الموضوع: فتوح الغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-16-2011, 02:23 AM   رقم المشاركة : 13
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: فتوح الغيب

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة العاشرة

فـي الـنـفـس و أحــوالـهـا

قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إنما هو الله ونفسك وأنت المخاطب، والنفس ضد الله وعدوه, والأشياء كلها تابعة لله, والنفس له خلقاً ومُلكاً, وللنفس ادعاء وتمن وشهوت ولذة بملابستها, فإذا وافقت الحق عزَّ وجلَّ في مخالفة النفس وعدوانها فكنت لله خصماً على نفسك كما قال الله عزَّ وجلَّ لداود عليه السلام : "يا داود أنا بدك اللازم فألزم بدك، العبودية أن تكون خصماً على نفسك" فتحققت حينئذٍ موالاتك وعبوديتك لله عزَّ وجلَّ, وأتتك الأقسام هنيئاً مريئاً مطيباً وأنت عزيز ومكرم, وخدمتك الأشياء وعظمتك وفخمتك, لأنها بأجمعها تابعة لربّها موافقة له إذ هو خالقها ومنشئها, وهي مقرة له بالعبودية. قال الله تعالى : }وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ{.الإسراء44. }فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ{.فصلت11. فالعبادة كل العبادة في مخالفة نفسك. قال الله تعالى : }وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ{.ص26. وقال لداود عليه السلام : "أهجر هواك فإنه منازع".

والحكاية المشهورة عن أبي يزيد البسطامي رحمه الله لما رأى ربّ العزة في المنام فقال له : كيف الطريق إليك ؟، قال : اترك نفسك وتعال, فقال : فانسلخت كما تنسلخ الحية من جلدها, فإذا الخير كله في معادتها في الجملة في الأحوال كلها, فإن كنت في حال التقوى فخالف النفس, بأن تخرج من حرام الخلق وشبهتهم ومنتهم والاتكال عليهم والثقة بهم والخوف منهم, والرجاء لهم والطمع فيما عندهم من أحكام الدنيا, فلا ترج عطاياهم على طريق الهدية والزكاة والصدقة أو النذر, فاقطع همّك منهم من سائر الوجوه والأسباب حتى إن كان لك نسب ذو مال لا تتمن موته لترث ماله, فاخرج من الخلق جاداً وجعلهم كالباب يرد ويفتح، وشجرة توجد فيها ثمر تارة وتختل أخرى وكل ذلك بفعل فاعل وتدبير مدبر وهو الله جلَّ وعلا, لتكون موحداً للربّ، ولا تنس مع ذلك كسبهم لتخلص من مذهب الجبرية, واعتقد أن الأفعال لا تتم بهم دون الله لا تعبدهم وتنسى الله. ولا تقل فعلهم دون فعل الله فتكفر فتكون قدرياً, لكن قل هي لله خلقاً وللعباد كسباً كما جاءت به الآثار, لبيان موضع الجزاء من الثواب والعقاب, وامتثل أمر الله فيهم, وخلص قسم منهم بأمره ولا تجاوزه فحكم الله قائم بحكمه عليك وعليهم, فلا تكن أنت الحاكم, وكونك معهم قدر والقدر ظلمة فادخل بالظلمة في المصباح وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, لا تخرج عنهما فإن خطر خاطر أو وجد إلهام فاعرضه على الكتاب والسنة, فإن وجدت فيها تحريم ذلك مثل أن تلهم بالزنا والرياء ومخالطة أهل الفسق والفجور وغير ذلك من المعاصي, فادفعه عنك واهجره ولا تقبله ولا تعمل به, واقطع بأنه من الشيطان اللعين نعوذ بالله منه. وإن وجدت فيها إباحة كالشهوات المباحة من الأكل أو الشرب أو اللبس أو النكاح فاهجره أيضاً ولا تقبله, واعلم أنه من إلهام النفس وشهواتها وقد أمرت بمخالفتها وعداوتها. وإن لم تجد في الكتاب والسنة تحريمه وإباحته, بل هو أمر لا تعقله مثل السائق لك ائت موضع كذا وكذا, الق فلاناً صالحاً, ولا حاجة لك هناك ولا في الصالح لاستغنائك عنه بما أولاك الله من نعمته من العلم والمعرفة، فتوقف في ذلك ولا تبادر إليه فتقول هذا إلهام من الحق جلَّ وعلا فأعمل به بل انتظر الخير كله في ذلك وفعل الحق عزَّ وجلَّ بأن يتكرر ذلك الإلهام وتؤمر بالسعي, أو علامة تظهر لأهل العلم بالله عزَّ وجلَّ يعقلها العقلاء من الأولياء والمؤيدون من الأبدال, وإنما لم يتبادر إلى ذلك لأنك لا تعلم عاقبته وما يؤول الأمر إليه, وما كان فيه فتنة وهلاك ومكر من الله وامتحان فاصبر حتى يكون هو عزَّ وجلَّ الفاعل فيك, فإذا تجرد الفعل وحملت إلى هناك واستقبلتك فتنة كنت محمولاً محفوظاً فيها, لأن الله تعالى لا يعاقبك على فعله وإنما تتطرق العقوبة نحوك لكونك في الشيء, وإن كنت في حالة الحقيقة وهي حالة الولاية فخالف هواك واتبع الأمر في جملة.



واتباع الأمر على قسمين :

أحدهما أن تأخذ من الدنيا القوت الذي هو حق النفس وتترك الحظ , وتؤدي الفرض وتشتغل بترك الذنوب ما ظهر منها وما بطن.

والقسم الثاني ما كان بأمر باطن, وهو أمر الحق عزَّ وجلَّ, يأمر عبده وينهاه, وإنما يتحقق بهذا الأمر في المباح الذي ليس له حكم في الشرع على معنى ليس من قبيل النهي ولا من قبيل الأمر الواجب, بل هو مهمل ترك العبد يتصرف فيه باختياره فسمي مباحاً فلا يحدث للعبد فيه شيئاً من عنده بل ينتظر الأمر فيه, فإذا أمر امتثل فتصير حركاته وسكناته بالله عزَّ وجلَّ, ما في الشرع حكمه فبالشرع، وما ليس له حكم في الشرع فبالأمر الباطن فحينئذ يصير محقاً من أهل الحقيقة, وما ليس فيه أمر باطن فهو مجرد الفعل حاله التسليم, وإن كنت في حالة حق الحق وهي حالة المحو والفناء وهي حالة الأبدال المنكسري القلوب لأجله الموحدين العارفين أرباب العلوم والعقل السادة الأمراء الشحن خفراء الخلق خلفاء الرحمن وأخلائه وأعيانه وأحبائه عليهم السلام, فإتباع الأمر فيها بمخالفتك إياك بالتبري من الحول والقوة, وأن لا يكون لك إرادة وهمة في شيء البتة دنيا وعقبى, فتكون عبد المَلك لا عبد الْمُلْك وعبد الأمر لا عبد الهوى كالطفل مع الظئر, والميت الغسيل مع الغسل, والمريض المقلوب على جنبيه بين يدي الطبيب فيما سوى الأمر والنهي والله أعلم.




آخر تعديل عمر نجاتي يوم 04-18-2022 في 10:42 AM.
رد مع اقتباس