عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2009, 09:39 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

شمس الامارات

الاعضاء

شمس الامارات غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









شمس الامارات غير متواجد حالياً


بردة البوصيري وميمية شوقي

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المديح النبوي

بردة البوصيري وميمية شوقي


بردة البوصيري في ميزان النقد الأدبي


تعد قصيدة البردة من عيون الشعر العربي وخرائده التي نالت
حظوة كبيرة من قبل العرب والمسلمين جميعًا: من العامة والنُّخبة
على السواء؛ فقد انتشرت انتشارًا واسعًا و تناقلتها الأجيال:
جيلاً بعد جيل؛ بسبب حسن ألفاظها و عمق معانيه
وروعة صورها البيانية وتشكيلاتها الوصفية وأعشابها البديعية،
و بسبب تنوع أغراضها وتشابكها...
أبياتها تلامس القلب و تحرك الشعور و الإحساس، و قراءتها تشعر
بلذة روحانية و جاذبية و تدفع لقراءتها كاملة
و بشوق و لهفة؛ لمعرفة ما يحتويه كل بيت فيها.
و لاغرابة أن نجدها قد ترجمت الى عدة لغات، منها الإنجليزية
و الفرنسية و الألمانية و التركية و الهندية و الفارسية و غيرها؛
لأنها ذات مكانة أدبية وفكرية كبيرة ...
ومن ثَمَّ فإنني سأقوم بعرضها على مقاييس النقد الأدبي
المستقرة، بعيدًا عن أي تعصب مذهبي، معددًا إيجابياتها
وسلبياتها على السواء من منطلق فني محض!

المديح النبوي بردة البوصيري


أمِنْ تَــذَكُّرِ جيرانٍ بــذي سَــلَمِ *** مَزَجْتَ دَمعًــا جرى مِن مُقلَةٍ بِدَمِ
أَم هَبَّتِ الريحُ مِن تلقــاءِ كــاظِمَةٍ *** وأومَضَ البرقُ في الظَّلمـاءِ مِن إِضَمِ
فـما لِعَينـيكَ إِن قُلتَ اكْفُفَـا هَمَـتَا *** وما لقلبِكَ إِن قلتَ اسـتَفِقْ يَهِــمِ
أيحَســبُ الصَبُّ أنَّ الحبَّ مُنكَتِــمٌ *** ما بينَ منسَــجِمٍ منه ومُضْـطَـرِمِ
لولا الهوى لم تُرِقْ دمعًـــا على طَلِلٍ *** ولا أَرِقْتَ لِــذِكْرِ البـانِ والعَلَـمِ
فكيفَ تُنْكِـرُ حبًّا بعدمـا شَــهِدَتْ *** به عليـك عُدولُ الدمـعِ والسَّـقَمِ
وأثبَتَ الـوَجْدُ خَـطَّيْ عَبْرَةٍ وضَـنًى *** مثلَ البَهَـارِ على خَدَّيـك والعَنَـمِ
نَعَمْ سـرى طيفُ مَن أهـوى فـأَرَّقَنِي *** والحُبُّ يعتَـرِضُ اللـذاتِ بالأَلَـمِ
يــا لائِمي في الهوى العُذْرِيِّ مَعـذرَةً *** مِنِّي إليـك ولَو أنْصَفْـتَ لَم تَلُـمِ
عَدَتْـــكَ حاليَ لا سِـرِّي بمُسْـتَتِرٍ *** عن الوُشــاةِ ولا دائي بمُنحَسِــمِ
مَحَّضْتَنِي النُّصْحَ لكِنْ لَســتُ أسمَعُهُ *** إنَّ المُحِبَّ عَنِ العُــذَّالِ في صَمَـمِ
اِنِّي اتَّهَمْتُ نصيحَ الشَّـيْبِ فِي عَذَلِي *** والشَّـيْبُ أبعَـدُ في نُصْحٍ عَنِ التُّهَمِ




