عرض مشاركة واحدة
قديم 10-18-2003, 04:36 AM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

الزوار


الملف الشخصي








تتمه-----------

وأما الشرائع التي هي الأوامر والنواهي والحلال والحرام فهذه تختلف باختلاف الأمم حسب الحاجات، يشرع الله شريعة ثم ينسخها بشريعة أخرى إلى أنْ جاءت شريعة الإسلام فنسخت جميع الشرائع وبقِيَتْ هي إلى أنْ تقوم السّاعة، أما أصل دين الأنبياء ـ وهو التوحيد ـ فهو لم يُنسخ ولن يُنسخ، دينهم واحد وهو دين الإسلام بمعنى : الإخلاص لله بالتوحيد . أما الشرائع فقد تختلف، تُنسخ، لكن التوحيد والعقيدة من آدم إلى آخر الأنبياء، كلهم يدعون إلى التوحيد وإلى عبادة الله، وعبادة الله : طاعته في كلّ وقت بما أمر به من الشرائع، فإذا نًسخت صار العمل بالناسخ هو العبادة، والعمل بالمنسوخ ليس عبادة لله .

وقوله: (( فإذا عرفتَ أن الله خلقك لعبادته )) يعني : إذا عرفت من هذه الآية { وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون } وأنت من الإنس، داخلٌ في هذه الآية، وعرفت أن الله ما خلقك عبثـًا، أو خلقك لتأكل وتشرب فقط، تعيش في هذه الدنيا وتَسْرَحْ وتَمْرَحْ، لم يخلقك لهذا، خلقك الله لعبادته، وإنما سخّر لك هذه الموجودات من أجل أن تستعين بها على عبادته، لأنّك لا تستطيع أن تعيش إلا بهذه الأشياء، ولا تتوصّل إلى عبادة الله إلا بهذه الأشياء، سخّرها الله لك لأجل أنْ تعبده، ليس من أجل أن تفرح بها وتسرح وتَمْرَحْ وتفسُق وتفجُر تأكل وتشرب ما اشتهيت، هذا شأن البهائم، أمّا الآدميّون فالله ـ جلّ وعلا ـ خلقهم لغايةٍ عظيمة وحكمة عظيمة وهي العبادة، قال ـ تعالى ـ { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . ما أُريد منهم من رزق } الله ما خلقك لتكتسب له، أن تحترف وتجمع له مالاً، كما يفعل بنو آدم بعضهم لبعض يجعلون عُمّالاً يجمعون لهم المكاسب، لا، الله غنيّ عن هذا، والله غنيّ عن العالَمين، ولهذا قال : { ما أُريد منهم من زرق وما أُريد أن يُطعِمون } الله ـ جلّ وعلا ـ يُطعِم ولا يُطعَم، غنيّ عن الطعام، وغني ـ جلّ وعلا ـ بذاته، وليس هو في حاجة إلى عبادتك، لو كفرت ما نقصتَ ملك الله، ولكن أنت الذي بحاجة إليه، أنت الذي بحاجة إلى العبادة، فمن رحمته : أنه أمرك بعبادته من أجل مصلحتك، لأنّك إذا عبدتّه فإنه ـ سبحانه وتعالى ـ يُكرِمُك بالجزاء والثواب، فالعبادة سببٌ لإكرام الله لك في الدنيا والآخرة، فمن الذي يستفيد من العبادة ؟، المستفيد من العبادة هو العابِد نفسه، أما الله ـ جلّ وعلا ـ فإنّه غنيّ عن خلقه .

وقوله: (( فاعلم : أن العبادة لا تسمّى عبادة إلاّ مع التوحيد، كما أنّ الصلاة لا تسمّى صلاةً إلا مع الطهارة )) .

إذا عرفت أن الله خلقك لعبادته فإن العبادة لا تكون صحيحة يرضاها الله ـ سبحانه وتعالى ـ إلا إذا توفّر فيها شرطان، إذا اختلّ شرطٌ من الشرطين بطلت :

الشرط الأوّل : أنْ تكون خالِصة لوجه الله، ليس فيها شرك . فإنْ خالطها شركٌ بطلتْ، مثْل الطهارة إذا خالطها حدث بطلت، كذلك إذا عبدت الله ثم أشركت به بطلت عبادتك . هذا الشرط الأوّل .

