آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 12577 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 7354 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 13239 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14610 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 48734 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 43806 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 36022 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 20838 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 21094 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 27050 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-22-2008, 11:19 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

الشويعر

الاعضاء

الشويعر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








الشويعر غير متواجد حالياً


في حائل حبُ ُ آخر



Cant See Images


.بدتْ جموعُ المصليِّنَ تغادرُ المسجد ؛ وقد ازدحم بهم السُّوق، لم تكنْ تلكَ عادتَهم في مثلِ هذه الأوقات ولكنَّ ترقُّبَهم لأوَّلِ
ليلةٍ من شهرِ رمضانَ ،جعلتْهم يترَّيثون في مغادرةِ المسجد الواقع في سوقِ الدِّيرة…

كان كلُّ شيءٍ يسيرُ رتيباً في الشارع العامِّ للسوقِ الواقع في إحدى زواياه مسجدُ الدِّيرةِ الكبير ، حركةٌ تتكرَّرُ كلَّ يومٍ ،لم يتغيَّرْ إيقاعُها في شيءٍ،
أوشكَ كلُّ شيءٍ على السكون بعدما أغلقتْ الحوانيتُ أبوابَها ،وكادتِ الطريقُ تخلو من المارَّةِ، ولم يبقَ شيءٌ في السوق سوى مرورِ بعضِ الإبلِ والخيلِ والحمير.
كان جالساً على بساطٍ أحمرَ مُهترئٍ، أمام دُكَّانِه الواقعِ أمامَ الحيرِ الصغيرِ العائدِ له، وأمامَه وعاءٌ به بعضُ الماء يقوم بين الحين والآخر بغمس أطراف أصابعه النحيلتين
فيه ، ثمَّ يقوم بتمريرهما على وجهه النحيل ووجنتيه البارزتين.
كان يبدو من ملامحه أنه في الخمسينات من عمره، والتي قضى معظم عمره في الدِّيرة،وبالتحديد في الحير وبيته وملاحقه الطين،وقد اكتفى من حياته بهذا الدكان
الصغير الذي يبيع فيه ما يحتاجه أهل الديرة من القهوة والهيل، وبعض من أنواع الحبوب الأخرى، والقليل من الملابس والقماش.,
تحرك الهواء الحارُّ قليلاً ،ولم يزل في جلسته تلك .أخذ غترته من فوق رأسه، ورمى بها فوق البساط، تمدَّد قليلاً واضعاً يده تحت رأسه ،وجال بخياله في سنين عمره التي
مضت، متذكراً زوجته التي قضي معها خمس سنوات،وخلال تلك الفترة لم يُرزق منها بأبناء،وعَرفَ أخيراً أنه لا يُنجِب، لكنه يذكر جيِّداً أنَّ المشاكل معها بسبب(الأحدب)
،وذلك بعد زواجه منها بعد مجيئه بثلاث سنوات أنه (بريد) ،كما يعرفه هو بهذا الاسم. أمَّا أهلُ الدِّيرة جميعُهم فلا يعرفون له اسماً سوى (الأحدب)، وعندما يريدون تدليله
ينادونه (حُدَيِّب) . كانت تُصِرُّ على أن يُلقيَه في الشارع، وذلك بسبب نفورها منه ومن دمامته التي لم يُشاهَد مثلها. خمسُ سنوات عاش معهما، وبالرَّغم من أنه لم يكن له
