الموضوع: فتوح الغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-17-2011, 01:21 AM   رقم المشاركة : 24
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: فتوح الغيب

بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة التاسعة عشرة

فـي الأمـر بـوفـاء الـعـهـد و الـنـهـي عـن خـلـفـه


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إذا كنت ضعيف الإيمان واليقين ووعدت بوعد وفِّ بوعدك, ولا تخلف كيلا يزول إيمانك ويذهب يقينك.

وإذا قوي ذلك في قلبك وتمكنت خوطبت بقوله : }إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ{.يوسف54. وتكرر هذا الخطاب لك حالاً بعد حال فكنت من الخواص بل من خواص الخواص ولم يبق لك إرادة ولا مطلب, ولا عمل تعجب به ولا قربة تراها, ولا منزلة تلمحها, فتسمو همتك إليها, فصرت كالإناء المنثلم الذي لا يثبت فيه مائع, فلا يثبت فيك إرادة ولا خلق ولا همة إلى شيء من الأشياء دنيا وأخرى, وطهرت مما سوى الله تعالى, وأعطيت رضاك عن الله عزَّ وجلَّ, ووعدت برضوانه عزَّ وجلَّ عنك, ولذذت ونعمت بأفعال الله عزَّ وجلَّ أجمع, فحينئذ توعد بوعد, فإذا اطمأننت إليه ووجدت فيه إمارة إرادة ما نقلت عن ذلك الوعد إلى ما هو أعلى منه, وصرفت إلى أشرف منه, وعوضت عن الأول بالغنى عنه, وفتحت لك أبواب المعارف والعلوم وأطلعت على غوامض الأمور وحقائق الحكمة والمصالح المدفونة في الانتقال من الأول إلى ما يليه ويزاد حينئذ في مكانتك في حفظ الحال ثم المقال, وفي أمانتك في حفظ الأسرار وشرح الصدور وتنوير القلب وفصاحة اللسان والحكمة البالغة في إلقاء المحبة عليك, فجعلت محبوب الخليقة أجمع الثقلين وما سواهما دنيا وأخرى. إذا صرت محبوب الحق عزَّ وجلَّ, والخلق تابع للحق جلَّ وعلا, ومحبتهم مندرجة في محبته, كما أن بغضهم يندرج في بغضه عزَّ وجلَّ. فإذا بلغت المقام الذي ليس فيه إرادة شيء البتة جعلت لك إرادة شيء من الأشياء, فإذا تحققت إرادتك لذلك الشيء أزيل الشيء وأعدم, وصرفت عنه فلم تعطه في الدنيا, وعوضت عنه الأخرى بما يزيدك قربة وزلفى إلى العلي الأعلى, وما تقر به عيناك في الفردوس الأعلى وجنة المأوى, وإن كنت لم تطلب ذلك وتأمله وترجوه وأنت في دار الدنيا التي هي دار الفناء والتكاليف والعناء, بل رجاؤك وأنت فيها وجه الذي خلق وبرأ ومنع وأعطى, وبسط الأرض ورفع السماء إذ ذاك هو المراد والمطلوب والمنى, وربما عوضت عن ذلك بما هو أدنى منه أو مثله في الدنيا بعد انكسار قلبك وبصرك, حينئذ يصدك عن ذلك المطلوب والمراد, وتحقيق العوض في الأخرى على ما ذكرنا وبينا, والله سبحانه أعلم.


رد مع اقتباس