الموضوع: فتوح الغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-17-2011, 10:11 AM   رقم المشاركة : 82
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: فتوح الغيب


بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة السابعة والستون

فـي جـهـاد الـنـفـس و تـفـصـيـل كـيـفـيـتـه


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : كلما جاهدت نفسك و غلبتها و قتلتها بسيف المخالفة أحياها الله، و نازعتك و طلبت منك الشهوات و اللذات الجناح منها و المباح، لتعود إلى المجاهدة ليكتب لك ثواباً دائماً، و هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ) أراد مجاهدة النفس لدوامها و استمرارها على الشهوات و اللذات، و إنهماكها في المعاصي، و هو معنى قوله عزَّ و جلَّ : }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{.الحجر99. أمر الله عزَّ و جلَّ لنبيه صلى الله عليه وسلم بالعبادة و هي مخالفة النفس، لأن العبادة كلها تأباها النفس و تريد ضدها إلى أن يأتيه اليقين يعنى الموت.


فإن قيل : كيف تأبى نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم العبادة و هو عليه والصلاة و السلام لا هوى له }وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{.النجم3–4. فيقال أنه عزَّ و جلَّ خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم ليتقرر به الشرع فيكون عاماً بين أمته إلى أن تقوم الساعة. ثم إن الله عزَّ و جلَّ أعطى نبيه عليه الصلاة و السلام القوة على النفس و الهوى، كيلا يضراه و يحوجاه إلى المجاهدة، بخلاف أمته، فإذا دام المؤمن على هذه المجاهدة إلى أن يأتيه الموت و يلحق بربه عزَّ و جلَّ بسيف مسلول ملطخ بدم النفس و الهوى أعطاه ما ضمن له من الجنة، لقوله عزَّ و جلَّ : }وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى{.النتزعات40–41. فإذا أدخله الجنة و جعلها داره و مقره و مصيره، أمن من التحويل عنها و الانتقال إلى غيرها و العودة إلى دار الدنيا جدد له كل يوم و كل ساعة من أنواع النعيم و تغير عليه أنواع الحال و الحلى إلى ما لا نهاية و لا غاية و لا نفاد، كما جدد في الدنيا كل يوم و كل ساعة و لحظة مجاهدة النفس و الهوى.

و أما الكافر و المنافق و العاصي لما تركوا مجاهدة النفس و الهوى في الدنيا و تابعوها، و وافقوا الشيطان تمرجوا في أنواع المعاصي من الكفر و الشرك و ما دونهما حتى أتاهم الموت من غير الإسلام و التوبة، أدخلهم الله النار التي أعدت للكافرين في قوله عزَّ و جلَّ : }وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ{.آل عمران131. فإذا أدخلهم فيها و جعلها مقرهم و صيرهم، فأحرقت جلودهم و لحومهم جدد لهم عزَّ و جلَّ جلوداً و لحوماً كما قال عزَّ و جلَّ : }كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا{.النساء56. يفعل عزَّ و جلَّ بهم ذلك كما وافقوا أنفسهم و أهواءهم في الدنيا في معاصيه عزَّ و جلَّ ، فأهل النار تجدد لهم كل وقت جلود و لحوم لإيصال العذاب و الآلام إليهم. و سبب ذلك مجاهدة النفس و عدم موافقتها في دار الدنيا و هذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدنيا مزرعة الآخرة ).


رد مع اقتباس