عرض مشاركة واحدة
قديم 09-27-2012, 12:15 AM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: الأبعاد السياسية للطاعنين في معاوية رضي الله تعالى عنه

الأبعاد السياسية للطاعنين في معاوية رضي الله تعالى عنه – الحلقة الثالثة

تناولنا في الحلقة الماضية تسليط الضوء على إحدى أهم الخلفيات التي انطلقت منها الشيعة الاثنى عشرية في طعنها في معاوية وصحابةٍ آخرين رضي الله عنهم أجمعين وأثر ذلك في مواقفها العقائدية والسياسية تجاه الحكومات.
وسنلقي الضوء في هذه الحلقة على الخلفية التي انطلقت منها الجهة الثانية التي يمثلها عدنان إبراهيم وحسن السقاف وغيرهما والتي تُمثِّل رافدًا من روافد التشيع وذراعًا خطيرًا من أذرع الفكر الثوري، بما سيكشف لنا عن معالم أخرى خطيرة تسعى إلى ترسيخ معتقدات ثورية ونشرها للإطاحة بالحكومات المسلمة وزعزعة أمنها واستقرارها.
إنَّ الحقيقة تكشف لنا هنا بجلاء أن ثَمَّ تيَّارا ثوريًّا معروفًا في تاريخ الفرق والطوائف يشتمل على العديد من المعتقدات الخطيرة يُراد نشره بين المسلمين.
قد يظن البعض لأوَّل وهلة عندما يسمع بهذا التيار أنه اندثر في الأحقاب القديمة وانقرض، ولكن الحقيقة خلاف ذلك.
والعجب أنَّه في الوقت الذي ينشر بعضهم عقائد مختلفة لهذا التيار وبكل جرأة فإنهم يجبنون تمامًا عن تبني هذا التيار؛ لئلاَّ ينفر منهم الجمهور، ولذلك فهم يتستَّرون تحت أسماء أخرى، ويبرِّرون خروجهم عن هذه الأسماء في بعض المعتقدات بذارئع الاستقلالية والاجتهاد ونحو ذلك.
إن هذا التيار الفكري الذي يروِّج هؤلاء لكثير من معتقداته هو: تيار المعتزلة.
وبعيدًا عن الإطالة نقول:
إنَّ المعتزلة يُنسبون إلى واصل بن عطاء الذي وُلد سنة 80 هـ، وكان يحضر مجالس الحسن البصري رحمه الله التابعي المعروف، ثم إنه – أي: واصل بن عطاء – اخترع عقيدة لم يُسبق إليها، فادعى أن المسلم الفاسق ليس بمؤمن ولا بكافر، بل هو منزلة بين المنزلتين، فإن مات على غير توبة فهو من المخلدين في النار مع جملة الكفار، وأنه لا يجوز على الله أن يغفر له أو يرحمه، وقد كان الناس من الصحابة والتابعين وجميع أهل السنة قبل أن يُظهر واصل بن عطاء قوله يقولون: إن أهل الكبائر من أهل الملة هم مؤمنون موحدون بما معهم من الاعتقاد الصحيح، فاسقون عصاة بما أقدموا عليه من الكبائر، فإن ماتوا على غير توبة فهم تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر لهم، وإن شاء عذبهم على الكبائر ثم أدخلهم الجنة، لم يخالف في هذا الاعتقاد إلا فرقة الخوارج التي ظهرت قبل أن يُعلن واصل عقيدته والتي كانت تقول: إن الفساق من أهل الملة كفار مخلدون في النار.

وبسبب هذه العقيدة التي اخترعها واصل بن عطاء والتي انفرد بها عن المسلمين طرده الحسن البصري من مجلسه، فاعتزل واصل جانبًا مع أصحابه وانضم إليه عمرو بن عبيد الذي أُعجب به وزوَّجه أخته ليكوِّنا معًا نواة التيار الاعتزالي.
