يا من ألوذ به فيما أُؤملــــه*** ومن أعوذ به فيما أُحــــــاذره
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره*** ولا يهيضون عظماً أنت جابره
أبو الطيب المتنبي
قال المتنبي من الشعر الشيئ الكثير وقد ابدع في ذلك ومن ابداعاته تحول بعض ابيات من شعره الى حكم عربية متداوله على لسان الجميع مما يدل حتما الى ابداع قائلها
ومن ذلك الابداع هنالك 30 مثلا عربيا اقتبس من شعر المتنبي وهي:
*وأذا اتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل
*لايسلم الشرف الرفيع من الاذى
حتى يراق على جوانبه الدم
*اذا انت اكرمت الكريم ملكنه
وان انت اكرمت اللئيم تمردا
*ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لاتشتهي السفن
* على قدر اهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
*اذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلاتظن ان الليث يبتسم
*واذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الاجسام
* ذو العقل يشقى في التعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
* ولم أر في عيوب الناس عيبا
كنقص القادرين على التمام
*اذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
*من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت ايلام
*واذا لم يكن من الموت بد
فمن العجز ان تموت جبانا
*لا بقومي شرفت بل شرفوا بي
وبنفسي فخرت لا بجدودي
*عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم الأمر فيه تجديد
*لاخيل عندك تهديها ولا مال
فليسعد المنطق ان لم يسعد الحال
*ومن نكد الدنيا على الحر ان يرى
عدوا له ما من صداقته بد
*ومن ينفق الساعات في جمع ماله
مخافة فقر فالذي فعل الفقر
*يهون علينا ان تصاب جسومنا
وتسلم اعراض لنا وعقولنا
*وأني من قوم كأن نفوسهم
بها أنف ان تسكن اللحم والعظما
*فاطلب العز في لظى ودع الذل
ولو كان في جنات الخلود
*لاتشتر العبد الا والعصا معه
ان العبيد لانجاس مناكيد
*واتعب الخلق من زاد همه
وقصر عما تشتهي النفس وجده
*وما التأنيث لاسم الشمس عيب
ولا التذكير فخرا للهلال
*أنا الذي نظر الاعمى الى ادبي
وأسمعت كلماتي من به صمم
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي .............. وأسمعت كلماتي من به صمم
كم تطلــــبون لنا عيـــــبًا فيعجزكم ............ويكره المجد ما تأتون والكرم
ما أبعد العيب والنقصان عن شرفي ...........أنا الثّريا وذان الشيب والهرم
وإذا أتــــتك مذمتي من نـــــاقصٍ .............فهي الشــــهادةُ لي بأني كامــلُ
أنام ملء جفونــــي عن شواردها ..............ويسهرُ الخلقُ جراها ويختصـم
غيري بأكثر هذا الناسِ ينخــــدعُ ..............إن قاتلوا جبنوا أو حدثّوا شجعوا
ولا الجمع بين الماء والنار في يدي ........بأصعب من أن أجمع الجدَّ والفهما
وإني لمن قومٍ كأنّ نفوســـــــــَهم ..............بها أنفٌ أن تسكنَ اللحم والعظما
عدوك مذمـــــــــومٌ بكل لســــانِ .............وإن كان من أعدائـِـــك القمـــران
ولله ســـــــرٌّ في عــُـــلاك وإنما ..............كلام العِـدا ضربٌ من الهذيـــــان
على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ ............وتأتي على قدرِ الكرامِ المكـــــارمُ
وتعظمُ في عينِ الصغيرِ صغارها ..........وتصغر في عينِ العــــظيمِ العظائمُ
لعل عتبَك محـــــــــــمودٌ عواقبه ............فربّما صحّت الأجســــــــامُ بالعللِ