أدنى صلة بها، وكان كلَّ وقته لا يشاهد إلا داخل الحير بين النخل، وبين غرفته الطين التي في طرف الحير،،ولم تكن تأتي للحير إلا نادراً، وبالرغم من ذلك كله لم تترك
شيئاً من السباب إلا وقد أسمعته لهذا المخلوق البائس :
لاأدري ماذا تريد بهذا المسخ..إنه قرد ليس إنسان..ألا تستحي من أهل الديرة وهم يرونك تربِّي قرداً ، أماته الله وأراحنا منه ، لا أستطيع أن أتصور تلك الحدَبة التي على
ظهره، إنني متأكِّدةٌ أنه ربما يكون هو سبباً في انقطاع خلفتي.يجب أن ترميه في الشارع .هل تسمع ؟ اختر بيني وبينه. هل فهمتَ ؟ لن أصبرَ أكثرَ من ذلك. هو سببُ عدم
إنجابي، الكثيرون قالوا لي ذلك، هل تسمع ؟. لماذا تصمت.؟ ألا تتكلم..لا بارك الله في يوم عرفتك وعرفته فيه .
اتقى الله ياامرأة. ومادخل بريدٍ في انقطاع خلفتك ؟ أنتي تعرفين جيداً أنه لا يأكل إلا معي، ولا يغمض له جفن حتى أتي، وقفَ معي في شئون الحير، ا يجدُّ النخل إلا هو،
ولا يسقي ولا يصلح شئون المزرعة إلا هو..هيا اسمعي جيداَ :.بريد سيبقى، وهو في الحير وأنت بعيدة عنه، لا شأن لك فيه . تعرفين جيدا ،لو تخلَّصتُ منه
سيموت..سيموت..بريدُ أصبح لي كأنه ابن ..هل فهمتِ ؟…. ـ
لا باركَ الله فيك أيها الرجل ،تُفضِّلُ عليَّ هذا المسخ القبيح، لن أجلس معك ،سأترك لك الدار أنت وقردك الممسوخ ..
وغادرت الدار، وبعد أيامٍ تمَّ الطلاق بينهما.
اعتدل في جلسته تلك عندما رأى رجلاً مُقبلاً على فرسٍ، ويسير بجواره شخصٌ آخر قد حملَ في يده سراجاً مشتعلاً شديدَ الضوء، نزل الرجل من فوق فرسه عندما أصبح
بمنتصف السوق، ونادى بأعلى صوته: يُحييكم الأمير، ويقول لكم: مبروك الشهر، وقد ثبت أنَّ اللَّيلةَ أوَّلُ ليلةٍ للشَّهرِ الكريمِ .
توافد الكثير من أهل الديرة لمصدر الضوء ،وقد عرفوا ذلك، وازدحمت الأزِقَّة والسوق بأهل الديرة، واتَّجه أكثرُهم للمسجد لصلاة التراويح، وأخذ الأطفالُ والصِّبية يلعبون
ويمرحون بين الأزقة الضَّيِّقة فرحاً بقدومِ الشهر. مرَّ عليه في جلسته تلك بعضُ أهل الدِّيرة ،ونادوه : هيا ياشيخ سالم، صلاة القيام، مبروك الشهر. ـ
هيَّا، سوف أُغلق الدُّكان ناداه بصوت عال ٍ لكي يتمكن من سماعه قائلا: بريد هيا أغلق الدكان.. سأذهب لأصلِّيَ القيام، غداً رمضانُ. ،وسار بخطواتٍ سريعة للمسجد….
سمع بريدٌ، أو كما يناديه أهل الديرة (حُديب) أمرَ ربِّ نعمتِه الشيخِ سالم، وانطلق يجري داخل الحير،وقد أخفت الظلمة سحنته المشوهة التي تجعل مَن لايعرف الأحدب
يصاب بالخوف عند رؤيته له ، أمَّا مشيته بتلك الحدبة التي على ظهره وإحدى يديه التي تكاد تلامس الأرض لطولها، والأخرى القصيرة،فهو شيء آخر جعلت منه مخلوقاً أقرب إلى المسخ منه إلى الإنسان..
أخذ يتنقل بين النخيل بسرعة مذهلة بالرغم من ظلمة الحير الشديدة، بشكلٍ يوحي ذلك بأنه يعرف المكان جيدا،ويعرف كلَّ شيء فيه..هذا المكان، وتلك النخلات، وشجرات
