الموضوع: فتوح الغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-17-2011, 01:20 AM   رقم المشاركة : 23
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: فتوح الغيب

بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة الثامنة عشرة

فـي الـنـهـي عـن الـشـكـوى


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : الوصية لا تشكون إلى أحد ما نزل بك من خير كائناً من كان صديقاً أو عدواً ولا تتهمن الرب عزَّ وجلَّ فيما فعل فيك وأنزل بك من البلاء, بل أظهر الخير والشكر, فكذبك باظهارك للشكر من غير نعمة عندك خير من صدقك في إخبارك جلية الحال بالشكوى, من الذي خلا من نعمة الله عزَّ وجلَّ؟؟ قال الله تعالى : }وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا{.النحل18. فكم من نعمة عندك وأنت لا تعرفها؟؟ لا تسكن إلى أحد من الخلق, ولا تستأنس به, ولا تطلع أحداً على ما أنت فيه, بل يكون أنسك بالله عزَّ وجلَّ، وسكونك إليه وشكواك منه وإليه لا ترى ثانياً, فإنه ليس لأحد ضر ونفع, ولا جلب ولا دفع, ولا عزَّ ولا ذل, ولا رفع ولا خفض, ولا فقر ولا غنى, ولا تحريك ولا تسكين, الأشياء كلها خلق الله عزَّ وجلَّ وبيد الله عزَّ وجلَّ، بأمره وإذنه جريناها, وكل يجري لأجل مسمى, وكل شيء عنده بمقدار, لا مقدم لما أخر, ولا مؤخر لما قدم, قال الله عزَّ وجلَّ : }وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{.يونس107. فإن شكوت منه عزَّ وجلَّ وأنت معافى وعندك نعمة طالباً الزيادة وتعامياً عن ماله عندك من النعمة والعافية استهزاءً بها, غضب عليك وأزالهما عنك, وحقق شكواك, وضاعف بلواك، وشدد عقوبتك ومقتك وقلاك, وأسقطك من عينه : احذر الشكوى جداً ولو قطعت وقرض لحمك بالمقاريض.


إيَّاك إيَّاك ثم إيَّاك, الله الله ثم الله, النجاة النجاة, الحذر الحذر, فإن أكثر ما ينزل بابن آدم من أنواع البلاء بشكواه من ربِّه عزَّ وجلَّ. كيف يشتكى منه عزَّ وجلَّ وهو أرحم الراحمين, وخير الحاكمين, حكيم خبير, رؤوف رحيم, لطيف بعباده, وليس بظلام للعبيد, كطبيب حكيم حبيب شفيق لطيف قريب هل تتهم الوالدة الرحيمة, قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الله أرحم بعبده من الوالدة بولدها). أحسن الأدب يا مسكين, تصبّر عند البلاء إن ضعفت على الصبر, ثم اصبر إن ضعفت عن الرضا والموافقة, ثم أرض ووافق إن وجدت, ثن أفن إذا فقدت, أيها الكبريت الأحمر أين أنت أين توجد وترى؟؟ أما تسمع إلى قوله عزَّ وجلَّ : }كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{.البقرة216. طوى عنك علم حقيقة الأشياء وحجبك عنه, فلا تسيء الأدب فتكره بك أو تحب بك, بل اتبع الشرع في جميع ما ينزل بك إن كنت في حالة التقوى التي هي القدم الأولى, واتبع الأمر في حالة الولاية وخمود وجود الهوى ولا تجاوزه وهي القدم الثانية, وأرض بالفعل ووافق, وافن في حالة البدلية والغوثية والقطبية والصديقية, وهي المنتهى, تنح عن طريق القدر, خل عن سبيله, رد نفسك وهواك, كف لسانك عن الشكوى, فإذا فعلت ذلك, إن كان خيراً زادك المولى طيبة وسروراً ولذة, وإن كان شراً حفظك في طاعته فيه, وأزال عنك الملامة, وأفقدك فيه حتى يتجاوز عنك, ويرحل عند انقضاء أجله, كما ينقضي الليل فيسفر عن النهار, والبرد في الشتاء فيسفر عن الصيف, ذلك أنموذج عندك, فاعتبر بهم, ثم ذنوب وآثام وإجرام وتلويثات بأنواع المعاصي والخطيئات ولا يصلح لمجالسة الكريم إلا الطاهر عن أنجاس الذنوب والزلات, ولا يقبل على سدته إلا طيباً من درن الدعاوى والوهوسات، كما لا يصلح لمجالسة الملوك إلا الطاهر من الأنجاس وأنواع النتن والأوساخ، فالبلايا مكفرات مطهرات قال النبي صلى الله عليه وسلم : (حمى يوم كفارة سنة) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.


رد مع اقتباس