فـإنَّ أمَّارَتِي بالسـوءِ مــا اتَّعَظَت *** مِن جهلِـهَا بنذيـر الشَّـيْـبِ والهَـرَمِ
ولا أعَــدَّتْ مِنَ الفِعلِ الجميلِ قِرَى *** ضَيفٍ أَلَـمَّ برأسـي غيـرَ مُحتـشِـمِ
لــو كنتُ أعلـمُ أنِّي مــا أُوَقِّرُهُ *** كتمتُ سِـرَّا بَــدَا ليْ مـنه بالكَتَـمِ
مَن لي بِرَدِّ جِمَــاحٍ مِن غَوَايتِهَــا *** كما يُرَدُّ جِمَاَحُ الخـيــلِ بالُّلُـجُـمِ
فـلا تَرُمْ بالمعاصي كَسْـرَ شـهوَتهَا *** إِنَّ الطعـامَ يُقـوِّي شــهـوةَ النَّهِمِ
والنَّفسُ كَالطّفلِ إِنْ تُهمِلْه ُشَبَّ عَلَى *** حُبِّ الرّضَـاع وَإِِِنْ تَفْطِمْهُ يَنـفَطِــمِ
فاصْرِف هواهــا وحاذِر أَن تُوَلِّيَهُ *** إنَّ الهوى مـا تَـوَلَّى يُصْـمِ أو يَصـِمِ
وراعِهَـا وهْيَ في الأعمال سـائِمَةٌ *** وإنْ هِيَ استَحـْلَتِ المَـرعى فلا تُسِـمِ
كَـم حسَّــنَتْ لَـذَّةً للمرءِ قاتِلَةً *** مِـن حيثُ لم يَدْرِ أَنَّ السُّـمَّ في الدَّسَـمِ
واخْشَ الدَّسَائِسَ مِن جوعٍ ومِن شِبَعٍ *** فَـرُبَّ مخـمَصَةٍ شَــرٌّ مِنَ التُّـخَمِ
واستَفرِغِ الدمعَ مِن عينٍ قَـدِ امْتَلأتْ *** مِـن المَحَـارِمِ والْـزَمْ حِمـيَـةَ َالنَّـدَمِ
وخالِفِ النفسَ والشيطانَ واعصِهِـمَا *** وإنْ همـا مَحَّضَـاكَ النُّصـحَ فاتَّـهِـمِ
ولا تُطِعْ منهما خصمًا ولا حكَمًــا *** فأنت تعرفُ كيـدَ الخَصمِ والحَـكَـمِ



ظَلمت سُـنَّةَ مَن أحيــا الظلامَ الى *** أنِ اشـتَكَتْ قدمَــاهُ الضُّرَّ مِن وَرَمِ
وشَدَّ مِن سَغَبٍ أحشــاءَهُ وطَـوَى *** تحتَ الحجارةِ كَشْــحَاَ ًمُتْرَفَ الأَدَمِ
وراوَدَتْــهُ الجبالُ الشُّـمُّ مِن ذَهَبٍ *** عن نفسِـه فـأراها أيَّمَـــا شَمَمِ
وأكَّــدَت زُهدَهُ فيها ضرورَتُــهُ *** إِنَّ الضرورةَ لا تعــدُو على العِصَمِ
محمدٌّ سـيدُ الكــونينِ والثقَلَـيْـ *** ـنِ والفريقـين مِن عُـربٍ ومِن عَجَـمِ
نَبِيُّنَـا الآمِرُ النَّــاهِي فلا أَحَــدٌ *** أبَـرُّ في قَــولِ لا منـه ولا نَعَـمِ
هُو الحبيبُ الــذي تُرجَى شـفاعَتُهُ *** لكُــلِّ هَوْلٍ مِن الأهـوالِ مُقتَحَمِ
دَعَـا الى اللهِ فالمُسـتَمسِـكُون بِـهِ *** مُستَمسِـكُونَ بِحبـلٍ غيرِ مُنفَصِـمِ
فــاقَ النَّبيينَ في خَلْـقٍ وفي خُلُـقٍ *** ولم يُـدَانُوهُ في عِلــمٍ ولا كَـرَمِ
وكُــلُّهُم مِن رسـولِ اللهِ مُلتَمِـسٌ *** غَرْفًا مِنَ البحرِ أو رَشفًا مِنَ الدِّيَـمِ
وواقِفُـونَ لَدَيــهِ عنـدَ حَدِّهِــمِ *** مِن نُقطَةِ العلمِ أو مِن شَكْلَةِ الحِكَـمِ
فَهْوَ الـــذي تَمَّ معنــاهُ وصورَتُهُ *** ثم اصطفـاهُ حبيبًا بارِيءُ النَّسَــمِ
مُنَـزَّهٌ عـن شـريكٍ في محاسِــنِهِ *** فجَـوهَرُ الحُسـنِ فيه غيرُ منقَسِـمِ


