عرض مشاركة واحدة
قديم 10-18-2003, 04:34 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

الزوار


الملف الشخصي








شرح القواعد الأربع في التوحيد

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شرح القواعد الأربع
الكاتب : الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

1شرح القواعد الأربع

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه . وبعد :
فهذا شرح للقواعد الأربع التي ألفها شيخ الإسلام المجدد : محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ، لأنني لم أرَ من شرحها، فأحببت أن أشرحها حسب وسعي وطاقتي .
والله يعفو عما قصرت فيه .
قال المؤلِّف ـ رحمه الله تعالى ـ :
المـــتــــن:
(( بسم الله الرحمن الرحيم .
أسأل الله الكريم ربّ العرش العظيم أن يتولاّك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك مبارَكـًا أينما كنت، وأن يجعلك ممّن إذا أُعطيَ شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإنّ هؤلاء الثلاث عنوان السعادة .
اعلم ـ أرشدك الله لطاعته ـ : أن الحنيفيّة ملّة إبراهيم : أن تعبد الله مخلصـًا له الدين كما قال ـ تعالى ـ { وما خلقتُ الجنّ والإنس إلا ليعبدون } .
فإذا عرفت أنّ الله خلقك لعبادته فاعلم : أنّ العبادة لا تسمّى عبادة إلا مع التوحيد، كما أنّ الصلاة لا تسمّى صلاة إلى مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدتْ كالحدَث إذا دخل في الطهارة .
فإذا عرفتَ أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار عرفتَ أنّ أهمّ ما عليك : معرفة ذلك، لعلّ الله أن يخلّصك من هذه الشَّبَكة، وهي الشرك بالله التي قال الله فيه : { إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } )) .
الشـــرح:
هذه (( القواعد الأربع )) التي ألّفها شيخُ الإسلام محمد بن عبد الوهّاب ـ رحمه الله ـ .
وهي رسالة مستقلّة، ولكنها تُطبَع مع (( ثلاثة الأصول )) من أجل الحاجة إليها لتكون في متناوَل أيدي طلبة العلم .
و ( القواعد ) جمع قاعدة، والقاعدة هي : الأصل الذي يتفرّع عنه مسائلُ كثيرة ـ أو فروعٌ كثيرة ـ .
ومضمون هذه القواعد الأربع التي ذكرها الشيخ ـ رحمه الله ـ : معرفة التوحيد ومعرفة الشرك .

