الموضوع: رحلة ابن بطوطة
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-04-2004, 07:08 PM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

abo _mohammed

المشــرف العــــام

abo _mohammed غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









abo _mohammed غير متواجد حالياً


3 من الأسكندرية إلى المحلة الكبرى

فخرجت من مدينة الإسكندرية قاصدا هذا الشيخ نفعنا الله به ووصلت قرية فروجة وهي على مسيرة نصف يوم من مدينة الإسكندرية قرية كبيرة بها قاض ووال وناظر ولأهلها مكارم أخلاق ومروءة صحبت قاضيها صفي الدين وخطيبها فخر الدين وفاضلا من أهلها يسمى بمبارك وينعت بزين الدين ونزلت بها على رجل من العباد الفضلاء كبير القدر يسمى عبد الوهاب وأضافني ناظرها زين الدين بن الواعظ وسألني عن بلدي وعن مجباه فأخبرته أن مجباه نحو اثني عشر ألفا من دينار الذهب فعجب وقال لي رأيت هذه القرية فإن مجباها اثنان وسبعون ألف دينار ذهبا وإنما عظمت مجابي ديار مصر لأن جميع أملاكها لبيت المال ثم خرجت من هذه القرية

فوصلت مدينة دمنهور وهي مدينة كبيرة جبايتها كثيرة ومحاسنها أثيرة أم مدن البحيرة بأسرها وقطبها الذي عليه مدار أمرها وكان قاضيها في ذلك العهد فخر الدين بن مسكين من فقهاء الشافعية وتولى قضاء الإسكندرية لما عزل عنها عماد الدين الكندي بسبب الواقعة التي قصصناها وأخبرني الثقة أن ابن مسكين أعطي خمسة وعشرين ألف درهم وصرفها من دنانير الذهب ألف دينار على ولاية القضاء بالإسكندرية

ثم رحلنا إلى مدينة فوا وهذه المدينة عجيبة المنظر حسنة المخبر بها البساتين الكثيرة والفوائد الخطيرة الأثيرة بها قبر الشيخ الولي أبي النجاة الشهير الإسم خبير تلك البلاد وزاوية الشيخ أبي عبد الله المرشدي الذي قصدته بمقربة من المدينة يفصل بينهما خليج هنالك فلما وصلت تعديتها ووصلت إلى زاوية الشيخ المذكور قبل صلاة العصر وسلمت عليه ووجدت عنده الأمير سيف الدين يلملك وهو من الخاصكية والعامة تقول فيه الملك فيخطئون ونزل هذا الأمير بعسكره خارج الزاوية ولما دخلت على الشيخ رحمه الله قام إلي وعانقني وأحضر طعاما فواكلني وكانت عليه جبة صوف سوداء فلما حضرت صلاة العصر قدمني للصلاة إماما وكذلك لكل ما حضرني عنده حين إقامتي معه من الصلاة ولما أردت النوم قال لي اصعد إلى سطح الزاوية فنم هنالك وذلك أوان القيظ فقلت للأمير بسم الله فقال لي وما منا إلا له مقام معلوم فصعدت السطح فوجدت به حصيرا ونطعا وآنية للوضوء وجرة ماء وقدحا للشرب فنمت هنالك رأيت ليلتي تلك وأنا نائم بسطح الزاوية كأني على جناح طائر عظيم يطير بي في سمت القبلة يتيامن ثم يشرق ثم يذهب في ناحية الجنوب ثم يبعد الطيران في ناحية الشرق وينزل في أرض مظلمة خضراء ويتركني بها فعجبت من هذه الرؤيا وقلت في نفسي إن كاشفني الشيخ برؤياي فهو كما يحكى عنه فما غدوت لصلاة الصبح قدمني إماما لها ثم أتاه الأمير يلملك فوادعه وانصرف ووادعه من كان هناك من الزوار وانصرفوا أجمعين من بعد أن زودهم كعيكات صغارا ثم سبحت الضحى ودعاني وكاشفني برؤياي فقصصتها عليه فقال سوف تحج وتزور النبي صلى الله عليه وسلم وتجول في بلاد اليمن والعراق وبلاد الترك وتبقى بها مدة طويلة وستلقى بها دلشاد الهندي ويخلصك من شدة تقع فيها ثم زودني كعيكات ودراهم وأودعته وانصرفت ومنذ فارقته لم ألق في أسفاري إلا خيرا وظهرت علي بركاته ثم لم ألق فيمن لقيته مثله إلا الولي سيدي محمدا الموله بأرض الهند

ثم رحلنا إلى مدينة النحرارية وهي رحبة الفناء حديثة البناء أسواقها حسنة الرؤيا وأميرها كبير القدر يعرف بالسعدي وولده في خدمة ملك الهند وسنذكره وقاضيها صدر الدين سليمان المالكي من كبار المالكية سفر عن الملك الناصر إلى العراق وولي قضاء البلاد الغربية وله هيئة جميلة وصورة حسنة وخطيبها شرف الدين السخاوي من الصالحين

ورحلت منها إلى مدينة أبيار وهي قديمة البناء أرجة الأرجاء كثيرة المساجد ذات حسن زائد وهي بمقربة من النحرارية ويفصل بينها النيل وتصنع بأبيار ثياب حسان تعلو قيمتها بالشام والعراق ومصر وغيرها ومن الغريب قرب النحرارية منها والثياب التي تصنع بها غير معتبرة ولا مستحسنة عند أهلها ولقيت بابيار قاضيها عز الدين المليجي الشافعي وهو كريم الشمائل كبير القدر حضرت عنده مرة يوم الركبة وهم يسمون ذلك يوم ارتقاب هلال رمضان وعادتهم فيه أن يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشعبان بدار القاضي ويقف على الباب نقيب المتعممين وهو ذو شارة وهيئة حسنة فإذا أتى أحد الوجوه تلقاه ذلك النقيب ومشى بين يديه قائلا بسم الله سيدنا فلان الدين فيسمع القاضي ومن معه فيقومون له ويجلسه النقيب في موضع يليق به فإذا تكاملوا هنالك ركب القاضي وركب من معه أجمعين وتبعهم جميع من بالمدينة من الرجال والنساء والصبيان وينتهون إلى موضع مرتفع خارج المدينة وهو مرتقب الهلال عندهم وقد فرش ذلك الموضع بالبسط والفرش فينزل فيه القاضي ومن معه فيرتقبون الهلال ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس ويوقد أهل الحوانيت بحوانيتهم الشمع ويصل الناس مع القاضي إلى داره ثم ينصرفون هكذا فعلهم في كل سنة


ثم توجهت إلى مدينة المحلة الكبيرة وهي جليلة المقدار حسنة الآثار كثير أهلها جامع بالمحاسن شملها واسمها بين ولهذه المدينة قاضي القضاة ووالي الولاة وكان قاضي قضاتها أيام وصولي إليها في فراش المرض ببستان له على مسافة فرسخين من البلد وهو عز الدين بن الأشمرين فقصدت زيارته صحبة نائبه الفقيه أبي القاسم بن بنون المالكي التونسي وشرف الدين الدميري قاضي محلة منوف وأقمنا عنده يوما وسمعت منه وقد جرى ذكر الصالحين أن على مسيرة يوم من المحلة الكبيرة بلاد البرلس ونسترو وهي بلاد الصالحين وبها قبر الشيخ مرزوق صاحب المكاشفات


يتبع..


الصور المرفقة
 
رد مع اقتباس