دَع مــا ادَّعَتهُ النصارى في نَبِيِّهِـمِ *** واحكُم بما شئتَ مَدحًا فيه واحتَكِـمِ
وانسُبْ إلى ذاتِهِ ما شـئتَ مِن شَـرَفٍ *** وانسُب إلى قَدْرِهِ ما شئتَ مِن عِظَـمِ
فَــإِنَّ فَضلَ رســولِ اللهِ ليـس له *** حَـدٌّ فَيُعـرِبَ عنـهُ نــاطِقٌ بِفَمِ
لو نـاسَـبَتْ قَـدْرَهُ آيـاتُهُ عِظَمًـا *** أحيـا اسمُهُ حين يُـدعَى دارِسَ الرِّمَمِ
لم يمتَحِنَّــا بمـا تَعيَــا العقولُ بـه *** حِرصًـا علينـا فلم نرتَـبْ ولم نَهِمِ
أعيـا الورى فَهْمُ معنــاهُ فليسَ يُرَى *** في القُرْبِ والبُعـدِ فيه غـيرُ مُنفَحِمِ
كـالشمسِ تظهَرُ للعينَيْنِ مِن بُــعُدٍ *** صغيرةً وتُكِـلُّ الطَّـرْفَ مِن أَمَـمِ
وكيفَ يُــدرِكُ في الدنيــا حقيقَتَهُ *** قَــوْمٌ نِيَــامٌ تَسَلَّوا عنه بـالحُلُمِ
فمَبْلَغُ العِــلمِ فيه أنــه بَشَــرٌ *** وأَنَّــهُ خيرُ خلْـقِ الله كُـــلِّهِمِ
وكُــلُّ آيٍ أتَى الرُّسْـلُ الكِـرَامُ بِهَا *** فــإنمـا اتصَلَتْ مِن نورِهِ بِهِــمِ
فـإِنَّهُ شمـسُ فَضْلٍ هُـم كــواكِبُهَا *** يُظهِرْنَ أنـوارَهَا للنــاسِ في الظُّلَمِ
أكــرِمْ بخَلْـقِ نبيٍّ زانَــهُ خُلُـقٌ *** بالحُسـنِ مشـتَمِلٌ، بالبِشْـرِ مُتَّسِـمِ
كالزَّهرِ في تَرَفٍ، والبـدرِ في شَـرَفٍ *** والبحرِ في كَــرَمٍ، والـدهرِ في هِمَمِ

كــأنَّهُ وهْـوَ فَرْدٌ مِن جلالَتِــهِ *** في عسـكَرٍ حينَ تلقاهُ وفي حَشَــمِ
كـــأنَّمَا اللؤلُؤُ المَكنُونُ في صَدَفٍ *** مِن مَعْــدِنَيْ مَنْطِـقٍ منه ومبتَسَـمِ
لا طيبَ يَعــدِلُ تُرْبًـا ضَمَّ أعظُمَهُ *** طوبى لمُنتَشِـقٍ منـــه ومـلتَثِـمِ

