الموضوع: رحلة ابن بطوطة
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-04-2004, 07:20 PM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

abo _mohammed

المشــرف العــــام

abo _mohammed غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









abo _mohammed غير متواجد حالياً


5 - مدينة القاهرة


ثم وصلت إلى مدينة مصر وهي أم البلاد وقرارة فرعون ذي الأوتاد ذات الإقاليم العريضة والبلاد الأريضة المتناهية في كثرة العمارة المتناهية بالحسن والنضارة ومجمع الوارد والصادر ومحد ومحط رحل الضعيف والقادر وبها ما شئت من عالم وجاهل وجاد وهازل وحليم وسفيه ووضيع ونبيه وشريف ومشروف ومنكر ومعروف تموج موج البحر بسكانها وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها شبابها يجد على طول العهد وكوكب تعديلها لا يبرح عن منزل السعد قهرت قاهرتها الأمم وتمكنت ملوكها نواصي العرب والعجم ولها خصوصية النيل الذي أجل خطرها وأغناها عن أن يستمد القطر قطرها وأرضها مسيرة شهر لمجد السير كريمة التربة مؤنسة لذي الغربة

ويقال أن بمصر من السائقين على الجمال اثني عشر ألف سقاء وأن بها ثلاثين ألف مكار وأن بنيلها من المراكب ستة وثلاثين ألفا للسلطان والرعية تمر صاعدة إلى الصعيد ومنحدرة إلى الإسكندرية ودمياط بأنواع الخيرات والمرافق وعلى ضفة النيل مما يواجه مصر الموضع المعروف بالروضة وهو مكان النزهة والتفرج وبه البساتين الكثيرة الحسنة وأهل مصر ذوو طرب وسرور ولهو شاهدت بها مرة فرجة بسبب برء الملك الناصر من كسر أصاب يده فزين كل أهل سوق سوقهم وعلقوا بحوانيتهم الحلل والحلي وثياب الحرير وبقوا على ذلك أياما

ومسجد عمرو بن العاص مسجد شريف كبير القدر شهير الذكر تقام فيه الجمعة والطريق يعترضه من شرق إلى غرب وبشرقه الزاوية حيث كان يدرس الإمام أبو عبد الله الشافعي وأما المدارس بمصر فلا يحيط أحد بحصرها لكثرتها وأما المارستان الذي بين القصرين عند تربة الملك المنصور قلاوون فيعجز الواصف عن محاسنه وقد أعد فيه من المرافق والأدوية مالا يحصر يذكر أن مجباه ألف دينار كل يوم


وأما الزوايا فكثيرة وهو يسمونها الخوانق واحدتها خانقة والامراء بمصر يتنافسون في بناء الزوايا وكل زاوية بمصر معينة لطائفة من الفقراء وأكثرهم الأعاجم وهو أهل وأب ومعرفة بطريقة التصوف ولكل زاوية شيخ وحارس وترتيب أمورهم عجيب ومن عوائدهم في الطعام أنه يأتي خديم الزاوية إلى الفقراء صباحا فيعين له كل واحد ما يشتهيه من الطعام فإذا اجتمعوا للأكل جعلوا لكل إنسان خبزه ومرقة في إناء على حدة لا يشاركه فيه أحد وطعامهم مرتان في اليوم ولهم كسوة الشتاء وكسوة الصيف ومرتب شهري من ثلاثين درهما للواحد في الشهر إلى عشرين ولهم الحلاوة من السكر كل ليلة جمعه والصابون لغسل أثوابهم والأجرة لدخول الحمام والزيت للإستصباح وهم أعزاب وللمتزوجين زوايا على حدة ومن المشترط عليهم حضور الصلوات الخمس والمبيت بالزاوية واجتماعهم بقبة داخل الزاوية ومن عوائدهم أن يجلس كل واحد منهم على سجادة مختصة به وإذا صلوا الصبح قرأوا سورة الفتح وسورة الملك وسورة عم ثم يؤتى بنسخ من القرآن العظيم مجزأة فيأخذ كل فقير جزءا ويختمون القرآن ويذكرون ثم يقرأ القراء على عادة أهل المشرق ومثل ذلك يفعلون بعد صلاة العصر ومن عوائدهم مع القادم أنه يأتي باب الزاوية فيقف به مشدود الوسط وعلى كاهله سجادة وبيمناه العكاز وبيسراه الإبريق فيعلم البواب خديم الزاوية بمكانه فيخرج إليه ويسأله من أي البلاد أتى وبأي زاوية نزل في طريقه ومن شيخه فإذا عرف صحة قوله أدخله الزاوية وفرش له سجادته في موضع يليق به وأراه موضع الطهارة فيجدد الوضوء ويأتي إلى سجادته فيحل وسطه ويصل ركعتين ويصافح الشيخ ومن حضر ويقعد معهم ومن عوائدهم أنهم إذا كان يوم الجمعة أخذ الخادم جميع سجاجيدهم فيذهب بها إلى المسجد ويفرشها لهم هنالك ويخرجون مجتمعين ومعهم شيخهم فيأتون المسجد ويصلي كل واحد على سجادته فإذا فرغوا من الصلاة قرءوا القرآن على عادتهم ثم ينصرفون مجتمعين إلى الزاوية ومعهم شيخهم

