عرض مشاركة واحدة
قديم 08-04-2020, 12:06 PM   رقم المشاركة : 15
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين




[(فصل: في آدابهم في السفر)]

وقد ذكرنا في كتاب الأدب في أثناء الكتاب أنه يجب أن يكون سفر المؤمن الخروج من أوصافه المذمومة إلى صفاته المحمودة، فيخرج من هواه إلى طلب رضا مولاه بتصحيح تقواه، فإذا أراد الفقير أن يسافر من بلده، فأول شيء يجب عليه أن يرضي خصومه ويستأذن والديه أو من هو في حكمهما في وجوب الحق عليه من العم والخال والجد والجدة، فإذا رضوا بذلك خرج، فإن كان ذا عيال وفي سفره عنهم مضرة عليهم وضيقة، فلا يسلم له السفر إلا بعد إصلاح أمورهم أو يستصحبهم معه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت".


ومن شرط الفقير إذا سافر أن يكون قلبه معه، لا يكون قلبه ملتفتًا إلى علاقة وراءه، ولا يكون قلبه متعلقًا بمطالبة أمامه، فحيثما نزل يكون قلبه معه ويكون قلبه خاليًا عن الأشياء كما قيل عن إبراهيم بن دوحة أنه قال: دخلت مع إبراهيم بن شيبة البادية فقال لي: اطرح ما معك من العلائق، فطرحت كل شيء إلى دينارًا، فقال: لا تشغل سري، اطرح ما معك، فطرحت الدينار، فقال: لا تشغل سري، طرح ما معك من العلائق، فذكرت أن معي شسوعًا للنعل فطرحتها، فوالله ما احتجت في الطريق إلى شسع إلى وجدته بين يدي فقال ابن شيبة: هكذا من عامل الله تعالى بالصدق.
ولا ينبغي أن يقصر في سفره من أوراده التي كان يفعلها في حضره، لأن السفر لهم زيادة في أحوالهم، فلا ينبغي أن يحصل له خلل في أعمالهم وأحوالهم بسفره، وإنما الرخص للضعفاء والعوام، وما للأقوياء والخواص بالرخص، بل العزيمة شأنهم أبدًا في جميع أحوالهم، والتوفيق شامل لهم، والرحمة نازلة عليهم، والحرس قائم معهم والحفظ دائم لهم، والحبيب جالس معهم، والأنس به زائد، والغنى بهم قائم، والأمداد متداركة ومتواترة، والنظر لهم لازم، والجنود لهم متكاثفة متتابعة ومشتبكة لديهم، فالسفر أقوى لهم وألين وأحسن بما هم بصدده، إذ فيه البعد من الأسباب التي هي الأرباب، والخلق الذين هم الأصنام، وأضل من الصلبان وأشد من الشيطان.


وينبغي للفقير أن يراعي قلبه في أول سفره، ولا يخرج عن الغفلة، ويجتهد في سفره حتى لا ينسى بقلبه ربه في سفره.

ولا ينبغي له أن يكون سفره لغرض من أغراض الدنيا بوجه من الوجوه، بل يكون سفره لطاعة من الطاعات، إما للحج أو للقاء شيخ أو زيادة موضع من المواضع المقدسة الشريفة، وإذا سافر الفقير فوجد قلبه بموضع من المواضع ورآه فيه أصفى من الكدرات، وعيشه أوفى، فيلزم ذلك الموضع، ولا يزول عنه إلا بأمر جزم أو فعل محضر وقدر، فينتج حينئذ إلى ما يؤمر به، أو يحمله القدر إذا كان من المفعولين فيهم الزائل الهوى والإرادات والأماني، الفانين عنهم المرادين المحبوبين.

وإذا ظهر لفقير جاه وقبول ببعض المواضع، فينبغي له أن يخرج منه ويشوش على نفسه ذلك القبول، لئلا ينفى به عن الله ويحجب عنه، فيكون الخلق نصيبه، وهذا إنما يكون مع وجود الهوى، وأما مع زواله فلا وجود للخلق ولا لقبولهم أثر، فهم خارجون عن القلب وبينهما حجب وحرس يحفظون القلب عن دخول الخلق إليه، لئلا يحصل الشرك فيتشعث التوحيد.

وينبغي للفقير أن يعاشر اصحابه في سفره بحسن الخلق وجميل المداراة، وترك المخالفة واللحاح في جميع الأشياء، ويشتغل بخدمتهم، ولا يستخدم منهم أحدًا.

وينبغي أن يكون أبدًا في سفره على الطهارة وإن لم يجد الماء يتيمم ما أمكنه ذلك، كما يستحب له في حضره أن يكون على الطهارة، لأن الوضوء سلاح المؤمن، كما جاء في الخبر، وهو أمان له من الشياطين وكل مؤذ.


رد مع اقتباس