الموضوع: فتوح الغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-16-2011, 02:20 AM   رقم المشاركة : 10
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: فتوح الغيب

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة السابعة

فـي إذهـاب غـمـم الـقـلـب

قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : أخرج من نفسك وتنح عنها, وانعزل عن ملكك وسلم الكل إلى الله, فكن بوابه على باب قلبك، وامتثل أمره في إدخال من يأمرك بإدخاله، وانته بنهيه في صد من يأمرك بصده، فلا تدخل الهوى قلبك بعد أن خرج منه، فإخراج الهوى من القلب بمخالفته، وترك متابعته في الأحوال كلها، وإدخاله في القلب بمتابعته وموافقته، فلا ترد إرادة غير إرادته, وغير ذلك منك تمن وهو وادي الحمقى, وفيه حتفك وهلاكك وسقوطك من عينه وحجابه عنك, أحفظ أبداً أمره, وانته أبداً بنهيه، وسلم لمقدوره, ولا تشركه بشيء من خلقه, فإرادتك وهواك وشهواتك كلها خلقه, فلا ترد ولا تهوى ولا تشته كيلا تكون مشركاً. قال الله تعالى : }فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً{.الكهف110.


ليس الشرك عبادة الأصنام فحسب, بل هو متابعتك هواك، وأن تختار مع ربك شيئاً سواه من الدنيا وما فيها والآخرة وما فيها, فما سواه عزَّ وجلَّ غيره، فإذا ركنت إلى غيره فقد أشركت به عزَّ وجلَّ غيره, فاحذر ولا تركن, وخف ولا تأمن, وفتش فلا تغفل فتطمئن, ولا تضف إلى نفسك حالاً ومقاماً, ولا تدع شيئاً من ذلك, فإن أعطيت حالاً أو أقمت في مقام فلا تختر شيئاً واحداً من ذلك, فإن الله }كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ{.الرحمن29. في تغيير وتبديل, وإنه يحول بين المرء وقلبه, فيزيلك عما أخبرت به, ويغيرك عما تخيلت ثباته وبقاءه, فتخجل عند من أخبرته بذلك، بل أحفظ ذلك فيك ولا تعده إلى غيرك فإنه كلي الثبات والبقاء, فتعلم أنه موهبة وتسأل التوفيق للشكر واستر رؤيته وإن كان غير ذلك كان فيه زيادة علم ومعرفة ونور وتيقظ وتأديب. قال الله عزَّ وجلَّ : }مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{.البقرة106. فلا تعجز الله في قدرته، ولا تتهمه في تقديره ولا تدبيره، ولا تشك في وعده, فليكن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة, نسخت الآيات والسور النازلة عليه المعمولة بها المقروءة في المحاريب المكتوبة في المصاحف, ورفعت وبدلت وأثبت غيرها مكانها, ونقل صلى الله عليه وسلم إلى غيرها, هذا في ظاهر الشرع، وأما في الباطن والعلم والحال فيما بينه وبين الله عزَّ وجلَّ فكان يقول : (إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في كل يوم سبعين مرة) ويروى (مائة مرة) وكان صلى الله عليه وسلم ينقل من حالة إلى أخرى ويسير به في منازل القرب وميادين الغيب، ويغير عليه خلع الأنوار، فتبين الحالة الأولى عند ثانيها ظلمة ونقصاناً وتقصيراً في حفظ الحدود، فيلقن الاستغفار لأنه أحسن حال العبد، والتوبة في سائر الأحوال لأن فيها اعترافه بذنبه وقصوره، وهما صفتا العبد في سائر الأحوال، فهما وراثة من أبي البشر آدم عليه السلام إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم حين اعترت صفاء حاله ظلمة النسيان للعهد والميثاق، وإرادة الخلود في دار السلام, ومجاورة الحبيب الرحمن المنان، ودخول الملائكة الكرام عليه بالتحية والسلام, فوجد هناك مشاركة إرادته لإرادة الحق, فانكسرت لذلك تلك الإرادة, وزالت تلك الحالة, وانعزلت تلك الولاية, فانهبطت تلك المنزلة وأظلمت تلك الأنوار وتكدر ذلك الصفاء, ثم تنبه وذكر صفي الرحمن، فعرف الاعتراف بالذنب والنسيان, ولقن الإقرار فقال : }رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{.الأعراف23. فجاءت أنوار الهداية وعلوم التوبة ومعارفها، والمصالح المدفونة فيها ما كان غائباً من قبل, فلم تظهر إلا بها، فبدلت تلك الإرادة بغيرها والحالة الأولى بأخرى, وجاءته الولاية الكبرى والسكون في الدنيا ثم في العقبى, فصارت الدنيا له ولذريته منزلاً, والعقبى لهم موئلاً ومرجعاً وخلداً, فلك برسول الله وحبيبه المصطفى وأبيه آدم صفي الله عليهم الصلاة والسلام عنصر الأحباب والأخلاء أسوة في الاعتراف بالقصور والاستغفار في الأحوال كلها.


رد مع اقتباس