ولمصر القرافة العظيمة الشأن في التبرك بها وقد جاء في فضلها أثر أخرجه القرطبي وغيره لأنها من جملة الجبل المقطم الذي وعد الله أن يكون روضة من رياض الجنة وهم يبنون بالقرافة القباب الحسنة ويجعلون عليها الحيطان فتكون كالدور ويبنون بها البيوت ويرتبون القراء ويقرءون ليلا ونهارا بالأصوات الحسان ومنهم من يبني الزاوية والمدرسة إلى جانب التربة ويخرجون كل ليلة جمعة إلى البيت بأولادهم ونسائهم ويطوفون على الأسواق بصنوف المأكل ومن المزارات الشريفة المشهد المقدس العظيم الشأن حيث رأس الحسين ابن علي عليهما السلام وعليه رباط ضخم عجيب البناء على أبوابه وحلق الفضة وصفائحها أيضا كذلك وهو موفى الحق من الإجلال والتعظيم ومنها تربة السيدة نفيسة بنت الحسن الأنور بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام وكانت مجابة الدعوة مجتهدة في العبادة وهذه التربة أنيقة البناء مشرقة الضياء عليها رباط مقصود ومنها تربة الإمام أبي عبدالله بن محمد بن أدريس الشافعي رضي الله عنه وعليها رباط كبير ولها جراية ضخمة وبها القبة الشهيرة البديعة الإتقان العجيبة البنيان المتناهية الأحكام المفرطة السمو وسعتها أزيد من ثلاثين ذراعا وبقرافة مصر من قبور العلماء والصالحين ما لا يضبطه الحصر وبها عدد جم من الصحابة وصدور السلف والخلف رضي الله تعالى عنهم مثل عبد الرحمن بن القاسم وأشهب بن عبد العزيز وأصبغ بن الفرج وابني عبد الحكيم وأبي القاسم بن شعبان وأبي محمد عبد الوهاب ولكن ليس لهم بها اشتهار ولا يعرفهم إلا من له بهم عناية والشافعي رضي الله عنه ساعده الجد في نفسه وأتباعه وأصحابه في حياته ومماته فظهر من أمره مصداق قوله


الجد يدني كل أمر شائع ................... والجد يفتح كل باب مغلق

ونيل مصر يفضل أنهار الأرض عذوبة مذاق واتساع قطر وعظم منفعة والمدن والقرى بضفتيه منتظمة ليس في المعمور مثلها ولا يعلم نهر يزرع عليه ما يزرع على النيل وليس في الأرض نهر يسمى بحرا غيره

قال الله تعالى فإذا خفت عليه فألقيه في اليم فسماه يما وهو البحر

وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل إليه ليلة الإسراء إلى سدرة المنتهى فإذا في أصلها أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران باطنان فسأل عنها جبريل عليه السلام فقال أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات

وفي الحديث أيضا النيل والفرات وسيحون وجيحون كل من أنهار الجنة ومجرى النيل من الجنوب إلى الشمال خلافا لجميع الأنهار .

