الموضوع: فتوح الغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-17-2011, 10:01 AM   رقم المشاركة : 67
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: فتوح الغيب

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة الرابعة والخمسون

فـي مـن أراد الـوصـول إلـى الله تـعـالـى
و بـيـان كـيـفـيـة الـوصـول إلـيـه تـعـالـى

قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : من أراد الآخرة فعليه بالزهد في الدنيا، و من أراد الله فعليه بالزهد في الآخرة، فيترك دنياه لآخرته و آخرته لربه، فما دام في قلبه شهوة من شهوات الدنيا و لذة من لذاتها و طلب راحة من راحتها من سائر الأشياء من مأكول و مشروب و ملبوس و منكوح و مسكون و مركوب، و ولاية، و رياسة و طبقة في علم من فنون العلم من الفقه فوق العبادات الخمس، و رواية الحديث و قراءة القرآن بروايته، و النحو و اللغة و الفصاحة و البلاغة، و زوال الفقر و وجود الغنى و ذهاب البلية و مجيء العافية، و في الجملة انكشاف الضر و نجئ النفع فليس بزاهد حقاً لأن كل واحد من هذه الأشياء فيه لذة النفس و موافقة الهوى و راحة الطبع و حب له، و كل ذلك من الدنيا و مما يحبب البقاء فيها و يحصل السكون و الطمأنينة إليها، فينبغي أن يجاهد في إخراج جميع ذلك عن القلب، و يأخذ نفسه بإزالة ذلك و قلعه و الرضا بالعدم و الإفلاس و الفقر الدائم، فلا يبقى من ذلك مقدار مص نواة ليخلص زهده في الدنيا، فإذا تم له ذلك زالت الغموم و الأحزان من القلب و الكرب عن الحشا، و جاءت الراحات و الطيب و الأنس بالله كما قال عز و جل: ( الزهد في الدنيا يريح القلب و الجسد ) فما دام في قلبه شئ من ذلك فالهموم و الخوف و الوجل قائم في القلب و الخذلان لازم له، و الحجاب عن الله عز و جل وعن قربه متكاثف متراكم فلا ينكشف جميع ذلك إلا بزوال حب الدنيا على الكمال و قطع العلائق بأثرها، ثم يزهد في الآخرة، فلا يطلب الدرجات و المنازل العاليات و الحور و الولدان و الدور و القصور و البساتين و المراكب و الخيل و الحلي و المآكل و المشارب و غير ذلك مما أعده الله تعالى لعباده المؤمنين، فلا يطلب على عمله جزاء أو أجراً من الله عز و جل البتة دنيا و لا أخرى، فحنيئذ يجد الله عز و جل فيؤتيه حسابه تفضلاً منه و رحمة، فيقربه منه و يدنيه و يلطف به و يتعرف إليه بأنواع ألطافه و بره كما هو دأبه عز و جل مع رسله و أنبيائه و أوليائه و خواصه و أحبابه أولى العلم به عز و جل فيكون العبد كل يوم في مزيد أمره مدة حياته. ثم ينتقل إلى دار الآخرة إلى ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر، مما تضيق عنه الأفهام و تعجز عن و صفه العبارات، و الله أعلم.


رد مع اقتباس