الموضوع: فتوح الغيب
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-17-2011, 01:53 AM   رقم المشاركة : 34
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: فتوح الغيب

بسم الله الرحمن الرحيم

المقالة السابعة والعشرون

فـي أن الـخـيـر و الـشـّـر ثـمـرتـان


قـال رضـي الله تـعـالى عـنـه و أرضـاه : أجعل الخير والشر ثمرتين من غصنين من شجرة واحدة، أحد الغصنين يثمر حلوا والآخر مراً، فاترك البلاد والأقاليم ونواحي الأرض التي يحمل إليها هذه الثمار المأخوذة من هذه الشجرة، وابعد منها ومن أهلها واقترب من الشجرة وكن سائسها وخادمها القائم عندها، وأعرف الغصنين والثمرتين والجانبين، فكن إلى جانب الغصن المثمر حلواً، فحينئذ يكون غذاؤك وقوتك منها، واجتنب أن تقدم إلى جانب الغصن الآخر فتأكل من ثمرته فتهلك من مرارتها، فإذا دمت على هذا كنت في دعة وأمن وراحة وسلامة من الآفات كلها، إذ الآفات وأنواع البلايا تتولد من تلك الثمرة المرة، وإذا غبت عن تلك الشجرة وهمت في الآفاق وقدم بين يديك من تلك الثمرتين وهى مخلطة غير متميزة الحلوة من المرة هنا فتناولت منها، فربما وقعت يدك على المرة فأدنيتها من فيك فأكلت منها جزءاً ومضغته، فسرت المرة إلى أعماق لهواتك وباطن حلقك وخياشيمك، فعملت فيك وسرت في عروقك وأجزاء جسدك فهلكت بها، ولفظك الباقي من فيك وغسل أثره لا ينفع لا ويدفع عنك ما قد سرى في جسدك ولا ينفعك، وإن أكلت ابتداء من الثمرة الحلوة وسرت حلاوتها في أجزاء جسدك وانتفعت بها وسررت فلا يكفيك ذلك، فلابد تتناول غيرها ثانياً، فلا تأمن أن تكون الثانية من المرة فيحل بك ما ذكرته لك، فلا خير في البعد عن الشجرة والجهل بثمرتها والسلامة في قربها والقيام معها، فالخير والشر بفعل الله عزَّ وجلَّ، والله هو فاعلهما ومجريهما. قال الله عزَّ وجلَّ : }وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ{.الصافات96. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (الله خلق الجازر وجزوره) وأعمال العباد خلق الله عزَّ وجلَّ وكسبهم. قال تعالى : }ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{.النحل32. سبحانه ما أكرمه وأرحمه أضاف العمل إليهم وأنهم استحقوا الدخول إلى الجنة بعملهم، وهو بتوفيقه ورحمته لهم في الدنيا والآخرة.


قال صلى الله عليه وسلم : (لا يدخل الجنة أحد بعمله، فقيل له ولا أنت يا رسول الله؟ فقال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته، ووضع يده على رأسه) مروي ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها، فإذا كنت طائعاً لله عزَّ وجلَّ ممتثلاً لأمره منتهياً لنهيه مسلماً له في قدره، حماك عن شره وتفضل عليك بخيره وحماك عن الأسواء جميعها ديناً ودنيا. أما دنيا فقوله تعالى: }كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ{.يوسف24. وأما ديناً فقوله عزَّ وجلَّ : }مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً{. النساء 147. مؤمن شاكر ما يفعل البلاء عنده وهو إلى العافية أقرب من البلاء، لأنه في حمل المزيد أيضاً لأنه شاكر. قال الله عزَّ وجلَّ : }لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ{.إبراهيم7.فإيمانك يطفئ لهب النار في الآخرة التي هي عقوبة كل عاص، فكيف لا يطفئ نار البلايا في الدنيا؟؟ اللهمَّ إلا أن يكون العبد من المجذوبين المختارين للولاية والاصطفاء والاجتباء، فلابد من البلاء ليصفى به من خبث الهوى والميل إلى الطباع، والركون إلى شهوات النفس ولذاتها، والطمأنينة إلى الخلق والرضا بقربهم، والسكون إليهم والثبوت معهم والفرح بهم، فيبتلى حتى يذوب جميع ذلك، ويتنظف القلب بخروج الكل، ويبقى توحيد الرب عزَّ وجلَّ ومعرفته وموارد الغيب من أنواع الأسرار والعلوم وأنوار القرب، لأنه بيت لا يسعه اثنان، قال الله عزَّ وجلَّ : }مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ{.الأحزاب4. وقال تعالى: }إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً{.النمل34. فأخرجوا الأعزة عن طيب المنازل ونعيم العيش، وكانت الولاية على القلب للشيطان والهوى والنفس والجوارح متحركة بأمرهم من أنواع المعاصي والأباطيل والترهات فزالت تلك الولاية فسكنت الجوارح وفرغت دار الملك التي هي القلب وتنظفت الساحة التي هي الصدر. فأما القلب فصار مسكناً للتوحيد والمعرفة والعلم. وأما الساحة فمهبط الموارد والعجائب من الغيب، كل ذلك نتيجة البلايا وثمراتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إنا معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء ثم الأمثل فالأمثل) وقال صلى الله عليه وسلم : (أنا أعرفكم بالله وأشدكم منه خوفاً) فكل من قرب من الملك اشتد خطره وحذره، لأنه في مرأى من الملك لا يخفى عليه تصاريفه وحركاته. فإن قلت: فالخليقة عند الله عزَّ وجلَّ بأجمعهم كشخص واحد لا يخفى عليه منهم شئ، فأي فائدة لهذا الكلام؟

فنقول لك : لما علت منزلته وشرفت رتبته عظم خطره، لأنه وجب عليه شكر ما أولاه من جسيم نعمه وفضله فأدنى الآلتفات عن خدمته تقصير في شكره وذلك نقصان في طاعته. قال الله عزَّ وجلَّ : }يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ{.الأحزاب30. قال ذلك لهن لتمام نعمه عزَّ وجلَّ عليهن باتصالهن بالنبي صلى الله عليه وسلم فكيف من كان مواصلاً بالله عزَّ وجلَّ وقربه، تعالى الله علواً كبيراً عن التشبيه بخلقه }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{.الشورى11. والله الهادي.


آخر تعديل عمر نجاتي يوم 04-18-2022 في 09:55 AM.
رد مع اقتباس