الموضوع: فتوح الغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-17-2011, 10:02 AM   رقم المشاركة : 68
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: فتوح الغيب


بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الخامسة والخمسون

فــي تــرك الـحــظــوظ


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : ترك الحظوظ ثلاث مرات: الأولى يكون العبد ماراً في عشواه متخبطاً فيه متصرفاً بطبعه في جميع أحواله من غير تعبد لربه و لازم في الشرع يرده و لا جده من جدود ينتهي إليه عن حكمه، فبينما هو على ذلك ينظر الله إليه يعنى يرحمه، فيبعث الله إليه واعظاً من خلقه من عباده الصالحين فينبهه، و يثنيه بواعظ من نفسه، فيتضافر الواعظان على نفسه و طبعه، فتعمل الموعظة عملها، فتبين عندها عيب ما هي فيه من ركوب مطية الطبع و المخافة فتميل إلى الشرع في جميع تصرفاتها فيصير العبد مسلماً قائماً مع الشرع فانياً عن الطبع، فيترك حرام الدنيا و شبهاتها و منن الخلق، فيأخذ مباح الحق عز و جل و حلال الشرع في مأكله و مشربه و ملبسه و منكحه و جميع ما لابد منه، لتحتفظ البنية و يتقوى على طاعة الرب عز و جل، و ليستوفى قسمه المقسوم له الذي لا يتجاوزه و لا سبيل إلى الخروج من الدنيا قبل تناوله و التلبس به و استيفائه فيسير على مطية المباح و الحلال في الشرع في جميع أحواله تنتهي به هذه المطية إلى عتبة الولاية و الدخول في زمرة المحققين و الخواص أهل العزيمة مريدي الحق، فيأكل بالأمر، فحينئذ يسمع نداء من قبل الحق عز و جل من باطنه: أترك نفسك و تعال، أترك الحظوظ و الخلق إن أردت الخالق، و أخلع نعليك، و دنياك و آخرتك، و تجرد عن الأكوان و الموجودات و ما سيوجد و الأماني بأسرها، و تعر عن الجميع وافن عن الكل و تطيب بالتوحيد و أترك الشرك و صدق الإرادة. ثم وطء البساط بالأدب مطرقاً، لا تنظر يميناً إلى الآخرة و لا شمالاً إلى الدنيا و لا إلى الخلق و لا إلى الحظوظ، فإذا دخل في هذا المقام، و تحقق الوصول جاءت الخلعة من قبل الحق عز و جل، و غشيته أنواع المعارف و العلوم و أنواع الفضل، فيقال له: تلبس بالنعم و الفضل و لا تسئ الأدب بالرد وترك التلبس، لأن رد نعم الملك افتئاتا على الملك و استخفافاً بحضرته و حينئذ يتلبس بالفضل و القسمة بالله من غير أن يكون هو فيه و من قبل كأن يتلبس بهواه و نفسه فله أربع حالات في تناول الحظوظ و الأقسام:



الأولى بالطبع هو الحرام. و الثانية بالشرع و هو المباح و الحلال. و الثالثة بالأمر و هي حالة الولاية و ترك الهوى. و الرابعة بالفضل و هي حالة زوال الإرادة و حصول البدلية و كونه مراداً قائماً مع القدر الذي هو فعل الحق و هي حالة العلم و الاتصاف بالصلاح، فلا يسمى صالحاً على الحقيقة إلا وصل إلى هذا المقام، و هو قوله تعالى: }إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ{.الأعراف196. فهو العبد الذي كفت يده عن جلب مصالحه و منافعه و عن رد مضاره و مفاسده، كالرضيع مع الظئر، و الميت الغسيل مع الغاسل، فتتولى يد القدر تربيته من غير أن يكون له اختيار و تدبير، فان عن جميع ذلك لا حالاً و لا مقاماً و لا إرادة، بل القيام مع القدرة، تارة يبسط و تارة يغنى و تارة يفقر، و يختار و لا يتمنى زوال ذلك و تغيره، بل الرضى الدائم و الموافقة الأبدية، فهو آخر ما تنتهي أحوال الأولياء قدست أسرارهم.


رد مع اقتباس