مولده ودلائل نبوته


أبــانَ مولِدُهُ عن طِيــبِ عنصُرِهِ *** يـــا طِيبَ مُبتَـدَإٍ منه ومُختَتَـمِ
يــومٌ تَفَرَّسَ فيــه الفُرسُ أنَّهُـمُ *** قَــد أُنـذِرُوا بِحُلُولِ البُؤسِ والنِّقَمِ
وبـاتَ إِيوَانُ كِسـرَى وَهْوَ مُنْصَدِعٌ *** كَشَـملِ أصحابِ كِسـرَى غيرَ مُلتَئِمِ
والنارُ خـامِدَةُ الأنفـاسِ مِن أَسَـفٍ *** عليه والنهرُ سـاهي العَيْنِ مِن سَـدَمِ
وسـاءَ سـاوَةَ أنْ غاضَتْ بُحَيرَتُهَـا *** وَرُدَّ وارِدُهَـا بــالغَيْظِ حينَ ظَـمِي
كــأَنَّ بالنـارِ ما بالمـاءِ مِن بَلَـلٍ *** حُزْنًـا وبـالماءِ ما بـالنار مِن ضَـرَمِ
والجِنُّ تَهتِفُ والأنــوارُ ســاطِعَةٌ *** والحـقُّ يظهَـرُ مِن معنًى ومِن كَـلِمِ
عَمُوا وصَمُّوا فــإعلانُ البشـائِرِ لم *** تُسمَعْ وبـــارِقَةُ الإِنذارِ لم تُشَـمِ


مِن بعـدِ ما أخبَرَ الأقوامَ كــاهِنُهُم *** بــأنَّ دينَـهُـمُ المُعـوَجَّ لم يَقُـمِ
وبعـد ما عاينُوا في الأُفقِِ مِن شُـهُبٍ *** مُنقَضَّةٍ وَفـقَ مـا في الأرضِ مِن صَنَمِ
حتى غَــدا عن طـريقِ الوَحيِ مُنهَزِمٌ *** مِن الشـياطينِ يقفُو اِثْــرَ مُنهَـزِمِ
كــأنَّهُم هَرَبَــا أبطــالُ أبْرَهَـةٍ *** أو عَسكَرٌ بـالحَصَى مِن راحَتَيْـهِ رُمِي
نَبْذًا به بَعــدَ تسـبيحٍ بِبَـطنِهِمَــا *** نَبْـذَ المُسَبِّحِ مِن أحشــاءِ ملتَقِـمِ
جاءت لِــدَعوَتِهِ الأشـجارُ سـاجِدَةً *** تمشِـي اِليه على سـاقٍ بــلا قَدَمِ
كــأنَّمَا سَـطَرَتْ سـطرًا لِمَا كَتَبَتْ *** فُرُوعُهَـا مِن بـديعِ الخَطِّ في الَّلـقَمِ
مثلَ الغمــامَةِ أَنَّى سـارَ ســائِرَةً *** تَقِيـهِ حَرَّ وَطِيـسٍ للهَجِــيرِ حَمِي
وما حوى الغـــارُ مِن خيرٍ ومِن كَرَمِ *** وكُــلُّ طَرْفٍ مِنَ الكفارِ عنه عَمِي
فالصدقُ في الغــارِ والصدِّيقُ لم يَرِمَـا *** وهُم يقولون مـا بالغــارِ مِن أَرِمِ
ظنُّوا الحمــامَةَ وظنُّوا العنكبوتَ على *** خــيرِ البَرِّيَّـةِ لم تَنسُـجْ ولم تَحُمِ
وِقَـــايَةُ اللهِ أغنَتْ عَن مُضَــاعَفَةٍ *** مِنَ الدُّرُوعِ وعن عــالٍ مِنَ الأُطُمِ
ما سـامَنِي الدَّهرُ ضيمَاً واسـتَجَرتُ بِهِ *** اِلا ونِــلتُ جِـوَارًا منه لم يُـضَمِ
ولا التَمســتُ غِنَى الدَّارَيْنِ مِن يَـدِهِ *** اِلا استَلَمتُ النَّدَى مِن خيرِ مُسـتَلَمِ
لا تُنكِـــرِ الوَحْيَ مِن رُؤيَـاهُ اِنَّ لَهُ *** قَلْبًا إِذا نــامَتِ العينـانِ لم يَنَـمِ



