فإن تسالاني فيم حزني فانني = رهينة هـــذا القــــبر يافتيان
وإني لاستحييه والترب بيننا = كما كنت استحييه حين يراني
يقول الاصمعي العالم الذي له الاثار المختلفة في العلوم المتعدده
دخلت في يوم من الايام بعض مقابر الاعراب وكان معي صاحب لي
وبينما كنا نسير إذا بجاريـة على قبر وهي منهمكـة في البكاء وعليها
من الحلي مالم ار مثله فالتفت الى صاحبي فقلت له هل رأيت اعجب
من هـذه ؟؟
قال : لا ، والله لا احسبني اراه .
فقلت لها ياهذه أراك حزينـة وماعليك زي الحزن ، فاذا بها تنشد
قائلة البيتين السابقين ، ثم اندفعت بعد ذلك في بكاء مرير وهي تنشد
ياصاحب القبر يامن كان ينعم = بالا ويكثر في الدنيا مواساتي
قد زرت قبرك في حليي وفي حللي = كانني لست من اهل المصيبات
أردت اتيك قيما كنت اعرفـه = ان قد تسربه من بعض هياتي
فمن اراني راى عبري مولهـه = عجيبة الزي تبكي بين اموات
اننا امام مشهد من مشاهد الوفاء يحكيه الاصمعي في تعجب بالغ
فمنظر الجارية وهي لابسة للحلى لاينم عن حزن علما بان الجارية
رهينة قبر من كان ينعم بها وتنعم به فهي تحمل اصالة الحب والوفاء
وهي من الحياء الصادق بمكان حتى إنها لتستحييه في القبر وهو ميت
كما كان حيا وهذا دليل الاستغراق في الحب والتخيل الملازم واللا شعور
المعانق لمن حبها واحبته والارواح جنود مجندة ماتعرف منها إئتلف
وحينما يوجد سمو الروحي والاستبطان المتوهج بالحب والوفاء ينعكس
منظر الماضي على الحاضر فكانه ماثل امام العين والذكريات المشعه
بالوفاء المشرقه بجمال الماضي جديره بان تملأ الوجدان وتغمره بالصور
المتلاحقه ومن هنا فالجارية لايغيب عنها تنعمها به بالا كما كان يكثر
في مواساتها ولئن زارت القبر كما تقول في حلي وفي حلل حتى كانها
ليست من اهل المصيبات فانها لاتستحضارها للماضي وتمثل الماضي
امامها جعلها تاتي في الزي والهئيه التي كان يسر بها حتى ان الذي
يراها يرى إنسانه عبرى مولهة عجيبة الزي والحسن والهيئه تبكي بين
الاموات وان هذ تناقض مظهري فقط أمام الرائي بخلاف الواقع الذي
لدى الجارية الوفية .
إن هذا هو الوفاء الحق وما احوجنا الى الوفاء في الافراح والاتراح
في السراء والضراء فكثير من الناس يتخذ الوفاء شكلا للوصول
الى الهدف ويتناسي الصدق والاخلاص في الوفاء إن تاريخنا العربي
كم حافل بالوفاء الصادق فهل نفتح اعيننا على هذه النماذج الخالده
لنقتدى بها ما احوجنا الى ذلك في زمن ندر فيه الوفاء وقل فيه
الاوفياء وهذا نوع من الزهــد
العرض العادي