فمسّاهم وبسطهم حريــــــــــــــر ...........وصبّحهم وبسطهم تــــــــــــــــراب
وفي التودد والاستعطاف قال لسيف الدولة :
و احرَّ قلباه ممن قلبهُ شــــــــبمٌ .......ومن بجسمي وحالي عنده شضم
يا أعدل الناس إلا في معاملتــي .....فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
المجد عُوفي إذ عوفيت والكرم ......وزال عنك إلى أعدائـــــــــك الألم
يا من يعزُّ علينا أن نفارقهــم ..........وجداننا كلُ شيءٍ بعدكم عدمُ
إن كان سرّكم ما قال حاسدُنا .........فما لجرحٍ إذا أرضاكم ألـــــمُ
وله في الحكمة قوله :
كفى بك داء أن ترى الموتَ شافيًا ...... وحسبُ المنايا أن يكنّ أمانيا
إذا غامرت في شرفٍ مروم ٍ .........فلا تقنع بما دونِ النجــــــــومِ
فطعمُ الموتِ في أمرٍ حقيـــرٍ .......كطعم الموت في أمرٍ عظيـــــمِ
إذا اعتاد الفتى خوضَ المنايا ........فأهونُ ما يمرُّ به الوحـــــــولُ
إذا رأيت نيوبَ الليّثِ بارزةً .......فلا تظننّ أنَّ الليّث يبتـــــــــــسمُ
ذو العقلِ يشقى في النعيمِ بعقلهِ ......وأخو الجهالةِ في الشقاوةِ ينعمُ
ومن عرف الأيام معرفتي بها .....وبالناسِ روى رمحه غير راحم
لا يخدعنّك من عدوٍ دمعــــــة ..... وارحـــم شبابك من عدوٍ ترحم
لولا العقولُ لكان أدنى ضيغم .......أدنى إلى شرفٍ من الإنســـــانِ
ما كلُ ما يتمنى المرء يدركهُ ..... تجري الرياحُ بما لاتشتهي السفنُ
إذا ساء فعلُ المرءِ ساءتْ ظنونُه .....وصدّقَ ما يعتادهُ من توهّـــــمِ
إذا أنت أكرمت الكريمَ ملكته ........وإن أنت أكرمت اللئــــيمَ تمّردا
وما الحياة ونفسي بعدما علمتْ ......أن الحياةَ كما لاتشتهـــــي طبعُ
من يُهنْ يسهُلْ الهــــــوانُ عليه ...........ما لجرح ٍبميِّتٍ إيـــــــــلامُ
مرّ أبو الطيب برجلٍ جاهلٍ سفيهٍ أحمق
_ كما يراه أبو الطيب ! _
فأساء لأبي الطيب في القول
فرد عليه أبو الطيب بقوله:
صَـغُـرتَ عن المديحِ فقلتُ : أهجو ؟ * * * كأنكَ قد صَـغُـرتَ عن الهجاءِ !
رائعة من روائع أبي الطيب المتنبي التي يقول في مطلعها:
لا خيل عندك تهديها ولا مال
فليسعد النطق ان لم يسعد الحال
ويختمها بقوله:
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والاقدام قتال
لاخــيلَ عنــدَك تُهدِيهـا ولامـال
فَليُسـعِدِ النطـق إن لـم تُسـعِد الحـالُ
واجــز الأمِـير الـذي نعمـاه فاجئَـةٌ
بِغــيرِ قَـولٍ ونُعَمـى النـاسُ أقـوال
فرُبَّمــا جــزَتِ الإِحســانَ موليـهُ
خَـرِيدةٌ مـن عَـذارَى الحـي مكسـالُ
وإن تَكُـنْ محكَمـاتُ الشُـكلِ تمنَعُنـي
ظُهـورَ جَـري فَـلِي فِيهِـنَّ تَصهـالُ
وَمــا شَــكَرتُ لأن المـالَ فَرَّحَـني
سِــيَّانِ عِنــدِيَ إكثــار وإِقــلالُ
لكِــن رأيــتُ قَبِيحـا أنْ يُجـادَ لَنـا
وأننــا بِقضــاءِ الحــقَّ بُخــالُ
فكُـنتُ مَنبِـتَ رَوض الحـزنِ بـاكَرهُ
غَيــث بِغَـيرِ سِـباخِ الأرضِ هَطـالُ
غَيـــث بَيِّــنُ للنُظــارِ مَوقِعُــهُ
أن الغُيُــوث بِمــا تَأتِيِــهِ جُهــالُ
وان تعجبت بعض العرب عن افصاح شاعر مبدع كالمتنبي عن هذه الفكرة، وحثه الناس على البخل وهو الذي يقول:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
إلاّ ان البعض يرى ان المعنى في بطن الشاعر والبيت ليس بهذا المعنى الظاهر لنا.. وخصوصاً ان الدين الإسلامي جاء ليعزز مكارم الأخلاق التي كان يتحلى بها العرب ويفتخرون بها في الجاهلية حيث قال صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
والعرب كانت ومازالت تفتخر بهذه الخصال وتسعى للتحلي بأجملها وتذم الشح والبخل وترى ان هذه المكارم باب للسيادة في القوم، فعندما سئل ذو الاصبع العدواني (بم سدت قومك؟) أجاب (كنت أنخدع لهم في مالي). ولعلني هنا استشهد ببعض أبيات للشافعي حيث يقول في مدح السخاء وذم البخل:
وان كثرت عيوبك في البرايا
وسرك ان يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب
يغطيه كما قيل السخاء
ولا ترجو السماحة من بخيل
فما في النار للظمآن ماء
وعلى أية حال، فعند الحديث عن الجود والسخاء لابد من الإشارة إلى أبي الكرم وأكرم العرب الشاعر الجاهلي حاتم الطائي حيث كان يتزين بالسخاء والكرم وحب الضيافة باسمى زينة ولم يكن همه إلاّ اكرام الضيف، فكان الكرم سجية فيه وغريزة متمكنة حيث اكتسب الكرم من أمه وأخذه عنها وله الكثير من القصص الشهيرة حول اكرام الضيف، فيقال انه قدم ذات يوم لضيوفه كل الابل التي كان يرعاها وكذلك قصته الشهيرة عندما ذبح لرسول قيصر الروم فرسه حيث كانت المواشي في المرعى وان بحثنا أكثر في سيرة حاتم وغيره من كرماء العرب في العصر الجاهلي لوجدنا ان ما كان يسعى إليه من البذل والسخاء هو السمعة والصيت والمفاخرة بما لديه من حسن خلق بين قومه وهذا ما أشار إليه في بيته الشهير وهو يخاطب زوجته:
اماوي ان المال غاد ورائح
ولا يبقى الا الأحاديث والذكر
لذلك مات فقيراً، أما الكرم المقترن بابتغاء وجه الله لا يمكن ان يكون مصيره الفقر والعوز فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول (ما نقص مال من صدقة بل تزده، بل تزده) ويقول عليه السلام (لا حسد إلاّ في اثنين، رجل أتاه الله القرآن فهو يتلوه أناء الليل وأناء النهار ورجل أتاه الله مالاً فهو ينفقه أناء الليل واناء النهار).
ولا يقتصر الكرم على العطاء والبذل المادي بل ينسحب ليمتد إلى السخاء المعنوي كما ان هناك شحاً معنوياً فكثير من الأمور الإنسانية بين أفراد المجتمع أو أفراد العائلة الواحدة أو بين الجيران تتأرجح بين حالين لا ثالث لهما، الكرم أو الشح فقلما ما نرى اليوم من يطرق باب جاره الجديد ليزوره ويتعرف عليه مصطحباً معه أصول الضيافة والكرم لدينا (القهوة والشاهي)، فهذه من اللمسات رغم بساطتها إلاّ أنها تقوي أواصر المودة بين الجيران وتزيدهم ألفة ومحبة أيضاً الابتسامة التي يجب ان تعلو محيا الشخص عندما يقابل جاره أو أي شخص يصادفه في الطريق هي نوع من الكرم المعنوي الذي نفتقده في مجتمعنا وهو خلق حث عليه ديننا الحنيف، فجفاف الصحراء امتد إلى مشاعرنا مما انعكس على علاقة بعضنا ببعض فأصبحنا نبخل في التعبير عن مشاعرنا لأقرب الناس لنا.
كذلك بذل النصيحة للآخرين هي نوع من السخاء والجود وصفاء الود فالتناصح بيننا كأفراد مجتمع واحد صار شحيحاً فأصبحنا نغض البصر عن أخطاء من نعزهم ونحترمهم خوفاً من حدوث فجوة من جراء هذا التناصح.
إن أسمى أوجه الكرم، هو العطاء وقت العطاء فللأسف نحن لا نعطي إلاّ إذا بدأنا نفقد فالأم تنهال على ابنها بالحنان عند مرضه ونحن لا نكرم المبدعين والمبرزين إلاّ بعد موتهم لا نعرف عن سيرهم شيئاً إلاّ مع نزول خبر نعيهم في الصحف. وكذلك المعلم لا ننظر إلى عطائه المتميز في تنشئة الأجيال إلاّ عندما نحتفل به بعد تقاعده.
فحريّ بنا ان نعود أبناءنا على البذل والسخاء في كل الأمور ولا نكتفي بالتوجيه والنصح لهم، فعلينا ان نكون قدوة حسنة لهم في أبسط الأمور وفي أجمل الخصال وأكرمها ولتكن كل أم منا هي أم حاتم.