البرتقال التي يعرفهن أكثر من أي شيء آخر…
أسرع باتجاه الباب الخارجي للحير، قام بإغلاق باب الدكان ، ولفت نظرَه ازدحامُ السوق والسُّرُجُ المشعولة داخل المسجد..وما إن رأه الصبية الذين في الشارع حتى
ركضوا باتجاهه ، وعندما اقتربوا منه نظر إليهم بريبةٍ، ثمَّ التصق بالجدار لمعرفته مُسبقاًً بالذي ينتظره منهم….
اقترب أحدهم منه، وصاح بأعلى صوته ـ لمعرفته أنه لا يسمع جيدا : غداً رمضان..حديبُ، هل سمعت ؟...
أخذ ينظر إليهم بخوفٍ وتوجُّسٍ .
اقترب آخر منه واضعاً يداه جوار فمه على هيئة بوق، وصاح: بكرةً رمضان ياحديب..تصوم ولا تفطر ؟
تراجع للخلف ملتصقاً أكثر بالجدار..محملقاً بهم بريبة وتوجس من وراء عين واحدة ضخمة تقطر ،كأنه سَمِع ما أرادوا قوله له، وانفرج فمه عن أسنان متباعدةٍ مشوَّهة
أضافت لدمامته تلك شيئاً آخر ، متمتماً بصوت خافتٍ متقطِّعٍ : ر..م..رم. ضان...
نعم غداً رمضان، لم تقل لنا ستصوم أم لا؟
انفرج وجهه عن ضحكة عالية ،واقترب من طفلٍ صغيرٍ واقفٍ بين المجموعة كان ينظر إليه برهبة وخوف، أراد أن يمسح على رأسه بتلك اليد الطويلة ذات الكف الغليظ…
لكن الطفل ركض وهو يصيح وقد انخلع قلبه من شدة الخوف .
انفجر الأولاد ضاحكين قائلاً أحدهم له ـ ويدعى (جزاعاً) ـ : ياويلك ياحديب من أمِّ راشد سوف تأتي الآن، الويل لك منها.
أخذ ينظر إليهم بخوفٍ مقترباً من باب الحير . قام عندها الغلام (جزاع) بأخذ حجر، وقام بضربه على صدره به ..وانطلق الأولادُ جميعُهم هاربين من أمامه…
انحنى إلى الأرض أخذاً حفنة من التراب ورماهم بها..ثم دخل الحير مغلقاً الباب ورائه….
أخذ يعدو بين النخيل وأشجار البرتقال بسرعة توحي لمن يراه أنه يعرف كلَّ شبر في ذاك المكان..
كان يردِّد: ر..م.. رم ..ضان ، اتَّجه إلى غرفةٍ في طرف المزرعة، وبحركةٍ سريعةٍ أخرج سراجين كبيرين وقام بتركيب فتيلتين لهما ،وسكب قليلاً من الكاز،وأشعلهما
، وتحوَّلت ظلمةُ الحير إلى إضاءة شديدة، وأخذ يهزج ويلغط بكلماتٍ غير واضحة، وهو يضغط مكبس الهواء بسرعةٍ ليزيد من ضوئهما .علَّقهما على عمودين من
الخشب، ثَّم انطلق مُسرعاً إلى نخلةٍ فائقة الطول قد انحنت بطريقة واضحة ،كانت من تلك النخلات التي لاتُثمر، باقٍ بها القليلُ من الجريد الأخضر . تسلَّق عليها بسرعةٍ
ومهارةٍ تدلُّ على أنَّ له خِبرةً طويلةً معها في ذلك..حتى إذا أصبح على قِمَّتها المنحنية أخذ يهزُّها بقوَّة جاعلاً منها أُرجوحة،ثمَّ قام بالقفز منها على نخلة أخرى بجوارها
شاهقةِ الطول، قد بقي على قُنيانها بعضُ التمرات التقطهن ووضعهن في جيبه،
َّ لفتَ انتباهَه خروجُ المصلين من صلاة القيام ،فانفرج فمه عن ابتسامة مهمهماً: رم..رم..ضان ، لكنَّ ابتسامته تلك وفرحته سرعان مااختفتا، وحلَّ مكانهما خوفٌ وقلقٌ
باديان، وذلك عندما رأى من مكانه ذاك مجموعةً من الأولاد، تتقدَّمهم امراةٌ نحيلةٌ في الأربعينات من عمرها ،تسير بِخُطاً سريعةٍ، وهي تسحب عباءتها ، وقد تناهى إليه
