الموضوع: فتوح الغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-17-2011, 01:20 AM   رقم المشاركة : 22
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: فتوح الغيب

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة السابعة عشرة

فـي كـيـفـيـة الـوصـول إلـى الله بـواســطـة الـمـرشــد


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : إذا وصلت إلى الله قربت بتقريبه وتوفيقه، ومعنى الوصول إلى الله عزَّ وجلَّ خروجك عن الخلق والهوى والإرادة والمنى, والثبوت مع فعله ومن غير أن يكون منك حركة فيك ولا في خلقه بك، بل بحكمه وأمره وفعله, فهي حالة الفناء يعبر عنها بالوصول، فالوصول إلى الله عزَّ وجلَّ ليس كالوصول إلى أحد من خلقه المعقول المعهود }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{.الشورى11. جلَّ الخالق أن يشبه بمخلوقاته أو يقاس على مصنوعاته, فالواصل إليه عزَّ وجلَّ معروف عند أهل الوصول بتعريفه عزَّ وجلَّ لهم كل واحد على حدة لا يشاركه فيه غيره, وله عزَّ وجلَّ مع كل واحد من رسله وأنبيائه وأوليائه سر من حيث هو لا يطلع على ذلك أحد غيره, حتى أنه قد يكون للمريد سر لا يطلع عليه شيخه, وللشيخ سر لا يطلع عليه مريده الذي قد دنا سيره إلى عتبة باب حالة شيخه, فإذا بلغ المريد حالة شيخه أفرد عن الشيخ وقطع عنه، فيتولاه الحق عزَّ وجلَّ فيفطمه عن الخلق جملة, فيكون الشيخ كالضئر والداية, لا رضاع بعد الحولين, ولا خلق بعد زوال الهوى والإرادة. الشيخ يحتاج إليه ما دام ثم هوى وإرادة لكسرهما, وأما بعد زوالهما فلا, لأنه لا كدورة ولا نقصان, فإذا وصلت إلى الحق عزَّ وجلَّ على ما بينا فكن آمناً أبداً من سواه عزَّ وجلَّ فلا ترى لغيره وجوداً البتة, لا في الضر ولا في النفع, ولا في العطاء ولا في المنع, ولا في الخوف ولا في الرجاء, هو عزَّ وجلَّ }أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ{.المدثر56. فكن أبداً ناظراً إلى فعله مترقباً لأمره. مشتغلاً بطاعته, مبايناً عن جميع خلقه دنيا وأخرى.



لا تعلق قلبك بشيء منهم واجعل الخليقة أجمع كرجل كَتَّفَهُ سلطان عظيم ملكه شديد أمره, مهولة صولته وسطوته, ثم جعل الغل في رقبته ورجليه, ثم صلبه على شجرة الأرزة، على شاطىء نهر عظيم موجه, فسيح عرضه, عميق غوره, شديد جريه, ثم جلس السلطان على كرسيه, عظيم قدره, عال سماؤه, بعيد مرامه ووصوله, وترك إلى جنبه أحمالاً من السهام والرماح والنبل وأنواع السلاح والقسى ومما لا يبلغ قدرها غيره, فجعل يرمي إلى المصلوب بما شاء من ذلك السلاح, فهل يحسن لمن يرى ذلك أن يترك النظر إلى السلطان والخوف منه والرجاء له وينظر إلى المصلوب ويخاف منه ويرجوه, أليس من فعل ذلك يسمى في قضية العقل عديم العقل والحس مجنونا. بهيمة غير إنسان؟؟ نعوذ بالله من العمى بعد البصيرة, ومن القطيعة بعد الوصول, ومن الصدود بعد الدنو والقرب, ومن الضلالة بعد الهداية, ومن الكفر بعد الإيمان, فالدنيا كالنهر العظيم الجاري الذي ذكرناه كل يوم في زيادة ماء وهي شهوات بني آدم ولذاتهم فيها, والدواهي التي تصيبهم منها, وأما السهام وأنواع السلاح فالبلايا التي يجري بها القدر إليهم, فالغالب على بني آدم في الدنيا البلايا والآلام والمحن, وما يجدون من النعم واللذات فيها فمشوبة بالآفات إذا اعتبرها كل عاقل لا حياة له ولا عيش ولا راحة إلا في الآخرة إن كان مؤمناً, لأن ذلك خصوصاً في حق المؤمن. قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا عيش إلا عيش الآخرة) وقال عليه الصلاة والسلام : (لا راحة للمؤمن دون لقاء ربه) ذلك في حق المؤمنين . وقال صلى الله عليه وسلم : (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) . وقال عليه الصلاة والسلام : (التقي ملجم) فمع هذه الأخبار والعيان كيف يدعي طيب العيش في الدنيا. فالراحة كل الراحة في الانقطاع إلى الله عزَّ وجلَّ وموافقته, والاستطراح بين يديه, فيكون العبد بذلك خارجاً عن الدنيا، فحينئذ يكون الدلال رأفة ورحمة ولطفاً وفضلاً, والله أعلم.


رد مع اقتباس