عرض مشاركة واحدة
قديم 08-04-2020, 01:04 PM   رقم المشاركة : 22
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين



[(فصل) وأما الشكر]

فالأصل فيه قوله عز وجل: {لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم: 7] وما روي عن عطاء رحمه الله تعالى قال: "دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: أخبرينا بأعجب ما رأيت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبكت ثم قالت: وأي شيء من شأنه لم يكن عجبًا؟ إنه أتاني في ليلة فدخل معي في فراشي، أو قالت: في لحافي: حتى مس جلدي جلده، ثم قال: يا بنت أبي بكر ذريني أتعبد لربي، قالت: فقلت: إني أحب قربك، ولكني أؤثر هواك، فأذنت له -صلى الله عليه وسلم- فقام إلى قربة من ماء، فتوضأ وأكثر صب الماء، ثم قام فصلى، فبكى حتى سالت دموعه على صدره، ثم ركع فبكى، ثم سجد فبكى، ثم رفع رأسه فبكى، فلم يزل -صلى الله عليه وسلم- كذلك حتى جاء بلال رضي الله عنه فأخبره بالصلاة، فقلت: يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال -صلى الله عليه وسلم-:


أفلا أكون عبدًا شكورًا؟ ولم لا أفعل، وقد أنزل الله عز وجل علي: {إن في خلق السموات والأرض} [البقرة:164] ".

وحقيقة الشكر عند أهل التحقيق: الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخصوص، وعلى هذا المعنى وصف الله تعالى نفسه بأنه الشكور توسعًا، معناه أنه يجازي العباد على الشكر، فسمي جزاء الشكر شكرًا، كما قال الله عز وجل: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى:4].

وقيل: حقيقة الشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه، فشكر العبد لله تعالى ثناؤه عليه بذكر إحسانه إليه، وشكر الحق سبحانه للعبد ثناؤه عليه بذكر إحسانه له، ثم إن إحسان العبد طاعته لله، وإحسان الحق سبحانه إنعامه على العبد، وشكر العبد على الحقيقة إنما هو نطق اللسان وإقرار القلب بإنعام الرب.

ثم الشكر ينقسم أقسامًا إلى:

شكر اللسان وهو اعترافه بالنعمة بنعمت الاستكانة.

وشكر بالبدن والأركان وهو اتصاف بالوفاء والخدمة.

وشكر القلب وهو انعكاف على بساط الشهود بإدامة حفظ الحرمة.

وقيل: شكر العينين أن تستر عيبًا تراه لصاحبك، وشكر الأذنين أن تستر عيبًا تسمعه فيه.

وفي الجملة الشكر ألا تعصي الله تعالى بنعمه.

ويقال: شكر هو شكر العالمين فيكون من جملة أقوالهم، وشكر هو شكر العابدين، فيكون نوعًا من أفعالهم، وشكر هو شكر العارفين، يكون باستقامتهم له عز وجل في عموم أحوالهم، واعتقادهم أن جميع ما هم فيه من الخير وما يظهر منهم من الطاعة والعبودة والذكر له عز وجل بتوفيقه وإنعامه وعونه وحوله وقوته عز وجل، وانعزالهم عن جميع ذلك والفناء فيه، والاعتراف بالعجز والقصور والجهل، ثم الاستكانة إليه عز وجل في جميع الأحوال.

وقال أبو بكر الوراق رحمه الله تعالى: شكر النعمة مشاهدة المنة وحفظ الحرمة.

وقيل: شكر النعمة أن ترى نفسك فيه طفيليًا.

وقال أبو عثمان رحمه الله تعالى: الشكر معرفة العجز عن الشكر.

وقيل: الشكر على الشكر أتم من الشكر، وذلك أن ترى شكرك بتوفيقه، ويكون ذلك التوفيق من أجل النعم عليك فتشكره على الشكر ثم تشكره على شكر الشكر إلى ما يتناهى.

وقيل: الشكر إضافة النعم إلى مولاها بنعت الاستكانة له.

وقال الجنيد رحمه الله تعالى: الشكر ألا ترى نفسك أهلاً للنعمة.

وقيل: الشاكر الذي يشكر على الموجود، والشكور الذي يشكر على المفقود.

وقيل: الشاكل الذي يشكر على النفع، والشكور الذي يشكر على المنع.

ويقال: الشاكر الذي يشكر على العطاء، والشكور الذي يشكر على البلاء.

ويقال: الشاكر الذي يشكر عند البذل، والشكور الذي عند المطل.

وقال الشبلي رحمه الله تعالى: الشكر رؤية النعم لا رؤية النعمة.

وقيل: الشكر قيد الموجود وصيد المفقود.

وقال أبو عثمان رحمه الله تعالى: شكر العامة على المطعم والمشرب والملبس وشكر الخواص على ما يرد على قلوبهم من المعاني قال الله عز وجل: {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: 13].

وقال داود عليه السلام: إلهي كيف أشكرك وشكري لك نعمة من نعمك؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: الآن قد شكرتني.

وقيل: إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر.

وقيل: لما بشر إدريس عليه السلام بالمغفرة سأل الحياة، فقيل له: لم؟ فقال: لأشكره، فإني كنت أعمل قبله للمغفرة، فبسط الملك جناحه وحمله إلى السماء.


وقيل: مر بعض الأنبياء عليه السلام بحجر صغير يخرج من الماء الكثير، فتعجب منه، فأنطقه الله له، فسأله عن ذلك، فقال: منذ سمعت الله عز وجل يقول: {نارًا وقودها الناس والحجارة} [مريم: 6] فأنا أبكي من خوفه، فدعا ذلك النبي عليه السلام أن يجير ذلك الحجر من النار، فأوحى الله عز وجل إليه، إني قد أجرته من النار، فمر ذلك النبي، فلما عاد وجد الماء يتفجر منه أوفر مما كان قبل ذلك، فعجب، فأنطق الله


تعالى الحجر له، فقال له: لِمَ تبكي وقد غفر الله لك؟ فقال: ذلك كان بكاء الحزن والخوف، وهذا بكاء الشكر والسرور.

وقيل: الشاكر مع المزيد، لأنه في شهود النعمة، قال الله تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم:7] والصابر مع الله لأئذ به تعالى لأنه في شهود المبلى، قال الله تعالى: {إن الله مع الصابرين} [البقرة: 153، والأنفال:46].

وقيل: الحمد على الأنفاس، والشكر على نعم الحواس.

وقيل في الخبر الصحيح: "أول من يدعى إلى الجنة الحمادون لله على ما صنع".

وحكي عن بعضهم أنه قال: رأيت في بعض الأسفار شيخًا كبيرًا قد طعن في السن، فسألته عن حاله، فقال: إني كنت في ابتداء عمري أهوى ابنة عم لي، وهي كذلك كانت تهواني، فاتفق أني تزوجت بها، فليلة زفافها قلت لها: تعالي حتى نحيي هذه الليلة شكرًا لله عز وجل على ما جمعنا، فصلينا تلك اللية ولم يفرغ أحدنا إلى الآخر، فلما كانت الليلة الثانية قلنا مثل ذلك، فمنذ سبعين سنة أو ثمانين سنة ونحن على تلك الحالة كل ليلة، أليس كذلك يا فلانة؟ فقالت العجوز: هو كما قال الشيخ.



.


رد مع اقتباس