والخوارج الأوائل : يعتبون على الحاكم اجتهاداته الشرعية ، ويستغلونها لإسقاطه ، وتوغير القلوب ضده ، كما عتبوا على عثمان تحريق المصاحف ! ، وإتمام الصلاة في منى ، [ 10/395] .
وهم اليوم : ما إن يرى الحاكم رأياً للخلاف فيه نظر ، وللاجتهاد فيه مسوّغ : إلاّ وطاروا بمخالفته ، وقالوا : هذا تبديل لشرع الله !! ، وحكم بغير ما أنزل الله ! .
الخوارج الأوائل : يتأولون كلام الحاكم وفعله على غير ما يريد ! ، كما صنعوا مع عليٍ رضي الله عنه ! قال ابن جرير : ( ثم جعلوا بعد ذلك يعرضون له في الكلام ، ويسمعونه الشتم ، ويتأولون تآويل في كلامه ! ) [ البداية :10/569] .
وهم اليوم : كذلك ، وكل ما يصدر منهم يقلب على أقبح الأوصاف : حرب للإسلام ، تجفيف لمنابع الدين ، تعطيل للجهاد ، استنزاف للأموال ! ، نهب لمدخرات البلاد ! .
الخوارج الأوائل : ينزلون آيات الكفر على حكام المسلمين ! ، كما قال أحدهم لعلي رضي الله عنه وهو في الصلاة : ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(الزمر: من الآية65) ، فقرأ علي رضي الله عنه : ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) (الروم:60) ، [ البداية :10/569 ] .
الخوارج الأوائل : يجهلون مسائل الحكم بغير ما أنزل الله ، ويكفرون الحاكم بما ليس منها بمكفرٍ !! ، وقالوا لعلي رضي الله عنه : ( يا عليّ أشركت!! في دين الله الرجال ، إن الحكم إلاّ لله ! ) ، [ البداية :10/570] .
وهم اليوم كذلك ! .
الخوارج الأوائل : يأخذون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ! ، فتمسكوا بقوله تعالى ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)(الأنعام: من الآية57) ، وقوله : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة: من الآية44) ، ونزلوها على غير تنزيلها ، وأجملوا ، وعمموا في الدليل والحكم ! ، ولما ناظرهم ابن عباس – رضي الله عنهما – أتم لهم الدليل ، ونقض لهم الحكم . وكشف جهلهم ! ، وأتى لهم بالأدلة التي حكم الله فيها حكم الرجال ، فحكم الرجال بحكم الله من حكم الله ! .
وهم اليوم كذلك في مسائل عدة ، حتى أن أحدهم أطلق مرة الحكم بأن كل من حرم ما أحل الله : فهو كافر ! ، فقال له صاحب السنة ، وما تقول في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التحريم:1) ، فبهت الذي فجر ! ، ثم طغى وكفر وقال : يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كفر ثم تاب الله عليه !!.
الخوارج الأوائل : يتحزبون إلى أشخاصٍ – وإن كانوا صالحين ! – وكل منهم يطلب أن تكون الولاية لصاحبه !! ، [ البداية :10/398] .
وهم اليوم : كل حزبٍ يدعو إلى أولوية ( زعيمه ) بالولاية !!!!! ، وهم من أبعد الناس عن الصلاح والتقى ، والعلم والهدى ، بل : والعقل وحصافة الرجال ! .
الخوارج الأوائل : يفضحون ، ويشهرون ، ويكفرون ، ويهددون ، وقال زرعة بن البرج لعلي رضي الله عنه : أما والله يا عليّ لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله لأقاتلنك اطلب بذلك وجه الله ورضوانه !!!!!! ) [ البداية :10/577 ] .
وهم اليوم كذلك : حرموا من النصيحة والإصلاح الشرعي ! ، وجنحوا إلى التعيير والتشهير ، والتهديد ، ومن ثمّ إلى التخريب والتدمير ، واستباحة المحرمات !! .
الخوارج الأوائل : يدعون إلى مهاجرة أرض الإسلام !! ، كما قال عبدالله بن وهب الراسبي وهو منهم : ( اخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها ، إلى جانب هذا السواد ، إلى بعض كور الجبال ، أو بعض هذه المدائن ، منكرين هذه الأحكام الجائرة .. ) ، [ البداية :10/578] .
