أثبت الشعب المصري أنه هو القائد الحقيقي، والمحرك لعجلة السياسة المصرية، عندما وقف على قلب رجل واحد أمام الظلم والاستبداد والفقر الذي دام سنين طويلة، وكذلك وقف في وجه الإرهاب والإرهابيين في ثورتين متتاليتين، ليعلن للعالم أن الحاكم الذي يستهين بشعبه ويجعله يعيش في الفقر والحرمان والجهل، هو حاكم فقد صوابه، وفقد شرعيته.
ولم يقف الحراك الديمقراطي في مصر عند حد القيام بثورتين، وعزل رئيس ينتمي لتيار، أراد أن يعود بمصر لعصور الاستبداد والظلام، بل أثبت جدارته في الحفاظ على حقه في اختيار رئيسه، الذي يأمل فيه الخير، وأنه سيجمع المصريين تحت لواء واحد، ويعيد مصر إلى مدارها، حيث التقدم الاقتصادي والعلمي والتنموي.
وكذلك يعيد لمصر هيبتها بين دول العالم، باعتبارها رمانة الميزان في منطقة الشرق الأوسط، وكنانة الله في الوطن العربي والإسلامي، ولكن ماذا تحتاج مصر لكي تعود إلى مكانتها وتنهض بالشكل الذي تستحقه؟ إن مصر تحتاج أولاً إلى تهيئة الأجواء الجاذبة الاقتصادية والإدارية، بالتوحد من أجل القضاء على منابع الفساد، التي استشرت في شرايين العمل الحكومي والإداري بكل أجهزته.
وتمثل عائقاً صعباً، بل مناخاً طارداً لأي مستثمر يقبل على الاستثمار في مصر. وهذا لا يتأتى إلا بتقوية مشاعر الولاء والانتماء للوطن، والتفاف طوائف الشعب المختلفة حول قائدهم ورئيسهم عبد الفتاح السيسي، في مشروع قومي، يضمن مشاركة فعالة لكل طوائف وطبقات الشعب في التنمية الاقتصادية. وبالطبع لا يتحقق ذلك إلا بإيجاد آلية تضمن التوزيع العادل للثروة والإنتاج.
إن مصر تملك ثروة بشرية هائلة، معظمها من الشباب، الذين يمثلون ثلث سكان مصر تقريباً، وهم يمثلون انطلاقة نحو الآمال والتطلعات لتحقيق التنمية الشاملة، فهم قادرون بسواعدهم القوية وفكرهم المتوقد، على مواجهة سلبيات التركة الثقيلة، التي خلفتها لهم الأجيال السابقة في العادات والأفكار المدمرة، وكذلك تركة اقتصادية وعسكرية وسياسية، وتركة دينية فيها الكثير من الأفكار المغلوطة، بل التيارات المتشددة التي تقاوم التطور وتسعى إلى تجميد الفكر.
ولا بد للرئيس الجديد وجهازه الحكومي أن يستوعبوا هؤلاء الشباب، ويستغلوا طاقاتهم في مشروعات جديدة، يشعرون فيها بكيانهم وتستثمر خلالها أفكارهم، بدلاً من أن يتركوا عرضة للتيارات المتشددة أو الإرهابية، بل يجب أن يشارك الشباب في رسم السياسة العامة للدولة.
وأن تُختار منهم العناصر الناجحة وإشراكهم في العملية السياسية، حتى لا يشعر الشباب أنهم كم زائد، مع أنهم هم صانعو الثورات في مصر ومحركو عجلة الإنتاج، وكان إهمالهم وإقصاؤهم أحد أهم أسباب سقوط الأنظمة السابقة في مصر.
وإذا حدث توزيع عادل للثروة واستغلال لطاقات الشباب، فسوف يهدأ المجتمع ويشعر بالطمأنينة، ويضع الجميع أيديهم في يد الرئيس السيسي وجهازه الحاكم، في سبيل عودة الأمن والأمان إلى ربوع مصر، وإذا عاد الأمن فسوف ينتعش الاقتصاد بشتى موارده، وتعالج أسباب نقص الإيرادات، حيث تعود السياحة التي تمثل مورداً مهماً من موارد الدخل المصري، إذ تسهـم بنسبة تفوق 11.3% من إجمالي الدخل القومي، وتوفر نسبة 19.3% من إجمالي العملة الصعبة، وفرص عمل ضخمة.
حيث تبلغ نسبة العاملين في قطاع السياحة 12.6% من إجمالي قوة العمل بمصر. ويؤدي استقرار مصر وعودة الأمن والأمان كذلك إلى عودة المستثمرين الأجانب والعرب، الذين ابتعدوا عن مصر في الأعوام الثلاثة السابقة، وتعثر المستثمر المصري نفسه، ما أدى إلى تراجع معدلات الإنتاج الصناعي والزراعي.
إن الظروف الاقتصادية والسياسية وتوقف عجلة الإنتاج، أدت إلى زيادة نسبة العجز في الميزانية المصرية في الفترة الماضية، ما أدى إلى عجز الحكومات المتتالية عن تلبية احتياجات شعبها، واضطرها إلى طلب المساعدة من أشقائها العرب، الذين لم يدخروا وسعاً في تقديم يد العون للشقيقة الكبرى مصر، من دون انتظار المقابل.
وليس أدل على ذلك من كلمة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي: «إن دولة الإمارات العربية المتحدة لن تتخلى عن مصر، وتقدر موقف الشعب المصري البطولي في القضاء على حكم الإرهاب والظلام»، واصفاً إياه بالشعب العبقري، ومضيفاً أنه لو كانت هناك «لقمة حاف» لاقتسمتها الإمارات مع مصر.
ومع ذلك فإني أومن بأن تقدم الدول ونهضتها لا تقوم على المساعدات حتى وإن طال أمدها، ومصر تمتلك الكثير من الخيرات والموارد الكافية للنهوض والتقدم وتوفير الحياة الكريمة لشعبها، إذا أحسن استغلالها واستثمرت بالطريقة الناجحة، فالمصري متى استدار بوجهه يميناً أو يساراً، فسوف يجد الإمكانات الهائلة في بلده، متمثلة في الشعب العبقري والمساحة الشاسعة، سواء كانت أرضاً زراعية خصبة أو صحراوية، فجميعها موارد خير ونماء، وكذلك شريان قناة السويس، والمعادن المتعددة الأشكال والألوان.إن الرئيس السيسي ورث عن سابقيه تركة مثقلة بالأعباء والهموم.
ولكن بالإخلاص واستيعابه شعبه وعقد المصالحة مع طوائفه، «إلا من تلطخت أيديهم بدماء المصريين» كما قال، وكذلك بإدراكه قيمة ما تمتلكه مصر من موارد وإمكانات، سوف يتقدم ويعبر بمصر نحو التقدم والاستقرار.
العرض العادي