قام مذهب المعتزلة على ما أسموه بالأصول الخمسة، وتبنَّى العديد من العقائد المتطرِّفة وكان معولاً خطيرًا من معاول تفريق الأمة، وسنقتصر هنا في هذا المقال – لئلاَّ نطيل على القارئ الكريم – على الأصل الخامس، وهو: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما يتفرَّع عنه من موضوع الإمامة.
وقد يتساءل البعض ممن ليس له اطلاع على هذا المذهب: وما المشكلة في هذا الأصل وهو ثابتٌ بالكتاب والسنة والإجماع؟! ما الذي انفردت به المعتزلة عن غيرها في هذا الباب؟!
إنَّ الجواب عن هذا السؤال يبيِّن لنا أمرًا غاية في الأهمية، وهو: ألاَّ نغترَّ بمجرَّد الدعاوى والشعارات حتَّى ننظر في الحقائق والمضامين، فليس كلُّ من رفع شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو على فهمٍ صحيح لهذا الباب، وليس كلُّ من رفع شعار الإصلاح فهو على قصدٍ وفهمٍ صحيح له.
لقد حرَّفت المعتزلة باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن حقيقته الشرعية الصحيحة، فأدرجوا فيه الإنكار على الأئمة بالسيف، وسوَّغوا قتال من يرونهم أئمة جور وأوجبوا الخروج والثورة عليهم، ذلك الذي هو أيضًا مذهب الزيدية والخوارج.
ونتيجة لذلك وجَّهت المعتزلة سهامها المسمومة إلى بعض الصحابة وعلى رأسهم معاوية، واتكأت في هذه الطعونات على ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، فجعل بعض المعتزلة من تصويب عليٍّ طريقًا إلى تفسيق معاوية بناءً على أنَّه فعل كبيرة في نظرهم، بل ذهب المتقدِّمون منهم كواصل بن عطاء إلى تجويز أن يكون عليًّا والصحابة الآخرين فساقا في حرب الجمل، بل جزم عمرو بن عبيد منهم بذلك فحكم على أصحاب حرب الجمل بأنهم جميعًا فساقا، واتفقوا جميعًا على عدم القول بإمامة معاوية، وقد خالفوا في هذه المذاهب كلِّها أهل السنة والجماعة الذين لم يفسِّقوا أحدًا من الصحابة، بل جعلوهم مجتهدين، وترضوا عليهم جميعًا، وأوجبوا الإمساك عما شجر بينهم، وأمروا بألاَّ يُذكروا إلا بالجميل.
ولذلك نجد عبد الجبار الهمذاني أحد كبار المعتزلة يقول عن معاوية رضي الله عنه:”كان بعيدًا عن الدين آخذًا في طريقة التغلب والملك”.
ويقول أيضًا:”وقد بينا من قبل الكلام في فسقه، وأن الشك إنما هو في كفره، وبيَّنا وجوه فسقه، وذكرنا أن الذي أوردناه قليل من كثير، وكل ذلك يبيِّن كونه باغيًا”.
وقد انتحل فكر الاعتزال بعض المعاصرين وانطلقوا منه في ترسيخ ثقافة الطعن في الصحابة الكرام والمصادمة مع ولاة الأمر والثورة عليهم.
يقول عدنان إبراهيم جوابًا على سؤال عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:”المعتزلة على فكرة لم يفهموا هذا المبدأ على أنه مثلاً في أشياء جزئية، وإنما أكثر شيء دعَّموه في باب الحكم والموقف من الحاكم وتجاوزات الحاكم والحكام كما يقال”.
هكذا يُزيِّن عدنان إبراهيم مذهب المعتزلة والذي يبيح استخدام القوة ضد الحاكم والثورة المسلحة عليه، ومن هنا نرى أن الذين يروجون لمثل هذه العقائد الاعتزالية يجاهرون بذلك علانية.