وذاكَ حينَ بُلُــوغٍ مِن نُبُوَّتِــــهِ *** فليسَ يُنـكَرُ فيهِ حـالُ مُحتَلِــمِ
تبــارَكَ اللهُ مــا وَحيٌ بمُكتَسَـبٍ *** ولا نــبيٌّ على غيــبٍ بمُتَّهَـمِ
كَــم أبْرَأَتْ وَصِبًـا باللمسِ راحَتُهُ *** وأطلَقَتْ أَرِبـًـا مِن رِبــقَةِ اللمَمِ
وأَحْيت السَــنَةَ الشَّــهباءَ دَعوَتُهُ *** حتى حَكَتْ غُرَّةً في الأَعصُرِ الدُّهُـمِ
بعارِضٍ جادَ أو خِلْتَ البِطَـاحَ بهــا *** سَـيْبٌ مِنَ اليمِّ أو سَـيْلٌ مِنَ العَرِمِ
دَعنِي وَوَصفِيَ آيـــاتٍ له ظهَرَتْ *** ظهُورَ نـارِ القِرَى ليـلًا على عَـلَمِ
فالــدُّرُ يزدادُ حُسـنًا وَهْوَ مُنتَظِمُ *** وليس يَـنقُصُ قَــدرًا غيرَ مُنتَظِمِ
فمَــا تَطَـاوُلُ آمــالِ المدِيحِ إلى *** مـا فيـه مِن كَرَمِ الأخلاقِ والشِّيَمِ
آيــاتُ حَقٍّ مِنَ الرحمنِ مُحدَثَــةٌ *** قــديمَةٌ صِفَةُ الموصـوفِ بالقِـدَمِ
لم تَقتَرِن بزمـــانٍ وَهْيَ تُخبِرُنــا *** عَنِ المَعَـــادِ وعَن عـادٍ وعَن إِرَمِ
دامَتْ لدينـا ففاقَتْ كُــلَّ مُعجِزَةٍ *** مِنَ النَّبيينَ إذ جــاءَتْ ولَم تَـدُمِ
مُحَكَّـمَاتٌ فمــا تُبقِينَ مِن شُـبَهٍ *** لــذي شِـقَاقٍ وما تَبغِينَ مِن حِكَمِ
ما حُورِبَت قَطُّ إلا عــادَ مِن حَرَبٍ *** أَعـدَى الأعـادِي إليها مُلقِيَ السَّلَمِ
رَدَّتْ بلاغَتُهَــا دَعوى مُعارِضِهَـا *** رَدَّ الغَيُورِ يَـدَ الجــانِي عَن الحُرَمِ



لها مَعَــانٍ كَموْجِ البحرِ في مَـدَدٍ *** وفَـوقَ جَوهَرِهِ في الحُسـنِ والقِيَمِ
فَمَـا تُـعَدُّ ولا تُحـصَى عجائِبُهَـا *** ولا تُسَـامُ على الإِكثــارِ بالسَّأَمِ
قَرَّتْ بَهـا عينُ قارِيها فقُلتُ لــه: *** لقـد ظَفِـرتَ بحَبْـلِ الله فـاعتَصِمِ

البردة منهج الشعراء ومدرسة المنشدين


فقد جرى لساني بالانشاد قبل ان تقرا عيني نفائس الابيات وذخائر المعاني .
وهاجت نفسي الى حب محمد صلوات الله عليه وسلم
بردة البصيري أغنى وارفع عن كل نقد وحديث
وهي حالما تتردد على السمع الا ويمضي بنا التاريخ
في تراجع حميم وقداسي الى فترة من التاريخ لا أنور منها
و لا أجمل مما تعاقب منه من أزمنة التاريخ البشري.