صوت الأولاد ، بصعوبةٍ يكاد يسمعه ، ولكنه استطاع أن يعرف أنهم يقولون بصوتٍ جماعيٍّ ـ وكأنهم مجموعة من المنشدين يرددون ـ :ياويلك .ياويلك
ياحديب..ياويلك ..ياويلك من أمِّ صايلٍ، ياويلك ياويلك…. نزل بسرعةٍ وخِفَّةٍ من رأس النخلة، واتَّجهَ لبابِ الحير واقفاً ورائه ،محاولاً أن يسمع ليعرف ماالذي أتى بأمِّ صايلٍ
إليه ..فهي لاتأتي ـ كعادتها ومن وراءها الأولاد يزِفُّونها ـ إلا لشرٍّ ،ولايكاد أحداً في الديرة لا يعرف من هي أُم صايل. تلك المرأةُ السَّليطة اللسان..التي اُشتُهِرت أنها بقدر
عشرة من الرجال في قوة صوتها وبأسها. وكثيرٌ من المشاجرات التي تقع بينها وبين الآخرين تخرج منها منتصرة،،وذلك بما حازت عليه من بذاءة اللسان والتشهير
بخصمها..عندما أصبحت أمام باب الحير لم تُكلِّف نفسها الطرق على بابه.. أخذت حجراً كبيراً، ورمت به الباب بكلِّ قوتها..فما كان من حُدَيِّب إلا أن انطلق بسرعةٍ ليلوذ
بالغرفة التي في طرف المزرعة… وشنَّفت أُمُّ صائل آذان جمهورها من الأولاد الذين أشعلوا نارها، ثمَّ أتوا خلفها لينظروا مايستطيعون مشاهدته في تلك الليلة، فهم يعرفون
جيداً كيف تكون المآسي التي تُحييها أُم صائل : صاحت بصوتٍ جهوري:
اخرج ..هيا أيها القرد. أرني وجهك..أُقسم أيها المشوَّه إن لم تفتحِ الباب فسوف أكسره..ثمَّ أخرجت عصاً غليظة من تحت عباءتها، وأخذ تطرق بها الباب بقوة
…أخذ بعض الأولاد من حولها يقفز متحمِّساً، وبعضهم يرقص فرحاً..مستمتعين بما يرونه، ومتشوِّقين لرؤية الفصل الأخير من هذه الملحمة التي تُحييها أُم صايل…. عند
مغادرته المسجد لاحظ الجمهرة التي عند باب الحير ..أسرع في مشيته .. رأى أُم صائل تلوح بالعصا الغليظة التي بيدها، وتطرق باليد الأخرى باب الحير بحجر كبير.
خيراً ياأُم صائل ؟
أيُّ خيرٍ وراءَ قردك هذا المشوَّه الذي أتيت به الديرة .
سالم: اهدئي قليلاً هداك الله، وأخبريني ماالذي حدث ؟
لم تجاوبه، واستمرت تطرق الباب بشدة وهي تتوعد وتهدد حديباً بأن يخرج لها.
التفت إلى الأولاد قائلا: هيا أخبروني ماالذي حدث؟..
اكتفوا بأن نظرَ كلٌّ منهم للآخر وهم صامتون....
التفتت إليه وأخذت تخاطبه بحدَّة من وراء غطاء وجهها الذي أخذ يندفع للأمام من شدة كلامها :المشوه هذا الذي أسكنته في حيرك ..أمسك بولدي صائل من شعر
رأسه، وأخذ يجرُّه منه ليدخلَه داخل الحير..
من قال لك ذلك؟
جزاع قال ذلك.
جزاع..جزاع ..أين جزاع؟.. التفت للأولاد سائلاً: أين هو ؟
ذهب لبيته ..
سامحك الله ياأُمَّ صائل، تسمعين كلام جزاع هذا الفتىالذي لايتعدَّى عمره السابعة عشرة ألا تعرفين جزاعاً..؟! أنتِ تعرفين أنه كذوب، وكم حدثت منه مشاكل قبل
ذلك….التفت للأولاد. هيا أخبروني ..هل ماذكرته أُم صائل صحيح ؟
الأولاد ينظرون إلى أُمِّ صائل بخوفٍ، وإلى باب الحير بشوق وفضول..
الشيخ سالم بانفعال :هل ستستمرون في صمتكم هذا .هيا أخبرونا ماالذي حدث ؟
لم نرَ شيئاً سوى أنَّ جزاعاً أخذ حجراً وضرب به حديب .
