الموضوع: رحلة ابن بطوطة
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-04-2004, 07:27 PM   رقم المشاركة : 7
الكاتب

abo _mohammed

المشــرف العــــام

abo _mohammed غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









abo _mohammed غير متواجد حالياً


7 - من القاهرة إلى أسيوط

ثم كان سفري من مصر على طريق الصعيد برسم الحجاز الشريف فبث ليلة خروجي بالرباط الذي بناه الصاحب تاج الدين بن حناء بدير الطين وهو رباط عظيم بني على مفاخر عظيمة وآثار كريمة أودعها فيه وهي قطعة من قصعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والميل الذي كان يكتحل به والدرفش وهو الاشفا الذي كان يخصف به نعله ومصحف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي بخط يده رضي الله عنه ويقال إن الصاحب اشترى ما ذكرناه من الآثار الكريمة النبوية بمائة ألف درهم وبنى الرباط وجعل فيه الطعام للوارد والصادر والجراية لخدام تلك الآثار الشريفة نفعه الله تعالى بقصده المبارك

ثم خرجت من الرباط المذكور ومررت بمنية القائد وهي بلدة صغيرة على ساحل النيل

ثم سرت منها إلى مدينة بوش وهذه المدينة أكثر بلاد مصر كتانا ومنها يجلب إلى سائر الديار المصرية وإلى إفريقية


ثم سافرت منها فوصلت إلى مدينة دلاص وهذه المدينة كثيرة الكتان أيضا كمثل التي ذكرناها قبلها ويحمل أيضا منها إلى ديار مصر وإفريقية

ثم سافرت منها إلى مدينة ببا

ثم سافرت منها إلى مدينة البهنسا وهي مدينة كبيرة وبساتينها كثيرة ويصنع بهذه المدينة ثياب الصوف الجيدة وممن لقيته بها قاضيها العالم شرف الدين وهو كريم النفس فاضل ولقيت بها الشيخ الصالح أبا بكر العجمي ونزلت عنده وأضافني

ثم سافرت منها إلى مدينة منية ابن خصيب وهي مدينة كبيرة الساحة متسعة المساحة مبنية على شاطئ النيل وحق حقيق لها على بلاد الصعيد التفضيل بها المدارس والمشاهد والزوايا والمساجد وكانت في القدم منية عامل مصر الخصيب يذكر أن أحد الخلفاء من بني العباس رضي الله عنهم غضب على أهل مصر فالى أن يولي عليهم أحقر عبيدة وأصغرهم شأنا قصدا لإذلالهم والتنكيل بهم وكان خصيب أحقرهم إذ كان يتولى تسخين الحمام فخلع عليه وأمره على مصر وظنه أنه يسير فيهم سيرة سوء ويقصدهم بالأذية حسبما هو المعهود ممن ولي عن غير عهد بالعز فلما استقر خصيب بمصر سار في أهلها أحسن سيرة وشهر بالكرم والايثار فكان أقارب الخلفاء وسواهم يقصدونه فيجزل العطاء لهم ويعودون إلى بغداد شاكرين لما أولاهم وأن الخليفة افتقد بعض العباسيين وغاب عنه مدة ثم اتاه فسأله عن مغيبة فأخبره أنه قصد خصيبا وذكر له ما أعطاه خصيب وكان جزيلا فغضب الخليفة وأمر بسمل عيني خصيب وأخرجه من مصر إلى بغداد وأن يطرح في أسواقها فلما ورد الأمر بالقبض عليه حيل بينه وبين دخوله منزله وكانت بيده ياقوتة عظيمة الشأن فخباها عنده وخاطها في ثوب لها ليلا وسملت عيناه وطرح في أسواق بغداد فمر به بعض الشعراء فقال:

يا خصيب أني كنت قصدتك من بغداد إلى مصر مادحا لك بقصيدة فوافقت انصرافك عنها وأحب أن تسمعها فقال كيف بسماعها وأنا على ما تراه فقال إنما قصدي سماعك لها وأما العطاء فقد أعطيت الناس وأجزلت جزاك الله خيرا قال فافعل فأنشد :