وما هي القاعدة في التوحيد ؟، وما هي القاعدة في الشرك ؟، لأنّ كثيرًا من الناس يتخبّطون في هذين الأمرين، يتخبّطون في معنى التوحيد ما هو ؟، ويتخبّطون في معنى الشرك، كلٌّ يفسّرهما على حسَب هواه .
ولكن الواجب : أننّا نرجع في تقعيدنا إلى الكتاب والسنّة، ليكون هذا التقعيد تقعيدًا صحيحـًا سليمـًا مأخوذًا من كتاب الله وسنّة رسوله ، لاسيّما في هذين الأمرين العظيمين ـ التوحيد والشرك ـ .
والشيخ ـ رحمه الله ـ لم يذكر هذه القواعد من عنده أو مِنْ فكره كما يفعل ذلك كثيرٌ من المتخبِّطين، وإنما أخذ هذه القواعد من كتاب الله ومن سنّة رسول الله وسيرته .
فإذا عرفت هذه القواعد وفهمتها سهُل عليك بعد ذلك معرفة التوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه ومعرفة الشرك الذي حذّر الله منه وبيّن خطره وضرره في الدنيا والآخرة . وهذا أمرٌ مهمّ جدًّا، وهو ألزم عليك من معرفة أحكام الصلاة والزكاة والعبادات وسائر الأمور الدينيّة، لأن هذا هو الأمر الأوّلي والأساس، لأنّ الصلاة والزكاة والحج وغيرها من العبادات لا تصحّ إذا لم تُبنَ على أصل العقيدة الصحيحة، وهي التوحيد الخالص لله ـ عزّ وجل ـ .
وقد قدّم ـ رحمه الله ـ لهذه القواعد الأربع بمقدِّمة عظيمة فيها الدعاء لطلبة العلم، والتنبيه على ما سيقوله، حيث قال :
(( أسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم أن يتولاّك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك مبارَكـًا أينما كنت، وأن يجعلك ممّن إذا أُعطي شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإنّ هذه الثلاث هي عنوان السعادة )) .
هذه مقدّمة عظيمة، فيها دعاءٌ من الشيخ ـ رحمه الله ـ لكلّ طالبِ علم يتعلّم عقيدته يريد بذلك الحق، ويريد بذلك تجنُّب الضلال والشرك، فإنه حَرِيٌّ بأن يتولاه الله في الدنيا والآخرة .
وإذا تولاّه الله في الدنيا والآخرة فإنه لا سبيل إلى المكاره أن تصل إليه، لا في دينه ولا في دنياه، قال ـ تعالى ـ : { الله وليّ الذين آمنوا يُخرجهم من الظّلمات إلى النور والذين كفروا أولياءهم الطاغوت }، فإذا تولاّك الله أخرجك من الظّلمات ـ ظلمات الشرك والكفر والشُّكوك والإلحاد ـ إلى نور الإيمان والعـلم النافع والعمل الصالح، { ذلك بأنّ الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم } .
فإذا تولاّك الله برعايته وبتوفيقه وهدايته في الدنيا وفي الآخرة، فإنّك تسعد سعادة لا شقاء بعدها أبدًا، في الدنيا يتولاّك بالهداية والتوفيق والسير على المنهج السليم، وفي الآخرة يتولاّك بأن يُدخلك جنّته خالدًا مخلَّدًا فيها لا خوف ولا مرض ولا شقاء ولا كبَر ولا مكارِه، هذه وَلاية الله لعبده المؤمن في الدنيا والآخرة .
قال : (( وأن يجعلك مبارَكـًا أينما كنت )) إذا جعلك الله مباركـًا أينما كنت فهذا هو غاية المطالب، يجعل الله البركة في عمرك، ويجعل البركة في رزقك، ويجعل البركة في علمك، ويجعل البركة في عملك، ويجعل البركة في ذريّتك، أينما كنت تصاحبك البركة، أينما توجّهت، وهذا خيرٌ عظيم، وفضلٌ من الله ـ سبحانه وتعالى ـ .
قال : (( وأن يجعلك ممّن إذا أُعطيَ شكر )) خلاف الذي إذا أُعطي كفر النعمة وبطِرها، فإنّ كثيرًا من الناس إذا أُعطوا النعمة كفَروها وأنكروها، وصرفوها في غير طاعة الله ـ عزّ وجل ـ، فصارتْ سببـًا لشقاوتهم، أما مَن يشكُر فإنّ الله يزيده : { وإذْ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنّكم }، والله ـ جلّ وعلا ـ يزيد الشّاكرين من فضله وإحسانه . فإذا أردّت المزيد من النعم فاشكر الله ـ عزّ وجل ـ، وإذا أردتّ زوال النعم فاكفُرها .
قال : (( وإذا ابتُلي صبر )) الله ـ جلّ وعلا ـ يبتلي العباد، يبتليهم بالمصائب، يبتليهم بالمكارِه، يبتليهم بالأعداء من الكفّار والمنافقين، فيحتاجون إلى الصبر وعدم اليأس وعدم القنوط من رحمة الله، ويثبُتون على دينهم، ولا يتزحزحون مع الفِتَن، أو يستسلمون للفتن، بل يثبُتون على دينهم، ويصبرون على ما يقاسون من الأتعاب في سبيلها، بخلاف الذي إذا ابتُلي جزِع وتسخّط وقنِط من رحمة الله ـ عزّ وجل ـ فهذا يُزاد ابتلاء إلى ابتلاء ومصائب إلى مصائب، قال صلى الله عليه وسلم : (( إنّ الله إذا أحبّ قومـًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فعليه السخط ))، (( وأعظم الناس بلاءً : الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل ))، ابتُلي الرسل وابتُلي الصدِّيقون وابتُلي الشهداء وابتُلي عباد الله المؤمنون، لكنهم صبروا، أما المنافِق فقد قال الله فيه : { ومن الناس من يعبُد الله على حَرْف } يعني : طرف { فإنْ أصابه خيرٌ اطمأنّ به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسِر الدنيا والآخرة ذلك هو الخُسران المبين }، فالدنيا ليست دائمـًا نعيمـًا وتَرَفـًا ومَلذّات وسُرورًا ونصرًا، ليست دائمـًا هكذا، الله يداوِلها بين العباد، الصحابة أفضل الأمة ماذا جرى عليهم من الابتلاء والامتحان ؟، قال تعالى : { وتلك الأيّام نداولُها بين الناس }، فلْيُوَطِّنِ العبدُ نفسه أنه إذا ابتُلي فإنّ هذا ليس خاصـًّا به، فهذا سبق لأولياء الله، فيوطِّن نفسه ويصبِر وينتظر الفرج من الله ـ تعالى ـ، والعاقِبة للمتّقين .
قال : (( وإذا أذنب استغفر )) أما الذي إذا أذنب لا يستغفر ويستزيد من الذنوب فهذا شقي ـ والعياذ بالله ـ، لكن العبد المؤمن كلّما صدر منه ذنب بادر بالتوبة { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلاّ الله }، { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب }، والجَهالة ليس معناها عدم العلم، لأن الجاهل لا يؤاخَذ، لكن الجهالة هنا هي ضدّ الحِلْم . فكلّ مَنْ عصى الله فهو جاهل بمعنى ناقص الحِلْم وناقص العقليّة وناقص الإنسانيّة، وقد يكون عالمـًا لكنه جاهل من ناحية أخرى من ناحية أنه ليس عنده حِلم ولا ثبات في الأمور، { ثم يتوبون من قريب } يعني : كلّما أذنبوا استغفروا، ما هناك أحد معصوم من الذنوب، ولكن الحمد لله أنّ الله فتح باب التوبة، فعلى العبد إذا أذنب أن يُبادِر بالتوبة، لكن إذا لم يتب ولم يستغفر فهذه علامةُ الشقاء . وقد يقنط من رحمة الله ويأتيه الشيطان ويقول له : ليس لك توبة .