وهم اليوم كذلك : ومنهم من هو أسوأ من الخوارج الأوائل حيث جمز إلى أرض الكفار ، واستنصر بهم ، وعاش تحت ولايتهم ، ودان باتباع أنظمتهم ، وتحاكم إلى شريعتهم ، وهيئوا له السبل لحرب الإسلام والمسلمين ! ، فاستبدل صوت المآذن ، وخلو الأرض من الأوثان والكنائس ومعابد الكفر ، وهاجر إلى أرضٍ يعلو فيه الصليب ، وتدندن فيها أجراس الكنائس ، ويكفر فيها بالله علانية ، والله تعالى يقول : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً ) (النساء:97- 99) ،و قوله تعالى : ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ) (العنكبوت:56).
ويتشدقون بأنهم هربوا من : سياسة القمع ، ومن ظلم الحكومات ! .
أن الخوارج الأوائل : خرجوا بمسمى الجهاد ، والتوحيد ، وإنكار المنكر ، ووجوب تحكيم شرع الله ، قال الراسبي : فأشهد أهل دعوتنا من أهل قبلتنا أنهم قد اتبعوا الهوى ، ونبذوا حكم الكتاب ، وجاروا في القول والعمل ، وأن جهادهم حق على المؤمنين !! ) [ البداية :10/578-579] ، وبالله عليك : اقرأ هناك كلام ابن كثير بعده فما أجمله ولولا خشية الإطالة لنقلته كاملاً .
وهم اليوم كذلك .
الخوارج الأوائل : يدّعون أن مقتولهم في الجنة ، ويستبشرون به ، وكانوا يتنادون يوم النهروان ( الرواح الرواح إلى الجنة !! ) [ البداية :10/587 ] .
وهم اليوم كذلك ، وينشدون ( الأهازيج ) ، و ( زفة الشهيد ) إلى الحور العين في الجنة !! .
الخوارج الأوائل : يرون بأن من قتلوه في النار كائناً من كان !! ، حتى أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه وهو من أجل الصحابة لما ضرب أحدهم بالسيف فأنفذه من ظهره قال له : أبشر يا عدو الله بالنار ! ، فقال له الخارجي : ستعلم أيّنا أولى بها صليا !!!!! ، [ البداية :10/588 ] .
وهم اليوم كذلك ، وما يرون الناس إلاّ من جثى جهنم ! .
الخوارج الأوائل : يستبيحون دماء أهل الذمة والعهود ، قال عبدالله بن شداد : والله ما بعث إليهم – يعني علياً رضي الله عنه – حتى قطعوا السبل ، وسفكوا الدماء ، واستحلوا أهل الذمة .. ) ، [ البداية :10/567] .
الخوارج الأوائل : لا يحترمون العلماء ، وربما طعنوا في ذممهم وأمانتهم ! ، بل ربما غمزوا علمهم ، حتى قالوا في ابن عباس وهو ترجمان القرآن : هذا ممن يخاصم في كتاب الله بما لا يعرفه !!! ، بل ربما غمزوا فيهم بترف اللباس والزينة والمسكن ! ، كما صنعوا أيضاً مع ابن عباس رضي الله عنهما واستنكارهم عليه لبسه للحلة ، [ البداية :10/569 ] .
وهم اليوم كذلك ، ويرون أن ما عندهم من أموال ما هي إلاّ من الرشوة التي يأكلونها من حكامهم ، والله موعدهم ، جميعاً ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (الزمر:31) .
الخوارج الأوائل : يخرجون على حين فرقة من الناس ، كما جاء في الحديث الصريح .
وهم اليوم : كذلك ، فبلادنا خاصة ، والبلاد الإسلامية عامة تتعرض لأشد حملة حربية وإعلامية على الإسلام في العصور المتأخرة ، في وقتٍ نحن أحوج فيه إلى تقويم الصفوف ، وإعداد العدة ، وجمع الكلمة ، فصاروا هم الحرب علينا ، وهم سلاح العدو الذي ينطلق بين ظهرانينا ! .
الخوارج الأوائل : حدثاء أسنان ، سفهاء أحلام ! ، كما صرّح به في الحديث .
