الموضوع: فتوح الغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-16-2011, 02:19 AM   رقم المشاركة : 9
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: فتوح الغيب

بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة السادسة

فـي الـفـنـاء عـن الـخـلـق


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : افن عن الخلق بإذن الله تعالى, عن هواك بأمر الله تعالى }وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{.المائدة23. وعن إرادتك بفعل الله تعالى. وحينئذ تصلح أن تكون وعاء لعلم الله تعالى, فعلامة فنائك عن خلق الله تعالى انقطاعك عنهم وعن التردد إليهم واليأس مما في أيديهم، وعلامة فنائك عن هواك ترك التكسب والتعلق بالسبب في جلب النفع والضرر, فلا تحرك ولا تعتمد عليك ولا لك ولا تذب عنك ولا تنتصر لنفسك، تكل ذلك كله إلى الله تعالى لأنه تولاه اولاً فيتولاه آخراً, كما كان موكولاً إليه في حال كونك مغيباً في الرحم، وكونك رضيعاً طفلاً في مهدك, وعلامة فنائك عن إرادتك بفعل الله أنك لا تريد مراداً قط , ولا يكون لك غرض, ولا يبقى لك حاجة ولا مرام, فإنك لا تريد مع إرادة الله سواها, بل يجري فعل الله فيك, فتكون أنت عند إرادة الله وفعله ساكن الجوارح مطمئن الجنان منشرح الصدر منور الوجه عامر البطن غنياً عن الأشياء بخالقها, تقلبك يد القدرة, ويدعوك لسان الأزل, ويعلمك ربُّ الْمِلَلْ, ويكسوك أنواراً منه والحلل, وينزلك من أولي العلم الأول, فتكون منكسراً أبداً, فلا يثبت فيك شهوة وإرادة كالإناء المنثلم الذي لا يثبت فيه مائع وكدر, فتنقى عن أخلاق البشرية, فلن يقبل باطنك شيئاً غير إرادة الله عزَّ وجلَّ, فحينئذ يضاف إليك التكوين وخرق العادات, فيرى ذلك منك في ظاهر الفعل والحكم, وهو فعل الله وإرادته حقاً في العالم, فتدخل حينئذ في زمرة المنكسرة قلوبهم الذين كسرت إرادتهم البشرية وأزيلت شهواتهم الطبيعية فاستؤنفت لهم إرادة ربانية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (حبب إليّ من دنياكم ثلاث : الطيب ، والنساء , وجعلت قرة عيني في الصلاة) فأضيف ذلك بعد أن خرج منه وزال عنه تحقيقاً بما أشرنا, وتقدم. قال الله تعالى في حديثه القدسي : "أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي" فإن الله تعالى لا يكون عندك حتى تنكسر جملة هواك وإرادتك, فإذا انكسرت ولم يثبت فيك شيء ولم يصلح فيك شيء, أنشأك الله فجعل فيك إرادة, فتريد بتلك الإرادة, فإذا صرت في الإرادة المنشأة فيك، كسرها الربّ تعالى بوجودك فيها, فتكون منكسر القلب أبداً, فهو لا يزال يجدد فيك إرادة ثم يزيلها عند وجودك فيها هكذا إلى أن يبلغ الكتاب أجله, فيحصل اللقاء, فهذا هو معنى "عند المنكسرة قلوبهم من أجلي" ومعنى قولنا عند وجودك فيها هو ركونك وطمأنينتك إليها. قال الله تعالى في حديثه القدسي , الذي يرويه صلى الله عليه وسلم : (لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه , فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها) وفي لفظ آخر "فبي يسمع ، وبي يبطش وبي يعقل". وهذا إنما يكون في حالة الفناء لا غير, فإذا فنيت عنك وعن الخلق, والخلق إنما هو خير وشر, فلم ترج خيرهم ولا تخاف شرهم بقي الله وحده كما كان, ففي قدر الله خير وشر, فيؤمنك من شر القدر ويغرقك في بحار خيره, فتكون وعاء كل خير, ومنبعاً لكل نعمة وسرور وحبور وضياء أمن وسكون، فالفناء والمنى والمبتغى والمنتهى حد ومرد ينتهي إليه مسير الأولياء, وهو الاستقامة التي طلبها من تقدم من الأولياء والأبدال أن يفنوا عن إرادتهم وتبدل بإرادة الحق عزَّ وجلَّ, فيريدون بإرادة الحق أبداً إلى الوفاة، فلهذا سموا أبدالاً رضي الله عنهم, فذنوب هؤلاء السادة أن يشركوا إرادة الحق بإرادتهم على وجه السهو والنسيان وغلبة الحال والدهشة, فيدركهم الله تعالى برحمته بالتذكرة واليقظة, فيرجعوا عن ذلك ويستغفروا ربهم, إذ لا معصوم عن الإرادة إلا الملائكة, عصموا عن الإرادة، والأنبياء عصموا عن الهوى, وبقية الخلق من الإنس والجن المكلفين لم يعصموا منها غير أن الأولياء بعضهم يحفظون عن الهوى, والأبدال عن الإرادة, ولا يعصمون منهما على معنى يجوز في حقهم الميل إليهما في الأحيان, ثم يتداركهم الله عزَّ وجلَّ باليقظة برحمته.


رد مع اقتباس