قالت أُم صائل بصوت عال وبحنق :نعم يضربه ويَكسر رأسه أيضاً..فعل ذلك عندما رآه يمسك بشعر صايل ويجره ليدخله الحير...
سالم: اصبري هداك الله..ماذا رأيتم غير ذلك،هيا أخبروني أيها الأبناء الطيبون
لم نرَ شيئاً غير ذلك..سوى أنَّ حديب قام بالمسح على رأس صائل..
عند ذلك أطلقت عقيرتها بالصياح : ماذا تقصد ؟ ..هل أنا كاذبة ؟هل نسيت أنه في الجمعة الماضية كاد هذا المشوَّه أن يقتل أحد الأولاد عندما دفعه بيده، فأطاح به
على الأرض..هذا جبَّارٌ من الجبابرة....
هيا دعيك من ذلك ،ألم يكن ذلك الشاب هو الذي قام بخنقه بالعقال من الخلف، يُريد أن يُضحك عليه الباقين..وأراد بريد أن يفك َّنفسه....
توكاد النقاش أن يتطور بين الشيخ سالم وبين المرأة عندما ظهر رأس جزاع من زاوية الشارع يترقَّب تأثير كذبته تلك أين وصلت
صاح الأولاد.. هذا هو جزاع...
صاح الشيخ منادياً عليه: جزاع ..جزاع تعال لا تخف ،
لكنَّ الغلام لاذ بالفرار عندما رأى أنَّ كذبته تكاد تُعرف...
هل رأيتِ ..جزاع كذب فيما نقله لك...
لكنَّ المرأة أصرَّت على موقفها، وأشنفت أهل السوق الذين بدؤوا بالتجمع على صياحها :جزاع لم يكذب ..هل ستفتح باب الحير أم أُريك ماذا سأفعل....
من العيب أن تفعلين ذلك في هذه الليلة الفضيلة..
أُم صائل: لن أغادر من هنا حتى تُخرج لي هذا الأحدب المشوه..سأجلس حتى لو لزم الأمر مني أن أتسحر هُنا..عليك أن تعرف أيها الشيخ أنني تركت ولدي في البيت
يرتجف خوفاً..إن صار له شيء سيكون حسابك عسيرا أنت ومشوهك هذا…
وقطع ذلك كلَّه قدومُ صائل من بيتهم من أول الشارع، وفي يده قطعةٌ من اللحم يأكل فيها وهو ويرقص!
قال الشيخ ضاحكاً :هاهو صائل ابنك ليس به إلا العافية....
وما إن رأت المرأة ابنها قادماً في ذاك المنظر حتى انطلقت نحوه تُريد الإمساك به لضربه، وهي تكيل له السباب ..ولكنَّ الطفلَ كان أسبقَ منها ..وركض هارباً
للبيت....
نظر نحوها ضاحكاً، وهي تركض وراء ابنها ، ثمَّ أخرج مفتاح الحير المصنوع من الخشب، ودلف لداخل الحير.... بعدما فتح الباب ،واتَّجه لغرفته الطين التي في
الطابق الأعلى، والمُطلَّة على شارع السوق الكبير للديرة.
.مشى بخطواتٍ رتيبه يجرُّ قدميه ،ويجرُّ وراءه خمسة وخمسين عاماً من عمره ، سنين طوال له.. وخمسة عشر عاماً للأحدب لا يعرف هذا الحير الصغير بمزرعته
الهادئة سوى هذان الاثنان…إنه الشيخ سالم ،أو كما يُناديه بعض أهل الديرة بالمطوِّع والآخر( الأحدب)، أو كما هو مشهور في الديرة كلِّها باللقب الذي يفضِّلونه له، ويطلقونه
عليه " حديب " ….
عندما أصبح داخل غرفته الطين وهمَّ بإلقاء ملابسه عنه، وذلك لشدَّة حرِّ تلك الليلة..
طُرق باب الغرفة بهدوء…تسلل بعدها الأحدب متجهاً إليه يجرُّ وراءه تلك الحدبة الضخمة التي وُضعت على ظهره..أكبَّ على يده يُقبِّلها، ووقف صامتاً أمامه كما هي
عادته التي يعرفها جيداً كلما كان بحضرة ربيب نعمته ، الذي أتى به في تلك الليلة المًظلمة،ووفر له العيش في هذا الحير،،بشيء من الآدمية بعدما نفر منه الجميع..حتى