فها هو عدنان إبراهيم نفسه يقرِّر من فوق المنبر مشروعية الخروج على الحكام، ويصوِّب عقيدة الإنكار بالسيف، ويدَّعي أن الصبر على أئمة المسلمين وعدم الخروج عليهم هو عبودية للحكام، وأنَّه من الفقه السلطاني الذي لا علاقة له بالشرع.
ويتهم في الخطبة نفسها حكام العرب ومن دون استثناء بأنهم ظلمة، وأن من دافع عنهم فهو من أهل النار!
بل ويتمادى به الأمر فيمارس إرهابًا فكريًّا شنيعًا على من يخالفه في عقيدته الاعتزالية ضد الحكام فيقول في حقِّ أهل العلم والاجتهاد الذين لا يرون الخروج على ولاة الأمر:”لا بد أن يُحاصَرَ هؤلاء معنويا وأدبيا، وأن تُسقط منزلتهم ومثابتهم حتى يتعلم الآخرون أن يستنعجوا ويسترنبوا، أن يصبحوا نعاجًا وأرانب لأي حاكم ظالم، وإلا تُسقط عن رتبتك كإمام متجهد”!!
هكذا يتجاسر عدنان إبراهيم على الأئمة المجتهدين ويدعو إلى إسقاط مكانتهم والانتقاص منهم لمجرَّد أنَّهم لا يرون الخروج على الأئمة!
ولذلك وانطلاقًا هذه الروح الثورية الحادة فهو يشن حملات هجومية عديدة على أهل العلم من السابقين والمعاصرين، ويصمهم بالألفاظ الدنيئة والأوصاف القبيحة.
يقول عدنان إبراهيم:”لا يزال بعض المشايخ أقصد حاخامات أمة محمد هؤلاء المشايخ شهداء الزور، عيب والله يقال علماء دين، هؤلاء سفلة، وهم يفصلون الفتاوى للحكام”.
ويقول:”ابن تيمية ناصبي، ابن حزم ناصبي، ابن حجر الهيتمي هواه أموي، الذهبي هواه أموي ومتهم بالنصب، وابن كثير وابن عساكر مؤرخي بني أمية”.
ويقول:”ما رأت أمة محمد من ذرية أبي سفيان خيرًا، كل البلاء الذي وقع على الأمة من أبي سفيان وذريته”.
ويقول:”وأنت تترضى على معاوية، الله يحشرك معه يا أهبل يا أحمق”!
ويقول:”مشايخ اليوم أستحي أن أقول عنهم أنهم نساء ولا صبيان ولا حقران، بل هم ذباب وصراصير وأرانب”!
وهكذا ينحدر عدنان إبراهيم في مخاطبة الناس إلى هذا المنحدر ويمارس السباب والشتائم والهجوم على الآخرين بكل تشنج وحدة!
بل ويتهم المذهب السني بأنه يمثل خطورة من الناحية المنهجية والتربوية لأنه مذهب يترضى عن الصحابة جميعًا ولا يقدح في أحدٍ منهم!
يقول عدنان إبراهيم في معرض تهجمه على الصحابة:”مذهب الشيعة أقل خطرا على العقل وعلى النفس، أقل خطرا منهجيا وتربويا من هذا المنهج (أي: من منهج أهل السنة)”.
وهكذا نجد أيضًا أحمد الكيسي يشنُّ حملة هجومية عنيفة على أهل السنة الذين يترضون على معاوية رضي الله عنه.
فيقول على سبيل المثال: هناك نواصب وهم أنتم يا بتوع معاوية!
ويقول أيضًا: أنا كنت هكذا، أنا من أهل الأنبار، والأنبار نواصب؛ لأنهم يحبون معاوية!
ويعرِّض بلعنهم!
ويقول: أنت إما أن تكون مع علي وإما أن تكون مع معاوية، اختر لك واحد منهم، اللهم احشرني مع علي، وأنت إن شاء الله الله يحشرك مع معاوية!