هذه الأمور الثلاث : إذا أُعطي شكر، وإذا ابْتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر هي عنوان السعادة، مَن وُفِّق لها نال السعادة، ومن حُرِم منها ـ أو من بعضها ـ فإنّه شقيّ .
تمت الحلقة الأولى ويليها بمشيئة الله الحلقة الثانية
2شرح القواعد الأربع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه . وبعد :
قال المؤلِّف ـ رحمه الله تعالى ـ :

المتــــن:

(( اعلم ـ أرشدك الله لطاعته ـ : أن الحنيفيّة ملّة إبراهيم : أن تعبد الله مخلِصـًا له الدين كما قال ـ تعالى ـ : { وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون }. فإذا عرفتَ أنّ الله خلقك لعبادته فاعلم : أنّ العبادة لا تسمّى عبادة إلا مع التوحيد، فاعلم : أن العبادة لا تسمّى عبادة إلاّ مع التوحيد، كما أنّ الصلاة لا تسمّى صلاةً إلا مع الطهارة. فإذا عرفتَ أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل، وصار صاحبه من الخالدين في النار؛ عرفتَ أنّ أهمّ ما عليك معرفة ذلك، لعلّ الله أن يخلّصك من هذه الشَّبْكَة وهي : الشرك بالله الذي قال الله ـ تعالى ـ فيه : { إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لِمَنْ يشاء }، وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله ـ تعالى ـ في كتابه )) .

الشــــرح:

قوله: (( اعلم أرشدك الله لطاعته)) . هذا دعاء من الشيخ ـ رحمه الله ـ، وهكذا ينبغي للمعلم أن يدعو للمتعلم .

وطاعة الله معناها : امتثال أوامره واجتناب نواهيه .

وقوله: (( أن الحنيفيّة ملة إبراهيم )) الله ـ جلّ وعلا ـ أمر نبيّنا باتّباع ملّة إبراهيم، قال تعالى : { ثم أوحينا إليك أنِ اتّبع ملّة إبراهيم حنيفـًا وما كان من المشركين } .

الحنيفيّة : ملة الحنيف وهو إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، والحنيف هو : المقبِل على الله المعرِض عمّا سواه، هذا هو الحنيف : المقبِل على الله بقلبه وأعماله ونيّاته ومقاصِده كلّها لله، المعرِض عمّا سواه، والله أمرنا باتّباع ملّة إبراهيم : { وما جعل عليكم في الدين من حرج ملّة أبيكم إبراهيم } .

وملة إبراهيم : (( أن تعبد الله مخلصـًا له الدين )) هذه الحنيفيّة، ما قال : ( أن تعبد الله ) فقط، بل قال : (( مخلصـًا له الدين )) يعني: وتجتنب الشرك، لأنّ العبادة إذا خالطها الشرك بطلتْ، فلا تكون عبادة إلاّ إذا كانت سالمَةً من الشرك الأكبر والأصغر .

كما قال ـ تعالى ـ : { وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } جمع : حنيف، وهو : المخلِص لله ـ عزّ وجل ـ .
وهذه العبادة أمر الله بها جميع الخلْق (( كما قال ـ تعالى ـ : { وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون } ))، ومعنى يعبدون : يُفْرِدوني بالعبادة، فالحكمة من خلق الخلق : أنهم يعبدون الله ـ عزّ وجل ـ مخلِصين له الدين، منهم من امتثل ومنهم من لم يمتثل، لكن الحكمة من خلقهم هي هذه، فالذي يعبُد غيرَ الله مخالِف للحكمة من خلق الخلق، ومخالِف للأمر والشرع .

وإبراهيم هو : أبو الأنبياء الذين جاءوا من بعده، فكلّهم من ذريّته، ولهذا قال ـ جلّ وعلا ـ : { وجـعـلـنـا في ذريّتـه النبوّة والكتاب }، فكلهم من ( بني إسرائيل ) ـ حفيد إبراهيم عليه السلام ـ، إلا محمدًا صلى الله عليه وسلم فإنه من ذريّة إسماعيل، فكلّ الأنبياء من أبناء إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، تكريمـًا له . وجعله الله إمامـًا للنّاس ـ يعني : قدوة ـ : { قال إني جاعلُك للناس إمامـًا } يعني : قدوة، { إن إبراهيم كان أمّة } يعني : إمامـًا يُقتدى به . وبذلك أمـر الله جميع الخلق كما قال ـ تعالى ـ : { وما خلقتُ الجنّ والإنس إلا ليعبدون }، فإبراهيم دعا الناس إلى عبادة الله ـ عزّ وجل ـ كغيره من النبيّين، كلّ الأنبياء دعوُا الناس إلى عبادة الله وترْك عبادة ما سواه، كما قال تعالى : { ولقد بعثنا في كلّ أمة رسولاً أنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } .


رد مع اقتباس