الموضوع: فتوح الغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-17-2011, 01:17 AM   رقم المشاركة : 18
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: فتوح الغيب

بسم الله الرحمن الرحيم


المقالة الثالثة عشرة

فـي الـتـســلـيـم لأمــر الله


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : لا تختر جلب النعماء ولا دفع البلوى، فالنعماء واصلة إليك إن كانت قسمك استجلبتها أو كرهتها, والبلوى حالَّةٌ بك إن كانت قسمك مقضية عليك سواء كرهتها أو رفعتها بالدعاء أو صبرت وتجلدت لرضى المولى, بل سلم في الكل, فيفعل الفعل فيك، فإن كانت النعماء فاشتغل بالشكر, وإن كانت البلوى فاشتغل بالتصبر والصبر, أو الموافقة والتنعم بها أو العدم أو الفناء فيها على قدر ما تعطى من الحالات وتنتقل فيها, وما تسير في المنازل في طريق المولى الذي أمرت بطاعته والموالاة, لتصل إلى الرفيق الأعلى, فتقام حينئذ مقام من تقدم ومضى من الصديقين والشهداء والصالحين, لتعاين من سبقك إلى المليك ومنه دنا, ووجد عنده كل طريفة وسروراً وأمناً, وكرامة ونعما.

دع البلية تزورك, خل من سبيلها, ولا تقف ولا تجزع من مجيئها وقربها, فليس نارها أعظم من نار جهنم ولظى, فقد ثبت في الخبر المروي عن خير البرية, وخير من حملته الأرض وأظلته السماء محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن نار جهنم تقول للمؤمن جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي) فهل كان نور المؤمن الذي أطفأ لهب النار في لظى إلا الذي صحبه في الدنيا الذي لن يمر من أطاعها وعصى, فليطفئ هذا النور لهب البلوى, ولتجد برد صبرك وموافقتك للمولى وهيج ما حل بك من ذلك ومنك دنا، فالبلية لم تأتك لتهلكك, لكنها تأتيك لتجربك وتحقق صحة إيمانك وتوثيق عروة يقينك ويبشرك باطنها من مولاك بمباهاته بك, قال الله تعالى : }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ{.محمد31. فإذا ثبت مع الحق إيمانك ووافقته في فعله بيقينك كل ذلك بتوفيق منه ومنة, فكن حينئذ أبداً صابراً موافقاً مُسَلِّمَاً لا تحدث فيك ولا في غيرك حادثة ما خرج عن الأمر والنهي, فإذا كان أمره عزَّ وجلَّ فتسامع وتسارع وتحرك ولا تسكن ولا تسلم للقدر والفعل, بل ابذل طوقك وجهودك لتؤدي الأمر, فإن عجزت فدونك الالتجاء إلى مولاك عزَّ وجلَّ, فالتجئ إليه وتضرع واعتذر, وفتش عن سبب عجزك عن أداء أمره وصدك عن التشوق لطاعته لعل ذلك لشؤم دعائك وسوء أدبك في طاعته, ورعونتك واتكالك على حولك وقوتك, وإعجابك بعلمك وشركك إياك بنفسك وخلقه, فصدك عن بابه, وعزلك عن طاعته وخدمته, وقطع عنك مدد توفيقه, وولى عنك وجهه الكريم, ومقتك وقلاك, وشغلك ببلائك دنياك وهواك، وإرادتك ومناك.


أما تعلم أن كل ذلك مشغول عن ذلك, وقاطعك عن عين الذي خلقك ورباك، وخوّلك وأعطاك وأحياك.

احذر لا يلهيك عن مولاك غير مولاك, وكل من سوى مولاك غيره, فلا تؤثر عليه غيره فإنه خلقك له, فلا تظلم نفسك فتشغل بغيره عن أمره فيدخلك النار التي وقودها الناس والحجارة فتندم, فلا ينفعك الندم, وتعتذر فلا تعذر, وتستعتب فلا تعتب, وتسترجع إلى الدنيا لتستدرك وتصلح فلا ترجع.

ارحم نفسك وأشفق عليها, واستعمل الآلات والأدوات التي أعطيتها في طاعة مولاك من الفعل والإيمان والمعرفة والعلم.


استضيء بنورهما في ظلمات الأقدار, وتمسك بالأمر والنهي, وسيرهما في طريق مولاك وسلم ما سواهما إلى الذي خلقك وأنشأك, فلا تكفر بالذي خلقك من تراب ورباك, ثم من نطفة ثم رجلاً سواك، ولا ترد غير أمره, ولا تكره غير نهيه.

اقنع من الدنيا والأخرى بهذا المراد واكره فيهما هذا المكروه, فكل ما يراد تبع لهذا المراد, وكل مكروه تبع لهذا المكروه.

إذا كنت مع أمره كانت الأكوان في أمرك, وإذا كرهت نهيه فرت منك المكاره أين كنت وحللت.

قال الله عزَّ وجلَّ في بعض كتبه : (يا ابن آدم أنا الله لا إله إلا أنا أقول للشيء كن فيكون ، أطعني أجعلك تقول للشيء كن فيكون) وقال عزَّ وجلَّ : (يا دنيا من خدمني فاخدميه ومن خدمك فأتعبيه) فإذا جاء نهيه عزَّ وجلَّ فكن كأنك مسترخي المفاصل, مسكن الحواس, مضيق الذرع، متماوت الجسد، زائل الهوى, منطمس الوسوم، منمحي الرسوم، منسي الأثر, مظلم القنا, متهدم البناء، خاوي البيت, ساقط العرش, لا حس ولا أثر, فليكن سمعك كأنه أصم وعلى ذلك مخلوق، وبصرك كأنه معصب أو مرمود أو مطموس, وشفتاك كأن بهما قرحة وبثوراً, ولسانك كأنه به خرساً وكلولاً، وأسنانك كأن بهما ضرياناً وألماً ونشورا, ويداك كأن بهما شللاً وعن البطش قصورا, ورجلاك كأن بهما رعدة وارتعاشاً وجروحاً, وفرجك كأن به عنة وبغير ذلك الشأن مشغولا, وبطنك كأن به امتلاء وارتواء وعن الطعام غنى, وعقلك كأنك مجنون ومخبول, وجسدك كأنك ميت وإلى القبر محمول, فالتسامع والتسارع في الأمر, والتعاقد والتجاعد والتقاصر في النهي, والتماوت والتعادم والتفاني في القدر, فاشرب هذه الشربة, وتداو بهذا الدواء, وتغذ بهذا الغذاء، تنجح وتشفى, وتعافى من أمراض الذنوب وعلل الأهواء, بإذن الله تعالى إن شاء الله.


رد مع اقتباس