ومما اتكأ عليه عدنان إبراهيم في طعنه في معاوية رضي الله عنه أنه أتى بنظام ملكي، وأنَّ ذلك في زعمه جريمة كبرى، وأن الأنظمة الملكية هي أنظمة غير شرعية.
يقول عدنان إبراهيم:”أخطاء معاوية عظمى، أخطاء معاوية ذبحت الشورى يعني الديمقراطية الإسلامية واستبدلت بها نظام الملك العضوض الذي نعاني منه إلى اليوم”.
ولسنا نطيل النقاش هنا، وسنكتفي بنقلٍ عن ابن خلدون المؤرِّخ المعروف، حيث قرَّر في مقدمته الشهيرة أنَّ المُلك كنظام للحكم ليس مذمومًا في نفسه، وأنَّ من قصد به رعاية المصالح وإقامة العدل والقيام بالحقوق فقد أحسن، ومَن قصد به الأغراض والشهوات وإضاعة المصالح والحقوق فقد أساء.
يقول ابن خلدون مستدلاًّ لذلك:”وقد قال سليمان صلوات الله عليه: (ربِّ هب لي مُلكًا لا ينبغي لأحد من بعدي)، لما علم من نفسه أنه بمعزل عن الباطل في النبوة والملك، ولَمَّا لقي معاوية عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عند قدومه إلى الشام في أبهة الملك وزيه من العديد والعدة استنكر ذلك وقال: أكسروية يا معاوية؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنا في ثغر تجاه العدو وبنا إلى مباهاتهم بزينة الحرب والجهاد حاجة، فسكت ولم يخطِّئه لما احتج عليه بمقصد من مقاصد الحق والدِّين، فلو كان القصد رفض الملك أصله لم يقنعه هذا الجواب في تلك الكسروية وانتحالها، بل كان يحرِّض على خروجه عنها بالجملة، وإنما أراد عمر بالكسروية ما كان عليه أهل فارس في ملكهم من ارتكاب الباطل والظلم والبغي وسلوك سبله والغفلة عن الله، وأجابه معاوية بأن القصد بذلك ليس كسروية فارس وباطلهم، وإنما قصده بها وجه الله، فسكت”، إلى آخر كلامه رحمه الله.
وإذْ ذكرنا عدنان إبراهيم فنذكر أيضًا نموذجًا آخر في هذا الباب.
فها هو حسن السقاف وهو من الذين يطعنون في معاوية رضي الله عنه ويكفِّرونه ومن المروِّجين للعديد من عقائد المعتزلة يجاهر أيضًا بمذهب الخروج على الحكام في كتب عديدة له، منها على سبيل المثال شرحه على الطحاوية.
ففي الوقت الذي يقول فيه الإمام الطحاوي:”ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا” ينأى السقاف بنفسه عن هذا ويقول:”فكرة عدم الخروج على أئمة الجور ليست صحيحة، وهي مخالفة للقرآن والسنة وعمل الصحابة وأئمة التابعين من أهل السنة والجماعة، وخلف من بعدهم خلف غيَّروا وبدلوا هذه الفكرة خوفًا من التنكيل والتعذيب قهرًا وذلة واستكانة وتقية من سيف وسوط بني أمية الذين بغوا وطغوا”.
وفي الوقت الذي ينقل فيه العلامة النووي في شرحه على صحيح مسلم الإجماع في على عدم الخروج على الأئمة وإن جاروا نجد أن السقاف في الكتاب السابق يعترض ويقول:”هو من الإجماع الموهوم المنقوض الباطل، وهذه المسألة أخطأ فيها (أي: العلامة النووي) خطأ واضحًا”.
ولذلك فلا نستغرب من السقاف عندما يقول:”المعتزلة من أئمة أهل الهدى”!
ولقد حاول السقاف الترويج لعقيدة الخروج على ولاة الأمر باسم أهل البيت، وحاول أن يضع الحكومات الأموية والعباسية في جهة وأهل البيت في جهة مقابلة كما تفعله الشيعة.