الشرط الثاني : المتابَعة للرسول ، فأيّ عبادة لم يأتِ بها الرسول فإنّها باطلة ومرفوضة، لأنّها بدعة وخُرافة، ولهذا يقول : (( مَنْ عمِل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدّ ))، وفي رواية : (( مَنْ أحدَث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدّ ))، فلا بدّ أنْ تكون العبادة موافِقة لِمَا جاء به الرّسول ، لا باستحسانات الناس ونيّاتاهم ومقاصدهم ما دام أنها لم يدلّ عليها دليل من الشرع فهي بدعة ولا تنفع صاحبها بل تضرّه لأنها معصية، وإنْ زعم أنه تقرّب بها إلى الله ـ عزّ وجل ـ .

فلا بد في العبادة من هذين الشرطين : الإخلاص، والمتابعة للرّسول حتى تكون عبادةً صحيحة نافعة لصاحبها، فإنْ دخلها شركٌ بطلتْ، وإذا صارت مبتَدَعة ليس عليها دليل فهي باطلة أيضـًا، بدون هذين الشرطين لا فائدة من العبادة، لأنّها على غير ما شرع الله ـ سبحانه وتعالى ـ، والله لا يقبل إلا ما شَرع في كتابه أو على لسان رسوله .

فلا هناك أحد من الخلق يجب اتّباعه إلاّ الرسول ، أما ما عدا الرسول فإنه يُتْبَع ويُطاع إذا اتّبع الرسول، أما إذا خالف الرّسول فلا طاعة، يقول الله ـ تعالى ـ : { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم }، وأولوا الأمر هم : الأمراء والعلماء، فإذا أطاعوا الله وجبتْ طاعتهم واتّباعهم، أما إذا خالفوا أمر الله فإنها لا تجوز طاعتهم ولا اتّباعُهم فيما خالفوا فيه، لأنّه ليس هناك أحدٌ يُطاع استقلالاً من الخلق إلا رسول الله ، وما عداه فإنّه يُطاع ويُتّبَع إذا أطاع الرّسول واتّبَع الرسول، هذه هي العبادة الصحيحة .

وقوله: (( فإذا عرفتَ أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل، وصار صاحبه من الخالدين في النار؛ عرفتَ أنّ أهمّ ما عليك معرفة ذلك، لعلّ الله أن يخلّصك من هذه الشَّبْكَة وهي : الشرك بالله الذي قال الله ـ تعالى ـ فيه : { إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لِمَنْ يشاء }، وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله ـ تعالى ـ في كتابه )) .

أي : ما دام أنك عرفتَ التوحيد وهو : إفراد الله بالعبادة، يجب أن تعرف ما هو الشرك، لأنّ الذي لا يعرف الشيء يقع فيه، فلا بدّ أنك تعرف أنواع الشرك من أجل أن تتجنّبها، لأنّ الله حذّر من الشرك وقال : { إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }، فهذا الشرك الذي هذا خطرُه، وهو أنه يَحْرِمُ من الجنّة { إنه من يُشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنّة }، ويَحْرِمُ من المغفرة { إن الله لا يغفر أن يُشرك به } .

إذًا : هذا خطرٌ عظيم، يجب عليك أن تعرفه قبل أيّ خطر، لأنّ الشرك ضلّت فيه أفهام وعُقول . لنعرف ما هو الشرك من الكتاب والسنة، الله ما حذّر من شيء إلا ويبيِّنُه، وما أمَر بشيء إلا ويُبيّنه للناس، فهو لن يحرِّم الشرك ويتركه مجمَلاً، بل بيّنه في القرآن العظيم وبيّنه الرسول في السنّة، بيانـًا شافيـًا، فإذا أردنا أن نعرف ما هو الشرك نرجع إلى الكتاب والسنة حتى نعرف الشرك، ولا نرجع إلى قول فلان . وهذا سيأتي .


