الموضوع: فتوح الغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-17-2011, 02:02 AM   رقم المشاركة : 45
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: فتوح الغيب

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة السادسة والثلاثون

فـي بـيـان الـدنـيـا و الآخـرة و مـا يـنـبـغـي أن يـعـمـل فـيـهـمـا


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : أجعل آخرتك رأس مالك ودنياك ربحه، وأصرف زمانك أولاً في تحصيل آخرتك. ثم إن فضل من زمانك شئ اصرفه في دنياك وفى طلب معاشك، ولا تجعل دنياك رأس مالك وآخرتك ربحه. ثم إن فضل من الزمان فضلة صرفتها في آخرتك تقتضى فيها الصلوات تسبكها سبيكة واحدة ساقطة الأركان، مختلفة الواجبات من غير ركوع وسجود وطمأنينة بين الأركان، أو يلحقك التعب والإعياء فتنام عن القضاء جملة، جيفة في الليل بطالاً في النهار تابعاً لنفسك وهواك وشيطانك، وبائعاً آخرتك بدنياك عند النفس ومطيتها، أمرت بركوبها وتهذيبها ورياضتها والسلوك بها في سبيل السلامة وهى طرق الآخرة وطاعة مولاها عزَّ وجلَّ فظلمتها بقوبلك منها وسلمت زمامها إليها وتبعتها في شهواتها ولذاتها وموافقتها وشيطانها وهواها ففاتك خير الدنيا والآخرة وخسرتهما فدخلت القيامة أفلس الناس وأخسرهم ديناً ودنيا، وما وصلت بمتابعتها إلى أكثر من قسمك من دنياك، ولو سلكت بها طريق الآخرة وجعلتها رأس مالك ربحت الدنيا والآخرة ووصل إليك قسمك من الدنيا هنيئاً مرئياً وأنت مصون مكرم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله يعطى الدنيا على نية الآخرة ولا يعطى الآخرة على نية الدنيا) وكيف لا يكون كذلك ونية الآخرة هي طاعة الله لأن النية روح العبادات وذاتها.


وإذا أطعت الله بزهدك في الدنيا أو طلبك دار الآخرة كنت من خواص الله عزَّ وجلَّ وأهل طاعته ومحبته، وحصلت لك الآخرة وهى الجنة وجوار الله عزَّ وجلَّ وخدمتك الدنيا فيأتيك قسمك الذي قدر لك منها، إذ الكل تبع لخالقها ومولاها وهو الله عزَّ وجلَّ، وإن اشتغلت بالدنيا وأعرضت عن الآخرة غضب الرب عليك ففاتتك الآخرة وتعاصت الدنيا عليك وتعسرت وأتعبتك في إيصال قسمك إليك لغضب الله عزَّ وجلَّ عليك لأنها مملوكته، تهين من عصاه وتكرم من أطاعه فيتحقق حينئذ قوله صلى الله عليه وسلم : (الدنيا والآخرة ضرتان، إن أرضيت إحداهما أسخطت عليك الأخرى). قال تعالى : }مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ{.آل عمران152. يعنى به أبناء الآخرة، فانظر من أبناء أيهما أنت؟؟ ومن أي القبيلتين تحب أن تكون وأنت في الدنيا؟؟ ثم إذا صرت إلى الآخرة فالخلق فريقان فريق في طلب الدنيا وفريق في طلب الآخرة، وهم أيضاً يوم القيامة فريقان }فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ{.الشورى7. فريق في الموقف قيام في طول الحساب }فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ{.المعارج4. مما تعدون كما قال تعالى، وفريق في ظل العرش كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : (إنكم تكونون يوم القيامة في ظل العرش عاكفون على الموائد، عليها أطايب الطعام والفواكه والشهد أبيض من الثلج). كما جاء في الحديث : (وينظرون منازلهم في الجنة حتى إذا فرغ من حساب الخلق دخلوا الجنة، يهتدون إلى منازلهم كما يهتدي أحد الناس في الدنيا إلى منزله). فهل وصلوا إلى هذه إلا بتركهم الدنيا واشتغالهم بطلب الآخرة والمولى. وهل وقعوا أولئك في الحساب وأنواع الشدائد والذل إلا لاشتغالهم بالدنيا ورغبتهم فيها وزهدهم في الآخرة وقلة المبالاة بأمرها ونسيان يوم القيامة وما سيصيرون إليه غداً مما ذكر في الكتاب والسنة.


فانظر لنفسك نظر رحمة وشفقة، واختر لها خير القبيلتين وأفردها عن أقران السوء من شياطين الإنس والجن، وأجعل الكتاب والسنة أمامك وأنظر فيهما وأعمل بهما، ولا تغتر بالقال والقيل والهوس. قال الله تعالى : }وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ{.الحشر7. ولا تخالفوه فتتركوا العمل بما جاء به وتخترعوا لأنفسكم عملاً وعبادة كما قال عزَّ وجلَّ في حق قوم ضلوا سواء السبيل }وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ{.الحديد27 .، ثم إنه زكى هو عزَّ وجلَّ نبيه صلى الله عليه وسلم ونزهه عن الباطل والزور فقال عزَّ وجلَّ : }وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{.النجم3–4. أي ما آتاكم به فهو من عندي لا من هواه ونفسه فاتبعوه، ثم قال تعالى : }قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ{.آل عمران31. فبين أن طريق المحبة إتباعه قولاً وفعلاً، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال : (الاكتساب سنتي، والتوكل حالتي) أو كما قال، فأنت بين سنته وحالته وإن ضعف إيمانك فالتكسب الذي هو سنته وإن قوى إيمانك فحالته التي هي التوكل قال الله تعالى : }وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{.المائدة23. وقال تعالى : }وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ{.الطلاق3. وقال تعالى : }إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ{.آل عمران159. فقد أمرك بالتوكل ونبهك عليه كما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله : }وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ{.النساء81.الأنفال61.الأحزاب3+48. فاتبع أوامر الله عزَّ وجلَّ في سؤاله في أعمالك فهي مردودة عليك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) هذا يعلم طلب الرزق والأعمال والأقوال، ليس لنا نبي غيره فنتبعه ولا كتاب غير القرآن فنعمل به، فيضلك هواك والشيطان. قال الله تعالى : }وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ{.ص26. فالسلامة مع الكتاب والسنة، والهلاك مع غيرهما، وبهما يترقى العبد إلى حالة الولاية والبدلية والغوثية،والله أعلم.


رد مع اقتباس