يقول السقاف:”كان مذهب آل البيت هو الخروج على الطغاة والبغاة بالسيف”.
ويقول:”لم يُسمع بأشنع من فجور وظلم وفسق الأمويين والعباسيين الظلمة قتلة آل بيت رسول الله، ومعاوية هو من أسس لهم هذا المنهاج”.
وهنا نتساءل: ما هي العلاقة بين المعتزلة والشيعة؟
إن العلاقة بين المذهبين علاقة تاريخية قديمة، فلقد شهد مذهب المعتزلة والشيعة التقاءً وتزاوجًا في العديد من العقائد، وقد تأثَّر كلٌّ منهما بالآخر تأثُّرًا كبيرًا في جوانب عديدة، ذلك الذي جعل بعض المعتزلة يعتنق بعض العقائد من مثل تفضيل عليٍّ رضي الله عنه على من سبقه من الخلفاء، وادِّعاء أنَّ عليًّا رضي الله عنه كان أحقَّ بالخلافة من غيره وأنَّه سكت عن حقِّه للمصلحة، وهذا ما نصَّ عليه بعض المعتزلة من أمثال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، وهو أيضًا مذهب الزيدية ذلكم المذهب الذي يشترك مع المعتزلة في كثيرٍ من المعتقدات إلى درجة أن بعض الكتَّاب جعل الزيدية التي هي من المذاهب الشيعية طائفة من طوائف المعتزلة.
وقد روَّج عدنان إبراهيم هذه العقيدة التي تدَّعي أنَّ عليًّا رضي الله عنه أحقُّ بالخلافة من غيره في بعض خطبه موافقةً منه للزيدية وبعض المعتزلة.
وإذا كنا نتحدَّث عن المعتزلة فإنَّنا نجد أن بعض المغالين في الديمقراطية والذين يُدرجون في هذه الكلمة مصادمة الحكام ومناوءتهم يجعلون من غيلان الدمشقي أحد رؤوس المعتزلة الأب الروحي للفكر الديمقراطي!
يقول بعضهم بعد أن وصف المعتزلة بأنهم حاملوا لواء العقل والحرية والعدال:”ومن أوائل هؤلاء وأبرزهم غيلان الدمشقي الذي يمكن اعتباره الأب الحقيقي لحركة التنوير وواحدًا من أهم منظري الفكر السياسي في التاريخ الإسلامي إن لم نقل بأنه أهمهم جميعا مادام هو الذي أسس للفكر الديمقراطي ودافع عنه ودفع حياته ثمنًا لذلك”!
هكذا أصبح أحد كبار المعتزلة – وهو غيلان الدمشقي – هو الأب الروحي للفكر الديمقراطي!
لم يكن غيلان هذا من الدعاة إلى الحرية كما ادعى هؤلاء، بل كان من أوائل المعتزلة الذين نفوا القضاء والقدر، وزعموا أن البشر هم الفاعلون لأعمالهم دون تقدير من الله، وهي دعوة مصادمة لنصوص القرآن والسنة وإجماع أهل العلم، وقد ناظره الإمام أبو حنيفة، ونهى الإمام مالك عن مجالسته، وأحضره الخليفة عمر بن عبد العزيز فناظره، فأظهر غيلان التوبة، ثم بعد أن توفي عمر بن عبد العزيز رجع إلى مذهبه ودعا إليه الناس، فناظره الإمام الأوزاعي إمام أهل الشام في زمانه بحضرة الخليفة هشام بن عبد الملك، ومع ظهور الحق فقد آثر غيلان المكابرة، ولذلك أجمع أهل العلم قاطبة على ذمه وأنه كان داعيةَ تفريق ناشرًا لعقائد لم يُسبق إليها.
وهكذا أيضًا نرى آخرين يجعلون من عمرو بن عبيد المؤسس الثاني لمذهب المعتزلة كما سبق رمزًا تاريخيًّا للمقاومة والثورة على الحكام، وهو الذي روى الحديث المكذوب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلم:”إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه”!