يكفي الامام البصيري ان بنى للشعراء بعده نهجا لا يضاهى بناؤه
ولا يدرك قراره* ولا يساما قدره* في عصر ادبي نعته النقاد
بعصر الانحطاط- فجاءت البردة لتغيب وتمحو هاته الصفة
التي وسم بها هذا العصر وتظهر عبقرية رجاله وشعرائه .
وصارت قمة ما ابدع في الشعر وهي وان كان غرضها الاساسي
هو مدح النبي محمد عليه الصلاة والسلام .

فقد جاءت جامعة مؤلفة بين اغراض الشعر الاخرى
كما تفضل الاستاد صبري او الحسن بتفصيل ذلك في تساوق وتناغم جم .
*البردة نهج الشعراء والمداحين وهي أنشاد للمريدين
وتقوى للصالحين *نذكر أمير شعراء الشرق
الشاعراحمد شوقي فقد نظم على نهجها اسلوبا ومعاني ايقاع رائعته الخا لدة
نهج البرده

ريم على القاع بين البان والعلم *** احل سفك دمي في الاشهر الحرم
رمى القضاء بعيني جؤذرا اسدا *** يا ساكن القاع ادرك ساكن الاجم

ولا زال المغاربة والى يومنا هذا يعتبرونها طقسا من طقوسهم الشعرية
يشنفون الاسماع بها ويرددون ايقاعها *
وويحلون باجوائها الروحانية*

فقد اهاج نفسي في حب رسول الله من خلال
بردة البوصيري وميمية شوقي *


منهج تحليل البردة


مواجهة النص الشعرى عملية نقـــــدية شاقة وشيقة،
خصوصًا إذا كان نصًّا بديعًــا مستفزًّا ، مثيـــرًا لكثير مــــن
الإشكاليـــات المتنــــوعة عقديًّا وتاريخيًّا وأدبيًّا، مثل بـردة البوصيرى.
ولعل المنهج الأمثل – فى نظرى – لتلك المواجهة يتمثل فى المراحل الثلاثة الآتية:

ما قبل النص

يدرس فيه النــاقد شخصية المبــدع بمــــؤثرتها ومعالمها
المختلفة، ليستعين بذلك فى فك بعض رموز النص وإشاراته.

كما يدرس الجو التاريخي الذى أبدع فيه النص، ليحـــاول
الوصول إلى البـــاعث على إبداعه.

كما يـدرس العنـــوان، إن كــان للنص عنوان،
لينفذ من خلاله إلى عالم النص شكليًّا ومضمونيًّا .

مع النص

يقرأ الناقد النص قراءة توثيقية، ومعجمية، وعروضيــــة،
حتى يستعين بتلك القراءات فى المعايشة العميقة للنص .
ثم يقوم الناقد بتحليل النص من خلال العنصرين الرئيسين:
الشكل والمضمون .

أما الشكل
فيتناول فيه لغـــة النــص وأسلوبــــه وقالبه العروضي، والصور
الفنية البارزة فيه، ومواطن التأنق به من مطلع وتخلص وختام .

أما المضمون
فيحلل فيه الناقد غرض النص أو أغراضه،ومعانيه وأفكاره،
محاولاً الوصول إلى أحكام مقبولة عن هذين العنصرين
عن طريق تطبيق مقاييس النقد بالأغراض والمعانى .

ما بعد النص
يدرس فيــــه النــاقد عاطفــــــة المبدع، ومذهبـــه الإبــــداعى،ومدى
تحقق الوحــــــدة الموضـــوعية، وما فيــــــه من تأثر وتأثيــــر،
ثم الخلوص إلى بيــان قيمة النــص من حيث تحليقاته وإخفاقاته.

وهذا المنهج مرن، قابل للتطوير والتغيير حسب مقتضيــات
كل نص، إذا لكل نص طبيعته التى تفرض التركيز على
عنصر أكثر من غيره، حسب درجـــة هيمنته على المبدع.


رد مع اقتباس