عرض مشاركة واحدة
قديم 08-04-2020, 12:41 PM   رقم المشاركة : 19
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين



(فصل) ولأهل المجاهدة والمحاسبة وأولى العزم عشر خصال جربوها لأنفسهم، فإذا أقاموها وأحكموها بإذن الله تعالى وصلوا إلى المنازل الشريفة:

أولها: ألا يحلف العبد بالله عز وجل صادقًا ولا كاذبًا، عامدًا ولا ساهيًا، لأنه إذا أحكم ذلك من نفسه وعود لسانه رفعه ذلك أن يترك الحلف ساهيًا وعامدًا، فإذا اعتاد ذلك فتح الله به بابًا من أنواره يعرف منفعة ذلك في قلبه، وزيادة في بدنه، ورفعه في درجته، وقوة في عزمه وفي بصره، والثناء عند الإخوان وكرامة عند الجيران حتى يأتمر به من يعرفه ويهابه من يراه.

والثانية: أن يجتنب الكذب هازلاً وجادًا، لأنه إذا فعل ذلك وأحكمه من نفسه واعتاد لسانه، شرح الله به صدره وصفى به علمه، حتى كان لا يعرف الكذب، وإذا سمعه من غيره عاب ذلك عليه وعيره به في نفسه، وإن دعا له بزوال ذلك كان له ثوابًا.

والثالثة: أن يحذر أن يعد أحدًا شيئًا فيخلفه إياه، وهو يقدر عليه إلا من عذر بين، أو يقطع العدة البتة، فإنه أقوى لأمره وأقصد لطريقه، لأن الحلف من الكذب، فإذا فعل ذلك فتح له باب السخاء، ودرجة الحياء، وأعطى مودة في الصادقين، ورفعه عند الله جل ثناؤه.

والرابعة: يجتنب أن يلعن شيئًا من الخلق، أو يؤذي ذرة فما فوقها، لأنها من أخلاق الأبرار والصادقين، وله عاقبة حسنة في حفظ الله إياه في الدنيا، مع ما يدخر له عنده من الدرجات، ويستنقذه من مصارع الهلكة ويسلمه من الخلق، ويرزقه رحمة العباد والقرب منه عز وجل.


والخامسة: يجتنب أن يدعو على أحد من الخلق وإن ظلمه، فلا يقطعه بلسانه ولا يكافئه بفعاله، ويحتمل ذلك لله تبارك وتعالى، ولا يكافئه بقول ولا فعل، فإن هذه الخصال ترفع صاحبها في الدرجات العلا، إذا تأدب بها ينال منزلة شريفة في الدنيا والآخرة، والحب والمودة في قلوب الخلق أجمعين، من قريب وبعيد، وإجابة الدعوة والعلو في الخير، والعز في الدنيا في قلوب المؤمنين.

والسادسة: ألا يقطع الشهادة على أحد من أهل القبلة بشرك ولا كفر ولا نفاق، فإنه اقرب للرحمة وأعلى في الدرجة، وهي تمام السنة وأبعد عن الدخول في علم الله سبحانه وتعالى، وأبعد من مقت الله عز وجل، وأقرب إلى رضا الله تعالى ورحمته، فإنه باب شريف كريم على الله، يورث العبد الرحمة للخلق أجمعين.

والسابعة: يجتنب النظر والهم إلى شيء من المعاصي ظاهرًا وباطنًا، ويكف عنها جوارحه، فإن ذلك من أسرع الأعمال ثوابًا للقلب والجوارح في عاجل الدنيا، مع ما يدخل الله تعالى له من خير الآخرة، نسأل الله تعالى أن يمن علينا أجمعين بالعمل بهذه الخصال، وأن يخرج شهواتنا من قلوبنا.

والثامنة: يجتنب أن يجعل على أحد من الخلق منه مؤنة صغيرة ولا كبيرة، بل يرفع مؤنته عن الخلق أجمعين، مما احتاج إليه واستغنى عنه، فإن ذلك تمام عزة العابدين وشرف المتقين، وبه يقوى على الأمر بالمعرفة والنهي عن المنكر، ويكون الخلق عنده أجمعون بمنزلة واحدة في الحق سواء، فإن كان كذلك نقله الله تعالى إلى الغنى واليقين والثقة به عز وجل، ولا يرفع أحدًا بهواه، ويكون الناس عنده في الحق سواء، ويقطع بأن هذا الباب عز المؤمنين وشرف المتقين، وهو أقرب باب إلى الإخلاص.

والتاسعة: ينبغي له أن يقطع طمعه من الآدميين لا يطمع نفسه في شيء مما في أيديهم، فإنه العز الأكبر، والغنى الخالص، والملك العظيم، والفخر الجليل، واليقين الصادق، والتوكل الشافعي الصحيح، وهو باب من أبواب الثقة بالله عز وجل، وهو باب من أبواب الزهد، وبه ينال الورع ويكمل نسكه، وهو من علامات المنقطعين إلى الله تبارك وتعالى.


الخصلة العاشرة: التواضع لأن بها يشيد محل العابد وتعلو درجته ويستكمل العز والرفعة عند الله تعالى وعند الخلق، ويقدر على ما يريد من أمر الدنيا والآخرة، وهذه الخصلة أصل الطاعات كلها وفروعها وكمالها، وبها يدرك العبد منازل الصالحين الراضين عن الله تعالى في الضراء والسراء، وهي كمال التقوى والتواضع، هو ألا يلقى العبد أحدًا من الناس إلا رأى له الفضل عليه، ويقول عسى أن يكون عند الله خيرًا مني وأربع درجة، فإن كان صغيرًا قال: هذا لم يعص الله وأنا قد عصيت، فلا شك أنه خير مني، وإن كان كبيرًا قال: هذا عبد الله قبلي، وإن كان عالمًا قال: هذا أعطي ما لم أبلغ ونال ما لم أنل، وعلم ما جهلت وهو يعمل بعلم، وإن كان جاهلاً قال: هذا عصى الله بجهل، وأنا عصيته بعلم، ولا أدري بم يختم له، وبما يختم لي، وإن كان كافرًا قال: لا أدري عسى يسلم هذا فيختم له بخير العمل، وعسى أكفر أنا فيختم لي بشر العمل، وهذا باب الشفقة والوجل، وأول ما يصحب وآخر ما يبقى على العباد، فإن كان العبد كذلك سلمه الله من الغوائل، وبلغ به منازل النصيحة لله عز وجل، وكان من أصفياء الرحمن وأحبابه، وكان من أعداء إبليس عدو الله لعنه الله وهو باب الرحمة، ومع ذلك يكون قد قطع طريق الكبر وحبال العجب، ورفض درجة العلو وجانب درجة التعزز في نفسه في الدين والدنيا والآخرة، وهو ملح العبادة وغاية شرف الزاهدين وسيما الناكسين، فلا شيء أفضل منه ومع ذلك يقطع لسانه عن ذكر العالمين، فلا يتم له عمل إلا به، ويخرج الغل والبغي والكبر من قلبه في جميع أحواله، وكان لسانه في السر والعلانية واحدًا ومشيئته في السر والعلانية واحدًا وكلامه كذلك، والخلق عنده في النصيحة واحدًا، ولا يكون من الناصحين وهو يذكر أحدًا من خلق الله بسوء أو يعيره بفعل، أو يحب أن يذكر عنده بسوء، أو يرتاح قلبه إذا ذكر عنده بسوء، وهذا آفة العابدين وعطب النساك وهلاك الزاهدين، إلا من أعانه الله عز وجل على حفظ لسانه وقلبه برحمته.




رد مع اقتباس