ومن عجائبه أن ابتداء زيادته في شدة الحر عند نقص الأنهار وجفوفها وابتداء نقصه حين زيادة الأنهر وفيضها ونهر السند مثله في ذلك وسيأتي ذكره وأول ابتداء زيادته في حزيران وهو يونيه فإذا بلغت زيادته ستة عشر ذراعا تم خراج السلطان فإذا زاد ذراعا كان الخصب في العام والصلاح التام فإن بلغ ثمانية عشر ذراعا أضر بالضياع وأعقب الوباء وإن نقص ذراعا عن ستة عشر نقص خراج السلطان وإن نقص ذراعين استسقى الناس وكان الضرر شديد .

والنيل أحد أنهار الدنيا الخمسة الكبار وهي النيل والفرات والدجلة وسيحون وجيحون وتماثلها أنهار خمسة أيضا نهر السند ويسمى بنج أب ونهر الهند ويسمى الكنك وإليه تحج الهنود وإذا أحرقوا أمواتهم رموا برمادهم فيه ويقولون هو من الجنة ونهر الجون بالهند أيضا ونهر اتل بصحراء قفجق وعلى ساحله مدينة السرا ونهر السرو بأرض الخطا وعلى ضفته مدينة خان بالق ومنها ينحدر إلى مدينة الخنسا ثم إلى مدينة الزيتون بأرض الصين وسيذكر ذلك كله في مواضعه إن شاء الله

والنيل يفترق بعد مسافة من مصر على ثلاثة أقسام ولا يعبر نهر منها إلا في السفن شتاء وصيفا وأهل كل بلد لهم خلجان تخرج من النيل فإذا مد أترعها وفاضت على المزارع ( الأهرام والبرابي ) من العجائب المذكورة على مر الدهور وللناس فيها كلام كثير وخوض في شأنها وأولية بنائها ويزعمون أن العلوم التي ظهرت قبل الطوفان أخذت من هرمس الأول الساكن بصعيد مصر الأعلى ويسمى الخنوج وهو إدريس عليه السلام وأنه اول من تكلم في الحركات الفلكية والجواهر العلوية وأول من بنى الهياكل ومجد الله تعالى وفيها أنه أنذر الناس بالطوفان وخاف ذهاب العلم ودروس الصنائع فبنى الأهرام والبرابي وصور فيها جميع الصنائع والآلات ورسم العلوم فيها لتبقى مخلدة

ويقال أن دار العلم والملك بمصر مدينة منوف وهي على بريد من الفسطاط فلما بنيت الاسكندرية انتقل الناس إليها وصارت دار العلم والملك إلى أن أتى الإسلام فاختلط عمرو بن العاص رضي الله عنه مدينة الفسطاط فهي قاعدة مصر إلى هذا العهد والأهرام بناء بالحجر الصلد المنحوت متناهي السمو مستدير متسع الأسفل ضيق الأعلى كالشكل المخروط ولا أبواب لها ولا تعلم كيفية بنائها ومما يذكر في شأنها أن ملكا من ملوك مصر قبل الطوفان رأى رؤيا هالته وأوجبت عنده أنه بنى تلك الأهرام بالجانب الغربي من النيل لتكون مستودعا للعلوم ولجثث الملوك وأنه سأل المنجمين هل يفتح منها موضع فأخبروه أنه تفتح من الجانب الشمالي وعينوا له الموضع الذي تفتح منه ومبلغ الإنفاق في فتحه فأمر أن يجعل بذلك الموضع من المال قدر ما أخبروه أنه ينفق في فتحه واشتد في البناء فأتمه في ستين سنة وكتب عليها بنينا هذه الأهرام في ستين سنة فليهدمها من يريد ذلك في ستمائة سنة فإن الهدم أيسر من البقاء

فلما أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين المأمون أراد هدمها فأشار عليه بعض مشايخ مصر أن لا يفعل فلج في ذلك وأمر أن تفتح من الجانب الشمالي فكانوا يوقدون عليها النار ثم يرشونها بالخل ويرمونها بالمنجنيق حتى فتحت الثلمة التي بها إلى اليوم ووجدوا بإزاء النقب مالا أمر أمير المؤمنين بوزنه فحصر ما أنفق في النقب فوجدهما سواء فطال عجبه من ذلك ووجدوا عرض الحائط عشرين ذراعا

6 وجهاء القاهرة


الصور المرفقة
 
التوقيع :



قال تعالى :
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
[فصلت:33]






رد مع اقتباس