إنَّ البعض كان يُقسم بأنه ليس من أبناء آدم، بل هو جنيٌّ يتقمَّص جلد إنسان..والمعتدلُ فيهم يقول : بل أُمُّه جِنِّية! نظر إليه بنظرة صارمة لا تخلو من الرحمة والشفقة
…أحسَّ بما يعتلج في صدر سيده، فانطلق بخفَّة حتى توارى في ظُلمة الحير تلك الليلة…
أكمل الشيخ إلقاء بقية ملابسة، وتمدَّد على السرير الخشبي..
أحسَّ أنَّ الجوَّ خانق فقام بفتح النافذة الخشبية الصغيرة المُطلَّة على السوق، ووقف يرقب الشارع الواسع للسوق الذي انفضَّ من المارة.. وقد لزموا بيوتهم يتهيئون
لطعام السحور في أوَّل ليلةٍ من شهر رمضان.
.أحسَّ أنه لا يستطيع النوم..أخذ يجول ببصره بين حوانيت السوق وأزقَّته الصغيره،،وتلك النخلات العالية التي مذ عرف الدُّنيا هو يعرفها جيداًَ، ويعرف هذا
السوق..
خمسة وخمسون عاماً وهذا المنظرُ راسخٌ في ذهنه، يعرفه جيداً كما يعرف نخلاته وأشجار برتقال حيره الذي قضي فيه أغلب سني عُمره ،وكما يعرفه أهل الدِّيرة
فهو المُطوِّع كما يُطلق عليه البعض ،وأصبحوا يرجعون إليه في أكثر مايعترضهم من مشاكل ، أو ليأخذوا استشارته ورأيه في كثير من المسائل، لما له من باعٍ كبيرٍ في
الفتوى ،لإلمامه بالكثير من العلوم الشرعية،إلى جانب حفظ القرآن….كما أنَّ كثرة سفره وتردده على بلاد الشام والعراق أكسبه الكثير من العلوم الدنيوية وبعض علوم
الطبِّ، وتضميد الجراح.التي جعلتْ أكثرَ أهل الدِّيرة يراجعونه في ذلك.. ولعلَّ ذلك كلَّه توفر له من بقائه وحيداً أغلب سنين عمره، بعدما فقد جميع أهله في سنة من تلك
السنين التي اجتاح فيها الوباء الديرة..والتي كان يعرفونها بسنة (الرحمة)، عندما كان يبلغ العاشرة من عمره…ولكنَّ الوباء أبقى له واحداً من أخواله..تكفَّل برعايته، ونشأ في
هذا الحير، وبعدما بلغ الثلاثين من عمره توفي خاله هذا، وبقي وحده في الحير متفرِّغاً للعلم، وعندما بلغ ذلك أحسَّ أنه بحاجةٍ لزوجةٍ يعيش معها في هذا الحير، وفي هذه
الغرفة من الطين لتؤنس وحشته فيها.. ولم تمضِ أيامٌ قليلة بعدما قرَّر ذلك، حتى أتى بها للحير..وبعدما عاشا سنوات قليلةً من عمر زواجهما، اتَّضحَ له أنها لايعجبها تفرُّغه
لطلب العلم ،وتكره تلك الكتب التي يحرص على اقتناءها ،وسرعان مافارقها ، بعدما أسمعته الكثير من صياحها الذي يُشبه العواء في أوقات كثيرة ..وقد أصرَّت هي على
فراقه بعدما أضاف إلى تبرمها وسخطها من كتبه وعلمه..ذاك الطفل المشوَّه، ذا الحدبة الكبيرة، الذي أتى به في إحدى الليالي الشديدة البرودة..وأصرَّت على أن يُلقي به
في الشارع ..لأنه هو سبب قطع الخِلفة بينهما..وكم وقع بينهما الكثير من الصياح حول ذلك، وكم حاول أن يُقنعها أنَّ هذا الشيء لادخل لبريدٍ، أو المشوه كما تُحب منادته