3شرح القواعد الأربع
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه . وبعد :

المتـــن:



(( القاعدة الأولى : أن تعلم أنّ الكفّار الذين قاتلهم رسول الله يُقِرُّون بأنّ الله ـ تعالى ـ هو الخالِق المدبِّر، وأنّ ذلك لم يُدْخِلْهم في الإسلام، والدليل : قوله ـ تعالى ـ : { قل من يرزقكم من السماء والأرض أمّن يملك السمع والأبصار ومن يُخرج الحيّ من الميّت ويُخرج الميّت من الحي ومن يدبِّر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتّقون } )) .



الشـــرح:

القاعدة الأولى : أن تعرف أن الكفّار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مقرِّين بتوحيد الرّبوبيّة، ومع ذلك إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يُدخلهم في الإسلام، ولم يحرِّم دماءهم ولا أموالهم .

فدلّ على أنّ التوحيد ليس هو الإقرار بالربوبيّة فقط، وأنّ الشرك ليس هو الشرك في الربوبيّة فقط، بل ليس هناك أحدٌ أشرك في الربوبيّة إلا شواذّ من الخلق، وإلاّ فكل الأمم تُقِرّ بتوحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية هو : الإقرار بأنّ الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبّر، أو بعبارة أخصر : توحيد الربوبية هو : إفراد الله ـ تعالى ـ بأفعاله ـ سبحانه وتعالى ـ .

فلا أحد من الخلق ادّعى أنّ هناك أحدًا يخلُق مع الله ـ تعالى ـ، أو يرزق مع الله، أو يحيي، أو يُميت، بل المشركون مقرّون بأنّ الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبّر : { ولئن سألتهم مَن خلق السموات والأرض ليقولُنّ الله }، { قل مَن ربّ السماوات السبع وربّ العرش العظيم فسيقولون لله }، اقرءوا الآيات من آخر سورة المؤمنون تجدون أنّ المشركين كانوا مقرّين بتوحيد الربوبيّة، وكذلك في سورة يونس { قل من يرزقكم من السماوات والأرض أمّنْ يملك السمع والأبصار ومن يُخرج الحي من الميّت ويُخرج الميّت من الحي ومن يدبّر الأمر فسيقولون الله }، فهم مقرّون بهذا .


فليس التوحيد هو الإقرار بتوحيد الربوبيّة كما يقول ذلك علماء الكلام والنُظُّار في عقائدهم، فإنّهم يقرّرون بأنّ التوحيد هو الإقرار بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت، فيقولون : ( واحد في ذاته لا قسيم له، واحد في صفاته لا شبيه له، واحدٌ في أفعاله لا شريك له ) وهذا هو توحيد الربوبيّة، ارجعوا إلى أيّ كتاب من كتب علماء الكلام تجدوهم لا يخرجون عن توحيد الربوبيّة، وهذا ليس هو التوحيد الذي بعث الله به الرسل، والإقرار بهذا وحده لا ينفع صاحبه، لأنّ هذا أقرّ به المشركون وصناديد الكَفَرة، ولم يُخرجهم من الكفر، ولم يُدخلهم في الإسلام، فهذا غلطٌ عظيم، فمن اعتقد هذا الاعتقاد ما زاد على اعتقاد أبي جهل وأبي لهب، فالذي عليه الآن بعض المثقّفين هو تقرير توحيد الربوبية فقط، ولا يتطرّقون إلى توحيد الألوهيّة، وهذا غلطٌ عظيم في مسمّى التوحيد .

وأما الشرك فيقولون : ( هو أن تعتقد أنّ أحدًا يخلُق مع الله أو يرزق مع الله )، نقول : هذا ما قاله أبو جهل وأبو لهب، ما قالوا أن أحدًا يخلُق مع الله ويرزُق مع الله، بل هم مقرّون بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت .

تمت الحلقة الثالثة ويليها بمشيئة الله الحلقة الرابعة


4شرح القواعد الأربع


رد مع اقتباس