ولذلك نرى كثيرًا من أصحاب الفكر الثوري الذين يريدون الثورة على النصوص الشرعية باسم العقل والتحرر أو الثورة على ولاة الأمر باسم الحرية والديمقراطية يستندون إلى عقائد المعتزلة ويجعلون من كبراء هذا المذهب آباء روحيين مناضلين ودعاة للفكر الإسلامي التنويري!
ومما تجدر الإشارة إليه أن هؤلاء المعتزلة كانوا يظهرون للناس في أثواب قد يغتر بهم بسببها من لا يعرف حقيقتهم، فقد كان لواصل بن عطاء المؤسِّس الأوَّل للمعتزلة مواقف في التصدي للزنادقة، وكان عمرو بن عبيد المؤسِّس الثاني مذكورًا بالزهد والنسك والعبادة.
وهكذا نرى اليوم عدنان إبراهيم يَظهر في ثوب المتصدي للملاحدة كما كان عطاء بن واصل يفعل من قبل، ذلك الذي جعل بعض من لا يعرف حقائق الفرق والمذاهب يُضفي على عدنان هالات من المديح، وربَّما أدى هذا الاغترار بالبعض إلى أن ينساق شيئًا فشيئًا إلى العقائد الاعتزالية التي ينشرها هذا الرجل، وإذا كان الرد على الملاحدة ودحض أباطيلهم وكشف ترهاتهم بالأدلة الصحيحة أمرًا محمودًا فإنَّ استغلال هذا الأمر كهالة إعلامية لكسب الجمهور ونشر الأفكار الاعتزالية المتطرِّفة بينهم أمرٌ غير محمودٍ على الإطلاق.
وأخيرًا نقول:
تكمن خطورة عدنان إبراهيم والكبيسي وغيرهما من الذين يطعنون في معاوية رضي الله عنه وينشرون عقائد المعتزلة في جوانب عديدة، منها:
الأوَّل: ترسيخ ثقافة التهجم على الصحابة رضي الله عنهم والتهجم على علماء الأمة وعلى أهل السنة عمومًا تصل إلى التعريض بلعنهم وتكفيرهم.
الثاني: نشر الأفكار الثورية وبالخصوص فيما يتعلَّق بالموقف من الحكام وجواز الخروج المسلَّح عليهم كتنظير عقائدي.
الثالث: اقتران ذلك بالحكم على حكام العرب ومنهم حكام دول الخليج بأنهم جائرون ظالمون، ومن ثم جواز بل وجوب الخروج عليهم.

الرابع: أن المذهب المعتزلي يعدُّ رافدًا من روافد التشيع كما سبق بيانه.
الخامس: أنَّ المعتزلة تستَّروا في نشر عقائدهم باسم العقل والفكر، وبالغوا في هذا الباب وغلوا فيه، وقد فتحوا بذلك الطريق إلى كل من يريد نشر ما شاء ورد ما شاء بالذريعة نفسها، ذلك الذي يمثِّل منحدرًا خطيرًا وطريقًا إلى نشر الفوضى الفكرية والانفلات وتفريق المجتمع وتمزيقه إلى خنادق فكرية متعددة والافتيات على مقررات الأمة وثوابتها في أمور لا يُحتَمل فيه الخلاف.
وبدلاً من أن يتمَّ التركيز على تطوير عقول الشباب في الرقي بالأمة في مختلف الميادين الحضارية والعلوم العصرية النافعة من طب وهندسة وفيزياء وكيمياء واقتصاد وعلوم كونية وتكنولوجيا وغيرها يتم إغراء هذه العقول بالثورة على عقائدها والانفلات من ثوابتها والانشغال بصراعات فكرية لا تخدم المجتمع في شيء وتوتير العلاقة مع ولاة الأمر وإيغار الصدور عليهم تحت أسماء رنانة مختلفة.

يتبع ….
Cant See Links


رد مع اقتباس