به، وحسم هذا الأمر عندما عرف الشيخ أنه هو السبب في عدم الإنجاب ، لأنه عقيم. بعدما عرف ذلك من طبيبٍ في إحدى سفراته للشام،
وافترق الاثنان،وبقي هو والأحدب في هذا الحير ..
هبَّ الهواء قليلاً عبر النافذة الخشبية..وحرَّك جريد تلك النخلات الواقعة في طرف السوق ..فأحسَّ بسكونٍ وهدوءٍ عميقين..واسترسل في تذكُّره .
.إنه يذكر جيداً تلك الليلة منذ أربعة عشر عاما..تلك الليلة التي أتى فيها بهذا المخلوق المشوه ..كانت ليلةً شديدة البرودة يغطي فيها الجليدُ كلَّ شيء، لذلك آثر أن يُسمِّي
هذا المخلوق( بريد ) الذي رمت به عناية الله في تلك الليلة.. يذكر جيداً تلك الليلة الشديدة السواد ،وقد آثر أهلُ الدِّيرة لزوم بيوتهم ،والالتفاف حول مواقد النار طلباً
للدفء ..
كان في عودته تلك الليلة من عند شيخٍ في قريةٍ مجاورة يتدارسون فيها بعض العلوم الشرعية..وقد همز جواده لينطلق سريعاً قبل أن تتجمد أطرافه ..وآثر في تلك الليلة أن
يسير بين أطراف النخيل الواقع في طرف الديرة لاختصار المسافة، وللاحتماء من الصقيع الشديد… لفت انتباهَه نارٌ توشك أن يخبو لهيبها.. تيمَّم نحو ذلك الضوء مستغرباً
وجوده في هذا المكان الذي لايرتاده أحدٌ في هذه الليالي الشديدة البرودة… كم كانت مفاجأته عندما وجد صندوقاً خشبياً جوار النار بداخله شيء يتحرك ويصدر منه صوتٌ كأنه
خُوار ضعيف، وعندما أزاح الغطاء عن وجهه معتقداً أنه سيرى جرواً، أو ذئباً صغيراً، وماإن رآه حتى أخذ يتأمله في تعجُّب ، فقد لقيه آيةً من آيات الدمامة والبشاعة..فهو
بعينٍ واحدة ورأسه قد غاص بين كتفيه،وفي صدره وظهره نتوءان واضحان..كان عمره لا يتجاوز عاماً واحداً..
قد عرف أنَّ مَن ألقى به لا يرغب الاحتفاظ بهذا المخلوق المشوه..ولكنَّ هذا المسخَ لم يزده في تلك الليلة سوى عطفِ وشفقة على هذا المخلوق الضعيف، قام بحمله
معه على جواده منطلقاً به في ظلمة الليل باتجاه الحير


آخر تعديل abo _mohammed يوم 09-22-2008 في 02:28 PM.
رد مع اقتباس
قديم 09-22-2008, 06:29 PM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

الشويعر

الاعضاء

الشويعر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








الشويعر غير متواجد حالياً


رد: في حائل حبُ ُ آخر

ماسبق نشره ، الحلقة الأولى من ( في حائل حبُ ُ آخر) .... تأليف العبد الفقير ( عبد الرحمن بن سعود الشويعر)


رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:13 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir