قصيدة المتنبي : الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ * هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني
الرأي قبل شجاعة الشجعان *** هو أول وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس مرة *** بلغت من العلياء كل مكان
ولربما طعن الفتى أقرانه *** بالرأي قبل تطاعن الأقران
لولا العقول لكان أدنى ضيغم *** أدنى إلى شرف من الإنسان
ولما تفاضلت النفوس ودبرت *** أيدي الكماة عوالي المران
لولا سمي سيوفه ومضاؤه *** لما سللن لكن كالأجفان
خاض الحمام بهن حتى ما دري *** أمن احتقار ذاك أم نسيان
وسعى فقصر عن مداه في العلا *** أهل الزمان وأهل كل زمان
تخذوا المجالس في البيوت وعنده *** أن السروج مجالس الفتيان
وتوهموا اللعب الوغى والطعن في الـ *** ـهيجاء غير الطعن في الميدان
قاد الجياد إلى الطعان ولم يقد *** إلا إلى العادات والأوطان
كل ابن سابقة يغير بحسنه *** في قلب صاحبه على الأحزان
إن خليت ربطت بآداب الوغى *** فدعاؤها يغني عن الأرسان
في جحفل ستر العيون غباره *** فكأنما يبصرن بالآذان
يرمي بها البلد البعيد مظفر *** كل البعيد له قريب دان
فكأن أرجلها بتربة منبج *** يطرحن أيديها بحصن الران
حتى عبرن بأرسناس سوابحا *** ينشرن فيه عمائم الفرسان
يقمصن في مثل المدى من بارد *** يذر الفحول وهن كالخصيان
والماء بين عجاجتين مخلص *** تتفرقان به وتلتقيان
ركض الأمير وكاللجين حبابه *** وثنى الأعنة وهو كالعقيان
فتل الحبال من الغدائر فوقه *** وبنى السفين له من الصلبان
وحشاه عادية بغير قوائم *** عقم البطون حوالك الألوان
تأتي بما سبت الخيول كأنها *** تحت الحسان مرابض الغزلان
بحر تعود أن يذم لأهله *** من دهره وطوارق الحدثان
فتركته وإذا أذم من الورى *** راعاك واستثنى بني حمدان
المخفرين بكل أبيض صارم *** ذمم الدروع على ذوي التيجان
متصعلكين على كثافة ملكهم *** متواضعين على عظيم الشان
يتقيلون ظلال كل مطهم *** أجل الظليم وربقة السرحان
خضعت لمنصلك المناصل عنوة *** وأذل دينك سائر الأديان
وعلى الدروب وفي الرجوع غضاضة *** والسير ممتنع من الإمكان
والطرق ضيقة المسالك بالقنا *** والكفر مجتمع على الإيمان
نظروا إلى زبر الحديد كأنما *** يصعدن بين مناكب العقبان
وفوارس يحي الحمام نفوسها *** فكأنها ليست من الحيوان
ما زلت تضربهم دراكا في الذرى *** ضربا كأن السيف فيه اثنان
خص الجماجم والوجوه كأنما *** جاءت إليك جسومهم بأمان
فرموا بما يرمون عنه وأدبروا *** يطؤون كل حنية مرنان
يغشاهم مطر السحاب مفصلا *** بمثقف ومهند وسنان
حرموا الذي أملوا وأدرك منهم *** آماله من عاد بالحرمان
وإذا الرماح شغلن مهجة ثائر *** شغلته مهجته عن الإخوان
هيهات عاق عن العواد قواضب *** كثر القتيل بها وقل العاني
ومهذب أمر المنايا فيهم *** فأطعنه في طاعة الرحمن
قد سودت شجر الجبال شعورهم *** فكأن فيه مسفة الغربان
وجرى على الورق النجيع القاني *** فكأنه النارنج في الأغصان
إن السيوف مع الذين قلوبهم *** كقلوبهن إذا التقى الجمعان
تلقى الحسام على جراءة حده *** مثل الجبان بكف كل جبان
رفعت بك العرب العماد وصيرت *** قمم الملوك مواقد النيران
أنساب فخرهم إليك وإنما *** أنساب أصلهم إلى عدنان
يا من يقتل من أراد بسيفه *** أصبحت من قتلاك بالإحسان
فإذا رأيتك حار دونك ناظري *** وإذا مدحتك حار فيك لساني
Cant See Links