عرض مشاركة واحدة
قديم 12-16-2011, 07:58 PM   رقم المشاركة : 32
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: طريق الزهد و التقوي

بسم الله الرحمن الرحيم

من الرسالة القشيرية
للإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري


المحاضرة والمكاشفة والمشاهدة


المحاضرة ابتداءاً، ثم المكاشفة، ثم المشاهدة.
فالمحاضرة: حضور القلب. وقد يكون بتواتر البرهان، وهو بعدُ وراء الستر، وإن كان حاضراً باستيلاًء سلطان الذكر.
ثم بعده. المكاشفة: وهو حضوره بنعت البيان غيرمفتقر في هذه الحالة إلى تأمُّل الدليل، وتطلب السبيل، ولا مستجير من دواعي الريب. ولا محجوب من نعت الغيب.
ثم المشاهدة: وهي حضور الحق من غير بقائ تهمة.

فإذا أصحت سماء السِّر عن غيوم الستر، فشمس الشود مشرقة عن برج الشرف. وحق المشاهدة ما قاله الجنيد، رحمه الله: وجود الحق مع فقدانك: فصاحب المحاضرة مربوط بأياته، وصاحب المكاشفة مبسوط بصفاته: وصاحب المشاهدة ملقى بذاته، وصاحبُ المحاضرة يهديه عقله، وصاحب المكاشفة يدنيه علمه، وصاحب المشاهدة تمحوه معرفته.
ولم يزد في بيان تحقيق المشاهدة أحد على ما قاله عمرو بن عثمان المكي رحمه الله.
ومعنى ما قاله: أنه تتوالى أنوار التجليِّ على قلبه من غير أن يتخللها ستر وانقطاع كما لو قُدر اتصال البروق، فكما أن الليلة الظلماء بتوالى البروق فيها، وإتصالها، إذ قدرت تصير في ضوء النهار، فكذلك القلب إذا دام به دوام التجلي مَتع نهاره فلا ليل.
وأنشدوا:
ليلى بوجهك مشرق ... وظلامه في الناس ساري
والناس في سدف الظلام ... ونحن في ضوء النهار
وقال النوري: لايصح للعبد المشاهدة وقد بقى له عِرق قائم.
وقال: إذا طلع الصباح استغنى عن المصباح: وتوهَّم قوم أن المشاهدة تشير إلى طرف من التفرقة، لأن باب المفاعلة في العربية بين اثنين. وهذا وهم من صاحبه. فإن في ظهور الحق سبحانه، ثبور الخلق وباب المفاعلة جملتها لا تقضي مشاركة الأثنين نحو: سافر، وطارق النعل، وأمثاله.
وأنشدوا:
فلما استبان الصبح أدرك ضوؤه ... بأنواره أنوار ضوء الكواكب
يجرعهم كأساً لو ابتلى به اللظى ... بتجريعة طارت كأسرع ذاهب
كأس، أي كأس؟؟ تصطلمهم عنهم، وتفتيم، وتختطفهم منهم، ولا تبقيهم.
كأس.. لا تبقي لا تذر، تمحوهم بالكلية، ولا تبقى شظية من آثار البشرية.
كما قال قائلهم: ؟ساروا فلم يبق لارسم ولا أثر ومن ذلك: ؟اللوائح، والطوالع، واللوامع قال الأستاذ رضي الله عنه: هذه الألفاظ متقارية المعنى، لا يكاد يحصل بينها كبير فرق. وهي من صفات أصحاب البدايات الصاعدين في الترقي بالقلب، فلم يدم لهم بعد ضياء شموس المعارف.
لكن الحق سبحانه وتعالى، يؤتى رزق قلوبهم في كل حين، كما قال: ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً، فكلمَّا أظلم عليهم سماءُ القلوب بسحاب الحظوظ سنح لهم فيها لوائح الكشف وتلألأ لوامعُ القرب وهم في زمان سترهم يرقبون فجأة اللوائح.
فهم كما قال القائل:
يا أيها البرق الذي يلمع ... من أي أكناف السما تسطع
فتكون أول: لوائح، ثم لوامع، ثم طوالع:
افترقنا حولاً فلما التقينا ... كان تسليمه علىّ وداعاً
وأنشدوا:

يا ذا الذي زار ومازارا ... كأنه مقتبس نارا
مر بباب الدار مستعجلاً ... ماضره لو دخل الدارا؟
واللوامع: أظهر من اللوائح: ليس زوالها بتلك السرعة، فقد تبقى اللوامع وقتين، وثلاثة.
ولكن كما قالوا:
والعين باكية لم تَشْبع النظرا
وكما قالوا:
لم تَرد ماء وجهه العينُ إلا ... شرقت قبل ريها برقيب
فإذا لمعَ قطعك عنك، وجمعك به، لكن لم يسفر نور نهاره حتى كر عليه عساكر الليل، فهؤلاء بين روح ونوح؛ لأنهم بين كشف وستر.
كما قالوا:
فالليل يشملنا بفاضل برده ... والصبح يلحفنا رداءً مذهباً
والطوالع: أبقى وقتاً، وأقوي سلطاناً، وأدوم مكثاً، وأذهب للظلمة وأنفى للتهمة. لكنها موقوفة على خطر الأفول، ليست برفيعة الأوج، ولا بدائمة المكث ثم أوقات حصولها وشيكة الارتحال، وأحوال أفولها طويلة الأذيال.
وهذه المعاني، التي هي: اللوائح واللوامع والطوالع، تختلف في القضايا، فمنها ما إذا مات لم يبق عنها أثر، كالشوارق إذا أفلت، فكأنَّ الليل كان دائماً.
ومنها ما يبقى عنه أثر، فإن زال رقمه بقي ألمه، وإن غربت أنواره بقيت آثاره فصاحبه بعد سكون غلباته يعيش في ضياء بركاته، فإلى أن يلوح ثانياً ثيرجى وقته على انتظار عوده، ويعيش بما وجد في كونه.


رد مع اقتباس