لا خيل عندك تهديها ولا مال *** فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
2 واجز الأمير الذي نعماه فاجئة *** بغير قول ونعمى الناس أقوال
3 فربما جزي الإحسان موليه *** خريدة من عذارى الحي مكسال
4 وإن تكن محكمات الشكل تمنعني *** ظهور جري فلي فيهن تصهال
5 وما شكرت لأن المال فرحني *** سيان عندي إكثار وإقلال
6 لكن رأيت قبيحا أن يجادلنا *** وأننا بقضاء الحق بخال
7 فكنت منبت روض الحزن باكره *** غيث بغير سباخ الأرض هطال
8 غيث يبين للنظار موقعه *** إن الغيوث بما تأتيه جهال
9 لا يدرك المجد إلا سيد فطن *** لما يشق على السادات فعال
10 لا وارث جهلت يمناه ما وهبت *** ولا كسوب بغير السيف سآل
11 قال الزمان له قولا فأفهمه *** إن الزمان على الإمساك عذال
12 تدري القناة إذا اهتزت براحته *** أن الشقي بها خيل وأبطال
13 كفاتك ودخول الكاف منقصة *** كالشمس قلت وما للشمس أمثال
14 القائد الأسد غذتها براثنه *** بمثلها من عداه وهي أشبال
15 القاتل السيف في جسم القتيل به *** وللسيوف كما للناس آجال
16 تغير عنه على الغارات هيبته *** وماله بأقاصي الأرض أهمال
17 له من الوحش ما اختارت أسنته *** عير وهيق وخنساء وذيال
18 تمسي الضيوف مشهاة بعقوته *** كأن أوقاتها في الطيب آصال
19 لو اشتهت لحم قاريها لبادرها *** خرادل منه في الشيزى وأوصال
20 لا يعرف الرزء في مال ولا ولد *** إلا إذا حفز الأضياف ترحال
21 يروي صدى الأرض من فضلات ما شربوا *** محض اللقاح وصافي اللون سلسال
22 يقري صوارمه الساعات عبط دم *** كأنما الساع نزال وقفال
23 تجري النفوس حواليه مخلطة *** منها عداة وأغنام وآبال
24 لا يحرم البعد أهل البعد نائله *** وغير عاجزة عنه الأطيفال
25 أمضى الفريقين في أقرانه ظبة *** والبيض هادية والسمر ضلال
26 يريك مخبره أضعاف منظره *** بين الرجال وفيها الماء والآل
27 وقد يلقبه المجنون حاسده *** إذا اختلطن وبعض العقل عقال
28 يرمي بها الجيش لا بد له ولها *** من شقه ولو ان الجيش أجبال
29 إذا العدى نشبت فيهم مخالبه *** لم يجتمع لهم حلم ورئبال
30 يروعهم منه دهر صرفه أبدا *** مجاهر وصروف الدهر تغتال
31 أناله الشرف الأعلى تقدمه *** فما الذي بتوقي ما أتى نالوا
32 إذا الملوك تحلت كان حليته *** مهند وأضم الكعب عسال
33 أبو شجاع أبو الشجعان قاطبة *** هول نمته من الهيجاء أهوال
34 تملك الحمد حتى ما لمفتخر *** في الحمد حاء ولا ميم ولا دال
35 عليه منه سرابيل مضاعفة *** وقد كفاه من الماذي سربال
36 وكيف أستر ما أوليت من حسن *** وقد غمرت نوالا أيها النال
37 لطفت رأيك في بري وتكرمتي *** إن الكريم على العلياء يحتال
38 حتى غدوت وللأخبار تجوال *** وللكواكب في كفيك آمال
39 وقد أطال ثنائي طول لابسه *** إن الثناء على التنبال تنبال
40 إن كنت تكبر أن تختال في بشر *** فإن قدرك في الأقدار يختال
41 كأن نفسك لا ترضاك صاحبها *** إلا وأنت على المفضال مفضال
42 ولا تعدك صوانا لمهجتها *** إلا وأنت لها في الروع بذال
43 لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يفقر والإقدام قتال
44 وإنما يبلغ الإنسان طاقته *** ما كل ماشية بالرحل شملال
45 إنا لفي زمن ترك القبيح به *** من أكثر الناس إحسان وإجمال
46 ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته *** ما قاته وفضول العيش أشغال