وهم اليوم : كذلك ، لم يعرفوا بعلمٍ ولا أدب ولا طلبٍ ، وليس منهم من اشتد عوده في الإسلام ، وعامتهم من أوغل في الدين بشدّة ، ولن يشاد هذا الدين أحد إلاّ غلبه ! .
الخوارج الأوائل : يزداد مروقهم من الدين يوماً بعد يوم ! مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يمرقون من الدين ثم لا يعودون إليه ) .
وهم اليوم تزداد دائرة شرهم وضلالهم : بدءوا بطلب إخراج جنود الكفر ، ثم اتسعت الدائرة إلى كل مشرك ! ، ثم اتسعت الدائرة إلى إعلان الحرب ضدهم ، ثم اتسعت الدائرة إلى قتال من يذب عنهم من رجال الأمن ، ثم اتسعت الدائرة إلى كل رجال الأمن ، ثم اتسعت الدائرة إلى كل من دان بالولاء لحكام هذه البلاد ! ، وربما تتسع الدائرة حتى ينتهكون الأعراض والحرمات كما حصل يوم الحرة ، وما حصل في الجزائر موعظة لمن تدبر .
أما سؤال السائل عن كفرهم ، فأهل العلم اختلفوا في الحكم عليهم بالكفر ، والصواب فيهم التفصيل بحسب حالهم ! ، فمن استحل المحرمات ، واستباح قتل المسلمين ، وحكم بكفرهم جميعاً إلاّ من هم على شاكلته ، فهذا لا شك في كفرهم ، وخلاف من خالف في تكفير الخوارج لا يعني هؤلاء قطعاً .
أما من خرج على السلطان ، وشق عصا الطاعة ، بتأويل سابغ ، وشبهة عارضة فهؤلاء هم البغاة ، ويشملهم مسمى الخروج لا حقيقة حكم الخوارج ، والله تعالى يقول : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)(الحجرات: من الآية9) ، ولهذا لا يجهز على جريحهم ، ولا تستباح أموالهم ، ولا نسائهم وذراريهم ، ويكف عمّن كفّ منهم .
والكلام محل بسطه في غير هذا المقام ، وقد تكلم أهل العلم في أحكام أهل البغي في كتب العقيدة والفقه ، فلتراجع ، مع وصيتي لكل من أراد معرفة مبلغ خطر هذه الفرقة ، وشدة ضلالهم أن يقرءوا كتب التاريخ ، وكيف حال الخوارج مع الحكام ، وحال العلماء مع الحكام ، منذ عصر الصحابة حتى العصور المتأخرة ، فلا يعرف بالخروج والمشاغبة على حكام المسلمين إلاّ أرذل الناس وأجهلهم ، ولم يعقبوا الإسلام إلاّ كل بلية ، ولم يلحقوا به إلاّ كل رزية ، ولو شاء ربك ما فعلوه ، والله حسبنا ونعم الوكيل ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه :
بدر بن علي بن طامي العتيبي
14 ربيع الأول 1425هـ
الطائف – الحوية
قال شيخ الإسلام ابن باز ـ رحمه الله وطيّب ثراه ـ :
(( هذا العصر : عصر الرفق والصبر والحكمة ،وليس عصر الشدّة .
الناس أكثرهم في جهل ، في غفلة وإيثار للدنيا ، فلا بدّ من الصبر ،
ولا بدّ من الرفق ؛حتى تصل الدعوة ، وحتى يبلغ الناس ، وحتى يعلموا .
ونسأل الله للجميع الهداية ))
مجموع فتاوى سماحته ( ج 8 / صــ 376 ) و ( ج 10 / صــ 91 ) .
ورحم الله شيخ الإسلام الألباني الذي أوصى قبل وفاته بقوله :
(( علينا أن نترفق في دعوتنا مع المخالفين ، وأن تكون من قوله تبارك
وتعالى دائما و أبداً:
( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن )
وأول من يستحق أن نستعمل معه هذه الحكمة هو من كان أشد خصومة لنا في
مبدئنا و في عقيدتنا؛ حتى لا نجمع بين ثقل دعوة الحق التي امتن الله عز و جل
بها علينا و بين ثقل أسلوب الدعوة إلى الله عز و جل )) .
اللهم أهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم
قال ابن مسعود رضى الله عنه( لازال الناس بخير ماأخذوا العلم عن أكابرهم وأن أخذوه عن أصاغرهم هلكوا)
Cant See Links