين من توحيد الله والإخلاص له فكانت دعوته دعوة كاملة والدين الذي بعث به دين شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو كما يصفه الأستاذ حسن البنا دولة ووطن أو حكومة و أمة , وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة , وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء , وهو مادة وثروة أو كسب وغنى , وهو جهاد ودعوة , أو جيش وفكرة كما هو عقيدة صادقة وعبادة )[1]. ولم يكن دين محمد صلى الله عليه وسلم نظريات فلسفية ولا أطروحات فكرية معقدة بينها وبين الواقع هوة سحيقة بل كان سهلا ميسورا قال تعالى : } فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا { .
إن محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ��" انسهم وجنهم وشجرهم وحجرهم ��" فقد قال هو عن نفسه :) إنما أنا رحمة مهداة( [2] وهو أيضا مثل أعلى في كل نواحي الحياة على أعظم ما يكون الوضوح والكمال ولذا جعله الله قدوة للناس أجمعين قال تعالى : } لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة { . بل هو تجسيد للشمائل الحميدة و المعاني النبيلة من عدل وصدق وبر, وعلى هذا النحو سار تلامذته من بعده الذين كانوا شموسا أضاءت في سماء الإنسانية ولا تطمع الإنسانية بأن تضيء سماءها شموس من طرازهم , فقد كانوا ��" رضوان الله عليهم ��" دعاة يهدون إلى الحق و به يعدلون بل كانوا مصاحفا تمشي ‼ .
إن محمد صلى الله عليه وسلم أعظم رجل في تاريخ الإنسانية غير مدافع ولا ينكر هذا إلا من سفه نفسه وركب رأسه .ولقد شهد بهذا منصفي الغرب وعقلائهم .فقد قال العالم الأمريكي مايكل هارت في كتابه ’مائة رجل من التاريخ ‛ ما نصه إن اختياري محمدا ليكون الأول في أهم رجال التاريخ قد يدهش القراء ‼ ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين : الديني والدنيوي )[3] . ولا أذيع سرا إن قلت نحن معاشر المسلمين نرى أن التاريخ سيظلم بدون محمد صلى الله عليه وسلم.[4]