أنت الخصيب وهذه مصر ........................ فتدفقا فكلاكما بحر
فلما أتى على اخرها قال له افتق هذه الخياطة ففعل ذلك فقال له خذ الياقوتة فأبى فأقسم عليه أن يأخذها فأخذها وذهب بها إلى سوق الجوهريين فلما عرضها عليهم قالوا له إن هذه لا تصلح إلا للخليفة فرفعوا أمرها إلى الخليفة فأمر الخليفة بإحضار الشاعر واستفهمه عن شأن الياقوتة فأخبره بخبرها فتأسف على ما فعله بخصيب وأمر بمثوله بين يديه وأجزل له العطاء وحكمه فيما يريد فرغب أن يعطيه المنية ففعل ذلك وسكنها خصيب إلى أن توفي وأورثها عقبه إلى أن انقرضوا وكان قاضي هذه المنية أيام دخولي إليها فخر الدين النويري المالكي وواليها شمس الدين أمير خير كريم دخلت يوما الحمام بهذه البلدة فرأيت الناس بها لا يستترون فعظم ذلك علي وأتيته فأعلمته بذلك فأمرني ألا أبرح وأمر بإحضار المكنزين للحمامات وكتبت عليهم العقود أنه متى دخل أحد الحمام دون مئزر فإنهم يؤاخذون على ذلك واشتد عليهم أعظم الاشتداد ثم انصرفت عنه


وسافرت من منية ابن خصيب إلى مدينة منلوي وهي صغيرة مبنية على مسافة ميلين من النيل وقاضيها الفقية شرف الدين الدميري الشافعي وكبارها قوم يعرفون ببني فضيل بنى أحدهم جامعا أنفق فيه صميم ماله وبهذه المدينة إحدى عشرة معصرة للسكر ومن عوائدهم أنهم لا يمنعون فقيرا من دخول معصرة منها فيأتي الفقير بالخبزة الحارة فيطرحها في القدر التي يطبخ السكر فيها ثم يخرجها وقد امتلاءت سكرا فينصرف بها

وسافرت من منلوى المذكورة إلى مدينة منفلوط وهي مدينة حسن هواؤها مؤنق بناؤها على ضفة النيل شهيرة البركة أخبرني أهل هذه المدينة أن الملك الناصر رحمه الله أمر بعمل منبر عظيم محكم الصنعة بديع الإنشاء برسم المسجد الحرام زاده الله شرفا وتعظيما فلما تم عمله أمر أن يصعد به في النيل ليجتاز إلى بحر جدة ثم إلى مكة شرفها الله فلما وصل المركب الذي احتمله

إلى منفلوط وحاذى مسجدها الجامع وقف وامتنع من الجري مع مساعدة الريح فعجب الناس من شأنه أشد العجب وأقاموا أياما لا ينهض بهم المركب فكتبوا بخبر إلى الملك الناصر رحمه الله فأمر أن يجعل ذلك المنبر بجامع مدينة منفلوط ففعل ذلك وقد عاينته بها ويصنع في هذه المدينة شبه العسل يستخرج من القمح ويسمونه النيدا يباع بأسواق مصر

وسافرت من هذه المدينة إلى مدينة أسيوط وهي مدينة رفيعة أسواقها بديعة وقاضيها شرف الدين بن عبد الرحيم الملقب بحاصل ما تم لقب اشتهر به وأصله أن القضاة بديار مصر والشام بأيديهم الأوقاف والصدقات لابناء السبيل فإذا أتى فقير لمدينة من المدن قصد القاضي بها فيعطيه ما قدر له فكان القاضي إذا أتاه الفقير يقول له حاصل ما تم أي لم يبق من المال الحاصل شيء فلقب بذلك ولزمه وبها من المشايخ الفضلاء الصالح شهاب الدين ابن الصباغ أضافني بزاويته.

الرحلة القادمة

8 - من أسيوط إلى البحر الأحمر ثم إلى الشام


التوقيع :



قال تعالى :
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
[فصلت:33]






رد مع اقتباس